ليلى علوي.. أيقونة الفن شاغلة القلوب
بقلم : محمد حبوشة
يبقى لجمال الروح المقياس الحقيقي والأساسي للمرأة، لكن ذلك لن يتحقق في الواقع إلا بأن تملك تلك المرأة عقلا ذكيا راجحا وتفكيرا متفتحا، وفوق هذا وذاك لابد أن يكون لها قلبا مليئا بالطيبة والمحبة التي يكسوها سلام داخلى نابع من ضمير حي، فالمرأة هى كيان قبل أن تكون جسد، روحا وشخصية تؤثر وتتأثر، سواء كانت قبيحة أم فاتنة الجمال، لكن: هل حقا لابد للمرأة أن تكون جميلة حتى يألفها الرجل؟، والجمال الذي أعنيه هنا هو جمال الملامح وتناسقها، شكل العيون، شكل الوجه، رشاقة القوام.. إلخ، ولامانع أبدا إذا اجتمعت تلك الصفات جميعها كما اجتمعت في النجمة شاغلة القلوب (ليلى علوى)، جميلة الجميلات روحا وخلقا وحضورا طاغيا آسرا للعقول قبل القلوب، ولكن يبقى الأهم في شخصيتها الآسرة تلك هو الروح، ولابأس باهتمام المرأة بشكلها فهذا ليس عيبا، بل على العكس تماما فهذا يزيدها أنوثة ورقة، وبالتالي يكسبها جمالاً أكثر وأكثر.
(ليلى علوى) ليست نجمة تستطيع أن تخطف الأنظار بمجرد كشفها عن أي صورة جديدة لها فحسب بسبب إطلالتها المميزة، كما ظهرت قبل أيام بفستان أبيض يعكس رقتها ودلالها ورونقها الأصيل، لأنها باختصار تختار إطلالتها بعناية فائقة، لكن اللافت للانتباه أكثر هو أنها دائما وأبدا تزين تلك الإطلالات بروحها المرحة والمحبة للحياة، وخاصة أنها تتمتع بجمال مصري يلفت الأنظار من الوهلة الأولى، ودائمًا صورها تلفت الرجال والسيدات – كما حدث في الترند الذي تصدرته قبل أيام – وربما هذا ما يفسر لنا سر احتفاظها بجمالها بمرور السنوات، فلا يمكنك أن تفرق بين صورها في الوقت الحالي، وفي شبابها ومراهقتها سوى بتغيرات بسيطة في قصة الشعر أو طريقة الملابس، أو تلك الألوان التي تميل في أغلبها إلى درجات الألوان الفاتحة التي تنم عن شفافية مطلقة.
هى فنانة رقيقة بسيطة للغاية، ورغم تلك البساطة التي تغلف شخصيتها المرحة بشكل لافت للنظر فيبدو في عينيها سحرا غامضا لن تكشف سره إلا بالاقتراب منها أكثر، ويرجع ذلك لكونها من الفنانات المتميزات سينمائيا والمتألقات تلفزيونيا، وحتما سوف ينتابك شعور دفين بالحنين لها مسرحيا بما قدمته من روائع، فقد تربعت ليلى علوى فوق عرش النجومية والجمال، ومن ثم احتلت مساحة كبيرة من أحلامنا وخيالنا الطامح نحو الحب العذري، ومن فرط تأثيرها عبر بريق عينيها الآخاذ لقبت بـ (قطة الشاشة) الجميلة، وهى بالفعل (حبة كرز) السينما المصرية وفاتنة الدراما التليفزيونية بلا منازع حتى الآن، وعلى مدار مشوارها يبدو ملحوظا أنها تفكر بتأن شديد في خطواتها الفنية، وتبحث في كل عمل عن ملامح قريبة منها ومن مشاعرها المتأججة التي تجلب للجمهور سعادة وبهجة نابعة من روحها النقية وفطرتها الطيبة.
