عصا المصريين ( 5 ).. عروسة حسنى
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
قبيل الثورة كانت الأرواح قد بلغت الحلقوم ، النكات اختفت ، و أصبح الضحك عسيرا على المستوى الشعبى ، الوجوه مكفهرة و الأيدى مغلولة و السيقان تهرول من عمل لعمل لعل المصرى يحصل على ما يكفيه ليومه ، لا أمل فى تغيير للأفضل ، حتى صار المصريون يتمنون أى تغيير حتى و لو لم يكن للأفضل ، كسرا لحالة الرتابة و الملل التى سيطرت على الوطن و كسرت عصا المصريين ، فالرتابة و الملل هم قاتلى الضحك و ناسفى السخرية .
و تولت الفنون – كعادتها – تعويض الأمر ، فانتشرت الأفلام الكوميدية و تزايدت الإيرادات بل و حققت أرقاما غير مسبوقة فى تاريخ السينما المصرية ، بدأت من فيلم ” إسماعيلية رايح جاى ” و تجلت فى ” اللنبى” ، و اكتسح أبطالها المضحكون عروشا فنية كانت مستقرة و صاروا هم ( السوبر ستار ) ، و لكن ضحك غالب هؤلاء المضحكين كان ضحكا خشنا خاليا من المعنى أو المحتوى ، ضحكا ينسي المصريين الامهم للحظات لكنه لا يعبر عن مواجعهم ، ضحكا يسلى المصريين و لا يعالج جروحهم ، ُيخدرهم فقط و ينتهى أثر المخدر بمجرد الخروج من قاعة السينما ، و لهذا تناوب كثيرون على عرش تلك الأفلام فى فترة قصيرة و لم يصمدوا الفترة المقدرة لتغير الذوق العام .
من المعروف أنه كل جيل (عشر سنوات تقريبا ) يتغير الذوق العام ، ليس بشكل حاد و انما بهدوء و نعومة لا تكاد تحس ، و بالتالى يتغير أسلوب الضحك و طريقته و تتغير معه مواقع المضحكين ارتفاعا و انخفاضا ، ظهورا او اختفاء ، لكن هناك من استطاع الهرب من مقصلة الأجيال ، فعاشوا طويلا لأنهم عبّروا عن جموع المصريين : انظروا معى إلى نجيب الريحانى بشكواه الدائمة من قلة الحظ و غدر الزمان وانعدام التقدير و هو صاحب السبع صنايع الذى لا أمل له إلا الالتحاق بالطبقة العليا بضربة حظ – فهى ايضا صارت طبقة عليا بضربة حظ تمثلت فى الميلاد او الثراء المفاجئ – أليس هذا الرجل يعبر عن جموع المصريين فى زمنه ، أو انظروا إلى عادل إمام ذو الجسد الصغير و الملامح المصرية الذى يرتدى دائما ( الجينز و الكوتشى ) و يبحث له عن مكان وسط الكبار الفاسدين لا يطلب إلا ( عيش و كرامة ) ألا يمثل غالب المصريين فى زمن مابعد الانفتاح و الانبطاح ، و لهذا نجد الاثنين ( الريحانى و إمام ) و قلائل غيرهما عبروا الأجيال و استمروا ، اما الألفية الثانية التى تميزت بالضحك من أجل الضحك فلم تنتج للمصريين من يعبّر عنهم .
و على شاشة التليفزيون لم تسجل لنا تلك السنوات علامة كوميدية فارقة أو منحنى جديد للسخرية ، برغم محاولات عدة ، و برغم استنساخ اعظم برنامج كوميدى يعتمد على العرائس التى تصور شخصيات شهيرة ، و الذى كان يقدم فى دول كثيرة ، و برغم صناعة عرائسه بالخارج إلا أنه جاء فاقدا للروح ، فالبرنامج الذى قدمه التليفزيون المصرى جاء مستأنسا لا يتكلم فى مشاكل حقيقية أو يسخر مما يعانيه المصريين ، فقد كانت النسخة الأجنبية من البرنامج تتناول شخصيات سياسية و مواقف حياتية و تظهر بها عرائس تمثل رأس السلطة لتسخر منها ، أو عرائس لشخصيات هامة و مؤثرة على المستوى السياسي على الأقل ، ففى التليفزيون الإسرائيلى على سبيل المثال كانت هناك فقرة شبه يومية فى أحد البرامج الإخبارية الهامة تظهر فيها دمية تشبه حسنى مبارك و لك أن تتخيل الباقى . أما التليفزيون المصرى فقد آثر السلامة فآثر الجمهور ألا يشاهده .
أما مسرح القطاع الخاص الذى تخصص فى تسلية السائح العربى و الثرى المصرى فقد بدأ فى الاختفاء من على خريطة الحياة المسرحية فى نهاية التسعينات ، بعد أن كان رافدا هاما لتسلية المواطنين بعد نقل أعماله إلى التليفزيون . و سرعان ما تولى مسرح القطاع العام مهمة التسلية و الترفية ، فاتجهت معظم عروضه إلى الكوميديا ، بحثا عن النجاح و الرواج . و تراوحت تلك الأعمال مابين الجيد و الرديئ لكن الغالب كان متوسط القيمة و لا يشكل تيارا ساخرا يمحو الكآبة التى سادت ، و لا يرقي إلى مستوى أن يصبح عصا يتوكأ عليها شعب بأكمله ، بسبب حصار الرقابة و انعدام الحرية .
و عندما انتشر استعمال النت فى مصر وجد البعض فيه فرصة للتعبير عما بداخلهم بعيدا عن الرقابة و الرتابة ، فبدأت بعض الفيديوهات الساخرة فى الظهور على اليوتيوب و شبكات التواصل الاجتماعى ، و لم يكن أحد يعرف وقتها أن هذه الشبكات ستؤثر فى حياة المصريين كل هذا التأثير حتى أنها ساعدت فى اشعال ثورة ، أظن انه لو أتيح قبلها للمصريين ان يسخروا بكل حرية لما قاموا بها ، فكسر عصا المصريين يلجأهم على الفور لاستخدام الحجر .
و بدلا من تظهر عروسة ( دمية ) حسنى مبارك فى التليفزيون فى برنامج ساخر ، ظهرت فى الميدان و لكنها معلقة فى مشنقة.