بقلم : محمد حبوشة
منذ إنشائها 1982 وهى تلعب لعبتها الخبيثة للعبث بساحة الغناء المصري، وفي محاولة مريبة من جانب إدارتها تارة تجتذب إليها كبار المطربين، خاصة من الشباب وتتعاقد معهم على مبالغ خرافية، لكنها سرعان ما تدعهم في ثلاجة التأجيلات والمماطلة في إصدار ألبوم حسب الجدول الزمني المتفق عليه في العقد، وتارة أخرى تقوم بفسخ العقود دون لأسباب واهية ودون إنذار مسبق، وكأنها في ذلك تخرج لسانها لهذا المطرب أو تلك المطربة المصرية، منتشية وسعيدة بأنها أوقفت نشاطه الفني لعدة سنوات كافية لتراجعه، أو ذرا للرماد في العيون تلجأ للاستعانة بضعاف الشعراء والملحنين لإنتاج ألبومات هزيلة، ومع سبق الإصرار والترصد تصدر انطباعا سلبيا أن هذا هو حال الأغنية المصرية التي تسجل تراجعا تلو الآخر، بينما تعلو الأغنية الخليجية في عنان السماء مسجلة أرقام قياسية على حساب نجومنا المصريين.
وفي لحظة صدق من جانب مطربينا اكتشفوا تلك العبة القذرة التي تنال من قيمة الأغنية المصرية، فقرروا الانسحاب من تحت مظلتها في ظل تراجع سوق الكاسيت ولجأ بعضهم للانتاج على حسابه الخاص، أو اللجوء لشركات مصرية تجازف بأموالها القليلة وسط تيارات عصيبة من القرصنة وغيرها من مظاهر قضت على (صناعة الكاسيت والسي دي) لحساب المواقع على شبكة الإنترنت التي تحولت لساحة من الفوضي والقرصنة للألبوم ليلة صدوره أو ربما قبلها بساعات أو أيام قليلة.
لقد سعت روتانا منذ أن وطأت قدميها أرض القاهرة إلى تخريب متعمد، عمن طريق تنفيذ أجندتها الخبيثة بطرق سرية – ربما لم يدركها نجوم الغناء في حينه – لكنها كشرت عن أنيابها وبطرق ملتوية عندما راحت مؤخرا تستقطب من لاعلاقة لهم بالطرب والغناء مثل (محمد رمضان) في إشارة واضحة وصريحة بأن حال الأغنية المصرية قد تدهور ووصل إلى الدرك الأسفل من الإبداع الذي يخاطب الذائقة السليمة، وهى هى اليوم تتعاقد في فجاجة وتحد صارخ لنقابة الموسيقيين المصريين مع المدعو (حمو بيكا)، وهى في ذلك تصر على إفساد الذوق العام تحت شعار (السوق عاوز كده).
صحيح أن تعاقد روتانا مع (حمو بيكا) ومن بعده عمر يوسف (البلدوزر)، على التوزيع الديجيتال لأغانيه عبر إحدى التطبيقات التابعة لمجموعة الشركة، قد صاحبه موجة من الغضب من جانب صناع الأغنية والجمهور، لتبدأ بعدها بدقائق حالة من الغضب العارم بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا إقدام (روتانا) على هذه الخطوة، (ترسيخا للفن الهابط، ضياع القيمة الفنية الكبيرة التي يحظى بها اسم الشركة)، والتي لها باع طويل في إنتاج أغاني ألمع فناني الوطن العربي، على مدار عقود طويلة من الزمان، ولكن لاحياة لمن تنادي!!
و يأتي على رأس المنتقدين الشاعر أمير طعيمة الذي انتقد روتانا، بعد إعلانها طرحها كليب جديد لمطرب المهرجانات، والتعاقد مع بعض مطربى المهرجانات الآخرين لتوزيع أعمالهم، معلقا: (شىء محزن إن اللوجو اللى اتحط على أعمال عظماء يبقى محطوط على النوع ده من الأعمال)، ووجه الشاعر رسالة إلى الشركة قائلا: (أصدقائى المسئولين فى روتانا واللى هيزعلوا منى، مع الأيام هتعرفوا إنها نصيحة مخلصة وأنكم تسيئون لتاريخكم، فيه فرق بين شركة كبيرة وبين سوبر ماركت يعرض سلعة رخيصة حتى لو عليها طلب”.
