فريد الأطرش يطلب شادية للزواج رغم مؤامرات شقيقه فؤاد
* لم يكن يتوقع فريد أن يكون للحب هذه اللمسة السحرية على قلبه ونظرته للحياة
* شادية إلى جانب خفة روحها كانت إنسانة تنسى إنها فنانة وتهتم بأدق تفاصيل حياته.
* الدحاج بالمستكة يشعل الحرب بين فؤاد الأطرش وشادية.
* فؤاد يطلب من زوجته إيمان وصديقتها سهير الباروني أن تكفا عن معارضة شادية، أو تقليدها في الخفاء
* لم يعرف فؤاد طعم النوم عندما رشح شقيقه شادية لبطولة فيلم (أنت حبيبي)!
قارئ الكف أصاب شادية بالإكتئاب
كتب : أحمد السماحي
هبت شادية على حياة فريد الأطرش كالنسمة الرقيقة، ولاحت بساطتها، ورنت ضحكاتها الصافية الهنية، فاخترقت قلب فريد الحزين، وفى أحد السهرات جفاه النوم وبدأ يسترجع علاقاتها معه منذ كانا يمثلان فيلم (ودعت حبك) فلم يمسك بدليل واحد يدل على أنها تجاوزت حدود الزمالة، على أن كل الذي بدر منها كان قطرات تسعف الظامئ إلى الحب، وبدت دلائلها فى عبارة رقيقة أو لمسة يد، وبغير مقدمات وجد نفسه ذات يوم يقول لها وهما بمفردهما بشقته حيث دخلت إيمان المطبخ تعمل شاي: “شادية… أنا أحبك”!!.
هوت الكلمة على أهدابها فارتعشت، وفرت بنظراتها بعيدا عن دون أن تنبس بكلمة، وانصرفت إلى شقتها قبل أن تجيب، لم يكن يتوقع فريد أن يكون للحب هذه اللمسة السحرية على قلبه أو نظرته للحياة، فقد أحس فجأة أن الأحزان تبتعد، وأن الله كان يدبر له التعويض عن كل عذاب الماضي، فشادية إلى جانب خفة روحها التى تصب فى الحب تجددا وتجعل كل لقاء متعة يسعى إليها، إنسانة تنسى إنها فنانة وتتذكر أنها ست بيت، فكانت حريصة على أن تسأله بصفة منتظمة هل أكلت؟ وهل نمت جيدا؟ وكم ساعة نمت؟، ويوم ثاني تقول له سأرسل لك صينية البامية من صنع إيدي، عم شحاته طباخكم ماهر لكني أتحداه.
والرجل ضعيف دائما أمام ست البيت لأنها تتمثل له مرة فى صورة الأم، ومرة أخرى فى صورة الزوجة، وإن لم تتمثل فى هذه الصورة أو تلك فهي أولا علامات حنان لا افتعال فيه ولا زيف، وفريد أسير كل حنان، شخص ما فى حياته بدأ ينغص عليه اكتمال قصة حبه، هذا الشخص هو شقيقه فؤاد الأطرش! الذي بدأ يباعد بينه وبين شادية، وعندما يسأل عليها فريد زوجة شقيقة إيمان، يقول له: اترك شادية في حالها فهي مشغولة بين بيتها وعملها ولا يجب أن تسهر معانا كل يوم!
خطط فؤاد لإبعاد شادية
بدأ فؤاد يحس بالخطر من حب فريد لشادية، فكان يضع العراقيل لمنع تواصلهما، فكان يخطط للمعارك وكانت إيمان هى التى تنفذها بطاعة، لقد تحولت إلى ما يشبه الدمية التى تتحرك بالرادار لا تسير إلا حسب الأوامر، ووفقا للاتجاه المرسوم لها، وفي يوم عرضت شادية ربما حتى ترسي في أعماقها أنها سيدة البيت، أن تطهو هى الطعام بنفسها، ولو مرة وكانت تجيد صنفين لا غير أولهما إيطالي هو البامية بالأوسوبوكو، وهى قطعة لحم تحيط بالفخذ، ثم الدجاج بالمستكة الذي لقنتها إياه أمها، وأوصت “شادية” الأسطى “شحاته” بأن يحضر لها فى اليوم التالي كل مستلزمات اللونين ثم كلفته بأن يكون المساعد لها فقط، وعلم كل من في البيت بأمر الوجبة التى تعدها سيدة البيت، وعلى مائدة الغداء اجتمع الشمل فريد وأصدقاؤه، وفؤاد وايمان، أنه الموعد اليومي الوحيد الذي يلتقي فيه سكان الجناح الشرقي بساكني الجناح الغربي على أرض مشتركة.
