أحمد بدرخان .. رائد الأفلام الغنائية ومخرج العمالقة
* صاحب التقرير الذي نفذ على أساسه (ستديو مصر) الذي كان يعتبر أول وأكبر مؤسسة سينمائية في الشرق الأوسط
* يرجع إليه الفضل فى الدعوى لانشاء المعهد العالي للسينما فى عام 1959
* أول نقيب للسينمائيين بعد أن تحولت إلى نقابة مهنية ثم رئيسا لاتحاد النقابات الفنية
* طلعت حرب كافأه بإرساله بعثة إلى فرنسا لدراسة الاخراج السينمائي
* قدم أفلام لأم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالغني السيد، ونجاة علي، ونجاة، وغيرهم.
كتب : أحمد السماحي
اليوم الذكرى الـ51 لرحيل المخرج الكبير “أحمد بدرخان” الذي رحل عنا في مثل هذا اليوم 23 أغسطس عام 1969 ، وكان يمتاز بالهدوء والشاعرية فى إخراجه، ويقترن اسمه ببداية العصر الذهبي للسينما المصرية الذي بدأ منذ أنشا “ستديو مصر” فى عام 1935 فهو صاحب التقرير الذي نفذ على أساسه هذا الاستديو الذي كان يعتبر أول وأكبر مؤسسة سينمائية في الشرق الأوسط، كما يقترن اسمه أيضا بتنظيمات الدولة للسينما التى بدأت فى عام 1958 بإنشاء مؤسسة دعم السينما، وتوليه منصب مدير شئون السينما بمصلحة الفنون، ثم مستشارا فنيا لمؤسسة السينما منذ عام 1963.
ويرجع إليه الفضل كذلك فى الدعوى لانشاء المعهد العالي للسينما فى عام 1959 الذي رشح لعمادته “محمد كريم”، وكان عضوا فى مجلس أساتذة المعهد الذين وضعوا له مناهج الدراسة وقام بالتدريس فيه، ثم تولى عمادته بعد استقالة “محمد كريم”.
وكان أول نقيب لنقابة السينمائيين بعد أن تحولت إلى نقابة مهنية ثم رئيسا لاتحاد النقابات الفنية، وعضوا بلجنة السينما بالمجلس الأعلى للفنون والأداب، ورئيسا للوفود السينمائية المصرية فى المهرجانات الدولية، وهذا بجانب مكانته الفنية الكبيرة كرائد فى طليعة رواد السينما المصرية اشتهر بطابع خاص فى الإخراج يتميز بالرقة والشاعرية حتى أطلق عليه النقاد لقب “شاعر السينما”.
التردد على الاستديوهات
ولد “أحمد بدرخان” بحي الخليفة في يوم 18 أكتوبر عام 1909 ، كان والده “بدرخان علي” مديرا سابقا لمديرية أسيوط، وقد حصل “أحمد” على الكفاءة فى اللغة الفرنسية من مدرسة الفرير والتحق بالجامعة الأمريكية، ثم بكلية الحقوق حيث أمضى فيها سنتين، بدأت ميوله الأدبية والفنية منذ أيام الدراسة فكان ينظم الشعر والزجل ويميل إلى التمثيل والرسم والموسيقى ويتردد على مسرح “رمسيس” مع زميله بمدرسة “الفرير” جمال مدكور الذي كانت تربطه صلة نسب بأسرة “يوسف وهبي” حيث أمضيا فيه فترة الهواية، واشتركا فى تمثيل بعض مسرحيات الفرقة التى كان يقوم بإخراجها عزيز عيد.
ثم حضرا مع صديق ثالث هو “محمد جمال الدين رفعت” تصوير بعض مشاهد فيلم “زينب” الصامت، ولما أنشئ ستديو “رمسيس” عام 1930 لتصوير فيلم “أولاد الذوات” الناطق، عمل “بدرخان” مساعدا هاويا لشيخ المخرجين “محمد كريم”، وتكونت فى الجامعة الأمريكية فرقة للتمثيل باسم “جماعة المرح الحر” كانت تضم “بدرخان، وروحية خالد، وعبدالفتاح حسن، وإبراهيم وحسين العقاد، وزكي سليمان” وآخرين، وكان يقوم بتدريبها “جورج أبيض” وقدمت على قاعة “إيوارت” مسرحية “لويس الحادي عشر”، ثم تكونت فرقة أخرى من نفس الأعضاء باسم فرقة “الطليعة” قدمت على مسرح “رمسيس” مسرحية بعنوان “الأديب”.
وعندما أنشئ أول معهد حكومي للتمثيل بإشراف “زكي طليمات” فى عام 1930 انضم إليه مع مجموعة من الهواة فى ذلك الوقت الذين لمعت من بينهم أسماء فيما بعد وهم “جمال مدكور، وروحية خالد، وزوزو حمدي الحكيم، ويوسف حلمي المحامي، وإبراهيم عز الدين، ومحمود السباع، ومحمد توفيق، وعبدالعليم خطاب”.
يلفت نظر طلعت حرب
لكن وكما يقول الناقد الكبير “محمد السيد شوشه” فى كتابه “رواد ورائدات السينما”.. كانت هواية السينما قد تمكنت من نفسه فاشترك فى مدرسة السينما العالمية بباريس بالمراسلة فى الوقت الذي كان يحرر فيه صفحة السينما لمجلة “الصباح” التى كان يصدرها “مصطفى القشاشي” فترجم المحاضرات التى كانت تصل اليه من باريس ونشرها على صفحات “الصباح”.
