رحيل سناء شافع .. أحد أعمدة المسرح المصري
كتب : محمد حبوشة
فقد الفن المصري والمسرح منه على وجه الخصوص الفنان القدير والمخرج المسرحي والأستاذ الأكاديمي (سناء شافع)، صاحب نبرة الصوت المميزة والمعبرة بصدق عن الإنسان المصري في كفاحه ومواجهة تحدياته عبر العصور والأزمان، وذلك بعد أن قدم مسيرة طويلة في التمثيل الجاد والمبهر على مستوى التكنيك والأداء، وعلم أجيالا بكاملها كيفية الأداء العذب النقي، والتي اختتمها بآخر أعماله في موسم رمضان 2020 بمسلسل “ليالينا 80″، وشاركه في بطولته صابرين، غادة عادل، خالد الصاوي، إياد نصار، ميدو عادل، هبة عبدالغني، محمد علي رزق، حسني شتا، نهى عابدين.
و(سناء شافع) عمل طوال حياته بجانب أعماله الإبداعية في التمثيل أستاذا في المعهد العالي للفنون المسرحية وعميدا له فترة طويلة من الزمن، وبرز في الإخراج المسرحى كما في مسرحية (دون كيشوت) عام 1975) وغيرها من علامات المسرح المصري، وفي فترة الثمانينيات لمع في أدوار مثل المسلسل التلفزيوني “أولاد آدم”، من بطولة عبد المنعم إبراهيم ورجاء الجداوي، كما شارك في أعمال درامية كبيرة مثل (ليالي الحلمية، حضرة المتهم أبي، دموع صاحبة الجلالة، حلم الجنوبي، باب الخلق، الشوراع الخلفية، الزيني بركات، لاتطفئ الشمس، عمر بن عبد العزيز، خيبر) وغيرها من روائع الدراما المصرية والعربية، كما شارك الفنان عادل إمام بطولة أفلام (حتى لا يطير الدخان)، وشاركا في أفلام (مسجل خطر، عندما يأتي المساء، الموظفون في الأرض)، وغيرها من أعمال رسخت اسمه الذي اقترن بأداء الشخصيات المركبة.
وكان الراحل الكبير واجهة مصرية مشرفة وسفيرا لفن بلاده في المهرجانات والمنتديات والتظاهرات الفنية المختلفة عربيا ودوليا، ومنها أنه زاملنا كأسرة تحرير لبوابة (شهريار النجوم) في مهرجان الشارقة المسرحة في دورته عام 2018، أو (أيام الشارقة المسرحية)، والذي يعد تظاهرة مسرحية ثقافية تقام سنويا برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث تشارك فيها فرق مسرحية من إمارات الدولة وتشرف عليها لجنة عليا تتفرع عنها لجان متخصصة، منها لجنة تحكيم المسابقة المسرحية تضم في عضويتها كفاءات مسرحية عربية ومحلية وتستضيف الأيام مسرحيين مفكرين ومؤلفين، إضافة لكبار الممثلين (رواد، نجوم) من مختلف البلدان العربية والأجنبية لمواكبة العروض المسرحية والمشاركة في الندوات التطبيقية والندوات الفكرية المصاحبة واللقاءات والحوارات المفتوحة، وذلك لتوفير بيئة تفاعلية تحقق الفائدة للمسرحيين الإماراتيين.
وكان الراحل الكبير (سناء شافع) واحدا من الدعوين في تلك الدورة وقد كان يتمتع بالحيوية واللياقة الذهنية والحضور الطاغي في المناقشات طوال (أيام الشارقة المسرحية – 2018) في أثناء الندوات، حيث كان يقوم بالمداخلات والنقاش الجاد للعروض التي أقيمت في أثناء الدورة إلى جانب المخرج المصري الكبير والقدير أيضا (عصام السيد)، والفنان القدير أحمد فؤاد سليم، إضافة إلى الفنانيين السوريين الكبيرين (أسعد فضة وجيانا عيد)، وكان حاضرا بقوة وفاعلية الفنان والمخرج المسرحي السوري الكبير (جهاد سعد)، الذي تتلمذ على يد سناء شافع في معهد الفنون المسرحية بمصر، حيث كان مشرفا على دورة (أيام الشارقة المسرحية) تنظيميا وإدرايا، وقام إخراج عرض الافتتاح.