ومن جانبه وجه الملحن مصطفى جاد، عددا من الأسئلة إلى شركة روتانا، قائلا عبر حسابه بموقع تويتر (ربنا يكتب النجاح لكل الناس، وربنا يعلم قد إيه بفرح بالغنوة الحلوة والمزيكا الجديدة وخصوصاً لو مصرية.. دى أول حاجة، موضوع روتانا اللى قالب السوشيال ميديا وحمو بيكا وكده، أنا بس عايز أحط كام سؤال قدام حضراتكم ونحاول نجاوب عليهم مع بعض)، ومن أسئلته: (هل روتانا مهتمة أصلاً بالمحتوى ولا النجاح والعدد المهول من المتابعين؟، هل الشباب دول هيصنفوا كلامهم وهيخضعوا للرقابة زيى وزى أى مبدع؟، هل روتانا تقدر تمضى مع حد من اللى بيعملوا (شيلات) فى السعودية ويعملولهم التسويق الكبير اللى بيحصل؟
ربما لامس (جاد) الواقع الذي تحدثت عنه في بداية كلامي، وذلك في إشارة واضحة إلى أن هنالك هدف رئيسي للشركة وهو تصدير صورة سلبية عن الغناء المصري والإصرار على دعم هؤلاء المهرجين الذين يدعون تقديم ما يسمى بـ (المهرجانات) للتأكيد على فراغ تعاني منه الأغنية المصرية على مستوى مفردات الكلمة التي لاتحمل أي معنى والموسيقى المستنسخة من موسيقات أجنيبة، وللأسف هذا أسلوب يلجأ إليه كبار المطربين وعلى رأسهم (عمرو دياب) الذي طرح عدة ألبومات وأغان وكليبات كلها لاتحمل أي نوع من الإبداع بقدر ما تميل للركاكة والاستسهال في تكرار ممل يخاصم الذائقة السليمة، إذن نحن ندمر الأغنية المصرية بأيدينا ونسمح لغيرنا بالعبث بمقدراتها في ظل طغيان التكنولوجيا.
وفي صرخة مدوية قال الملحن الكبير حلمي بكر: “للأسف فكرة تعاقد روتانا مع حمو بيكا لايوجد رد وحيد عليها إلااللي تغلبو ألعبو، بمعني الشركة تريد أن تبيع وممكن تحط أي حاجة قدامها تبيع بيها، وهذا ما حدث بالتعاقد مع بيكا أيا كان نوع العمل الفني بينهم”، وأضاف الملحن الشهير، (للأسف روتانا بتوقع نفسها بما فعلته فروتانا لها اسمها ومستواها الذي سيتأثر بوجود بيكا)، ولكن هل وعى مسئولي روتانا لتلك الآراء، وهل استمع واحد من إدارتها لصوت العقل وخضع لمنطق الفن وليس منطق السوق في تسويق بضاعة فاسدة لاتضيف إلى رصيد روتانا غير الخزي والعار، وهى التي كانت يوما أكبر منصة موسيقية تعني بالقيمة والمعني رغم عبثها المتواري والذي كان يصب في عضد الأغنية المصرية.
ظني أن منطق الجشع والكسب السريع هو الذي سيطر كليا على إدارة روتانا التي راحت تمزق أوصالها مع كبار نجوم الغناء في العالم العربي، وحتى لاتخرج من السباق خالية الوفاض لجأت إلى المهرجات معتبرة أنها ظاهرة غنائية رائجة الآن ويمكن أن تدر عائدا سريعا يعوضها خسارتها التي تكبدتها على النجوم الكبار، وليس مهما هنا أن تنتج أعمالا تحمل قيمة فنية، بل يكفي أن تمتلئ الجيوب بفلوس تشبه عمليات غسيل الأموال الناتجة عن المخدرات والبضائع المضروبة وتجارة الأعضاء وغيرها من موبيقات هذا الزمان.
لقد هبت عاصفة روتانا – للأسف – فى الوقت الذى تتصدى نقابة المهن الموسيقية فى مصر لهذا النوع من الأغانى والتدنى والهبوط فى الذوق العام الذى انتشر بعد تفشى هذا النوع من الأغانى، وذلك فى الوقت الذى تحدد يوم 16 سبتمبر المقبل موعدا لمحاكمة مطرب المهرجانات حمو بيكا، على خلفية اقتحام الأخير مقر نقابة الموسيقيين والتعدى على الأعضاء وترويعهم، بسبب رفض النقابة اعتماده كمطرب، لكن روتانا تعاقدت مع بعض مطربى المهرجانات لتوزيع أعمالهم في تحد صارخ لنقابة المهن الموسيقية ومجلسها الذى يرأسه الفنان الكبير والقدير هانى شاكر.
