بقلم : محمد حبوشة
لاحديث كان يعلو أي حديث آخر طوال الأسبوع الماضي في برامج (التوك شوز) المصرية غير الكلام عن الخلافات التي ضربت أبواق الإعلام الإخوانية فقد (وقعوا في بعض)، وكان طرفي النزاع هى القنوات التي تدافع عن الصهيوني المستعرب (عزمي بشارة) وجبهة الإخوان بتركيا، ولقد شهدنا على الهواء مباشرة فضائح واتهامات لتليفزيون (العربي) بهدم الثوابت الدينية، ومن جانبهم فقد وصف إخوان أنقرة (بشارة) بالجاسوس القومجي، وهنالك احتمالات كبيرة في تصاعد حدة الأزمات بين طرفي كارهي الدولة المصرية خلال الفترة المقبلة (ربنا يزيد ويبارك) سبحانه فهو نعم المولي ونعم النصير في تسليط أبدان على أبدان.
ما حدث من انقسمات بين صفوف الإخوان ومن يدور فى فلكهم يؤكد أنهم ليسوا على اتفاق.. “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى” ، رغم أنهم يحاولون إيهام الشعوب أنهم أصحاب قضية، لكن خلافتهم تفضحهم لتظهر سؤاتهم أمام الأشهاد بأيديهم قبل أيدى غيرهم، إذ سلطوا على بعضهم البعض، ويظهر ذلك “خناقات الخونة” الدائرة فى الخارج الآن عندما تضاربت مصالحهم، خصوصا حول الأموال التى ترسل إليهم من محرضيهم.
ومعروف كما شاهدنا أن أبواق الجماعة الإرهابية المملوكة لعزمي بشارة، تشهد حالة من التخبط بسبب التمويل والحصول على دعم مادي، حيث شن أحد القيادات الإخوانية هجومًا على عزمي بشارة، متهما إياه بإنه يخدم أجندات خارجية ويسعى لهدم الهوية الإسلامية، وهو ما يكشف عن حالة التخبط التي تشهدها وسائل إعلام الجماعة الإرهابية في تركيا ولندن، علما بأن (بشارة أنفق بما تبلغ قيمتة مليار ومائتي مليون دولار في محاولة لكسر شوكة الدولة المصرية منذ عام 2011، مع تنامي بما يسمى ثورات الربيع العربي وحتى الآن، وبالتأكيد هو يعمل لحساب عدة أجندات وليس أجندة واحدة وعلى رأسها قطر تحديدا.
وكما هو مشهود فقد دخل على خط المواجهة والاتهام لبشارة بالعمالة أطراف أخرى غير الكتائب الإلكترونية والقنوات الإخوانية، فمؤخرًا شنت الإخوانية إحسان الفقيه هجومًا على عزمي بشارة، عبر حسابها بموقع “تويتر” قائلة: هل يعي إخوتنا في قطر أن (عزمي بشارة) يُروّج لنسخة جديدة من الإسلام بأسلوب خبيث، من خلال المنصات والمنابر الإعلامية التي يُشرف عليها بأموالهم؟!.. حيث الترويج للإلحاد ومحاولة نزع الهوية الاسلامية وقراءة الثوابت بعبثية لا يقبلها مُسلم.. أولَم يقُل بأن القرآن كُتِب بمرجعية سياسية.
وتابعت (الفقيه) في تغريدة أخرى: أكبر مهام وإنجازات عزمي بشارة هو السيطرة فكريًا على مثقفي العرب، وجذبهم بعيدًا عن الهوية الإسلامية أو الدفاع عنها أو حتى التعاطف معها، إلى مسارات تخدم العلمانية.. عزمي بشارة بوقوفه “الشكلي” في خندق المظلومين، حصد مغانم لنفسه ولنهجه الخبيث، أكبر بكثير مما حصده (دحلان) بل ويوسف العتيبة نفسه، ومن ثم أضافت: “نربأ بإخوتنا القطريين عن خضوع منابرهم الإعلامية لعلماني يهاجم مع غلمانه ثوابت الإسلام، ومهما كانت الدوافع والحسابات السياسية للتمسك ودعم مشاريع عزمي بشارة، فإنها تهدد بذوبان الهوية القَطرية والمنهج الوسطي الذي يحيا في ظلاله القطريون.. نصيحة من قلبٍ يحبكم ولم يقبل بكم يومًا قولاً دنيئًا”.
