(إيزيس) .. رائعة المسرح التى حضرها رئيس الجمهورية
كتبت : سما أحمد
من التجارب المسرحية الهامة في تاريخ المسرح المصري مسرحية “إيزيس” التى قدمت على خشبة المسرح القومي بعد إعادة تجديده عام 1985 ، وقبل تقديمها حدث جدلا كبيرا على أيهما أهم ليقدم فى إفتتاح المسرح القومي بعد تجديده (مجنون ليلى) لأمير الشعراء أحمد شوقي، أم (إيزيس) لتوفيق الحكيم، وانتصر الرأي الأخير، وقدمت (إيزيس) التى حضرها الرئيس الراحل (حسني مبارك) وكبار رجال الدولة المصرية.
يعرض (الحكيم” في مسرحية (إيزيس) موقفه من بعض القضايا السياسية، ومنها ما هو موقف المفكر من القضايا والأحداث التي تجري في مجتمعه، هل هو مجرد المشاهدة والتسجيل عن بعد، أم المشاركة فيها بالرأي والفعل؟، وينتهي إلى أن المفكر لا بد أن يشارك في أحداث مجتمعه بالعمل إلى جانب رصده الفكري لها.
وأيضا من القضايا التي تطرحها هذه المسرحية، هل يمكن للفضيلة أن تنتصر بذاتها أمام الرذيلة بما تمتلكه من مكر وحيل؟، ولا يقدم (الحكيم) رأيا نهائيا في هذه القضية، وإن كنا نرى ميله لأن تستعين الفضيلة ببعض الحيل والمكائد لتنتصر، بل يظهر لنا شخصا هو (مسطاط) يؤمن بأن الفضيلة لا يجب أن تستعين بالحيل والمكائد التي تلجأ لها الرذيلة وإلا فقدت معناها السامي ولم يصبح هناك قيمة للمثل العليا.
في حين يرى (توت) أن الفضيلة لا يمكن في الظروف الصعبة أن تنتصر وحدها ولكن لا بد من أن تستعين بالحيل والمكائد لتنتصر، و(الحكيم) بهذا يبدو أنه كان ينظر للسياسة نظرة مكيافيلية فيرى أن الوصول للأهداف السامية يبرر الوسائل المستخدمة في سبيل ذلك حتى لو جانبت الفضيلة، ولهذا جعل (الحكيم) إيزيس تنتصر في معركتها ضد (تيفون) قاتل زوجها (أوزوريس) ومغتصب عرشه بلجوئها لبعض الحيل والمكائد التي تعارض الفضيلة، فاستعانت بشيخ البلد وأغرته بالمال والحلي ليقف في جانبها أمام “تيفون” على الرغم من فساد شيخ البلد الظاهر من أول المسرحية، وقبل (توت) من (إيزيس) سلوك هذا المسلك في حين رفضه (مسطاط) المثالي، وتنتهي المسرحية بنجاح (إيزيس) في الوصول لأهدافها باستخدام هذه الوسائل فينهزم (تيفون) أمام الشعب ويظهر فساده، ويعتلي ابنها (حورس) حكم البلاد.
وقد أشاد الكاتب الكبير (يوسف إدريس) بالمسرحية وقال في مقال كبير نشر في جريدة الأهرام: لو كان كرم مطاوع في ظروف نفسية أصلح، ولو كان لم يشغل وقته رغما عنه فى خناقات ما أنزل الله بها من سلطان حول المسرح الذي تعرض فيه مسرحيته، ولو أضاف قليلا بل لابد أن أقول كثيرا من الشاعرية، لا للديكور أو الرقصات، وإنما للمواقف الإنسانية العميقة التى تحفل بها الأسطورة، مثل مشهد لقاء إيزيس بإبنها حورس بعد خمسة عشر عاما، ولو جعل حورس يتحدث عن أبيه المقتول حديث ابن قتل أبوه ولم يره، ولم ير استيلاء تيفون على الحكم، ولو توقف قليلا عند مشكلة الحكم، ومن يحكم؟، وهل الحكم للقوة أم للعدل؟ و… و… وكثير من المشاهد التى كانت فى حاجة إلى كتابة درامية حديثة، ومراجعة متأنية لكل جملة من جمل الحوار، لو كان قد فعل هذا لكانت (إيزيس) أروع عمل إخراجي تم على المسرح المصري، ولكن هكذا شاءت العجلة وإصلاح المسرح، والخناقات والظروف النفسية الضاربة أطنابها فى هيئة المسرح بشكل عام وفي وزارة الثقافة بشكل خاص.
ورغم هذا فإيزيس عرض مسرحي رغم كل شيئ استمتعت به أنا وغيري غاية المتعة، ولا أستطيع أن أنهي كلمتي قبل أن أقبل (صلاح جاهين) على أغانيه التى أرشحه معها لأن يبدأ كتابة أوبريتات من تأليفه، كذلك لا أستطيع أن أنهي كلمتي قبل أن أشيد بسهير المرشدي إشادة خاصة فقد نضجت الممثلة الشابة نضوجا جعلها تشرخ قلبي بإحساسها بعد أن كانت تشرخه بصوتها العالي، الآن هى تؤدي من الداخل والداخل يصل مباشرة إلى الداخل ويعتصره، هنيئا لك يا سهير بدور العمر وأرجو أن يكون بداية، مجرد بداية لمرحلة تجعلنا نغلي بالغضب وبالرضا وبالسخط والإشفاق وبالدموع والضحكات وأنت تهمسين فقط تهمسين، مبروك يا كرم مطاوع بإيزيسك الصاخبة، مبروك يا سهير المرشدي على سهيرك الجديدة.
جدير بالذكر أن المسرحية أثارت جدلا كبيرا بين مثقفي مصر عند عرضها فها هو الكاتب الكبير الدكتور (لويس عوض) قد أخذ على (الحكيم) فى هذه المسرحية أنه فرغ أسطورة إيزيس وأوزوريس الفرعونية من بعض رموزها الجوهرية وهذا ما ليس له حق فيه، ولكن الدكتور (محمد مندور) رأى أنه من حق (الحكيم ) وأي أديب أن يغير في الأسطورة ما يشاء في سبيل أهدافه الفنية، واستشهد بقول كاتب الرواية التاريخية ألكسندر ديماس الأب قوله: “ما التاريخ إن هو إلا مشجب أعلق عليه لوحاتي”.