ولقد شاهدنا خلال مسيرته الفنية التي كانت تتمتع بالجدية والعطاء بلا حدود أن (سناء شافع) كان يعشق التراب المصري، ويدرك جيدا أن مصر بلد حضارة وتاريخ عريق، وأنها أول من علم البشرية المسرح منذ أيام الفراعنة، كما كان يفخر بذكر ذلك دوما على هامش أيام الشارقة المسرحية، ولقد لاحظنا أنه كان في الوقت ذاته يتمتع باحترام المسرحيين الخليجيين بصفة خاصة والعرب عموما، جراء تجربته الثرية في الأداء التمثيلي والإخراج المسرحي، فضلا عن الجانب الأكاديمي حيث تتلمذ على يديه كثير من الفنانين العرب، وهو ما كان يترجم في حفاوتهم به عندما يلتقونه في إحدى الندوات أو العرض المسرحية.
أيام وليالي قضيناها مع الراحل الكبير كان زادها الثقافة الرفيعة والحديث الذي لايمل حول رسالة الفن الإنسانية في أبعد صورها، والبحث في جذور التاريخ المسرحي المصرية والعربي منذ النشأة ومراحل النضج والتطوير على أيدى (جورج أبيض وزكي طليمات ويوسف وهبي)، الذين كانوا يسكنون ذاكرته حتى اللحظات الأخيره من عمره المديد الذي تجاوز الـ 77 عاما، وغيرهم ممن شكلوا شموعا مضيئة في المسرح المصري الحديث، ولقد كان سناء شافع امتدادا طبيعيا لتلك الشموع، يسير على هدي إبداعهم على مستوى الأداء والإخراج، وتقديم العروض العالمية التي تجمع بين سحر الأداء وروعة الفعل الدرامي، والتراجيديا الإنسانية في أبرز صورها.
وكان آخر لقاء لـ (بوابة شهريار) معه الأسبوع قبل الماضي عندما تحدث معه الزميل أحمد السماحي حول تعاونه مع الشاعر الراحل (هارون هاشم رشيد) الذي رحل هو الآخر قبل أيام، حيث ترحم على الراحل كشاعر عربي كبير فقدته الأمة، ونظرا لظروفه الصحية لم يستطع التحدث معنا كثيرا عن ذكرياته مع هذا الشاعر الذى خسره العالم العربي على حد قوله، حيث كان يكن له كل التقدير والاحترام.
ويجدر بالذكر هنا أن مسرحية “خط بارليف”، والتي كتبها (هارون هاشم رشيد) بعد مسرحية “السؤال”، قدمت في نهاية العام 1973، حتى أن التلفزيون المصري بثها بعد العبور، وفي ذات اليوم حدث العبور، وكان (رشيد) يشعر بحماسة كبيرة، يومها اتصل به الفنان (كرم مطاوع)، وسأله عم يفعل، فقال له: إنني أتابع الانتصار عبر شاشة التلفاز، فقال له مطاوع: هارون هاشم رشيد يجب أن يكتب عن هذا النصر مسرحية، وبدأ الكتابة، وحين فرغ منها، ذهب إليه وقرأها له بحضور زوجة الشاعر (هارون) وزوجة كرم الفنانة (سهير المرشدي)، وقرروا أن يقدموها للمسرح، لكنه وضعها في الدرج عند إعلان وقف إطلاق النار، لكن دائرة المسرح في وزارة الثقافة المصرية، وفى العام التالي 1974، وفي ذكرى العبور، اختارت خمس مسرحيات، وكانت “خط بارليف” إحداها، وحين جسدت على المسرح حملت اسم “سقوط بارليف” وقام بإخراجها المخرج المتميز والفنان “سناء شافع” وقدمت على خشبة المسرح القومي.
كما يجدر بالذكر هنا ونحن في وداع الراحل الكبير (سناء شافع) أن نقول أنه ولد في قرية (موشا بمحافظة أسيوط) بصعيد مصر، وقد عاش بين أحضان قريته قرابة الـ 8 سنوات، كان الفن يسكن بيه جوانحه كطفل يحبو نحو الحياة، وقبل أن ينتقل إلى القاهرة مع والده الذي كان من علماء الأزهر الشريف، الذي نهره وضربة (علقة سخنة) عندما صرح له بميوله نحو فن التمثيل الذي كان يعد عيبا كبيرا يطار رجل أزهري ولد وعاش وانتمى لصعيد مصر في فترات مبكرة من أوائل القرن العشرين، وعاش (شافع) بحي الجمالية ثم حدائق القبة، وجذبه الفن والتحق بفرق الهواه بشارع عماد الدين، إلى أن سار بمشوار الدراسة الأكاديمية، حتى تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، وعمل مدرسا به إلى أن أصبح عميدا للمعهد، كما عمل بالتلفزيون والسينما والمسرح عبر أعمال اتسمت بالجدية ومثلت علامات بارزة في الفن المصري الحديث.. رحم الله (سناء شافع) ممثلا ومخرجا وأكاديميا لا يشق له غبار.