بقلم الدكتور: طارق عرابي
الموهوب جنينُ وطن .. إن تركناه في رحم الجهل والتجاهل سيموت تاركاً وطناً عقيماً .. تلك هى رسالتي الخاصة لكل من يعنيه الأمر من المسئولين عن اكتشاف وتدريب ودعم المواهب في مصر.
أما أنت أيها الموهوب الحقيقي المجتهد والصبور في بحثك عن الفرصة الصحيحة ، أؤكد لك أنك ستصل إلى ما تريد إن عملت بكل جدية على تعظيم مخزونك المعرفي وتنمية موهبتك ولم تتوقف عن طرق أبواب الفرصة دون كللٍ أو ملل.
إن سَمِعْتُكَ تشكو أو تقول: (إنني مظلوم وقد طال الوقت وهناك من حصلوا على الفرصة التي كنت أنا الأولى بها) فإنك في الغالب لن تحقق شيئاً في حياتك ، ذلك لأنك أصبحت منشغلاً بالآخرين أكثر من تركيزك على تحصيل المعرفة وتطوير الموهبة التي لديك وأصبحت تشكو بدلاً من استمرار الصبر والسعي في البحث عن فرصة ، وسأقول لك أيضاً إنك جاهل ، ولو أن موهبتك عظيمة وتستحق أن تصل إلى الناس فإنك على المستوى الشخصي والتكوين النفسي لا تستحق أية فرصة لأنك لم تقرأ ولم تعرف شيئاً عن قصة كفاح (عبد الحليم حافظ أو أحمد زكي) أو غيرهما من الفنانين العظماء داخل مصر أو خارجها ممن خاضوا رحلة كفاح صعبة ومريرة وتحلوا بالصبر حتى وصلوا إلى القمة في مجالهم .
وإن جاءتك فرصة صغيرة متواضعة لا تتكبر عليها ولا تقل في نفسك إنك تستحق أفضل من ذلك ، بل ابحث عن كيفية الإجادة في التعامل مع تلك الفرصة لأن الإجادة في الفرص الصغيرة هي مفتاحك للصعود تدريجياً إلى الفرص الكبيرة . أرجوك أيها الموهوب الجديد لا تتغابى فالغباء سيطمس موهبتك مهما كان مستواها وسيُفقدها قيمتها النافعة للناس ، وعندما يفقد الموهوب قيمة موهبته فإنه يصبح بلا قيمة حتى وإن صار أشهر نجم في العالم.
هل تود أن أخبرك عن واحدٍ من الممثلين العالميين القلائل الذين يصيبونني بالعجز حين أريد وصف آدائهم؟ ذلك لأن آداءه أروع وأسمى من أي وصف ، إنه الممثل المبهر “كريستوف والتز” صاحب الأدوار الثانوية (ممثل مساعد) في معظم أفلامه ، ومهما كان مستوى النجم الأول الذي يقف أمامه فإنه يعمل له ألف حساب لأنه يعلم حجم وروعة موهبته في التمثيل. لذلك فإنه فاز بجائزة الأوسكار في المرتين الوحيدتين اللتين ترشح فيهما للجائزة عن عملين سينمائيين كأفضل ممثل في دور مساعد وفاز كذلك عن نفس العملين بجائزتي جولدن جلوب و BAFTA كأفضل ممثل في دور مساعد .
ما رأيك بأن هذا الفنان ذا الموهبة الطاغية بدأ حياته المهنية عام 1977 وظل صبوراً يسعى ويجتهد ويطور من نفسه ومن موهبته عاماً بعد عام دون أن يشكو حاله لأحد ، ولم يتوقف يوماً عن السعي لإيجاد الفرصة الصحيحة ، ولم يشعر العالم بموهبة “كريستوف والتز” إلا في عام 2009 ، أي بعد 32 عاماً من العمل في صمت والصبر الجميل (دون شكوى) والمثابرة ، هل تصدقُ ذلك؟!
والتز .. من النمسا إلى نيويورك والعودة!
وُلد “كريستوف والتز” Christoph Waltz عام 1956 في العاصمة النمساوية فيينا ، والدته نمساوية وكانت تعمل مصممة أزياء ووالده ألماني وكانت حرفته بناء المسارح ، جده لأمه هو الطبيب النفسي (رودولف فون أوربان) الذي ألف كتاباً شهيراً عام 1949 بعنوان “الكمال الجنسي والسعادة الزوجية” Sex Perfection and Marital Happiness .