وتناول فؤاد لقيمات من صحن البامية ثم قال: ايه ده طعم الأكل وحش أووي! يبدو أن الأسطى شحاته متعب اليوم، وأضافت أيمان كلمات لقنها إياها “فؤاد” من قبل: صحيح الأكل وحش أوى اليوم فيه حد يحط على الدجاج مستكة؟ وتكهرب الجو، وتدخل فريد محاولا مساندة حبيبته فقال: يبدو أنكما لم تعتدا الأكل الطيب، الأسطى شحاته ليس متعبا، و(شوشو) هى التى أعدت الطعام بأصابعها الحلوة.
الواقعة بدت صغيرة، ولكن الركام فى نفس شادية جسمها وكان أن انسحبت فى هدوء، ونزلت إلى شقتها، ولم تصعد فى المساء، ولم تتصل في الصباح التالي، وشعر “فريد” بمضاعفات الموقف، وفريد طيب، ولكنه أبدا ليس ضعيفا، يتغاضى عن بعض التصرفات ولكن هذا لا يعني أنه راض عنها، وقد أراد أن يعالج الأمر بحكمة، فقال لإيمان : ألم تدعك شادية على الغداء؟ وردت ببساطة : نعم واتغذيت معاها، فأضاف : إذن الواجب أن تدعيها لتناول العشاء، ووجدت النجمة الطيبة التى تنفذ أصلا مخططا رسم لها نفسها محصورة فى خانة الـ”يك” فمدت يدها إلى التليفون القريب، وطلبت شادية، ودعتها إلى تناول العشاء فى الليلة التالية.
ضربة معلم
على المائدة كانت هناك مفاجأة قالب جاتوه كبير الحجم، تعلوه بطاقة مكتوب عليها بالسكر “عيد ميلاد سعيد” والتوقيع شادية، ووجمت (إيمان) وضاعت الكلمات من شفتي (فؤاد) فقد كانت الليلة عيد ميلاد إيمان ولا أحد يدري، ولا حتى (فريد) نفسه، كيف عرفت شادية الخبر؟!، وهكذا ضربت شادية إلى مرمى الفريق المعاكس ضربة معلم.
(انحن للعاصفة حتى تمر) هذا هو الشعار الذي رفعه “فؤاد” الرجل الذي اختار لنفسه أن يكون عصا المايسترو في بيت العائلة، وعصا المايسترو تتحكم في سائر الآلات، ولا يصدر عنها نغمة واحدة، بدأ يثني على أغلب تصرفات (شادية) حتى لا يتهمه أحد بالنية السيئة إذا ما انتقدها بشدة في بعض الأمور الحيوية، وطلب من زوجته إيمان وصديقتها الفنانة سهير الباروني أن تكفا عن معارضتها، أو تقليدها في الخفاء.
ظهور جو والسيد بدير مجددا
لعل السبب وراء هذه الخطة الجديدة كان عودة الفتى النحيل العصبي، وزميله البدين ذى النظارة السميكة إلى التردد على البيت من جديد، جاء (يوسف شاهين) ومعه (السيد بدير) لمناقشة الخطوط الأولى في قصة فيلم جديد، وذات ليلة خلت من الأصدقاء قال فؤاد لشقيقه: مبروك الفيلم الجديد، وابتسم فريد وقال: لا زلنا فى المرحلة الأولى، وعاد فؤاد يقول: ومن أي نوع الفيلم، وأوضح “فريد” كوميدي مرح حتى يجئ مختلفا عن (ودعت حبك).
