سراج منير، وميمي شكيب قصة حب خلدها الموت
* (ابن الشعب) كان سبب تعارفهما
* بدأت بينهما حالة من الإعجاب في (الحل الأخير)
* (سي عمر) أكد حبهما وكلله بالزواج المبارك
* الموت خطف سراج منير من زوجته وهو في الخمسينات من عمره
* ميمي ندرت نفسها للفن بعد رحيله ولم تتزوج رجل آخر
بقلم : أحمد السماحي.
الحب هذا الساحر الذي يمس القلوب فيطهرها، ويضيئها، ويغفل بها عن خطايا وذنوب الدنيا فلا يرى العشاق فى حياتهم غير ربيع يتجدد، حتى عذاب الحب يستعذبه العشاق سواء كانوا نجوم أم أناس عاديون، لكن يبقى غرام النجوم له جاذبية خاصة جدا، ربما لنجومية أصحابه، رغم أن كثير من أهل الفن يغلفونه بالكتمان، وأحيانا ينفضونه كأنه رجس من أعمال الشيطان، لا يهمهم غير أن تظل الستائر الكثيفة تخفيه وتخبئه عن عيون الفضولين، لكن بعضهم يخرج أحيانا عن صمته ويستدعي المأذون ويسمح للصحف بنشر الخبر من هؤلاء الفنان الكبير (سراج منير) والفنانة (ميمي شكيب).
لم يكن (سراج منير) فى بداية شبابه المبكر يفكر فى الزواج فهو لا يؤمن بالبيت والزواج والأولاد، خاصة أنه عاش حياته بالطول والعرض عندما أرسله والده (عبدالوهاب بك حسن) عالم الرياضيات المعروف الذي كان مدير تعليم بوزارة المعارف على حسابه الخاص إلى ألمانيا لدراسة الطب، والتحق فعلا بالجامعة هناك وظل يتلقى العلم حتى لم يبق على تخرجه سوى عام واحد ليصبح طبيبا، لكن كان القدر له بالمرصاد حيث آبى أن يكمل طريق الطب، وكان له رأي آخر في مشواره!!.
فذات يوم تعرف في أحد النوادي على مخرج ألماني سهل له العمل في السينما الألمانية مقابل مرتب ثابت، فأهمل دراسة الطب، وبدأ يتعلم تقنيات فن التمثيل ويرتاد الاستديوهات ويوطد علاقاته بأهل الفن، وظهر بالفعل في بعض الأفلام الألمانية الصامتة التى أنتجتها شركة (أوفا)، ومن ثم صرفته السينما عن دراسة الطب فهجرها لدراسة السينما، وهو في ألمانيا التقى بالفنان الشاب (محمد كريم) الذي أصبح فيما بعد رائدنا السينمائي، ودرسا سويا الإخراج السينمائي، وبعد عودته لمصر بدأ يشتغل بالفن وكان أول أفلامه فيلم (زينب) الصامت.
مش نظرة ولا ابتسامة
قصة حب (سراج منير وميمي شكيب) لم تبدأ من أول نظرة ولم يتوقع هو أن تكون زوجته، ولم تتوقع هى أن يكون فارس أحلامها، وحبيب حياتها، ورجل مستقبلها، كان أول لقاء بينهما من خلال فيلم (ابن الشعب) بطولتهما وشاركهما البطولة (ماري منيب، وعمر وصفي، وبديعة مصابني، وحسن البارودي، وبشارة واكيم) وأخرج الفيلم عام 1934 المخرج (موريس ابتكمان)، ويذكر (سراج منير) فى مجلة (الاثنين والدنيا) أنه في هذا الفيلم حصل بينهما (استلطاف صامت) بطئ جدا، وما جعل اللقاء بينهما صامتا وباردا وجود (أليس) صديقة (سراج) الأجنبية التى كانت تعيش معه، وتلازمه في كل مكان، ولا تفارقه خطوة، وبالتالي لم تتح له فرصة ليتحدث مع بطلة فيلمه!.
وبعد هذا الفيلم تكونت عام 1935 الفرقة المصرية وكان (سراج) عضوا فيها، والتحقت بها (أمينة شكيب) أيضا، غير أن حبل الود لم يكد يتصل، حتى انقطع مرة أخرى، حيث انضمت إلى فرقة الريحاني، وظلت فيها.