ولم تكن إحسان الفقيه وحدها هى صاحبة السبق في الهجوم على (عزمي بشارة) هذا الكلب الأجرب الذي ظل يعيث فسادا في الأرض لما يقرب من عقد من الزمان مستهدفا الدولة المصرية، بل دشن حملة الهجوم (محمد ناصر) ذلك البطل من ورق الذى يبث سمومه دائما عبر قناة “مكملين” الإخوانية، إذ ظهر وهو يهاجم مُنظر الإخوان الأول، الفلسطينى عزمى بشارة، حيث وصفه بـ”الجاسوس القومجى” و”الجاسوس الإسرائيلى”، وأنه “يكره كل ما هو إسلامى”، وأن “الأمير تميم يصرف على عزمى بشارة الذى تربى في أحضان الصهاينة “، و”أنه أخذ أموالاً لا تعد ولا تحصى من تميم “، وأن بشارة “خرج من أحضان الصهاينة وذهب طوعًا إلى أحضان وجلس على حجر الأمير تميم.
حالة التخبط تلك في وسائل الإعلام الإخوانية أثارت حفيظة كثير ممن الخبراء الذي ذهبوا إلى تحليل الظاهرة، فقد ذهب كثيرون منهم إلى أن كل هذه الخلافات سببها الرئيسي النزاع على التمويل، فكل هذه الأذرع التي تعمل على تنفيذ أجندة عزمي بشارة، ما هي إلا أدوات لخدمة أجندات الدوحة وتميم في المنطقة، وأبرزها قناة العربي، ومواقع مثل (عرب بوست وعربي ٢١)، وغيرها من وسائل الإعلام الإخوانية بلندن.
وإذا نظرنا نظرة فاحصة سنجد أنه على المستوى الداخلي للكيان الذي يديره (عزمي بشارة) فقد تفجرت أزمات عديدة شهدتها وسائل إعلامه التابعة له، وعلى رأسها تليفزيون العربي، فمؤخرًا أطاح عزمي بشارة بخصومه من شبكة التليفزيون العربي المملوكة للأسرة الحاكمة في قطر بفضائح واختلاسات مالية، وازدادت سيطرة (عزمي) على الشبكة التلفزيونية بشكل تام، وتخلص من معارضيه ومنتقدي÷، وفي ذات السياق ظهرت العديد من التقارير الإعلامية الدولية والعربية تكشف فضائح عزمي بشارة ورجاله داخل التلفزيون العربي والتي تتم في الغرف المغلقة، حيث استولوا رجال (عزمي) على أموال طائلة تحت سمع وبصر (بشارة) من الميزانية المالية المخصصة للتلفزيون العربي دون مساءلة قانونية.
هو إذا فصل جديد من صراع تمويل إعلام الإخوان تم تفجيره على سطح الأحداث ليلة سقوط أخطر رجل فى الإخوان (محمود عزت) رأس الأفعي في كل عمليات التفجير التي حدثت في مصر منذ الإطاحة بحكم الإخوان لمصر 2013، في وقت تواصل أذرع جماعة الإخوان الإرهابية فى الإعلام معركتها من أجل التمويل والحصول على دعم مادي لصالح قنواتها المحرضة، وكان آخر حلقة بها الهجوم الذى شنته الكاتبة الإخوانية إحسان الفقيه على عزمي بشارة، عبر حسابها بموقع “تويتر”.
وفي مقابل كل هذا انتفض العاملون في قنوات الإخوان والمنتسبين صراحة للتنظيم، وكان أهم ما صدر عنهم في هذا السياق هو البث الذى صدر عن محمد ناصر، والذي وصف عزمى بشارة بـ”الجاسوس القومجى” و “الجاسوس الاسرائيلى ” ليبدو لنا أن هناك نوع من المكايدة السياسية فيما بينهم، بالإضافة إلى وجود خلافات شديدة بين عصام تليمة ومحمود حسين، وخاصة أن عصام تليمة نقل عن (محمد بديع) المرشد السابق لجماعة الإخوان تصريحا يؤكد فيه أن تنظيم جماعة الإخوان انقسم رأسيا وأفقيا، مؤكدا أن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان سقط ولن يعود.
