شادية تهب كالنسمة الرقيقة على حياة فريد الأطرش
* انشغل المطرب العاشق فى هموم الآخرين لينسى همه
* الحمالون حملوا البيانو الخاص به إلى نقابة الموسقيين
* بعض الموسقيين طعنوه بخنجر الغدر والخيانة وقلة الأصل
* انشغال بركات وأحمد بدرخان وحبه للتجريب جعله يلجأ إلى يوسف شاهين
* إيجار الشهر جعل “شادية” بطلة فيلم “ودعت حبك”
* في لحظة حاسمة أعترف فريد بحبه لشادية
كتب : أحمد السماحي
اعتبر “فريد الأطرش” البيان الجارح الذى أصدرته السيدة “أصيلة هانم” والدة الملكة “ناريمان” فى الصحف المصرية إهانة له كإنسان وكأمير من عائلة الأطرش، وأيضا كفنان، وترك فيه هذا البيان جرحا غائرا ظل يعالج من أثره سنين، وكلما تذكره أحس بالإهانة! وقد طوى “فريد” صفحة حبه للملكة “ناريمان” مع الأيام، وإن قدم أغلب أحداثها فيما بعد فى فيلمه “قصة حبي” عام 1955 إخراج بركات، وبطولة النجمة السمراء “إيمان” زوجة شقيقة “فؤاد”، ولعبت على الشاشة دور “ناريمان”.
وبدأ “فريد” ينسى الحب ويسترد علاقته بالحياة، وانشغل في أعماله الفنية، فعاد إلى العمل وفاء لحق جمهوره عليه، وعاد إلى “العود” حبه الأول والأخيرالذي يردد أنينه ويترجم بصدق أحاسيسه، وشغل نفسه أيضا بهموم الآخرين لعلها تطفو فوق همومه وتطمسها، زار “نقابة الموسيقيين” فوجد المقاعد لا تليق بنقابة يرتادها صناع النغم والطرب، فتبرع من جيبه بأثاث للنادي، وجاء الحمالون فحملوا البيانو من بيته إلى النادي، فقد خشى أن يزور النقابة ضيف أجنبي فلا يجد فيه لازمة كل بيت موسيقي، واختاره زملائه الموسيقيين عضوا في مجلس الإدارة، فبدأ يتعرف على مشاكل الموسيقيين الحقيقية، وبدأ ينفق من جيبه وهو يحس أنه يؤدي واجبا محتوما، وبلغ منصب وكيل النقابة بالانتخابات، فجعل من نفسه شقيقا لكل ذي ضيق.
الذبحة الصدرية الثانية
فى هذه الفترة تعرض للمرة الثانية للذبحة الصدرية نتيجة غدر وخيانة بعض الموسقيين له، ويومها أحس أن الظلم أعلى صوتا من العدل، وأن الأحقاد أقوى أثرا من الحب، وأن الخسة أكثر شيوعا من الوفاء والمروءة، وتلقى الأطباء نبأ تكرار الذبحة على أنه نذير سوء مهما تراوحت درجتها بين الخطورة والضعف، وطلب منه الأطباء عدم التحرك والجلوس في السرير ستة أسابيع على الأقل، وفى هذا الوقت كان عليه أن ينجز دوبلاج الصوت لفيلم “إزاي أنساك” مع المطربة “صباح” فسمحوا له أن يقوم بهذا العمل بعد مرور أسبوعين على الأقل، بعدها يعود إلى السرير، وحدث بالفعل.
الباحثات عن الشهرة وجو
بعد شفائه من الذبحة الصدرية بدأ يزوال حياته الفنية، وفى هذه الفترة كان يدق بابه بعض الصاعدات الباحثات عن الشهرة، كن يطرقن بابه حتى تجيئهن الشهرة إذ ارتبط اسمه بأسمائهن، ثم يوحين لمن يكتب عنهن وعنه قصص حب من نسج الخيال، وتنتشر القصص مثيرة تجذب القارئ ولكنها تعذب “فريد” وتشقيه، وقرر أن يصرفهن لحال سبيلهن فأعلن أنه عائد للعمل واختيار قصة جديدة للسينما واختيار أغنيات جديدة، ويجب أن يتفرغ لنفسه ولفنه، وبدأ يبحث عن قصة جديدة تصلح لعودته للسينما، وفى هذه الفترة أجرى الكاتب الصحفي “موسي صبري” رئيس تحرير مجلة “الجيل”، حوارا مع “فريد الأطرش” قال فيه: نظرا لانشغال “بركات”، وحيث أن “أحمد بدرخان” أخرج لي فيلمين في موسم واحد، لذا أفكر في مخرج جديد وسأله يومها “صبري” من سيخرج فيلمك الجديد فقال له: المخرج الذي قدم “عمر الشريف” في فيلمه الجديد، وفى هذه الفترة كان “يوسف شاهين” مشهورا عنه عدم مبالاته بنفقات الإنتاج لذا كان الكثيرون يخشون التعامل معه، فقال له الكاتب الصحفي : أتعرف عيوب يوسف شاهين؟ فأجاب وأعرف أيضا حسناته.!