الحل الأخير
بعد عام تقريبا من آخر لقاء بينهما جاءت نهاية عام 1936 لتحمل بشرى سارة للفنان الشاب حيث طلبه زميله المخرج (عبدالفتاح حسن) ليكون ضمن أبطال فيلم (الحل الأخير) وهم (سليمان نجيب، عبدالوارث عسر، إبراهيم عماره، أنور وجدي، بديعة مصابني، راقية إبراهيم، وأمينة شكيب) وبمجرد ما سمع سراج اسم (أمينة) حتى اهتز قلبه، ووافق على الفور على المشاركة فى بطولة الفيلم الذي اقترب فيه لأول مرة من (أمينة أو ميمي شكيب) ورغم هذا الاقتراب إلا أنهما لم يكن يتبادلا سوى الحديث العادي جدا في فترات متقطعة!.
السفر إلى باريس
بعد سفر (أليس) حبيبة (سراج) إلى بلادها شعر بالوحدة والفراغ، ولا يدري لماذا خطرت على باله فى هذا الوقت (أمينة شكيب) هذه الفتاة القوية المتفجرة الأنوثة؟!، وبدأ يفكر فيها، لكن سرعان ما تلاشى هذا التفكير سريعا حيث سافر فى بعثة لدراسة الإخراج يوم 11 فبراير عام 1937 إلى فرنسا على ظهر الباخرة (النيل) مع (فتوح نشاطي وصالح الشيتي، ومحمد متولي).
وظل في باريس حوالي عامين وقبل أسابيع من بداية الحرب العالمية الثانية، تلقى (سراج منير) برقية من فرقة مسرحية مصرية تستدعيه للعمل معها، فترك باريس وعاد إلى مصر، وكان أول من سأل عليها من زملائه (أمينة شكيب) لا يدري لماذا سأل عنها بالذات؟ لكن هذا ما حدث كما يحكي هو في مجلة (آخر ساعة) عام 1945 .
سي عمر
حاول (سراج منير) الاتصال بـ (أمينة) فباءت محاولته بالفشل، على مدى شهور بحث عنها فى الاستديوهات وهو يتلمس فرصة جديدة للقاء، ففشل فى العثور عليها، فأصيب باليأس والإحباط، لكن كان القدر رحيما به فتلقى عام 1940 اتصالا هاتفيا من المخرج (نيازي مصطفى) للعمل معه فى فيلمه الجديد (سي عمر) الذي يقوم ببطولته (نجيب الريحاني وفرقته المسرحية) وهنا سكنت الأمواج، وتبدد الظلام، وهدأت الجروح، وجفت الدموع، وطار (سراج) من الفرح لأنه أخيرا سيلتقي بالفتاة التى تشغل تفكيره منذ رجوعه من البعثة، كان منذ الصغر يرسم صورة لفتاة أحلامه، لكنه أبدا لم يلتق بها فى كل قصص الحب والغرام التى عاشها سواء في مصر أو ألمانيا أو باريس، كانت فتاة أحلامه التى ضاع شبابه المبكر في البحث عنها طاغية الأنوثة تجمع بين الجمال والقوة والمصرية، وسأل نفسه عدة أسئلة، ماذا تريد من ميمي يا سراج؟ هل تحبها؟ هل تريد الزواج منها؟، أم التفكير فيها مجرد نزوة تريد إطفائها؟!، وفى النهاية لم يجد إجابة على أسئلته، فترك للأيام والوقت الإجابة على هذه الأسئلة!.
إمرأة الحب والحنان والهوى
سعد (سراج) بالعمل في فيلم (سي عمر) وأثناء العمل فى الفيلم كان (كيوبيد) قد سدد سهامه نحو قلبيهما!، وفى أحد الأيام وكان الفيلم على وشك الانتهاء قال لها: يقولون أنك امرأة تهوى الحب والحنان والإخلاص وهذا العالم يثيرني، يبهرني، يجذبني بأسراره، لأن عالمي لا يعرف هذه الأشياء، الحب، الإخلاص، الحنان، عالمي مليئ بالمغامرات والنزوات، وغدر الرفاق، وخيانة الحبيبات، عالمي محفوف بالمخاطر لكن الناس لا يشاهدون منه سوى الأضواء والشهرة.