وكانت قد تأسست شركة مصر للتمثيل والسينما فى عام 1925 كإحدى مؤسسات “بنك مصر” وفكر زعيم الاقتصاد المصري “طلعت حرب باشا” فى إنشاء (ستديو مصر) فلفتت نظره مقالات “أحمد بدرخان” عن السينما فى مجلة “الصباح” فاستدعاه لمقابلته عن طريق صاحب المجلة وطلب منه كتابة تقرير عن مشروع (ستديو مصر) من حيث البناء الهندسي والأجهزة والمعدات الفنية والفنيين، فكتب هذا التقرير مستعينا بالمطالعات فى الكتب والمجلات السينمائية العالمية، كما استعان بزميله المخرج “نيازي مصطفى” الذي كان يدرس السينما فى ذلك الوقت بجامعة “ميونيخ للسينما” بالمانيا ليرسل إليه بيانات عن الأجهزة والمعدات الفنية، ثم قدم التقرير إلى “طلعت حرب” مع اقتراح بإيفاد بعثات إلى الخارج لدراسة السينما ليتوافر للاستديو فيما بعد وجود الفنيين فى شتى فروع الفن.
دراسة الإخراج في فرنسا
على ضوء هذا التقرير بدأ العمل فى “ستديو مصر” وكافأة “طلعت حرب” على تقريره بإيفاده فى بعثة إلى فرنسا مع “موريس كساب” لدراسة السيناريو والإخراج، كما أوفد بعثة أخرى إلى ألمانيا من “محمد عبدالعظيم، وحسن مراد” لدراسة التصوير السينمائي.
وقد بدأ دراسته فى 30 سبتمبر 1933 حيث التحق بجامعة السينما في باريس وعاد من البعثة فى الأول من أكتوبر 1934 وهو يحمل معه سيناريو فيلم “وداد” الذي كتبه هناك أثناء الدراسة عن قصة من تأليف شاعر الشباب “أحمد رامي” كما عمل مساعدا للمخرج الفرنسي “إميل روزبيه” في باريس أثناء إخراجه لفيلم “ياقوت” الذي عرض بالقاهرة في 27 مارس 1934 من تمثيل “نجيب الريحاني وناهد كمال وبديع خيري”.
رابطة النقاد والسينمائيين
كان “أحمد بدرخان” هو أول من أصدر كتابا فى مصر باللغة العربية عن السينما، فى عام 1934، واشترك قبل سفره فى البعثة في تكوين أول رابطة للنقاد السينمائيين كانت تضم (كمال سليم، نيازي مصطفى، أحمد كامل مرسي، كامل التلمساني، عبدالسلام الشريف، حسن عبدالوهاب، والسيد حسن جمعه، رمسيس يونان)، وأصدرت هذه الرابطة مجلة بإسم “فن السينما” صدر منها عشرة أعداد ابتداءا من تاريخ 15 أكتوبر 1933، وقد طالبت المجلة فى ذلك الوقت أصحاب دور العرض السينمائي الذين كانوا جميعا من الأجانب أو المتمصرين باحترام المتفرج المصري وإفساح المجال أمام الفيلم المصري ليعرض بجانب الفيلم الأجنبي مع وضع ترجمة بالعربية للأفلام الأجنبية، كما مهدت هذه المجلة ومن ورائها رابطة النقاد لانعقاد المؤتمر الأول للسينما في عام 1936.
فيلم (وداد)
عين “أحمد بدرخان” عقب عودته من البعثة باستديو مصر بمرتب عشرون جنيها بتاريخ يوم 16 يناير 1935 وعهد اليه فى ذلك الوقت بتنفيذ إخراج الفيلم الذي كتب له السيناريو في باريس وهو فيلم “وداد” الذي نحاه عن إخراجه الفنان “أحمد سالم” مدير (ستديو مصر) منتجة الفيلم، وكان هذا الإجراء سببا في أن يقدم “بدرخان” استقالته من العمل فى (ستديو مصر) الذي كان واحدا من بين مؤسسيه.
وتكونت بعد ذلك شركة (أفلام الشرق) التى استهلت إنتاجها بفيلم “نشيد الأمل” ثاني أفلام “أم كلثوم” وعهدت بكتابة سيناريو الفيلم والإخراج لبدرخان، وشاهد “طلعت حرب” الفيلم في عرض خاص، وطلب منه العودة إلى عمله فى (ستديو مصر)، وكان فيلمه الثاني بعد (نشيد الأمل) فيلم (شيئ من لا شيئ) الذي عرض يوم 10 أكتوبر، وهو فيلم غنائي قام ببطولته عبدالغني السيد، نجاة علي، ولم يحقق نجاحا كبيرا وتوالت أفلامه الغنائية والدرامية لكبار نجوم السينما المصرية فقدم (دنانير، انتصار الشباب، حياة الظلام، عاصفة على الريف، على مسرح الحياة، عايدة، فاطمة، أحلام الشباب، شهر العسل، أحبك أنت، آخر كدبة، عايزه أتجوز، لحن حبي، عهد الهوي، إزاي أنساك، مجد ودموع، قبلني يا أبي، قبلة في لبنان، تاكسي حنطور).
(نادية) والرحيل
وكان آخر أفلامه الذي حمل رقم 41 فى قائمة أفلامه، فيلم (نادية) بالألوان الطبيعية عن قصة يوسف السباعي، وفيه قدم (سعاد حسني) فى شخصية مزدوجة لأختين توأمتين، وكان قد حدد موعدا لعرض النسخة عرضا خاصا فى صالة العرض باستديو النيل بالهرم فى الساعة السابعة من مساء يوم 23 أغسطس 1969، وحضر جميع المدعوين لمشاهدة العرض ولم يتخلف أحد سوى المخرج الذي كان فى هذه اللحظة قد رحل عن هذا العالم.!