هل أكتبها ؟؟؟؟؟!
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام اتلسيد
لم أتوقع هذا الاهتمام بمقالاتى حول عملى فى الدوبلاج و التى نشرت هنا تحت عنوان ” حكايتى مع ديزنى ” ، فلقد تابعها كثير من الأصدقاء – و من غير الأصدقاء – و تفضلوا بإبداء آرائهم سواء فى المتن أو الأسلوب ، و البعض تساءل عن تفاصيل ، و البعض الآخر اكتفى بالثناء ، مما أسعدنى و رفع حالتى المعنوية فى زمن الكورونا اللعينة ، و كان لى مُعينا على احتمال أيام الحظر الطويلة ، مما استوجب منى الشكر للمسئولين عن موقع شهريار النجوم ، لأنهم أتاحوا لى فرصة النشر ، و الامتنان للقراء الذين تابعوا و تفاعلوا مع المقالات ، و كنت أود شكرهم جميعا و لكن القائمة أطول من أقوم بذكرهم فردا فردا بالطبع .
و لقد لاحظت أن الكل أجمع على أمرين ، الأول ضرورة جمع المقالات فى كتاب ، و الثانى أن أستمر فى كتابة تجربتى فى الفن فى مجال المسرح بعد أن كتبتها فى مجال الدوبلاج ، و الحقيقة أنى تخيلت أن الأمر الأول صعب ، فبرغم صداقتى المتينة ببعض الناشرين أو مسئولى النشر الحكومى إلا أنى خشيت أن أعرض عليهم الأمر خوفا من إحراجهم بسبب الصداقة ، و لا أعرف طريقا لدور نشر أخرى ، و إذا بأصدقاء كثيرين يتطوعون بترشيح دور نشر و يعرضون المساعدة فى الاتصال بها ، بل إن صديقى الكاتب و الإعلامى المرموق الدكتور محمد فتحى طلب منى أن أوكل له المهمة و بالفعل أقام اتصالا بينى و بين واحدة من أكبر دور النشر فى مصر ، و لكن المفاجأة أن تصلنى عروض من دور نشر أخرى – إحداها خارج مصر – لا أعرف أصحابها !!!
الأمر الثانى هو كتابة تجربتى فى الفن و هو ما يشجعنى عليه كثيرون و يصرون على أنها ستكون مفيدة على مستوى التوثيق المسرحى و الخبرات الإخراجية و أن عرض المشكلات و الأزمات و المعوقات التى تعرضت لها ربما أعانت الأجيال الجديدة على احتمال ما يحدث لهم فى مطلع حياتهم ، ليتيقنوا أن الحياة لا تعطى بسهولة و يسر.
و الحقيقة أننى بدأت منذ سنوت فى كتابة ما يشبه مذكراتى أو بصورة أدق ما صادفت من معارك فى مجال المسرح مرتبطة بحركة المجتمع المصرى صعودا و هبوطا ، خاصة و أننى من جيل عايش الاشتراكية و المد الثورى و شهد الانقلاب عليهما فى فترة الانفتاح ، من جيل شهد قمة التحرر الوطنى و عاش الانكسار و الهزيمة ، جيل انتصر فى سيناء و تم اغتيال انتصاره فى كامب ديفيد ، ثم عاش سنوات فى نار الإرهاب ، تلتها سنوات فى ثلاجة التكلس و الجمود . جيل حلم بالثورة و عندما قامت فاجأته ، إذ لم يكن من صانعيها الأساسيين ، و لكنه هب يحمى مصر من فرض النقاب علي عقلها و روحها .
جيل رأى كل المتناقضات و عاش حروب التحرر ، و حروب العرب للعرب ، و حروب بالوكالة ، و خُدع فى زعامات ، و ربما تم استخدامه فى مؤامرات دون أن يدرى ، إلى أن وصل إلى عصر كل فرد فيه يملك جريدته الخاصة و قناة تليفزيونية ، فينشر فيهما بلا قيود ، ليفتى فيما يجهل ، و يحلل ما لا يعلم ، و يتطاول بلا حدود .