أحس (سراج) بشرود (ميمي) نظر إليها متأملا، رفعت رأسها نحوه، طارت خصلة من شعرها واستقرت فوق جبينها فقسمت وجهها نصفين، انبهر (سراج) باللوحة الجميلة التى أمامه، كأن الدنيا بشطريها فوق ملامحها، هنا ليل، وهناك نهار، مد أصابعه يزيح شعرها، أشرق الوجه كله، تهللت قسماتها، سألها : هل ضايقتك عندما أطلت فى حديثي عن نفسي؟! فقالت له: أبدا يا (سغاج) بالعكس حسيت أنك بتثق في وتحبني، فجأة وجد نفسه يعانقها كسجين يعانق صاحب قرار الإفراج عنه.
نظرت إليه في حنو أعجبها صراحته، نموذج فريد لم تلتق به من قبل، كان الصدق ينطق في كل حرف نطق به، وفى كل كلمة أخفاها عنها، أطربها ضعفه، ووضوحه، وأعجبته بجرأتها ووضوحها وصراحتها ودموعها كانت كما توقع كتلة من العواطف في شكل إمرأة، ساخنة الحديث، مثيرة كأنها شهر زاد، تتكلم وكأنها تغني، حلوة النبرات، لا تتجمل، لا تزيف حقيقتها.
رفض الزواج والذهاب إلى دوفيل
اتفقا في هذا اليوم على التقدم لخطبتها، وبالفعل بمجرد الانتهاء من تصوير فيلم (سي عمر) تقدم للزواج منها، إلا أن أسرتها رفضت طلبه بحجة أنه فنان لا مستقبل له!، كانت صدمة كبيرة للفنان العاشق، وقرر أن يسافر إلى باريس بعض الوقت ليداوي جرحه، كانت هذه المرة الأولى التى يبتعد فيها عن (ميمي) بعد أن ذاق حلاوة حبها، مرت أيام وأسابيع، لكن (سراج) لم يطق البعاد، كان قد استقر في مدينة (دوفيل) أكثر مدن فرنسا ضجيجا، وأطولها ليلا، وأفجرها سلوكا، عشرات الملاهي الليلية تسهر في (دوفيل) حتى الصباح يرتادها عشاق الليل، الدنيا تخلع أحزانها فى ليل هذه المدينة التى تخلع ملابسها وتغيب عن الوعي وتسترده لتغيب مرة أخرى، وسط ليالي مدينة (دوفيل) شعر (سراج) بالغربة أوحشته (ميمي) كل فرنسا لن تكون عاصمة النور والجمال إلا إذا وصلت إليها (ميمي) وتألقت فيها وأضافت إليها من جمالها وأنوثتها المتفجرة، كلمها تليفونيا فزادته أسلاك التليفون اشتعالا، فكتب لها برقية قال في سطورها (غدا أصل إلى الوطن عندي أخبار هامة أرجو انتظاري!).
لم تصدق (ميمي) عينيها وهى تتابع كلمات البرقية، أعادت قراءتها، ظلت تتكهن وتخمن وتضرب أخماسا في أسداس قائلة لنفسها: ما هي الأخبار الهامة التى يحملها معه (سراج) من فرنسا؟ ويومها لم تنم الليل.
الزواج السعيد
في الصباح الباكر استيقظت (ميمي) وهى التى اعتادت على الاستيقاظ متأخرة، وقبل الساعة الثانية عشر ظهرا ذهبت لاستقبال حبيب القلب لتعرف منه ما هى الأخبار الهامة؟، فاحتضنها بشوق كل الأحبة، وطلب منها الزواج بعيدا عن الأهل، لكنها فجرت مفاجأة حيث رفضت طلبه، وطلبت منه أن يتقدم لها مرة أخرى، حيث أنها في غيابه هددت أهلها بالانتحار إذا لم تتزوج (سغاج) مما جعل والداتها توافق على زواجهما، وبالفعل تم الزواج – كما ذكر (سراج منير) نفسه – يوم 26 مايو 1940.
وعاشا معا حياة مستقرة حافلة بالنجاح الفني والسعادة الأسرية، وتقاسما بطولة العديد من الأفلام مثل (ابن الشعب، الحل الأخير، سي عمر، معلش يا زهر، دهب، نشالة هانم، ابن ذوات، البنات شربات، بيت الأشباح، الدنيا حلوة، حكم قراقوش، كلمة الحق) وغيرها.