تتألق (ليلى علوى) في كل يوم يمر عليها، سواء كانت تحت الأضواء أوبصحبة الأضواء الكاشفة والشهرة والنجومية، حتى أننا حين نتذكر (ليلى) في بدايتها فسوف نلحظ تطورا ملحوظا يبدو عليها من شخصية إلى أخرى تلعبها على الشاشة أو الخشبة، فقد كانت نقطة إنطلاقتها الفنية مع فيلم (البؤساء)، وبعده بدأت الرحلة الطويلة، وتدرج حضورها من مجرد وجودها كعنصر جمالي يعتمد على الشكل والملابس إلى معنى ورمزا يواكب التطورات المجتمعية التي تحدث في الساحة الثقافية والفنية المصرية، وقد يرى البعض إنها في السنوات الأخيرة كانت مقلة إلى حد ما، تختفي وتظهر كل فترة تاركة لنا عملا يدفعنا إلى السؤال أين أنت يا ليلى؟
(ليلى علوي) كشفت مؤخرا عن سر جمالها، حيث إنها تبدأ يومها بشرب قهوة باللبن، وبعدها بساعة تشرب عصير خليط من البقدونس والطماطم والجرجير والخيار والرمان، وتمارس رياضة المشي أو السباحة، وتحرص على تناول المياه بكثرة 6 لترات مياه، وفي بعض الأحيان تضع شرائح البرتقال أو الطماطم في المياه حتى تستطيع شرب المياه باستمرار، وكشفت عن سر نضارة وجهها حيث قالت إنها تستخدم ماسك الزبادي بالثوم، والخيار والبقدونس، وتستخدم للشعر ماسك جوز الهند مع الثوم وقطعه من الزبدة.
وعلى الرغم من كل هذا البرنامج الصارم الذي تحرص عليه (ليلى) فإن بريق عينيها يكمن فيهما كل مواطن السحر والجمال الذي يعكس صفاء الروح، والعين كما يقولون هى مرآة الإنسان ومفتاح لشخصيّته؛ ففيها يظهر الحب والعداوة والحقد والبغضاء والحسد وسائر المشاعر الإنسانيّة على اختلافها، ومنها ينفذ الناس إلى مكمن الجمال في شخصيّة صاحبة العيون، فكان الشعراء يكثرون من التغزل بالعيون لأنها من مصادر الجمال في وجه المرأة، فتشكل مع الأجفان والحواجب والرموش الجزء الأكثر جاذبية في وجه المرأة، وأمام هذا الجمال والسحر كله أبدع العرب في ابتكار معان جديدة وتوليد معان مختلفة فيها من الإبداع والبلاغة ما لا حصر له في دواوين الشعراء العرب، حيث كان الشاعر يأخذ مظهرا جماليا لمحبوبته ويسمو به إلى الخيال ليجيء بمعنى لم يسبقه إليه أحد، وليأسر به قلوب قرائه.
عندما نبحث في جذور مراحل التكوين الأساسي لشخصية (ليلي علوى) فسوف نكتشف أنها كانت نتاجا طبيعيا لعلاقة حب ربطت بين قلبين عاشقين للفن، حين نشأت في حي عابدين العريق بقلب القاهرة.. حيث بقايا القصور التي كانت تعانق الحدائق والمآذن التاريخية القديمة الرائعة تشق عنان السماء، فقد شهدت بداية الستينات من القرن العشرين قصة حب أسطورية بين الشاب الوسيم (أحمد علي علوي)، الموظف في شركة مصر للسياحة، و(ستيلا) تلك الفتاة اليونانية الحسناء، مقدمة البرنامج الأوروبي بالإذاعة المصرية، كانا جارين بمنزلين أمام قصر عابدين – الذي كان آخر مقر لحكم العائلة العلوية في مصر – كانا يعشقان السينما والموسيقى والمسرح والشعر، فلم يكن هناك حفل موسيقي يتخلفان عن حضوره، أو مسرحية إلا ويتوجهان لمشاهدتها مع أول يوم لعرضها، أو فيلم إلا ويذهبان لرؤيته في أول حفلة سينما له، ولم يصدر ديوان شعر إلا وقرآه معاً.
واللافت للنظر في قصة حب (أحمد وستيلا) أنه سريعاً ما توج هذا الحب بزواج، ليقيما في شارع (شامبليون) في وسط القاهرة حيث مركز الفن، ورزقا بفتاتين جميلتين، وكان طبيعيا أن يسحباهما معهما إلى مشاهدة أفلام السينما وعروض الأوبرا، لكنهما لم يكونا يعلمان أن طقوسهما الحياتية تلك ستكون نتيجتها أن الطفلة الأولى (لمياء) ستتجه للتمثيل، لكنها ستودعه سريعاً من أجل الزواج والارتباط، والطفلة الثانية (ليلى) ستشق طريق الفن بقوة لتصبح فيما بعد علامة من علامات السينما المصرية والدراما العربية، وأكثر النجمات شهرة وإثارة طيلة ثلاثة عقود تقريبا، لتطاردها الألقاب من قطة السينما إلى تفاحتها وغيرها من ألقاب تليق بكل مرحلة في حياتها الفنية الثرية والمتنوعة.