بدأ (والتز) حياته المهنية بالتمثيل للمسرح في النمسا ، ثم راح يتنقل بين ألمانيا ولندن ليبدأ مسيرة العمل للتلفزيون ولكن بشكل بطيء للغاية وأخذ بعض الأدوار الهامشية في المسلسلات والأفلام التلفزيونية ، وقد باءت محاولاته في الأفلام وأعمال التلفزيون (الناطقة باللغة الإنجليزية) بالفشل .
في أحد لقاءاته التلفزيونية أعرب (والتز) عن امتنانه لتمكنه من كسب لقمة العيش ودعم عائلته من خلال التمثيل لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً من خلال اجتهاده في العمل بلا كللٍ أو ملل .
بغرض التعلم ومحاولة إيجاد فرصة تمثيل بأمريكا ، سافر (كريستوف والتز) إلى مدينة نيويورك الأمريكية في نهاية السبعينات من القرن الماضي وتلقى دروس التمثيل باستوديو الممثل مع (لي ستراسبيرج) ودروس تفسير وتحليل النصوص باستوديو (ستيللا أدلر) للتمثيل ، وستيللا أدلر (1901 – 1992) هى ممثلة أمريكية شاركت خلال شبابها في ثلاث أعمال سينمائية فقط ومسلسل تلفزيوني واحد لشبكة تلفزيون CBS ، وقد وجدت متعتها الأكبر في تدريس التمثيل ومناهجه المختلفة ، ولها حالياً أكاديمية تحمل اسمها في لوس أنجلوس Stella Adler Academy of Acting & Theatre وهي الأكاديمية التي درس بها العديد من مشاهير السينما الأمريكية والعالمية ومن بينهم الممثلة “سلمى حايك” .
عاد (والتز) من نيويورك ظافراً بالعلم والمعرفة المتنوعة حول فن الأداء التمثيلي ، لكنه عاد (مهزوماً مكسور الوجدان) فيما يتعلق بفرصة المشاركة بأي عمل فني داخل أمريكا .
بين النمسا وألمانيا وإنجلترا ومنذ عام 1977 وحتى عام 2008 شارك “كريستوف والتز” في حوالي 96 عملاً تلفزيونياً وسينمائياً معظمها أعمال ناطقة باللغة الألمانية والبعض منها باللغة الإنجليزية ، واكتسب (والتز) من خلال تلك الأعمال شهرة جيدة كممثل في النمسا وألمانيا وإنجلترا ، وكان من أوائل تلك الأعمال السينمائية التي حصل فيها “والتز” على دور رئيسي هو الفيلم الناطق بالألمانية Kopfstand الذي تم عرضه بدور السينما بالنمسا في نوفمبر 1981 .
في عام 2009 وقع اختيار الكاتب والمخرج العبقري (كوينتين تارانتينو) على الممثل (كريستوف والتز) ليلعب دور الكولونيل الألماني (هانز لاندا) في فيلم Inglourious Basterds ، وكانت تلك هي أول فرصة للممثل “كريستوف والتز” ليشارك في فيلم هوليودي عالمي ، وهو الفيلم الذي صدم به (والتز) العالم بأدائه البارع أمام باقة من أشهر نجوم هوليوود وعلى رأسهم النجم (براد بِت) .
ومن خلال هذا الفيلم يفوز (كريستوف والتز) عن أول فرصة له في هوليوود وعن جدارة بأكبر أربع جوائز سينمائية في العالم وهي الأوسكار وجولدن جلوب و BAFTA كأفضل ممثل مساعد وجائزة مهرجان (كان) السينمائي Cannes Film Festival كأفضل ممثل ، وقد ترشح الفيلم لسبع جوائز أوسكار أخرى كان من بينها جائزتين ترشح لهما (كوينتين تارانتينو) كأفضل سيناريست وأفضل مخرج بالإضافة إلى ترشحه لنفس نوع الجائزتين من جولدن جلوب و BAFTA . تكلف إنتاج فيلم Inglourious Basterds حوالي 70 مليون دولار وحصد عالمياً من شباك التذاكر حوالي 322 مليون دولار .