وسكت فريد أدرك أن شقيقه يناور من أجل أمر معين، ثم أراد أن يتلاعب بأعصابه فقال: لا زلت في حيرة من أمر البطلة، وأفضل أن تكون جديدة، وخشى فؤاد أن يفلت منه الزمام فقال : الأفضل أن تكون عملت معها من قبل، وانسجمت معك، وقال فريد وكأنه ينزل عند رغبة أخيه: في هذه الحالة تكون شادية أنسب واحدة للدور!، وليلتها لم يعرف فؤاد طعم النوم!!
أنت حبيبي
شعرت شادية بوشائج من صداقة حميمة تشد إليها الذين زاملتهم من قبل، والذين تعمل معهم من جديد، كلمات المخرج (يوسف شاهين) لم تعد تضايقها عندما تتلكأ على شفتيه، وإرشادات مدير التصوير العصبي (أحمد خورشيد) تقبلتها بهدوء، فنحن عندما نحب، نحب حتى عيوب الأخرين، وعندما نكره نبغض فيهم حتى صفاتهم الطيبة، هذه هى معادلة العاطفة في قلوبنا، والذي قال: أن العاشق يطرب حتى لنباح الكلب، لم يخطئ ولم يجانبه الصواب!.
وكان الفيلم الجديد من لون الكوميديا خلا من تلك الدموع التى زخرت بها مواقف (ودعت حبك) وابتعد شبح الموت عن بطله، لترفرف حوله في هذه المرة طيور السعد، وعندما دفع إلى السيناريست السيد بدير، بنسخة من سيناريو (أنت حبيبي) قبل بدء التصوير بأيام، وجد فريد ألفة بين الذاكرة وبين أغلب مشاهده، كان الفيلم يعتمد بالأساس على الموقف الضاحك.
لقد تسللت فكرة الزواج لأول مرة إلى أرض الحبيبين وساعد على سرعة انتشارها انشغال العذول الأبدي (فؤاد الأطرش) بفيلم إيمان الجديد، فقد تعاقد معها بركات على بطولة فيلم (أيام وليالي) مع عبدالحليم حافظ، ولما كانت أغلب المشاهد تصور فى الخارج في حدائق القناطر، وأنشاص، فقد اعتاد فؤاد أن يمضي معظم يومه إلى جانب زوجته السمراء .
شجرة الزينة
إذا كان حب (فريد وشادية) مثل شجرة الزينة التى تحتاج إلى نور وفير، وسقي غزير، ورعاية من عيون كثيرة، فقدت بدت زهور هذه الشجرة تطلب المزيد من الهواء، أصبح الحب أقوى من أن يختبئ عن العيون، عيون الناس، أما عيون الأصدقاء فقد اعتادته، لم تعد العلاقة بين الحبيبين محصورة بين جدران الشقة الأنيقة في العمارة المطلة على النيل، وإنما خرجت إلى الهواء الطلق، كان يطيب لفريد أن يدعو شادية لتناول العشاء في مطعم “خريستو” أشهر مطاعم شارع الهرم، وقد اعتاد “فيليبا” الجرسون اليوناني الطيب أن يرحب بضيفيه وأن يفرد لهما مكانا خاصا تحجبهما عن العيون الفضولية الأوراق العريضة لشجرة موز كبيرة، وبدأ يزوران الأصدقاء أصبح ترددهما على فيلا (أحمد خورشيد)، التى تواجه استديو الأهرام تماما، أمرا عاديا.
قارئ الكف
ذات ليلة جاء إلى منزل المصور أحمد خورشيد، قارئ الكف محمد جعفر، لكي يزور الأسرة وتصادف وجود (شادية وفريد)، ورفض فريد قراءة كفه لأنه يعاند التنجيم منذ أنبأته عرافة بموت أسمهان غرقا، ومدت شادية يدها فنظر جعفر إلى خطوطها ثم سكت ولما ألحت عليه في أن يقرأ لها طالعها اكتفى بأن قال لها خط القلب عندك مضطرب ويوجد عزول لايريد لقصة حبك الاكتمال!، ولم يضف شيئا بالرغم من إلحاح المطربة العاشقة وكانت الكلمات كافية لأنهاء السهرة قبل موعدها.