الصدفة وراء بطولة شادية
أثناء إجراء الحوار رن جرس الشقة فى تلك اللحظة وجاءت “سنية” خادمة “فريد” تعلن عن وصول “يوسف شاهين”، ولم يجئ “يوسف” وحده إنما صحبه الفنان والسيناريست الشهير “السيد بدير”، وحمل معه الأخير صفحات السيناريو الجديد ورحب صاحب الدار بضيفيه، واستأذن “موسى صبري” فى الانصراف، وبدأ “فريد” يسمع من “السيد بدير ويوسف شاهين” قصة فيلمه الجديد “ودعت حبك”، وكان سعيدا أنه سيبتعد عن الكلشيه التقليدي المطرب الرقيق الحال الذي يحب فتاة بإخلاص فإذا ما نجح واشتهر تزوجها.
وبدأوا استعراض قائمة البطلات المطربات من بينهن وغير المطربات لم تكن هناك مطربة واحدة تصلح للسينما لم تمثل أمامه، “نور الهدى، صباح”، وقبلهما “أسمهان”، وأجمل البطلات وأشهرهن مثلن أيضا معه “مديحة يسري، تحية كاريوكا، فاتن حمامه، ماجدة، مريم فخر الدين، سامية جمال”، والقائمة طويلة، ووقعوا في حيرة أمام البطلة التى تشاركه البطولة، وفجأة دخل “عبدالفتاح شعلان” المسؤول عن التوزيع في شركة أفلام “فريد” وقدم مغلفا وهو يقول مدام “شادية” بتسلم عليك وأرسلت لك إيجار الشقة، الهزة المفاجئة لعصا لاعب البلياردو قد توجه الكرة نحو إصابة الهدف، وهذا ما حدث فقد صاح الجميع بفرحة ودهشة: “شااااااادية”!، وضحك “فريد” وقال: ازاي ما فكرناش فيها دي فنانة حساسة وممثلة كويسة، والجار أولى بالشفعة، حيث كانت “شادية” تستأجر شقة من الطابق الثاني من عمارة “فريد” تقيم فيها مع زوجها الأول النجم “عماد حمدي”، والصدفة وحدها هى التى جعلتها بطلة فيلم “ودعت حبك”، وبدأ تمثيل الفيلم في جو من الود بين جميع العاملين فيه، وتوطدت علاقة “فريد وشادية” وإن كانت لم تخرج إطار الصداقة.
العدوان الثلاثي علي مصر
عرض “ودعت حبك” أول أفلام “فريد وشادية” فى دار سينما “ديانا” يوم الاثنين 29 أكتوبر 1956 ويوم الأربعاء 31 أكتوبر وقع العدوان الثلاثي على مدينة بورسعيد واعتبرت البلاد فى حالة حرب، فكان أن أغلقت الملاهي ودور السينما أبوابها، لم يستمر عرض الفيلم سوى يومين، كان “ودعت حبك” أول شريط من إنتاج أفلام “فريد الأطرش” يمنى بخسارة، فمن المعروف أن أفلام المطرب الذي تسكن أوتاره آهات الحب الحزين من أغلى الأفلام في سوق السينما العربية، ولعل إيرادات هذه الأفلام الوفيرة هى التى أغرت فريد بأن ينتج لحسابه بعد أن كان يعمل لحساب الغير، لكن “ودعتك حبك” ضربه فى مقتل كما يقولون، وقد كان من آثار نكبته أن اضطر “فريد” بعدها بشهور إلي بيع العمارة الشاهقة التى بناها على النيل حتى يسدد للبنك بعض مستحقاته التى عجز الفيلم عن الوفاء بها، وكان مشتري العمارة صديقا لصاحبها السابق هو الثري السعودي المعروف “عبدالرحمن سرور الصبان”، لم يتأثر فريد بالخسارة فهو يعرف جيدا أن التجارة ليست دائما ربحا وليست دائما خسارة، و”فريد” مغامر قوي الأعصاب يضرب ضربته عادة دون أن يجسب للنتائج حسابا.
فريد يعترف بحبه
توطدت علاقة “فريد بشادية” حيث كانت تم طلاقها حديثا من زوجها النجم “عماد حمدي” وتعيش مع والداتها وبعض أشقائها، فى نفس عمارة “فريد” وبحكم تعاونهما معا كانت “شادية” تصعد لتجلس مع “فريد” والفنانة “إيمان” زوجة فؤاد الأطرش، وبدأ قلب “فريد” يتحرك ونبضاته تعلو، فقد هبت “شادية” على حياته كالنسمة الرقيقة، ولا حت بساطتها، ورنت ضحكاتها الصافية الهنية، فأخترقت قلب “فريد” الحزين، وبدأ يسترجع علاقاتها معه منذ كانا يمثلان فيلم “ودعت حبك” فلم يمسك بدليل واحد يدل على أنها تجاوزت حدود الزمالة، على أن كل الذي بدر منها كان قطرات تسعف الظامئ إلى الحب، وبدت دلائلها فى عبارة رقيقة أو لمسة يد، وبغير مقدمات قال لها ذات يوم : “شادية… أنا أحبك”.
…………………………………………………………………………………………..
فى الحلقة القادمة
مؤامرات فؤاد الأطرش على شادية
سافر فريد إلى باريس فرجع وجد شادية تزوجت!