“منافسون جدد في تريند الفضائح”
بقلم : محمد شمروخ
لم يعد المنتمون إلى عوالم الشهرة والنجومية من فنانين ورياضيين وإعلاميين وشخصيات عامة وحدهم هم المسيطرون على ركوب التريند والهيمنة على ساحات السوشيال ميديا، ولا هم وحدهم المطلوبة أحدث أخبارهم، لا هم ولا حتى مشاهير (اليوتيوبرز) المنتشرين كالجراد من كل من هب ودب من كل حدب وصوب، فقد دخل منافسون جدد من أجل السيطرة وركوب التريند الموعود.
فكل يوم يظهر واحد عادي من بقية خلق ربنا ليشغل ويشعل مواقع التواصل الاجتماعي بحدث أو حديث لا يهم أن يكون أمرا جللا أو حادثا خطيرا في حياة المجتمع، كما لا يهم مكانة وأهمية هذا الشخص المهم أن يكون الموضوع مثيرا والمثير هو الملفت والملفت هو الجاذب والجاذب هو بالضبط المطلوب الذي سيتحقق من خلاله الذيوع والشهرة، وسيصبح صاحب أو صاحبة البوست أو التويتة أو الفيديو حديث الشارع والمدينة والقرية والحارة والكفر والنجع ومصر كلها.
فانت في بيتك الآن لا أحد يشعر بك أو حتى يدري عنك شيئا لكنك في لحظة قد تصبح نجما ولو ليوم وليلة وبعدها ستذكر عند الناس بأنك فلان الذي سجل مقطع فيديو عن قصة كذا وكذا.
والموضوع غير مكلف بالمرة مادام لديك هاتف محمول يصلح للدخول على شبكة الإنترنت وتسجيل فيديوهات وتحميلها على الشبكة في أي موقع من المواقع التى تريدها من فيسبوك وتويتر وإنستجرام ويوتيوب.
فقط عليك أن تخرج أسرار بيتك وتعرض قضيتك على جماهير السوشيال ميديا التى لابد ستتفاعل معك وبالمرة تنبش ماضيك لعلك تجد فضيحة وإن لم تجد أوعز إلى صديقك أو صديقتك أو أي شخص تجعله خصما لك، ولو بالاتفاق أن يرد عليك بفيديو مضاد لينقسم الجمهور إلى فريقين متناحرين معك وفريق ضدك ولا يهم ماذا يكون الموضوع المهم أن تعرض ما ستعرضه على أنك ضحية ظلم ولا أحد يقف بجانبك ثم تهرأ بأي هراء!.
فهكذا صار حال الجمهور لم يعد يبحث عن فساتين فلانة العريانة ولا مايوهات علانة الفاضحة ولا زواج وطلاق ومشاكل وفضائح النجوم المكررة والمصطنعة التى بدأ يملها الناس، وأحيانا يبدو كثير منها مفتعلا خصيصا لإحداث ضجة تحافظ على اسم النجم أو النجمة في ذاكرة الجمهور بعد أن سقط فيما يبدو من ذاكرة المنتجين والمخرجين والصحفيين.
فها هي السوشيال ميديا قد امتلأت في الفترة الماضية بشخصيات عادية تخرج علينا بأسرارها الخاصة جدا إلى درجة النبش في الماضي القريب أو حتى البعيد لاستجلاب أي واقعة سخيفة ولو مخجلة، فمع كثير من ملح الصعبنة وفلفل الإثارة ترى فتاة تتحدث ببجاحة منقطعة النظير عن زيارة عادية لها منذ ثلاث سنوات إلى (البوي فريند) بتاعها في قلب مسكنه الخاص وتكشف عن سر خطير بأنه – يا حرام – حاول التحرش بها ولكنها لم تسكت له ونهرته ولقنته درسا لن ينساه، ولا ندرى ما الذي جعلها تتذكر فجأة ولكن هذه الفجأة غير المنتظرة جعلتها في مقدمة الشخصيات الأكثر أهمية بل وفي بؤرة اهتمام المجتمع (السوشيال ميداوي)، ومن ثم المجتمع العام وتحولت (فجأة) إلى أهم قضية في بر مصر فقط بسبب لم يزد عن سطرين في دردشة على جروب خاص من جروبات الرغي الاجتماعي والنميمة الإلكترونية، والقصة تكررت أيضا ولكن بشكل أوسع في حديث لفتاة أخرى عما حدث لها منذ ٦ سنوات في فندق كبير وكان رد الفعل أكبر مما يمكن توقعه برغم علامات الاستفهام والتعجب التى لا حصر لها.
وحديث آخر مسجل على مقطع فيديو لرجل يشكو للناس أنه اكتشف أن أولاده الثلاثة ليسوا من صلبه وأن زوجته كانت تخونه في فترات سفره الطويلة خارج البلاد وكان أن ردت الزوجة بفيديو طويل لتفنيد ما يدعيه عليها.
وبلغ بنا العبث ذروة لم يكن من الممكن أن تتخيل ارتقائها يوما فإذا ببلطجي مسجل خطر يحكي قصة حياته وكيف جعلوه مجرما ويبرر جرائمه متحدثا من قلب غيط الدرة ويزين حديثه بأحط الألفاظ البذيئة، وهو يهدد وينذر مدير أمن المحافظة التى ينتمي إليها شخصيا ومتوعدا بإحراق القرية التى يستغيث بأهلها إن لم تكف الشرطة عن مطاردته، وزاد التفاعل مع كل هذه الحالات مابين ساخط وناقم ولاعن ومتعاطف و(صعبان عليا جفاك).
ولكن السؤال:
ما النتيجة حتى يخرج كل هؤلاء بكل هذا الغثاء؟!
وسؤال آخر: ماذا سيفعل لهم جمهور مواقع الإنترنت والسوشيال ميديا الذي هرعوا إليه مستغيثين؟! وكأن هذه الجماهير ستخرج من أجلهم في مظاهرات عارمة، وكان سكرتير عام الأمم المتحدة سيعرب عن قلقه من تجاهل السلطات لمشاكلهم الخاصة مطالبا المجتمع الدولي بإنصافهم.
ماذا جرى غير الفضائح التى بقيت بينما سينشغل جمهور الإنترنت بعد قليل بشخصيات أخرى وقضايا أخرى؟!
وتتوالى الأسئلة:
ماذا ستفعل جماهير السوشيال ميديا لهم غير لايك وشير وكومنت؟!
أم أن تحقيق الشهرة هو الهدف ولو للحظات من أجل التفاعل ولو على حساب سمعة وشرف الشخص والأسرة بل والبلد كله؟!.
والسؤال الأهم: هل هؤلاء يصدقون أنفسهم أم أنهم يمثلون علينا على مسرح الواقع الذي صار أكثر عجبا من المسرح العبثي؟!.
لا أصف ما يحدث من لجوء لهذا العالم الجهنمي الافتراضي إلا بلوثة جنون جماعي لا تقدر عواقب ما سيحدث عندما تهدأ العاصفة ونعود من جديد شخصيات عادية، ولكن تبقى الفضائح مسجلة في بوست وتويتىة وفيديو وصمة في تاريخ وحاضر مجتمع يركض لاهثا وراء الجنون!.