السينما والمسرح.. وصمت القاعات
بقلم: محمود حسونة
ترك فيروس (كوفيد ١٩) بصماته على مختلف مجالات حياتنا، وألقى بظلاله اللعينة على البشر وعلاقاتهم وأعمالهم وأرزاقهم، وبدّل لهم أحلامهم وغيّر من طبيعة الوسائل التي يستمدون منها ثقافتهم وأدوات التسلية والترفيه والتغذية الروحية في رحلتهم الحياتية.
السينما والمسرح بشكل خاص كانا من أوائل ضحايا الفيروس، فبمجرد بدء انتشاره أطفئت الأنوار وأُظلمت شاشات السينما وأُسكتت خشبات المسرح وصمتت القاعات وأوصدت الأبواب أمام الفن السابع وأبو الفنون بعد أن أصابهما الفيروس وفرض عليهما في معظم دول العالم العزل والانعزال الإجباري، وفرض على الفنانين التزام بيوتهم، وفرض على المنتجين إعادة حساباتهم، ولَم يكن أمام الجميع سوى الالتزام والرضوخ انتظاراً للفرج.. وطال الانتظار وبعد أن بدأ الأمل يدق الأبواب ورفعت الدول الإغلاق جزئياً، تركت معظم الحكومات دور السينما والمسرح مغلقة حتى إشعار آخر، وضاق المنتجون والفنانون ذرعاً من الخسائر المادية والمعنوية، وانتبه المسؤولون للسينما في المراحل التالية لرفع الإغلاق وإعادة الحياة، ولكنه الانتباه الناقص، فبعد إعادة فتح المراكز التجارية والمحلات النوادي وكل مراكز التجمعات بنسب بين ٥٠ و١٠٠ في المئة، تم السماح في مصر لدور السينما والمسارح بالعودة بنسبة إشغال ٢٥ في المئة فقط، بل ومع استمرار منع حفلات التاسعة مساءً ومنتصف الليل، وهي الحفلات الرئيسية، فالمعروف منذ القدم أن السينما فن يحلو معه السهر ومشاهدة الأفلام أكثر إمتاعاً في الليل بل وفِي آخر الليل، وبالتالي فإن الحفلات النهارية لا تحقق دخلاً يذكر بل ولا تحقق بعض القاعات نسبة الربع المسموح بها، ومع استمرار الإغلاق ليلاً تتواصل الخسائر ويستمر النزف المادي والمعنوي.
من حق الدولة أن تتخذ جميع الاجراءات الاحترازية لحماية الناس من هذا الوباء اللعين ومنع انتشاره بين الفئات الجماهيرية المختلفة، ولكن هل حفلتي التاسعة ومنتصف الليل ستوفران بيئة أكثر خصوبة للعدوى من حفلات النهار؟ وطالما أنه تم السماح للمطاعم بنسب إشغال ٥٠ في المئة ألا يمكن التفكير في التعامل مع السينما والمسرح بنفس المنطق؟.
المنتجون يعون جيداً أن عرض أي أفلام جديدة في ظل هذه الأوضاع هو انتحار مادي، ولن تحقق من الدخل ما يسدد فقط أجور أبطالها، ولذلك فإنهم جميعاً عازفون عن عرض أفلامهم الجديدة، وأصبح لديهم حالياً ١٥ فيلما لكبار النجوم يحتفظون بها في العلب أملاً في أن يأتي اليوم الذي تعود فيه الأمور إلى طبيعتها ويعرضونها بما يعيد إليهم أموالهم.
المنتجون لديهم كل الحق في أن يخشوا الخسارة، والدولة لديها كل الحق في أن تتخذ كل الاجراءات الوقائية لحماية صحة المواطنين، ولذا ينبغي عقد لقاء يجمع الطرفين ليقدم كل طرف ما يقنع الآخر، أو يقدم السينمائيون ما يمكن أن يتعهدون به أمام الدولة من إجراءات لحماية صحة الناس في حال تم التعامل معهم بذات منطق التعامل مع المؤسسات والمقار السياحية والرياضية والغذائية.
ولعل نجاح انعقاد مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والذي اختتم فعالياته قبل يومين وأقيم في ظل اجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات بما يضمن الحفاظ على صحة المشاهدين والفنانين، لعله يكون محفزاً في النظر في أمر إعادة النشاط المسرحي في إطار انضباطي، خصوصاً وأن معظم الفرق المسرحية تجري حالياً بروفات انتظاراً للحظة الإطلاق.
عالمياً، وبعد أن أوقف كورونا كل المهرجانات السينمائية، عاد مهرجان فينسيا السينمائي الدولي ليستعيد أضواؤه ويعيد اضاءة الشاشات وإطلاق المنافسات واستضافة النجوم من مختلف دول العالم وكل منهم ملتزم بارتداء الكمامة وعدم التقارب الجسدي، وهو ما سيمهد الطريق لعودة السينما العالمية وهو ما يمكن أن يكون مشجعاً لعودة السينما المصرية، وخصوصاً أن مصر تستعد لتنظيم مهرجان الاسكندرية السينمائي خلال أيام، ومهرجان الجونة السينمائي الدولي الشهر المقبل وبعده مهرجان القاهرة.
ولا ينبغي أن ننسى أن الفن المصري هو الذي نشر لهجتنا من المحيط إلى الخليج، وهو الذي ساهم بشكل فاعل في اقتصادنا في بعض الأوقات، وهو الذي ساهم في خلق تميزنا عربياً، وهو الذي ساهم في التصدي للأفكار الشيطانية بين أبنائنا، ولعل قلة اهتمامنا به خلال العقود الأخيرة ساهم بشكل فعال في انتشار الأفكار الهدامة.
من حق المنتجين ان يبحثوا عن مجالات اخرى للاستثمار تكون أكثر جدوى لها، طالما أنهم يجدون ان الفن ليس له أب يرعاه ويذلل أمامه الصعاب.
وفِي ظل الحروب التي تشنها الكتائب الالكترونية المعادية ضدنا وتستهدف أبناءنا من النشء والشباب، فإن الفن عموماً والسينما والمسرح خصوصاً من الأسلحة التي لا ينبغي أن تسكت، لأنها سلاح أكثر فاعلية في هذه المعركة التي تستهدف العقول والوجدان في المقام الأول.
mahmoudhassouna2020@gmail.com