عصا المصريين ( 7 ) .. المذيع الثور
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
أثناء الثورة – و بعدها – حققت برامج التوك شو انتشارا واسعا ، و أصبح لكل قناة برنامجها الذى يصرخ فيه المذيع طوال الليل محاولا فض الخناقات و الاشتباكات بين ضيوفه – و هو يزيدها اشتعالا من طرف خفى – فبقدر الخناقات و عنفها ، و على قدر التجاوز فى الألفاظ المتبادلة بين الضيوف ، يحرر المعلنون الشيكات للقنوات ، و يتحدد أجر المذيع بناء على شهرته فى تأجيج الخلافات . و بدلا من أن تصبح تلك البرامج ساحة لتبادل الأفكار و النقاش العقلى تحولت الى ساحات لمصارعة الثيران ، فالمذيع يوميا يستضيف ثورا و مصارع أو عدة مصارعين و يجلس المشاهدون ليستمتعوا بالدم المراق من الطرفين . فقد المصريون ( العصا ) و تحولت أحاسيس الكبت و القهر خلال سنوات عشر – على الأقل – إلى طاقة عدوانية ، و وجدوا تفريغا لها فى تلك البرامج .
من بين مذيعى تلك البرامج من تلبّس دور الثور لينطح و يناطح الجميع على الهواء حكاما و محكومين ، حكومة و معارضة . و وجد المصريون في حديثه قليلا من السخرية التى افتقدوها ، و لكنه لم يكن يقصدها فربما كانت اللهجة الريفية إلى جانب العفوية و التلقائية التى قد تصل إلى حد السذاجة ، مضافا إليها خبثا ريفيا أصيلا يظهر متواريا أحيانا و مكشوفا فى معظم الأحيان ، كونت كلها مواصفات للمذيع قربته من صورة تعيش فى الذاكرة الجمعية للمصريين ، إنها صورة الفلاح الفصيح . و لكن بدلا من أن يكون لسان المصريين فى السخرية صار هو مادة لها ، و بدلا من أن يصبح الفلاح الفصيح الذى يعبر عنهم صار الفلاح الصفيح ، تصفعه فيصدر أعلى الأصوات و كأنه أسد هصور ، تدق عليه فينثنى فى سرعة و سهولة . و لذا أخذ المصريون فى السخرية منه لكثرة أخطائه و أحاديثه المخلوطة و المغلوطة ، و إطلاقه للحديث على عواهنه ، لكن البعض أحبه لأنه كان – على الأقل – مجرد بسمة فى بحر البكاء.
مذيع آخر كان أكثر ذكاء و أعمق ثقافة ، يملك القدرة و الموهبة على السخرية ، و لكنه للاسف لم يستغل كل مواهبه فى هذا الاتجاه ، إنه الصحفى و الروائى ( ابراهيم عيسى ) الذى طالما قدم لمحات ساخرة كثيرة فى برامجه ، و لكن أكثر برامجه سخرية تلك التى قدمها عن انتخابات رئاسة الجمهورية و أطلق فيها لقب ( الاستبن ) على المرشح ( محمد مرسى).
كانت روح السخرية تسيطر على هذا البرنامج بشكل أكبر من كل برامج ( إبراهيم عيسى ) السابقة و استفاد من تلك الروح فى التفرد و التميز عن باقى البرامج ، هاهو يملأ الصورة التليفزيونية بإطارات السيارات فى حلقته عن مرشح الإخوان للرئاسة ( محمد مرسى )، و فى حلقة أخرى يملأها بلعب أطفال عبارة عن طائرات فى حلقة المرشح الرئاسى الخصم ( احمد شفيق )، و هو ما مثل شكلا جديدا على برامج التوك شو.
فى مقابل روح السخرية تلك ، حاولت ( جماعة الاخوان المسلمين ) أن تظهر بمظهر عصرى يجذب لها اتباعا جدد أو على الأقل يخفف من غلواء ( النخبة و المثقفين و الليبراليين ) فى العداء للجماعة و أفكارها ، و بعد أن نجحت فى ضم عناصر كثيرة من عاصرى الليمون ، حاولت أن ( تستخف دمها ) و تستخدم السخرية لتحطيم أعدائها ، و أطلقت بعضا من أقلام و ضيوف فى برامج تحاول حمل (عصا المصريين) لا ليهشوا بها على الغنم و إنما ليهشوا بها الغنم نفسه ، و الفرق كبير ، فالهش على الغنم هو تحريك غصون الأشجار لتسقط ورقها فتأكل منه الأغنام ، أما هش الأغنام فهى أن تسوقهم أنى شئت . و الحقيقة أنهم تمتعوا بثقل ظل لا مثيل له و كأنهم لا ينتمون لهذا الشعب الذى أتقن السخرية و أجاد فن الضحك . و كانت كتاباتهم و أحاديثهم فى البرامج تجافى روح المصريين.
تدفقت الإعلانات على برامج التوك شو ، فالمصريون يجلسون أمامها طوال الليل ، و بعد أن كان لكل محطة برنامج أساسى سرعان ما أنشئت محطات من أجل برامج طمعا فى الحصول على حصة من وجبة الإعلانات ، و بعد أن كانت مجموعة قليلة من المذيعين تتناوبهم المحطات صار كل من هب و دب صاحب برنامج .
بعد قليل اكتشف المصريون اللعبة ، و بدأت ضحكاتهم تتجلى فى السخرية من تلك البرامج و من هؤلاء الضيوف ، و انتشرت على اليوتيوب عشرات البرامج الساخرة من التوك شو و ضيوفه و الآراء التى تقال فيه و خناقاته ، فلقد ساعدت شبكات التواصل فى أن يصبح لكل من يريد برنامجه الخاص أيضا !! و أصبح هناك برامج ثابتة يقدمها نجوم لا يعرفهم إلا مشاهد النت . لعل كان أبرزهم ( باسم يوسف ).