كان طبيعيا جدا أن تتأثر الطفلة (ليلى) بتلك الأجواء الفنية التي تحيطها من جانب والدها ووالدتها حتى تولد في خيالها حلم بأن تصير راقصة باليه .. ولقد ظهرت شخصيتها المشاغبة الحالمة منذ أن بدأ وعيها يتشكل يوما تلو الآخر، فكانت تعيش بين العرائس، وتصنع حكاياتها الخاصة مع شقيقتها، وتمثل الطفلة المعجونة بالموهبة مشاهد الأفلام التي تذهب لرؤيتها مساء كل يوم خميس مع العائلة، وفجأة انهار كل شيء عندما كانت في التاسعة من عمرها عندما انفصل والداها في هدوء فتغيرت الحياة تماماً، فقد تحملت الأم مسؤوليتهما بمفردها، وكان عليها أن تظهر قوية لتربية الفتاتين الصغيرتين.
وبحكم عمل الأم في الإذاعة المصرية، كانت تصحب (ليلى) معها في أثناء عملها، وسرعان ما شاركت كطفلة في برنامج (حواديت) بإذاعة الشرق الأوسط، ثم مع (أبله فضيلة) في برنامجها الشهير جداً، وبعدها في برنامج (عصافير الجنة) مع الفنانة والمذيعة الكبيرة (نجوى إبراهيم)، وبعد أن كبرت قليلا في مدرسة (الفرنسيسكان) للراهبات (القسم الفرنسي)، حيث كان لها نشاط كبير في الحفلات وفي المسرح المدرسي، حتى رشحها المخرج (محمد كامل) للعمل في مسلسل (دمعة ألم) لتلعب دور ابنة العملاق محمود مرسي، وفي اليوم الأول عجزت عن التمثيل واحتبس صوتها، وظنوا أنها مريضة، وقال الطبيب الذي استدعي للاستوديو للكشف عليها إنها تعاني حالة نفسية، وعندما عادت للمنزل قالت لأمها (لن أمثل) فردت عليها ببرود (هذا شأنك ولكن يجب أن تكوني قوية).
في اليوم التالي تعهدها (محمود مرسي) بنفسه وعلمها التمثيل بتلقائية، وأشرف على أدائها، ولم يكد ينتهي عرض المسلسل على التلفزيون المصري حتى صارت (ليلى علوي) معروفة حتى أنها لقبت بالممثلة الصغيرة، التي تلقفها (جلال الشرقاوي) فيما بعد وقدمها في مسرحية (8 ستات) بطولة الفنانة الكبيرة هدى سلطان، وشقت طريقها للشهرة، بعد أن رشحتها (ناهد فريد شوقي) صديقتها وابنة هدى سلطان، للمخرج الراحل عاطف سالم الذي كان يستعد لتصوير فيلم (البؤساء)، فاقتنع بها، لتجد نفسها فجأة تمثل دوراً رئيسياً أمام قمم الفن، وحش الشاشة فريد شوقي، وفنان الشعب الكبير يوسف وهبي، والعملاق عادل أدهم.
وعلى تترات شريط الفيلم جاء اسمها بعد سبعة أسماء في إعلان عن ميلاد نجمة واعدة، ولم تمر أيام حتى تضاعفت شهرتها، حيث زاد الإقبال عليها فشاركت في بطولة 20 فيلماً تقريباً في أقل من عامين وانطلقت (ليلى علوى) بعد ذلك إلى التلفزيون والمسرح، وشاركت مع (نور الشريف) في مسرحية (بكالوريوس في حكم الشعوب) ليزداد بريق نجوميتها وشهرتها.
في عام 1985، أعاد تقديمها وصقلها (محمد خان) في فيلم (خرج ولم يعد) فأظهرها من دون ماكياج، ترتدي جلبابا فلاحيا.. تغسل الحمار، وتحلب البقرة .. ومن هنا ظهرت للتو موهبة التمثيل الحقيقية التي لا تعتمد على جمال الوجه، وعرض الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية، ونالت عنه أول جائزة كأحسن ممثلة من مهرجان قرطاج السينمائي لينتبه لها كل المخرجين الكبار وتصير أيقونتهم المبهجة جاذبة الجمهور نحو شباك التذاكر، ومن ثم شاركت في أهم أفلام السينما المصرية، لقد صارت نجمة شباك في (المغتصبون – 1989) للمخرج سعيد مرزوق، ويرجع ذلك إلى أن قصة الفيلم حقيقية حيث هزت الرأي العام في مصر والتي عرفت وقتها باغتصاب فتاة المعادي التي اختطفها ستة وحوش من خطيبها واغتصبوها، وحقق الفيلم نجاحا ضخما جداً.