عاش (سراج وميمي) سويا 17 عاماً، قبل أن يتوفى (سراج منير) بعد إصابته بأزمة قلبية حادة فى مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم 1 سبتمبر 1957، لتقرر ميمى عدم الزواج من بعده نهائيا، حتى تموت في شهر مايو عام 1983 .
……………………………………………………………………………………………………………………..
والآن إليكم حواران سريعان مع ( سراج) عن (ميمي شكيب)، والعكس، نشرا في مجلة (الاثنين والدنيا) عام 1955.
* كيف تم تعارفكما؟
** تعرفنا في فيلم (ابن الشعب) وأحببنا بعض في فيلم (الحل الأخير) وتزوجنا بفضل (سي عمر)!.
* هل تتذكر يوم زواجكما؟
** يوم 26 / 5 / 1940 .
* كم شقيقة لزوجتك؟
** اثنتان فقط، هما حرم الدكتور محمد فتحي المستشار وأستاذ علم النفس الجنائي فى الجامعة وهى الكبرى، وزوزو وهى زوجة ضابط عظيم برتبة اللواء.
* كيف كانت حماتك تعاملك؟
** رحم الله حماتي لقد كانت تحبني حبا جما، وكنت أنا أيضا أحبها، ومن حسن حظي أنه لم يكن لها من الأبناء إلا واحد فقط، وكان قد مات فاعتبرتني ابنها منذ تقدمت لخطبة ميمي وظلت تعاملني هكذا حتى انتقلت إلى جوار ربها.
* هل تفتح خطابات ميمي؟
** لا ولست أشك فيها مطلقا، كما أنها ليس من عادتها فتح خطاباتي، ولا أخذ نقود من جيبي، فعندما تريد نقودا تحضر لي (الجاكتة) لأفتح محفظتي وأعطيها ما تشاء.
* هل تتشاجر مع ميمي أحيانا؟
** ولماذا الشجار؟!، إن الخناقات المنزلية ترجع إلى سببين: إما الغيرة، ولإما الناحية المادية، وقد قضينا على الغيرة، لأنني ليس لي مجالات أخرى مع أي امرأة سواها، ونحن فنانان تعودنا على مناظر القبلات على المسرح، فلا مانع أن تبوس وأن تباس!.
أما بخصوص الناحية المادية، فكل ما أملكه لبيتي وعمري ما دخلت بيتي بإيدي فاضية.
* ماذا تفعل إزاء المعجبين بميمي؟
** ربنا يزيد ويبارك دول أولاد حلال، ولكن الذي يضايقني أنهم لا يعترفون بوجودي كزوج لميمي، فيكتبون لها كلمة (آنسة) أو (مدموزيل)، رغم أننا تزوجنا منذ 14 عاما تقريبا.
……………………………………………………………………………………………………………………..
وهذا حوار فى نفس العدد مع ميمي شكيب عن سراج منير
* كيف تعاملين زوجك؟ وهل تغارين عليه من الممثلات الفاتنات على المسرح وفي الأفلام؟
** أنني أعامله باحترام شديد، أما الغيرة فقد أصبحت غير ذات موضوع، لأن الثقة متبادلة بيننا فى المسرح ووراء الكواليس وفي المنزل.
* ألا تغارين على سراج أو تخشين أن تخطفه منك أحداهن؟
** لا والحمد الله لقد (لف) سراج فى كل بلد وطاف بكل شارع وحارة وزقاق، أيام زمان، ولعب كثيرا، والحمد الله عندما تزوجنا كانت عينه قد امتلأت وشبعت، وأصبح منذ أول عهدنا بالحياة الزوجية يقدسها، ويحرص عليها الحرص كله.
* ألا تفتشين جيوبه بحثا عن مخلفات أو خطابات غرامية؟
** لا فإن المبدأ الذي قررناه فيما بيننا أن يحترم كل طرف الطرف الآخر، وألا يتدخل في الشئون الخاصة به، ولذلك فإنني لا أفتش جيوبه ولا أفض خطاباته الغرامية.
* ما أحسن طبق يفضله زوجك؟
** سراج طباخ ماهر وهو يحب الشركسية كثيرا، ويأكل أصابعه وراءها وبصفتي من أصل تركي فأفضلها أنا أيضا، ولكن للأسف حرم الأطباء على سراج تناول الشركسية.
* إذا ماذا يأكل؟
** لا يأكل سوى اللحم المشوي، والخضار المسلوق والزيت والليمون.