كلام x الإعلام (1)
بقلم : على عبد الرحمن
أنا لست صحفيا، ولا مدعي صحافه، ولكني محب لها، دارس لفنونها ومتابع لأمورها، إعلامي بحكم الدراسه وسنين العمل والعمر، ولما كانت قناعتي أن إعلامنا هو صوت الوطن وإيماني بأن الإعلام أمانة وأن الكلمة شرف وأن الوطن مسئولية، وأننا أناس بنحب مصر وأن إعلامنا مركزي خلا من مخاطبة وطرح هموم وطوحات أطراف الوطن، وأننا نتعرض يوميا للعائشون تفاهة والناطقون نفاقا والصائحون إعلاما والباذلون تملقا، ولأننا إخوة في الوطن وشركاء في المسئولية ونحن المجاهدون عيشا والعائشون أملا فان مفردات المشهد الإعلامي لاتلبي حاجة المواطن ولا تطلعات الوطن.
فلا يوجد بلد تحت الشمس يمتلك هذا العدد من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، كما لايوجد بلد لديه هذه المسميات من مجالس وهيئات واتحادات ونقابات وجمعيات مجتمع مدني ذات صله بالإعلام، ناهيك عن هذا الكم من القوانين والتشريعات المتراكمة ذات الصله بالإعلام، كما أن معظمنا أصبح إعلاميون، فمن يتابع الاعلام فهو إعلامي، ومن يتحدث فيه فهو إعلامي، ومن يمر أمام مؤسسه إعلاميه فهو إعلامي، ومن له قريب في الإعلام فهو إعلامي حتي أصبحنا جميعا إعلاميون في مجتمع يبعد كثيرا عن أصل الإعلام وجوهره.
ولما كانت تجربتنا الأخيره هى الاستحواذ علي مصادر الإعلام والاعلان والإنتاج وصناعة الأخبار وتوزيعها، ولما كان المشهد الحالي لايرضي أطراف العمليه الإعلاميه فلا القيادة راضية كليا عن الأداء الإعلامي، ولا الحكومة أيضا تبارك خطوات الإعلام ولا المواطن راض عن إعلام وطنه ولا خبراء الإعلام وصناعه راضون عنه أيضا، حتي منتسبي المجتمع المدني لايحبذون كثيرا إعلام اليوم.
وهكذا يسير مشهدنا الإعلامي بشقيه الرسمي والمستقل، ورغم التشريعات والهيئات والقنوات، فلم يترك كل ذلك الأثر المنشود في مشهدنا الإعلامي، ورغم ضخامة ماينفق ورغم الفرص المتاحه من استحواذ على كل مفردات ومصادر العمل الإعلامي فمازال المشهد بعيدا عن المأمول، فلا خطط استراتيجيه ولاتنوع في المحتوي ولا رسائل قوميه ولا تعبيرا يلائم قيمة وقامة هذا الوطن ولا تعبيرا عما يحدث بالداخل ولا ردا على مايقارب بالخارج، ولا هدف داخلي أو خارجي نسعي خلفه ولا انعكاس صادق لمجتمع يتغير.
ويظل الوضع طويلا هكذا، فلما لانسمع عن لجنة قوميه لوضع استراتيجيات الإعلام، ولا لجنة متخصصه لصياغة رسائل الداخل والخارج، ولا أحد يحدد خطط الإنتاج وأماكن تصويره دعما لمنجزات الوطن وسياحته وتاريخه، ولا أحد يرصد إعلام الآخر ويرد عليه بمهنية، ولا ربطنا مصرنا بأبنائها في الخارج ولا أعطينا العيش لخبازه وتركنا المشهد مكررا، صائحا، بلا خطة ولاهدف.
وأصبح القائمون علي المشهد يسيرون به إلى حيث لانعلم رغم أن هذا الوطن بكوادره يستحق إعلاما واعيا، متنوعا، يقظا، متجولا في أرجائه، ليس متقوقعا في عاصمته متاحا لاطيافه ليس قاصرا علي وجوهه يسير حيث يريد، ولا يتحرك بقوة الدفع، ينتج مايعيد القوة الناعمة لمصر، ومايجمع المواطنين أمام إعلامهم وما يرد عن الوطن غيبته ومايعوض ماينفق عليه، إعلام العائشون أملا والساهرون انتظارا لغد أفضل في وطن كوطننا مع إعلام غير إعلام اليوم.
وحتي لا يغضب منا أحد من زملاء المشهد أو متابعيه، فإن الهدف الأسمي هو إعلام كامل الأهليه لديه فكر ورؤى يعلم مايحدث بالداخل ومايحاك بالخارج وما يمني الوطن والمواطن، لأن إعلام الشتائم والفضائح والردح على الهواء وإعلام الطبخ والرجيم وتفسير الأحلام وفك السحر لايدفع وطنا للامام ولايشبع رغبة مواطن متطلع لغده ولايرد كيد خائن فالناظر خلفه في إعلام الأمس يجده سباقا، رائدا، منتجا، داعما لقوة وطنه الناعمه، قليل التكلفة، كثير الخبرات، متعدد الخطط، أما إعلام اليوم فقد ترك الداخل يلهث وراء ماينجز والخارج وراء مايشاع.
والقوة الناعمه تصارعها قوي أخري وريادة علاها تراب الزوال وإنتاجا من دول أخري تعظم دورها وتاريخها رغم ضآلته، فمنذ سنوات الترهل الإعلامي وتفاهة المحتوي لم نفق من غفلتنا، رغم أن الفرص سانحه لإعلام وطني تنموي، ملتحم بشعبه، متغلغلا في ربوعه، معظما لامكاناته، متطلعا لغده، رادعا لاعدائه، طارحا لمقوماته، جامعا لروافد ثقافته، محافظا علي ملامح هويته، ملتقي لخبراته في عصف ذهني مخلص لما ينبغي أن يكون عليه صوت الوطن الأغر بين أصوات الغربان في خرابات العداوة.
حتي يكون لنا رساله ويكون لنا إنتاجا ويصبح عندنا تنوعا وتغدو لدينا حالة من الرضي تسحبنا إلى الفخر بصوت بلدنا الواعي وسط أصوات العالم الداعمة لأوطانها، المحركه لشعوبها، المحققه لطموحها، الطارحه لهومها، الباحثه عن حلولها في وطن نحيا فيه ويحيا فينا، مصر الجديدة بإنجازاتها وبمهنية إعلامها، وللحديث بقايا كثيره من أجل الوطن المستحق لكل عطاء.