وعصام تليمة من جانبه وفي أعقاب تصريحاته تلك خرج فى فيديو وأعلن أن شباب الإخوان ألحدوا، وذلك بسبب فشل قيادات الإخوان والتى أوهمتهم بأنهم سيعودون للحكم، حتى ظلوا فى هذه الأزمة لمدة 7 سنوات مما أدى إلى اهتزاز إيمانهم، وهو الأمر الذي ينذر بحدوث انقسامات داخلية جديدة فى تنظيم الإخوان الدولى، رغم أن الخلاف بين الأذرع الإعلامية لجماعة الإخوان دائم وقديم، لكنه ظهر على السطح مؤخرًا، مشيرًا إلى اتهامات محمد ناصر لعزمي بشارة ووصفه بالعميل والجاسوس، واتهامه لأمير قطر بتمويله، وهذه اتهامات متبادلة وقديمة بين الأذرع الإعلامية
صحيح أن الصراع طوال الوقت موجود، لكن من أدبيات التنظيم، أنهم لا يظهرون، الخلاف على العلن، ويحاولون احتواء أي خلاف بحيث يصدرون صورة مثالية عن التنظيم وتصديرها للإعلام، لكن الأمر بدا مختلفًا هذه المرة مع اتهامات محمد ناصر، وربما هذا الأمر مرتبط بما يمكن أن نسميه بـ “الكعكة”، فهذه الأذرع الإعلامية ينفق عليها مئات الملايين من الدولارات، سواء من قطر أو من تركيا، وبالتالي هذه الأموال التي صرفت على (عزمي بشارة) من قبل قطر أموال طائلة، ربما تفوق عشرات أضعاف الأموال التي صرفت على الذراع الإعلامي التابع للإخوان في اسطنبول، مما دفع محمد ناصر للهجوم على قطر وعزمي بشارة والذراعي الإعلامي الذي ينفق أموال كثيرة له.
ومما لاشك فيه أن ثمة خلافات أيدولوجية بين طرفي معادلة الخلاف الآني، حيث أن قناة مكملين والشرق تتبع الإخوان بشكل كبير، بخلاف عزمي بشارة ومجموعة قطر، التي تبدو قريبة من الإخوان، وهنا تبدو اختلاف الأجندات، ويبدو ملحوظا في قلب تلك الكعكة أن أمير قطر له توجه خاص، من خلال عرب 48، والقوميين، وهذا يختلف مع الإخوان، وبالتالي أصبح الخلاف واضحا للعلن، ومن دلالات الخلاف الإعلامي بين الأذرع الإعلامية للإخوان، أنه في 2013 كان هناك موقع يسمي (إسلام أون لاين)، يتبع شباب الإخوان، الذين ثاروا على الجماعة، وكان الموقع يعمل دون علم التنظيم الدولي للإخوان بقيادة إبراهيم منير، مما اضطر الجماعة لإنشاء موقع آخر بديل في لندن، وهذا كان خلاف وتنظيم قبل أن يتم احتواؤه.
ويرجع الخبراء أن من أسباب الخلاف بين كوادر الجماعة الإرهابية، في قطر وتركيا، هو أن تلك الجماعات مرتزقة ومأجورون، وأصحاب مصالح خاصة، لذلك دب الخلاف بين أطراف الجماعة، كما اتضح ذلك من خلال البيان الصادر عن مكتب الإرشاد، والذي يؤكد وجود خلاف بين أطراف الجماعة بالدوحة وأنقرة، يؤكد على تفكك داخلي للجماعة، ما يؤكد أن خلافًا حتميًا سيدب بينهما عاجلًا أم آجلًا، وفي حال لم يستطع التنظيم الإخواني السيطرة على هذا الخلاف، فإنه سيتطور إلى أبعد من ذلك، وقد تخرج وثائق تفضح أسرار التنظيم السري للإخوان.
ويبدو لي أنه من أهم أسباب الخلاف الجوهرية أيضا في وقتنا الراهن، أن جماعة الإخوان أصبحت عبئًا على المخابرات الأمريكية والإنجليزية، ولذلك فإن الإخوان باتت تفقد جزءا كبيرا من دعمهمها، وإن كانتا لم تتخل ملطقًا عن الجماعة، فكما هو معروف أن “تنظيم الإخوان يرتبط إلى حد كبير بسياسات ومخططات الأجهزة المخابراتية الأمريكية والإنجليزية، لكن على مايبدو لي ولي غيري من المراقبين فإن الإخوان دائمًا تعاني من غياب لكوادر إعلامية محترفة، لذلك تلجأ إلى كوادر من خارج التنظيم، لذلك فإن هؤلاء يعدون مرتزقة ومأجورين، وقد يسببوا للجماعة مشاكل في أي وقت.
