محمود المليجي.. حكاية لها العجب مع الفن!
بقلم : سامي فريد
يقول الفنان محمود المليجي: أكبر خطأ وقعت فيه في حياتي هو “الإنتاج” الذي خسرت من خلاله الكثير، أما نقطة ضعفي فهي تواضعي الزائد عن اللزوم لأنني أحب أن أساعد كل الناس وأن “أشيلهم على أكتافي” وقد قدمت للسينما نجوما مثل (فريد شوقي وحسن يوسف ومحسن سرحان)، وهذا معروف سينمائيا.
ويقول عن زواجه بالفنانة (علوية جميل) الذي استمر لمدة 44 عاما بأنه كان رداً لجميلها وشهامتها معي عندما توفيت أمي ولم تكن معي مصاريف جنازتها فأخرجت هي من جيبها 20 جنيها أعطتها لي وقالت: أي فلوس تعوزها يا محمود اطلبها مني وماتتكسفش.
كان محمود المليجي يحس بمعروفها نحوه لكنه كان يكره تحكمها فيه، في خروجه ودخوله واختياره لأصدقائه.. كان يحس أنها أمه وليست زوجته.. وكان كرجل يحتاج للحب، فأحب الفنانة لولا صدقي وتزوج من زميلته في فرقة إسماعيل يس الفنانة درية أحمد (والدة الفنانة سهير رمزي)، ثم أحب بعد ذلك الفنانة الصاعدة سناء يونس عندما مثل معها في “عيب يا آنسة”.
ومن أدورا الشر يقول محمود المليجي الله يجازيه بقى المرحوم (إبراهيم لاما) عندما اختارني لألعب دور (ورد) غريم قيس في حب ليلى، ولأني نجحت في الدور التصق بي أدوار الشر في أكثر من أعمالي التي بلغت مداها فنيا.
لكن أكبر نجاح لي أعتبره اليوم كونا أنا وفريد شوقي ثنائيا فنيا شريرا أعجب الجماهير وأنا اعترف أنني لم أحصل على بطولة مطلقة، ولكن هذا لا يهمني.. أنا يهمني هو كيف أؤدي الدور الذي ألعبه مهما كان صغيرا أو كبيرا.
ويقول عن العبقري يوسف شاهين: أنا لم أعرف فنانا تلقائيا وفطريا لا مثيل وإنما يعيش الدور مثل محمود المليجي “هل تصوقوا أنني أخاف من النظر إلى عينيه، ويضيف: شاهدوا دوره في فيلم الأرض.. دور الفلاح محمد أبو سويلم.. لقد عشق محمود المليجي الدور ورفض البديل الذي أحضرته له لتمثيل المشهد الأخير وهو مكبل الرجلين والخيل تجره لكنه يتشبث بزرع الأرض حتى يموت مع أرضه.
من يومها – يضيف يوسف شاهين – أحذر وبشدة ليعمل على في أفلام (الاختيار والعصفور وعود الإبن الضال وإسكندرية ليه وحدوته مصرية).
محمود المليجي حكاية كبيرة بدأت باعتراض الفنانة فاطمة رشدي عليه عندما اتهمت فرقة مسرح المدرسة الخديوية بأنها لا تقدم عملا للهواه لأنها تشكر في مسرحيتها ممثلا محترفا، وأشارت إلى المليجي لكنه مدير المدرسة الأستاذ لبيب الكدواني يقسم لها أنه تلميذ عنده في المدرسة فاختارته على الفور ليعمل في فرقتها بمرتب 4 جنيها، لكن المليجي لم يستطع التوفيق بين التمثيل والدراسة فانقطع عن الدراسة.. ورشحته فاطمة رشدي لبطولة أول فيلم في حياته أمامها من تمثيلها وإنتاجها وإخراجها وكان عمره 22 عاما.
كان اسم الفيلم “الزواج على الطريقة الحديثة”، وقد فشل الفيلم فشلا ذريعا أدي إلى إفلاس فاطمة رشدي وحلت الفرقة فخرج المليجي إلى فرقة رمسيس يوسف وهبي ليعمل ملقنا للفرقة بمرتب شهري 9 جنيها.