ومن بعد المغتصبون تجاوزت شهرتها العالم العربي حينما قدمت (المصير – عام 1997) ليوسف شاهين، وقد اجتهدت كثيرا وعملت بهمة ونشاط كأنه عمل العمر – هنا يبرز ذكاء الموهبة – لدرجة أنها أثناء تصوير مشاهده في سوريا، جاءها خبر وفاة والدها في حادث سيارة، فحجز لها شاهين مقعداً على أول طائرة متجهة الى القاهرة، وحضرت الجنازة، وعادت في اليوم التالي الى سوريا، لتقف أمام الكاميرا بأحزان صامتة، لتسير بالنهاية فوق سجادة مهرجان (كان) السينمائي الدولي، وينافس الفيلم على السعفة الذهبية،
فضلا عن ذلك فهناك أعمال سينمائية كثيرة تحسب ليلى علوى في سجل السينما مثل (الحجر الداير، إنذار بالطاعة، إشارة مرور، حلق حوش، تفاحة، إضحك الصورة تطلع حلوة، باحب السيما، غرام الأفاعي، حب البنات، ألوان السما السبعة، ليلة البيبي دول، الماء والخضرة والوجه الحسن) وغيرها من أعمال تشكل علامات مهمة في السينما المصرية.
أما بالنسة للتليفزيون فقد ارتبطت بجمهوره، خاصة في رمضان، وقدمت العديد من الأعمال المهمة نذكر منها (أنف وثلاث عيون، زهرة والمجهول، صيام صيام)، وفي مطلع التسعينات، قدمت (التوءم، حديث الصباح والمساء، تعال نحلم ببكره، بنت من شبرا- 2003)، والأخير أثار ضجة كبيرة، وهو كان مأخوذا عن رواية للكاتب الكبير فتحي غانم، وإخراج جمال عبدالحميد.
تملك عقلا ذكيا راجحا وتفكيرا متفتحا
ومن المفارقات العجيبة التي لابد أن تذكر في مسلسل (بنت من شبرا)، أنه بعد تسويقه للعرض في الكويت والمغرب والعديد من الدول العربية، فاجأ وزير الإعلام المصري وقتها، ممدوح البلتاجي، الجميع، بمنع عرضه في التلفزيون المصري في النصف الثاني من شهر رمضان، وعرضه على لجنتين من الأزهر والكنيسة للموافقة عليه، بدعوى أنه يتعرض للعلاقة بين المسلمين والأقباط، وهو ما قد يهدد الوحدة الوطنية، تلك الأزمة جعلت ليلى علوي تختفي عن الدراما عامين، وبرحيل الوزير البلتاجي وتعيين أنس الفقي مكانه، قدمت مسلسل (نور الصباح)، الذي حقق نجاحاً كبيرا في حينه، ومن بعده كثير من المسلسلات التي تعد من روائع الدراما المصرية مثل (حديث الصباح والمساء)، و(حكايات وبنعيشها – هالة والمستخبي – مجنون ليلى – فتاة الليل – كابتن عفت)، فضلا عن (الشوارع الخلفية، نابليون والمحروسة، فرح ليلى، شمس، هى ودافنشي).
جدير بالذكر أن (ليلى علوي) آمنت طوال حياتها بأن الحب وحده لا يكفي للزواج، لكنها غيرت وجهة نظرها تلك فور أن ارتبطت برجل الأعمال منصور الجمال والذي كانت تجمعه علاقة مباشرة بعائلة رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، محمد حسني مبارك، لا سيما أنه عم خديجة الجمال، زوجة جمال مبارك، وقيل ان الجمال تحدى رغبات آل مبارك وأعلن الزواج بليلى التي يحبها منذ فترة، وهدد بالهجرة باستثماراته من مصر، وأصرت (ليلى) على التمسك بزوجها معلنة أنها ستذهب لأي مكان لتكون فيه بجانبه.. تلك هى روح الشهامة لدى قطة السينما صاحبة الأخلاق الرفيعة والروح الجميلة التي تخلو من ذرة حقد أو حسد أو رياء، فقد عاشت حياتها في هدوء وسكينة انعكست على ملامحها طوال الوقت لتحتفظ بجمالها ورقتها وكأنها تسير على منهج (لامارتين) الذي يقول: (أيُ جمال في الطبيعة يستطيع أن ينافس جمال المرأة التي تحب؟).
إنها مقولة حقيقية جعلت منها (ليلى علوى) دستورا في حياتها فقد أحبت الناس وعشقت تراب وطنها حتى الثمالة، وتفاعلت شخصياتها التي جسدتها في السينما والمسرح والتليفزيون، فمنحتها بريقا وشهرة، ووضعتها في مكانة تليق بها طوال الوقت، وفوق كل ذلك منحتها حب الجماهير التي تفاعلت مع آخر (سيشن) تصوير لها، وكان طبيعيا أن تكون (ترند) لأنها أصبحت أيقونة الفن المصري وشاغلة القلوب بجدارة نابعة من فطرتها الطيبة وصفاء روحها التواقة للحرية.