اكتئاب شادية
لم تعد شادية تزور (خورشيد) كانت تعتذر برقة عن تلبية الدعوات خشية أن تلتقي هناك بجعفر الذي تحول في عينيها من قارئ كف إلى مقص مزق لها بعض شريط الأحلام، وأحس فريد بذكائه بأن كلمات قارئ الكف انطبعت بمداد قاتم في مخيلة حبيبته فعرض عليها أن يقضيا (ويك اند) فى الأسكندرية، ورحبت بالفكرة وفى الأسكندرية احتل المطرب العاشق الجناح الذي اعتاد حجزه في فندق (سيسيل) طوال الصيف وفضلت (شادية) أن تحل ضيفة على صديقتها ليلى فوزي وزوجها جلال معوض في الفيلا الهادئة التى تستأجرها بضاحية سيدي بشر، وأصبحت الشلة رباعية.
نجاح (أنت حبيبي)
مهما حاول المحب العاشق أن يخفي مشاعره ويكتمها فى قلبه فإن لهفة ولوعة الحب ستظهر رغم أنفه فى نظراته، ويقولون أن العينيين هما مرآة النفس الصافية، ورغم أن “فريد الأطرش” حاول إخفاء مشاعره العاطفية أثناء تمثيله معها في فيلم (أنت حبيبي) إلا أن كل العاملين فى الفيلم بدأوا يلاحظون نظراته العاشقة، وتأكدوا من وقوعه في غرامها، وعرض الفيلم وحقق نجاحا كبيرا بسبب خفة ظل أبطاله (زينات صدقي، عبدالسلام النابلسي، ميمي شكيب، سراج منير)، فضلا عن شادية وفريد وهند رستم، وأحداثه الكوميدية وأغنياته العاطفية الجميلة المليئة بالرومانسية والتجدد فى الألحان والكلمات منها (يا مجبل يوم وليلة، أحلفلك ما تصدقش، مرة يهنيني، زينة زينة، ما يكونشي ده اللي اسمه الهوا)، كما لمع فريد وشادية في غنائهما للديو الشهير (يا سلام على حبي وحبك) الذى يعتبر من أجمل الثنائيات الفنية.
أول أزمة عاطفية
مرت شهور بعد عرض (أنت حبيبي) وكانت أول أزمة بين (فريد وشادية) كان من عادة فريد أن يطير كل صيف إلى لبنان فيقضي بين ربوعه أياما ثم يكمل رحلته الي باريس، وكان من ضمن البرنامج أن يصحب شادية معه، ولكن البعض اقنعه بتغير خطته أول المعارضين فى سفر شادية كان بالطبع (فؤاد الأطرش)، فكان يقول لنفسه: لا أحد يتكهن بما يحدث في الغربة يجوز تستطيع شادية إقناع فريد بالزواج منها، ومن هنا تسلل فؤاد إلى أذن فريد فى لحظة شعر فيها أن همساته يمكن أن تجد صداها ثم راح يقول الأفضل أن تبقى شادية فى القاهرة على أن تلحق بك رأسا إلى باريس، واقتنع فريد وسافر وحده، وأحست “شادية” بسكين يمزق كبرياءها، ورغم حزنها وتأثرها، لكنها حاولت نسيان ما حدث في زحمة الشغل.
فريد يطلب شادية للزواج
سافر فريد إلى باريس وأحس فراغا لا سبيل إلى ملئه حتى لو اجتمع له عشرون صديقا، وتنقل بين العديد من علب الليل، فقد كان دائما سارحا بعيدا عن كل من حوله، فأفكاره كانت تطير إلى القاهرة ويتخيل شادية فى البيت أو الاستديو، وكان يتحدث إليها مرة كل يومين، ويستبد به الشوق فيتحدث كل يوم، وفى أحد الأيام قال لها سأجي إلى الإسكندرية حيث سأستقل باخرة من مارسيليا فإذهبي وحدك وانتظريني لن يعلم أحد بهذا الموعد، وسوف نتزوج فى الإسكندرية وننتقل إلى القاهرة عروسين فنقطع دابر كل حديث، ونضع كل الناس أمام المفاجأة المذهلة! لكن حدثت مفاجأة قلبت كل الموازين وغيرت فكر فريد!.. ترى ماذا حدث هذا ما سنعرفه فى الحلقة الأخيرة من حب فريد لشادية!