سقطة عمرو دياب في حق الشعب اللبناني
كتب : أحمد السماحي
عندما قامت القوات اللبنانية فى مايو عام 1970 بالتصدي لثلاث عمليات قامت بها قوات العدو الإسرائيلي فى جنوب لبنان، فى معركة “العرقوب الأولى”، شاءت المصادفة أن يكون الفنان الشامل “محمد سلمان” موجودا فى القاهرة، فاتصل به العندليب (عبد الحليم حافظ)، واتفق معه على كتابة أغنية وطنية لدعم القوات اللبنانية التى تتصدى لمواجهة إسرائيل، واستدعى الموسيقار “بليغ حمدي” وتم تجهيز أغنية لمساندة لبنان بعنوان “يا سلام على لبنان” يقول مطلعها:
(طاير على جناح الحمام
جايب تحية وسلام
لكل الأمة العربية
لوقفة لبنان الآبية
يا سلام يا سلام)
هكذا كان مشروع “عبد الحليم” الغنائي الذي بدأ في منتصف الخمسينات وجاء فتياً، وعفياً، ثرياً، وغنياً، وجديداً، وطموحاً، وآمن فيه بحلم القومية العربية الذى رفعه، فجاءت أغنياته الوطنية خلال تلك الفترة تعبيراً قومياً وعربياً عن آمال وأحلام وطموحات الشعوب العربية، بدءاً من الحب والعشق والغرام، ونهاية بالحرية والاشتراكية والوحدة العربية، لذلك كان هذا الغناء مفعماً بهذه المعاني وهذه القيم، وسدت فكرة القومية العربية فراغا في الذات العربية ودفعت العرب لأن يمضوا بحلمهم نحو إقامة وطن عربي موحد، لا حدود سياسية فيه.
لماذا بدأت بهذا الكلام وذكر سيرة “عبدالحليم حافظ”! لأن الهضبة “عمرو دياب” الذي نعتبره الآن “عندليب العصر”! فاجئنا منذ يومين والشعب اللبناني يعاني من تبعات الانفجار المدوي الذي حدث يوم 6 أغسطس الماضي، وراح ضحيته مئات من الموتى وآلاف الجرحي، بطرح أغنية تحمل قدرا من البهجة التي تتناقض تماما مع أجواء الحزن اللبناني الكبير، بعنوان “مالك غيران” كلمات “تركي الشيخ”، مأخوذ لحنها من التراث البدوي “الدحية”، هذه الموسيقى الراقصة البدوية التى تمارس في منطقة النقب من فلسطين والأردن وشمال المملكة العربية السعودية، وبعض دول الخليج وبوادي سوريا والعراق، كانت تمارس “الدحية” قديما قبل الحروب لإثارة الحماسة بين أفراد القبيلة، وعند نهاية المعارك قديما يصفون بها المعركة وما دار بها من بطولات وأفعال أما الآن فهي تمارس في مناسبات الأعراس والأعياد وغيرها من الاحتفالات السعيدة.
هذه الأغنية المبهجة التى قدمها “عمرو دياب” لم يحترم فيها مشاعر جمهوره في لبنان هذه الدولة العربية الشقيقة في ظل كارثة إنسانية حدثت لها، والتى بسببها اندلعت مظاهر كثيرة فى شوارع لبنان، لكن “شيفونية” المطرب وأنانيته المفرطة في إثبات ذاته فقط، ضرب بكل هذا عرض الحائط وطرح أغنيته التى لم يتفاعل معها الجمهور بسبب توقيت طرحها السيئ، لهذا لم تصل عدد مشاهدتها أكثر من 120 ألف مشاهدة خلال الأيام الثلاثة الماضية، في الوقت الذي حقق “برومو” الأغنية الذي طرح يوم 4 أغسطس، قبل انفجار”لبنان” المدوي أكثر من 750 ألف مشاهدة، وهذا يدل على أن الجمهور غاضب من الهضبة لطرحه هذه الأغنية المبهجة فى هذا التوقيت غير الموفق.
وذهب التجديد الموسيقي الذي أحدثه “الهضبة” أدراج الرياح بسبب ضعف الكلمات، لهذا يمكن أن نقول ونحن مرتاحي الضمير أن هذه الأغنية مثل السابقة لها “يا بلدنا يا حلوة” بحيث تأتي تحت بند “نحتية” كبيرة أيضا، كما أن هذا اللون الموسيقي لها سبق واستخدمه الملحن الكبير “سامي الحفناوي” في أغنية “اتفضل من غير مطرود/ إياك تتجنن وتعود” للفنان “نجاح الموجي” الذي قام بغنائها في فيلم “أيام الغضب” فى بداية التسعينات من القرن الماضي، وكانت الأغنية وقتها “حديث الشارع المصري، وحققت نجاحا كبيرا جدا ساعد على نجاح وجماهيرية الفيلم.
وفي النهاية لابد لنا أن نقول هذا هو الفرق بين الهضبة والعندليب، العندليب كان يراعي مشاعر جمهوره في كل مكان في العالم العربي، ولو حدث شيئ لأي شعب كنت تجده بجواره مواسيا أو مغنيا لأزماته، أما “الهضبة” فهو يستقوي بملايينه من الدولارات، وعلاقاته مع كبار المسئولين الذين يكتبون له أو يلحنون أو حتى يساهمون في إنتاج أغانيه على رداءة مستواها الفني والإنساني!!!.