حالة التلاسن الحالية بين مرتزقة الإعلام الإخواني هى الأعنف من نوعها وتلك نقطة لم تركز عليها برامج التوك شو المصرية خلال استعراضها للخلافات بين الغرماء، فقد لاحظت أن محمد ناصر الهارب إلى تركيا، هاجم زميله الهارب إلى بريطانيا بلال فضل، على ضوء انتقاد الأخير لمراسم إعادة افتتاح (آيا صوفيا) كمسجد، حيث اتهم ناصر العاملين بقناة العربي الجديد وتليفزيون العربي بالغيرة من نجاح الهاربين إلى تركيا ممن يعملون في قنوات الشرق ومكملين ووطن، رغم أن الهاربين إلى بريطانيا يتلقون تمويلاً مباشراً من الأمير (تميم بن حمد آل ثاني) حاكم قطر كما وصفهم محمد ناصر.
وقد لاحظت أيضا أن دوائر التلاسن والهجوم توسعت وشملت أغلب العاملين في القنوات، وقد واكب ذلك اشتعال منصات وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليق على هذا السجال، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يتعارك فيها (الهاربون إلى قطر) مع (الهاربين إلى تركيا)، ولكن خلف هذا السجال توجد شبكة من المصالح أعقد مما يظهره هذا التلاسن، تعود إلى عام 2013 حينما اندلعت ثورة 30 يونيو 2013، وفرت العناصر الإخوانية والموالية للإخوان هاربة خارج مصر من أجل الارتماء في أحضان الدول التي صنعت نظام محمد مرسي ودعمت تنظيم الإخوان للوصول للسلطة في مصر ما بين عامي 2012 و2013.
دخل إعلام الإخوان فى البلدين (تركيا وقطر) حالة من الصراع والشتائم والاتهامات المتبادلة، ووصل الأمر إلى توجيه السباب والشتائم على الهواء، وتبادل الاتهامات من الجانبين بالعمالة والخيانة والردة عن الدين، وذلك على خلفية نقد وجّهه بلال فضل، مقدم برامج فى تليفزيون (العربى الجديد) الذى تموله قطر، ويشرف عليه عزمى بشارة لتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، فرد عليه أحمد منصور، من إخوان قناة الجزيرة، مهاجماً، ووصف (فضل) بأنه من الزنادقة والملحدين، وحرّض ضده قائلاً: (يجب أن نسحقهم بأحذيتنا) وهاجم محمد ناصر، المذيع الإخوانى فى قناة (مكملين) الإخوانية، التى تبث من تركيا، عزمى بشارة، ووصفه بـ(الجاسوس) وأنه يتقاضى أموالاً من أمير قطر.
أسباب الخلاف الأخرى وإن كانت فرعية إلا أنها تمثل التنافس البشري على المال والنفوذ والنساء، وكان محوره الأساس القرب من قصر الوجبة، والسيطرة على أموال الإعلام وخاصة الجزيرة بكل ما فيها من موارد و(حرملك)، ويرى مراقبون لتحركات جماعة الإخوان، أن ما يجرى هو محاولة إبتزاز لتميم بن حمد أمير قطر للحصول على أكبر دعم مادى ممكن لصالح قنوات الاخوان، وسحب التمويل الممنوح لمجموعة العربى الجديد التي يشرف عليها عزمى بشارة باعتبار أنها محدودة المشاهدة والفاعلية والتأثير، في حين يرى آخرون أنها بوادر صدام.
جدير بالذكر أن (قناة الجزيرة) كانت بتركيبتها الإخوانية القاعدية الثورية ملاذ حمد وبرميل نفاياته السياسية، وساهمت لسنوات وماتزال في معركة التضليل الفكري والإعلامي التي تمارسها قطر داخل المنطقة العربية بهدف تغيير هويتها وتدميرها فكريا وثقافيا وسياسيا وعسكريا، وعى في ذلك تقوم بدعم توجهين مختلفين ومتضادين في نفس الوقت، إذ تدعم معسكرات الإسلام السياسي وأيدلوجيتها المتطرفة والمتشددة، متمثلا في جماعة الإخوان وحلفائها، ودعم تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، والمليشيات المسلحة في منطقة القرن والساحل الإفريقي، ومن جانب آخر تدعم أيدلوجية التوجه العلماني، ونشر المسار الإلحادي في المنطقة العربية، متمثلا في عزمي بشارة وأنصاره من خلال شركة فضاءات وشركة ميديا، والمنصات الصادرة عنهم مثل صحيفة وقناة العربي، وموقع ميدل إيست.. إذن الجزيرة ماتزال رأس الحربة التي تستهدف المنطقة كلها.