جدير بالذكر وفي هذه المناسبة أن نستعرض بعضا من تاريخ العلاقة بين بعض نجوم الغناء وشركات الإنتاج التي تبدو لي ولغيري أشبه بفيلم مليودرامى مأساوى تبدأ أحداثه بمشاهد تغلفها السعادة والتفاهم تنقلها صفحات الفنون في الصحف والمجلات وعلى المواقع الإلكترونية، وغالبا ما تنتهى بمعارك ملتهبة فى ساحات المحاكم تتصدر أخبارها صفحات الحوادث وتتحول فيها كلمات الثناء والمديح إلى طلقات رصاص يطلقها الجانبان فى كل اتجاه فى محاوله لوضع كلمة النهاية على فيلم ممل شاهدناه كثيرا وإفيهاته أصبحت محروقة، ولعل أبرز الأمثلة عندما فاجأت المطربة المصرية (غادة رجب) الوسط الانتاجي – الفني عام 2012 بفك ارتباطها مع (روتانا)، في الوقت الذي كانت فيه غالبية (نجمات) الغناء في لبنان وبقية العواصم العربية يسعين جاهدات للانضمام الى الشركة المذكورة، طمعا بألبوم غنائي من انتاجها هنا، أو بتصوير فيديو كليب هناك، أو حتى أملا بأن يكنّ على لوائح الحفلات الغنائية التي تتبناها وتنتجها الشركة.
وربما لسنواتٍ طويلة، لم تستسغ القاهرة دخول المنتج الخليجي متمثلا بشركة (روتانا) أو غيرها من الشركات الخليجيَّة إلى إنتاجها الموسيقي الغنائي تحديدا، وعلى الرغم من محاولة بعض قطاعات الإنتاج في الشركة السعودية العبور إلى الدراما والسينما في مصر، لكن النجاح لم يكن مرضيًا للذائقة الفنية المصريّة، وربما شكلت أزمة الفنان عمرو دياب، مع شركة “روتانا”، والتي بدأت قبل أربع سنوات، وانتهت بمصالحة “باردة”، بأمر من رئيس هيئة الترفيه السعودي تركي آل الشيخ، بين الطرفين، وحدث تباعدا آخر بين شركات الإنتاج الخليجيّة والجو الفني المصري.
نعم حدث نوع من التباعد، فلم يأتِ الصلح بأي نتائج، ولم يعد الثقة بين دياب وسالم الهندي، المدير العام لـ”روتانا”. هذا الأمر طرح مزيدا من التساؤلات حول عدم عودة عمرو دياب إلى بيت الطاعة (الروتاني)، ليكون دياب الفنان الوحيد الذي فضّل المنصّات العربية على إغراءات (روتانا)، بعد توأمة الشركة السعودية مع شركة (ديزر) الفرنسية، بخلاف بعض المغنين اللبنانيين الذين وقعوا على العقود مباشرة عام 2018 مع الشركة السعودية، الأمر الذي زاد من اعتمادهم عليها.
ويبدو أن الإغراء “الروتاني”، لم يتمكن من إقناع المغنين المصريين بالعمل معها، (شيرين) مثلا التي كانت على علاقة جيدة بالشركة السعودية، دخلت في سجال عنيف مع مدير الشركة سالم الهندي عام 2016، عندما وصفت في تصريح صحافي العاملين بالشركة السعودية بـ (الأغنام)، فطالبها الهندي بالاعتذار، ورغم عدم اعتذارها تلك الفترة، عادت شيرين للتعاون على صعيد الحفلات فقط، لكن لم تحظى باهتمام من قبل شركة التوزيع التي تعاونت معها في ألبومها الأخير (نساي – 2018)، وامتلكت منصة (غوغل بريميم) الحقوق الحصرية للألبوم إلكترونياً، ورغم عرض (روتانا) المغري لشيرين بضرورة العودة للتعاون في الإنتاج الغنائي، إلا أنّ صاحبة “كدابين” لم توافق.
وتبقى (أنغام)، هي المطربة المصريّة الوحيدة التي تسلم (روتانا) ما تشاء من إنتاجها الغنائي، وخلال سنوات، لم يظهر أي عداء أو خلاف بين الشركة وبين صاحبة (اكتبلك تعهد)، وفي المقابل لا تتدخّل الشركة بإنتاجات أنغام، بل تحصل على التنازل للتوزيع وحقوق البيع، وكذلك بالنسبة لحفلاتها الخليجية التي تتبنى “روتانا”، ومؤخراً هيئة الترفيه، تنظيمها.
هذا مجرد (غيض من فيض) من جانب روتانا وتعاملاتها المريبة مع الغناء المصري الذي تحاول يوميا النيل منه بعروض سخية لبعض النجوم شريطة غناء الغث من الكلمات والألحان، أو اللجوء إلى أسلوب استقطاب بعض أقطاب العبث الغنائي في مصر مثل (حمو وبيكا والبلدوزر)، وغيرهما ممن تكتظ بهم قائمة الفوضي والعشوائية، على جناح مهرجانات لا تفضي إلى شيئ سوي الاستخفاف والتردي، وروتانا في هذا لاتسيئ للأغنية المصرية فحسب، بل تسعى لتدميرها وضربها في مقتل.. فهل وعينا لتلك الهجمة الشرسة التي تسعى لتجريف الغناء المصري الذي يخاطب الوجدان ويبث في نفوس الناس الروح الوطنية، في وقت تقوم فيه الدولة المصرية بإنجازات ينبغي أن يوازيها إبداع يليق بثقافة وحضارة هذا البلد.