و لكنى توقفت عن الكتابة ، فلقد أدركت ما قد تثيره كتاباتى من خلافات سياسية مع أصدقاء ، فنحن نجيد الاختلاف حول الماضى و نخوض معارك حوله و كأنه الحاضر و المستقبل ، و لا نسمح للود أن يبقى أو يستمر بين المختلفين ، فعندما قدمت عرض (عجبى) على المسرح القومى عام 1986 و الذى كان يحتفى بعبقرية الشاعر و الرسام صلاح جاهين كان لابد و أن أتعرض لعلاقته بثورة يوليو ، و إذا بالإخوان و الوفديين يسبوا العرض – و هذا أمر طبيعى فكريا ، برغم أنه لا يمت للفن بصلة – و لكن أن يغضب منه اليساريون فكان أمرا مدهشا ، أما الصدمة فكانت فى هجوم بعض الناصريين على العرض أاننى نقدت التجربة الناصرية فقلت مالها و ما عليها !!!!
و إذا تركنا السياسة جانبا – على اعتبار انها كانت و ستظل مثار خلاف – ماذا أفعل عندما أتعرض لمواقف مررت بها و مررت حياتى : هل أرويها بكل صراحة أم أخفى الحقائق حفاظا على صورة بعض الأشخاص ؟ ، هل أروى كيف اضطهدنى أحد المخرجين من خلال موقعه الوظيفى و تسبب فى أن أكون المخرج المسرحى الوحيد فى مصر الذى يأخذ أجازة بدون مرتب لمدة ست شهور كلما أخرجت مسرحية للقطاع الخاص ؟ ، هل أكتب أننى قضيت سنة و نصف بدون مرتب فى حين أنه كان من الممكن أن يعطينى تصريحا بالعمل فى غير الأوقات الرسمية ؟ ، هل أسجل أسماء مخرجين زملاء أخرجوا هم أيضا و لم تطبق عليهم نفس القواعد ؟ ، هل أسرد كم مسلسل قام هو بالتمثيل فيه دون “إذن السلطة المختصة ” ، كما يقول القانون الذى طبقه علىّ ؟.
هل أذكر عدد المرات التى أحالنى فيها للشئون القانونية حتى أصبحت أصحو يوميا على استدعاء جديد ؟ و عندما لم يجد تهمة جديدة ، أحالنى للتحقيق بتهمة الإخراج للمسرح القومى !!!! ، بالطبع ستعلو أصوات محبيه و تلاميذه دفاعا عنه ، و أنه ينفذ القانون حتى و لو لم ينفذه على أحد غيرى و لم يتبعه هو أيضا ، و لكنهم مهما دافعوا لن يستطيعوا تبرير أن نفس المخرج – قبل أن يتبوأ المنصب – أرسل شكوى فى حقى لرئاسة الجمهورية لاننى أُخرج بالمسرح القومى ؟.
بالطبع ليست كل الوقائع بهذا السواد ، فأنا أقر و أعترف بأننى كنت محظوظا طوال حياتى ، فلقد وهبنى الله شخوصا كثيرين وقفوا بجوارى و ساعدونى ربما دون أن يعرفونى ، و هؤلاء وحدهم يستحقون كتابا ، ليس لكثرتهم فحسب و إنما لعميق تقديرى و امتنانى لما قدموه لى ، و بعضهم لا يعلم كم امتنانى و حبى و تقديرى لهم ، و هؤلاء ليسوا فى مجال الفن فقط ، فمازلت أذكر أساتذة لى فى سنوات التعليم و خاصة الجامعية كان لهم تأثيرا كبيرا على حياتى ، و مازلت أذكر أيضا و بكل العرفان مجموعة من النقاد كانت كتاباتهم عونا و عينا لى فى مسيرتى ، و يشهد الله أننى لم أغضب عندما تناولوا أعمالى بالتشريح و لكن بلا تجريح ، و لكن هل سأذكرهم دون ذكر صحفى آخر كان يستفتح صفحته الأسبوعية بسبى لأن لجنة القراءة – و لست أنا – فى موقع مسرحى أرأسه رفضت مسرحيته ، و استمر فى سبه سنوات طوال لا يهدأ و لا يكل أملا فى ” سبوبه ” يتشارك فيها مع أسرته ( أى و الله أسرته التى تعمل كلها معه فى نفس العمل و يتم التعاقد معهم جميعا من أموال الدولة ).
