شادية : بليغ حمدي كان سيد درويش العصر، لكننا ظلمناه!
كتب : أحمد السماحي
تميزت ألحان بليغ حمدي الذي نحيي ذكرى رحيله الـ 27 للأغنية المصرية بالشكل القومي، وتميز عن جيله وكل من سبقوه باستلهام الألحان من التراث وإعادة تقديمها في شكل مبتكر يناسب العصر وإيقاعه، ولم يكن الإيقاع بالنسبة له هو الميزان الإيقاعي التقليدي، بل انه ذلك الذي يمثل نبض الموسيقى الخفي .
وعلى صغر سنه في بداياته الموسيقية فقد تعددت منابعه، حيث أعطى اهتماماً بالغاً للموسيقى التركية والفارسية، وموسيقى الخليج العربي، وموسيقى بلاد المغرب العربي، وكذلك موسيقى بلاد الشام، وليس هذا فحسب بل إنه اهتم بدراسة آلات هذه البلدان وإيقاعاتهم ومقاماتهم وأساليبهم في الغناء والتطريب والتأليف الموسيقي، و أقام مزجا حيا بين كل تلك الموسيقات، وهو الذى أدخل التوزيع الآلي في ألحانه، وطور في أسلوب أداء المجموعة الصوتية (الكورال)، فقد أعطى للمجموعة الصوتية المصاحبة للمطرب دوراً بارزاً بعد أن كان دورها ثانوياً.
ووظف بعض الآلات الجديدة على التخت العربي بطريقة مبتكرة مثل (الساكسفون والجيتار والأورج)، كما أدخل الموسيقى الالكترونية في ألحانه ليستوعب في النهاية كل أدوات عصره.
فى بحثنا عن كل ما يخص بليغ حمدي فى الجرائد والمجلات القديمة توقفنا مع هذه الشهادة النادرة للفنانة العظيمة شادية عن موسيقارنا الكبير بعد رحيله مباشرة، حيث قالت معبودة الجماهير شادية: لقد ظلمنا بليغ حمدي كثيرا، فقد سافر ولم نسأل عنه فى غربته، كأنه منبوذا، وعندما مرض واحتاج يد حانية تخفف تعبه لم نسأل عنه، وعندما ظهرت براءته وعاد لحبيبته مصر لم نكرمه، (أهو مات وارتاح)، لكنه سيعيش بموسيقاه، فقد ترك أعمالا لن تموت، فأي عمل له لم يكن يخلو من نغمة تتسلل إلى الوجدان والقلب فورا.
إن ما يحز فى نفسي أن الدولة لم تكرمه، ولكن الناس سوف تكرمه بالترحم عليه كلما استمعوا إلى عمل من أعماله الرائعة، وربما تدرك الدولة بعد فترة أن بليغ حمدي كان سيد درويش آخر ولم نعرف قيمته وظلمناه، فقد أحب مصر وظهر هذا الحب فى كل أعماله وفى كل ما لحنه لي وآخر هذه الألحان (أدخلوها سالمين).
وبليغ أوبلبل – كما كنا نناديه – أعرفه منذ كنا أطفال صغار ففي هذا الوقت كان عمره تسع سنوات وكان يعيش مع أسرته فى فيلا فى شبرا، وكانت أختى تسكن أمامهم، وكنت أحضر من أنشاص وأنا طفلة مع والدي ووالدتي لزيارتها، وكنت أشاهد بليغ يدندن على العود، ومنذ هذا الوقت توطدت علاقتنا، وهو أحسن من لحن لي فى حياتي ونغماته أكثر النغمات تطابقا مع طبقة صوتي، رغم أنه من المعروف أنه عندما يلحن رجل لصوت نسائي نادرا ما تتطابق ألحانه على صوتها لأنه يلحن على صوته هو، ولا أنسى أن بليغ هو الذى أعادني للغناء بعد أن توقفت أربع سنوات وذلك بلحن (آه يا سمراني اللون)، وتلاه بأغاني أخرى مثل (قولوا لعين الشمس، خدني معاك، عالي، خلاص مسافر، آخر ليلة، ياأم الصابرين، يا حبيبتي يا مصر، والله يا زمن، قدمنا له الحب، والنبي وحشتنا)، وغيرها من الأغنيات الرائعة.