ونمر فيما يلي على خطوات (والتز) الفنية بعد الفيلم الذي فتح له طريق النجومية العالمية
– في عام 2011 يقدم “والتز” 4 أعمال للسينما يبدأها بفيلم The Green Hornet مع كلٍ من الكاتب والممثل الكوميدي “سيث روجِن” والنجمة “كاميرون دياز” والممثل والمغني ذي الأصول التايوانية “جاي تشو” ونجوم آخرين ، يليه فيلم Water for Elephants مع “ريس ويذرسبون” و”روبرت باتينسون” ، ثم فيلم الأكشن The Three Musketeers ،
ويختتم “والتز” العام 2011 بفيلم Carnage مع النجمتين “كيت وينسلِت” و”جودي فوستر”
– في عام 2012 يلتقي “والتز” مرة أخرى بالعبقري “كوينتين تارانتينو” ليفوز بأكبر ثلاث جوائز سينمائية عالمية وسط كبار النجوم الذين شاركهم براعة الآداء في فيلم Django Unchained مع كلٍ من “ليوناردو دي كابريو” والنجمين الأسمرين “جيمي فوكس” و”صامويل إل جاكسون” والنجم الصاعد آنذاك “جونا هيل” والنجمة السمراء “كيري واشنطن” ، ويجسد “كريستوف والتز” في هذا الفيلم شخصية “د. كينج شولتز” الألماني الأصل الذي يملك شخصية غير تقليدية ويسعى للحصول على أكبر عدد من الجوائز التي يحصدها من الحكومة بسبب قبضه على المجرمين ، وهو الشخص الذي يحرر العبد “جانجو Django” (جيمي فوكس) قبل الحرب الأهلية الأمريكية بعامين ، ويبدآن معاً رحلة عبر البلاد للقبض على أكثر المجرمين المطلوبين للعدالة في جنوب البلاد ، وتقودهم رحلتهما إلى مزرعة سيئة السمعة يملكها السيد “كالفين كاندي” (ليوناردو ديكابريو) حيث توجد “برومهيلدا فون شافت” (كيري واشنطن) كواحدة من العبيد السود ، وهي زوجة “جانجو” المفقودة منذ فترة طويلة والتي يسعى زوجها لتحريرها ، ويساعد “د. شولتز” العبد المتحرر “جانجو” في الانتقام من الأشرار الذين ألحقوا الأذى به وبزوجته.
ويفوز “كريستوف والتز” عن هذا الفيلم بجوائز الأوسكار وجولدن جلوب و BAFTA كأفضل ممثل في دور مساعد ، كما فاز “كوينتين تارانتينو” عن هذا الفيلم بجوائز الأوسكار وجولدن جلوب و BAFTA كأفضل كاتب سيناريو وترشح كذلك عن نفس الفيلم لجوائز الأوسكار وجولدن جلوب و BAFTA كأفضل إخراج . تكلف إنتاج هذا الفيلم 100 مليون دولار وحصد عالمياً أكثر من 425 مليون دولار .
– في عام 2013 يقدم “والتز” عملين للسينما أولهما فيلم الكارتون Epic الذي يشارك فيه بآدائه الصوتي لشخصية “ماندريك” إلى جانب كلٍ من “كولين فاريل” و”أماندا سيفريد” والممثل الهندي الأصل “عزيز أنصاري”.
ثم يختتم “والتز” العام 2013 بفيلم The Zero Theorem مع كلٍ من “مات ديمون” و”تيلدا سوينتون” و”ميلاني ثيري” و”لوكاس هيدجز” ، ويجسد فيه “والتز” شخصية “كوهين لِث Qohen Leth” عبقري الكمبيوتر الانعزالي والذي يتم استخدامه لكسر “نظرية الصفر” والتي تعني أن الكون ينتهي كما لو كان لاشيء .. مما يجعل الحياة بلا معنى ، لكن المعنى يكمن فيما تطوق إليه نفسه.
– في عام 2014 يقدم “والتز” ثلاث أعمال للسينما يبدأها بفيلم المغامرة الكوميدي Muppets Most Wanted ثم يليه الفيلم الكوميدي Horrible Bosses 2 مع كلٍ من “جيمي فوكس” والممثل الكوميدي “جيسون بيتمان” والنجمة “جينيفر أنيستون”.
ثم يختتم “والتز” العام 2014 بواحدٍ من أدواره الرائعة مع النجمة “إيمي آدامز” في الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية حدثت في الستينات من القرن الماضي Big Eyes ، ويجسد فيه “والتز” شخصية “والتر كين” زوج السيدة “مارجريت كين” الرسامة المبدعة التي يقدم لوحاتها في المعارض والأسواق على أنها من رسمه هو وينكر حق زوجته بالكامل ، وفي نفس الوقت يعاملها بمنتهى القسوة كزوجة إلى أن ترفع “مارجريت” دعوى قضائية ضده لكشف الحقيقة حول الرسام الحقيقي لتلك اللوحات ، وتتطلق منه وتنجح في نهاية معركتها بإثبات ملكيتها لكل اللوحات التي ادعى أنها من رسمه.