و إذا تركنا كل هؤلاء ، هل أذكر كل هؤلاء المنتجين الذين لم يدفعوا لى باقى مستحقاتى ؟ ، خاصة ذلك المنتج الذى كتب لى شيكا بلا رصيد ، و عندما واجهته قال انه سيطعن فيه بالتزوير و ستظل القضايا بيننا لسنوات ، و الأفضل لى أن أقبل بأى مبلغ فى مقابل إعطائه الشيك ، و لما لم أجد سبيلا غير هذا ، أعطانى أقل من نصف المكتوب بالشيك ، و بعد أن أكل حقى ، قام ليصلى العشاء قبل أن يذهب الى الملهى الليلى الذى يملكه !!!!
و إذا كنت سأتجاوز عن ذكر ما تم اقترافه فى حقى ، فهل اتجاوز عن أخطاء فى حق جيل كامل ؟ ، هل سأذكر ما فعله بجيلى أستاذ كبير ؟ أم أننى يجب أن أتجاوز عن أخطاء الكبار لأنهم قامات و لا يصح أن نذكر ما فعلوه بنا فى البدايات ؟ ، فهل من حقى عدم ذكر وقائع تخص جيل و قد عاينتها حضورا و كنت أحد شهودها و شهدائها ؟ ، و هل أتكلم عما يفعله حتى الآن برغم حبى الشديد له و تقديرى العميق له فنيا و اعترافى له بالتفرد و الأستاذية ؟ . الله يشهد أننى لست أصفى حسابات هنا ، فقد قلت له هذا الرأى فى وجهه و فى حضور شهود ، إذ دخلت عليه مكتبه و أمام الحضور قلت له : ” أنت كمخرج : تعظيم سلام ، لكن كمدير : المفروض نطلع عليك بالسكاكين و نخلص منك “.
و إذا تركنا الماضى حتى لا نتهم بتصفية الحسابات بأثر رجعى ، هل نستطيع التحدث عن الحاضر بكل صراحة ، فنذكر أوجه الإهمال و الإهدار و الإضرار ؟ أم أن الخلاف حول هذا الحاضر غير مقبول ، و مقصلة الاتهامات جاهزة و معدة لكل رأى مختلف ؟ و الكلاب الموظفة لدى بعض المسئولين جائعة تبحث عن فريسة تكتب بدمها وثيقة ولائها ، لتقضى على كلاب متطوعة تنافسها ؟ أم نكشف سر قطعان الكلاب التى نقلت ولاءها عدة مرات بين عدة مسئولين و دانت لمن رمى لها عظما أكثر ؟.
و إذا كنت أتوقع الشجار السياسى حول ما سأكتب ، و الخلاف حول الأشخاص ، و ربما الوقائع – برغم توثيقى لها – و كلها خلافات ستتم وفقا لقواعد الحوار حاليا من ( شرشحة و سب و تقطيع هدوم و ربما التهديد بوجود سيديهات ) فلماذا اكتبها ؟ ، و ربما أعتبر البعض ما أكتبه طعنا فى رموز و شخصيات عامة ، فتقوم القائمة و اتهم بهدم الرموز و تلويث التاريخ ، فلماذا اتحمل كل هذا من أفراد يعلمون صدق ما أذكر ؟.
فإلى الذين طالبوا باستمرار المقالات ، و الحكى عن بقية الأعمال ، أليس من الأفضل بعد ما رويته الآن أن ( نخلى الطابق مستور ) هذا فيما يخص الماضى ، أما الحاضر فالواجب أن ( نكفى على الخبر ماجور ) ؟.