كان بين الفنانيين زمان علاقة أقرب إلى الأخوة الصادقة، يعيشون طوال أيام التصوير علاقات صداقة بريئة، وزمالة محترمة، بعيدة عن المصالح الضيقة، والمنافع المؤقتة، والشوائب المكدرة، علاقة قائمة على الثقة والمودة والبساطة، أساسها الصدق وفروعها الكلمة الطيبة وإحسان الظن والألفة، لهذا كانوا يجتمعون دائما فى بداية أي فيلم أونهايته ليأخذون مع بعضهم صورة تذكارية أو ” سيلفي” بلغتنا الآن.
كتب : أحمد السماحي
إمرأة بألف رجل ! هذا هو الانطباع الذى يسيطر عليك عندما تنتهي من قراءة سيرة حياة الفنانة الكبيرة (تحية كاريوكا)، التى نحيي ذكراها الـ 21 اليوم الأربعاء 30 سبتمبر، تحية التى بدأت من الصفر، ووصلت القمة بجهدها وذكائها وجدعنتها، إذا فكرت فى شئ وأرادته فإن هذا يعني تحقيقه بالضرورة لأن إراداتها من حديد، وعزيمتها من فولاذ .
واستطاعت أن تكسر قاعدة مهمة جدا ظلت مسيطرة علينا حتى ظهرت هي وأم كلثوم، هذه القاعدة تقول أن المرأة فى تاريخنا ظل وخيال وصدى للرجل، فالمؤرخين لا يتحدثون عنها إلا من خلال رجل أو عن طريق رجل، لكن (تحية) أثبتت إنها تستطيع أن تشارك، تدعو، تفكر، تتقدم ، تبادر، وتساهم بشكل رئيسي فى حياتنا العامة، وفى قضايانا العامة، ثم تعطي المثل بدون رجل فلم تنتظر الدعوة من أحد لكي تبدأ نشاطا وطنيا عاما، وحولت السياسة إلى عمل بسيط يؤديه كل مواطن، لم تعد المرأة هنا تحتاج إلى أن تبرر نفسها مرتين مرة كامرأة، ومرة كمواطنة، لقد سقط الحاجز الذى كانت المرأة تجلس خلفه كإمرأة، وأثبتت أن المرأة لا تستطيع أن تكون مواطنا محايدا فى القضايا العامة، إنها يجب أن تتصدر الصفوف.
أم كلثوم وكاريوكا
ربطت بين (أم كلثوم وتحية كاريوكا) علاقة صداقة بدأت فى الثلاثينات واستمرت حتى رحيل كوكب الشرق عام 1975 ، وكان الوسط الفني كله يعرف أن (تحية) من أحب الفنانات إلى قلب (أم كلثوم) وكانت تحية تعتز بهذه الصداقة اعتزازا كبيرا.
وذكرت (تحية كاريوكا) في حوار لها فى مجلة (الموعد) عام 1975 بعد وفاة كوكب الشرق تحت عنوان (الموت خطف الذهب) أن (أم كلثوم) حجرت عليها في فترة من الفترات!!، وتحديدا بعد وفاة والداة تحية كاريوكا، تعالوا بنا نسمع من راقصة مصر الأولى تفاصيل حجر مطربة مصر الأولى عليها : كانت كوكب الشرق وست الكل أم كلثوم أمي الروحية، وعندما ماتت أمي لم تتركني لحظة واحدة، فقد كان معروف مدى حبي وتعلقي بأمي، وكان لموقفها العظيم أثره الطيب في تخفيف أحزاني.
وفى أحد الأيام قالت لي: أنا لازم أحجر عليكي!، فقد كان إسرافي الشديد مضرب المثل، وحديث المجتمعات الفنية، وأضافت (ثومة) لازم أحجر عليكي وكل الفلوس اللي تكسبيها أحوشها لك، وأصرف عليكي بطريقة منظمة، وأكون مسؤولة عنك بعد وفاة والدتك، ومافيش حاجة تتصرف إلا عن طريقي أنا.!
ووافقت طبعا لأنه لم يكن فى استطاعتي أن أخالف لها أمرا، وحصل بعد كام يوم أن نزلت إلى السوق وقمت بجولة في أكبر بيوت الأزياء في القاهرة، وكانت النتيجة أن كل نصف ساعة يطرق أحد عمال المحلات التجارية باب فيلا أم كلثوم، ويقدم لها فاتورة وتدفعها، وفي المساء زارتني وقالت لي : ايه اللي عملتيه ده؟ أنت فكراني البنك الأهلي ولا أم كلثوم!، خلاص فكيت الحجر عليكي، أنتي مينفعش معاك حجر!.