ترشح “والتز” عن هذا الفيلم لجائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل بينما فازت “إيمي آدامز” بنفس الجائزة كأفضل ممثلة .
– في عام 2015 يشارك “والتز” في فيلم جيمس بوند Spectre مع كلٍ من “دانيال كريج” و”رالف فينيس” و”مونيكا بيلوتشي” والممثلة القديرة “جودي دينش” ونجوم آخرين. فاز هذا الفيلم بجائزتي الأوسكار وجولدن جلوب عن أغنية Writing’s On The Wall كأفضل أغنية أصلية مكتوبة لفيلم . تكلف إنتاج هذا الفيلم 245 مليون دولار وحصد عالمياً أكثر من 880 مليون دولار .
– في عام 2016 يشارك “والتز” في فيلم The Legend of Tarzan مع “صامويل إل جاكسون” ونجوم آخرين. تكلف إنتاج هذا الفيلم 180 مليون دولار وحصد عالمياً أكثر من 356 مليون دولار .
– في عام 2017 يقدم “والتز” عملين للسينما يبدأهما بفيلم Tulip Fever مع كلٍ من النجمة الشابة “أليسيا فيكاندر” والممثلة القديرة “جودي دينش” ونجوم آخرين .
ثم يختتم “والتز” العام 2017 بفيلم Downsizing مع كلٍ من “مات ديمون” والممثلة التايلاندية الأصل “هونغ تشاو” التي ترشحت عن هذا الفيلم لجائزة جولدن جلوب كأفضل ممثلة في دور مساعد ، والممثلة “كريستين ويج” التي ترشحت للأوسكار عام 2011 كأفضل كاتبة سيناريو عن فيلم Bridesmaids ، وقد حقق فيلم Downsizing خسارة تجارية حيث تكلف إنتاجه 68 مليون دولار وجمع عالمياً حوالي 55 مليون دولار .
– في عام 2019 يقدم “والتز” عملين للسينما يبدأهما بفيلم الأكشن والخيال العلمي Alita: Battle Angel مع كلٍ من النجمتين “روزا سالازار” و”جنيفر كونللي” ونجوم آخرين. تكلف إنتاج هذا الفيلم 170 مليون دولار وحصد عالمياً من شباك التذاكر حوالي 405 مليون دولار .
ثم يختتم “والتز” عام 2019 بالتمثيل في فيلم من إخراجه بعنوان Georgetown مع النجمة المرشحة لأربع جوائز أوسكار “آنيت بينينج” والممثلة البريطانية العالمية القديرة “فينيسا ريدجريف” التي ترشحت للأوسكار 6 مرات وفازت منها بمرة واحدة عن فيلم Julia (إنتاج 1977) كأفضل ممثلة في دور مساعد . ويلعب “والتز” في هذا الفيلم دور “أولريك مُت” الشخص الاجتماعي والوصولي الذي يتزوج من سيدة ثرية في العاصمة الأمريكية واشنطن بغرض التقرب والاختلاط باللاعبين السياسيين الأكثر نفوذاً وقوة في أمريكا .
– في عام 2020 يشارك “والتز” في عملين للسينما ينتظران التوقيت المناسب لعرضهما بدور السينما بعد جائحة كورونا العالمية ، الفيلم الأول بعنوان No Time to Die مع “جيمس بوند” (دانيال كريج) والنجمة الشابة “آنَّا دي أرماس” والنجم “رالف فينيس” والنجم المصري العالمي “رامي مالك” ، ومقررلهذا الفيلم الذي تكلف إنتاجه 250 مليون دولار أن يُعرض بدور السينما في 20 نوفمبر من هذا العام 2020 .
الفيلم الثاني بعنوان The French Dispatch مع كلٍ من “فرانسيس ماكدورماند” و”إدوارد نورتون” و”بيل موراي” و”أوين ويلسون” و”تيلدا سوينتون” و”أدريان برودي” و”بينيشيو ديلتورو” و”ويلام ديفو” والنجم الشاب “تيموتي تشالامِت” والنجمة الشابة (سوارس “سيشا” رونان) ونجوم آخرين ، وهو فيلم ناطق باللغتين الإنجليزية والفرنسية .
من الجدير بالذكر أن “كريستوف والتز” قد فاز عن مجمل أعماله حتى الآن بعدد 85 جائزة محلية ودولية وترشح لعدد 42 جائزة أخرى .