ويقول المليجي عن نفسه: أنا لا أمثل – أنا أعيش الدور – مهما كان شكله.. طبيبا أو فلاحا أو رئيس عصابة.. أنا أفكر لو أنني كنت هذه الشخصية ماذا كنت سأفعل؟ وكيف تتصرف هذه الشخصية وكيف تكون حركاتها وكيف يكون كلا مها لهذا يقولون عني أنني ممثل تلقائي وهذا حقيقي.
ويضيف المليجي: أنا مثلت 20 مسرحية ومنها مسرحيات كوميدية مع إسماعيل يس ومع أمين الهيندي، كما شاركت في العديد من المسلسلات التليفزيونية لأني غاوي تمثيل ولا أرى لي أي حياة بعيدا عن التمثيل.
ونعود إلى زياجته إلتى عقدها سرا بعيدا عن علوية جميل، والتي ما أن علمت بها حتى أمرته بأن يطلق (درية أحمد) وأن يطلق (سناء يونس) فلم يرد لها حرفا لأنها كانت نقطة ضعفه، وكان يحس أنها أمه مهما تحكمت في حياته.
ومحمود المليجي له أكثر من حكاية مع أبناء حيه الذي ولد فيه وهو حي المغربلين، فقد عاش ما بين المغربلين ودرب الجماميز والسيدة زينب وعرف الست (عزيزة الفحلة) التي يقول عنها بكل احترام أنها كانت وزيرة العدل في كل المنطقة.. كانت مع المظلوم دائما تنصر الضعيف على القوى، ويكفي أن تشكو لها ما أنت فيه فتطلب منك أن تقسم أمامها على صدق كلامك لتذهب معك على الفور إلى من ظلمك لتأتي لكن بحقك منه.. والغريب – يقول المليجي – لم يكن في السيدة ولا في المغربلين ولا درب الجماميز من يستطيع أن يرد لها كلمة، ويضيف قائلا: كانت (عزيزة الفحلة) تحبني هكذا لله في لله، كانت لا تفكر إلا إذا نادتني وأنا في طريقي للمدرسة الخديوية حتى أفطر معها فلا أرفض لها طلبا.
كان دور محمد أبو سويلم في فيلم الأرض نقطة فارقة في حياته.. كما كان دوره في النسخة العربية من فيلم القادسية مثالا لإجماع كل الفنانين العرب على أنه كان أقوى من دور (أنطوني كوين) في النسخة الأجنبية، ومع ذلك فإن هذا كله لا يهم فنانا في عظمة وتلقائية محمود المليجي.. الذي يحكي أن أغرب حكاية مرت به في حياته عندما سافر مع فرقة (جورج أبيض) خارج مصر وغاب فترة ليعود فيجد كل من يقابله يحكي له أن (عم عبده) يسأل عنه.
يقول المليجي أن (عم عبده) هذا كان إنسانا بسيطا يمتلك محلا صغيرا لبيع الفول والطعمية، ذهبت إليه فورا مندهشا: وكأن عم عبده كان ينتظر عودتي ليموت.
كما يحكي الفنان (عمر الشريف) عن وفاة (المليجي) فيقول كنا في موقع التصوير في الاستوديو بعد أداء أحد المشاهد في فيلم (أيوب) من إخراج هاني لاشين، طلب محمود المليجي فنجان قهوة ثم راح يحكي عن غرابة هذه الحياة، تنام وتصحو لتنام وتصحو وهكذا، ثم مال كأنه يمثل دور النائم لكن عمر الشريف لاحظ أن المشهد قد طال فقال: (خلاص يا محمود.. كفاية كدة، قوم بقى) .. لكنه كان قد مات فيحمله على أكتافهم إلى منزله في الزمالك حيث كانت تنتظره زوجته علوية جميل التي أحبته عمرها كله رغم كل شيء!!