فريد وسامية جمال قصة حب رائعة أفسدها ولاد الحلال! (2)
* في حفل عيد ميلادها أهداها “حبيب العمر”، فانهمرت دموعها
* قدم لها أهم المقطوعات الموسيقية الراقصة التى عرفتها السينما المصرية
* أصبح ميثاق القلب بينهما ميثاقا ذا قدسية وجلال، بل صاروا فى الحب مضرب الأمثال
* قال لها فريد: قولي للعوازل إننا نعيش ليلنا حب في حب، ونهارنا سعادة فى سعادة!
* بعد تركها له غني لها “أنا كنت فكرك ملاك، أتاري حبك هلاك”
كتب : أحمد السماحي
كان دخول الراقصة الجديدة “سامية جمال” فى حياة الموسيقار الشاب فريد الأطرش، مثل النسمة الرقيقة فى نهار صيف حار، فهي مزيج نادر من الجمال والشقاوة و”جدعنة” بنت البلد المعجونة في خفة الظل والإثارة، ونظرا للفراغ الذى كان يعانى منه “فريد” بعد وفاة توأم روحه شقيقته المطربة “أسمهان”، بدأت “سامية جمال” تتسلل إلى حياته، وتصاعدت مكانة الراقصة الشابة عنده لأنه أحس تفانيها فى حبه ومباهاتها بكل لمسة حنان منه، وكان يفتقدها إذا غابت عنه يوما، فكان يريد أن يراها كل يوم، وبدأت الصحف تتحدث عن حبهما الكبير الذي ولد من رحم المأساة، ولم ينكر هو هذا الحب، وسعدت هي بهذا الأعتراف.
أثر رحيل “أسمهان” على معنويات “فريد” النفسية، فكان روح هائمة بدون شقيقته، فتاه وذاب فى الملاهي الليلية بين بائعات الهوى والمتعة، وبعد شهور قضاها فى علب الليل، وبين الموائد الخضراء، وحلبات سباق الخيل، أفلس ماديا حتى أنه لم يستطع دفع أجرة منزله، فأقسم على ترك كل هذا العبث والعودة إلى فنه وجمهوره وعمله، خاصة بعد أن تخلى كثير من أصدقاء الليل عنه.
اللقاء مع طه حسين
اعتبر “فريد” أن علاجه الوحيد هوالعمل، فأتصل بصديقه المخرج “هنري بركات” الذى ترك عمله الأساسي المحاماة حبا فى الفن، وطلب منه العمل معه فى فيلم جديد، وبدأ يبحثان عن قصة للفيلم، وعثرا على قصة “دعاء الكروان” لعميد الأدب العربي الدكتور “طه حسين”، وذهب “فريد” هو والمخرج “بركات” لمقابلة العميد للاتفاق على تحويل روايته “دعاءالكراون” لفيلم سينمائي، ورحب الرجل بالفكرة، وقبل أن تنتهي الجلسة سأل “طه حسين” موسيقارنا الشاب أنت قرأت الراوية يا أستاذ فريد؟! فأجاب فريد: طبعا سيادة العميد وانبهرت بأجواء الرواية ككل، وبالتفاصيل الموجودة فى الرواية، فسأله العميد مرة ثانية: وهل ستجيد فى تقديم دور ” المهندس” الموجودة فى الرواية ؟! فصمت فريد: وتمتم بكلمات بسيطة وقال: بإذن الله، فقال عملاق الأدب: الرواية ليست فيها صور، أنت تعلم أنني لا يمكنني كتابة الصور ببراعة”، فرد عليه بركات: “على العكس يا فندم، الرواية مليئة بالصور”.
استبعاد دعاء الكروان
دار بين “طه حسين” وبينهما نقاش أدبي وفني وسياسي انبهر فيه مطربنا بشخصية عملاق الأدب المصري، واستمتع بحديثه، وتطرقه إلى كل المجالات بأسلوب خبير وروح فنان، وبعد دقائق معدودة اتفقوا على كل ما يتعلق بالفيلم وحرر”أحمد نجيب الهلالي باشا” صيغة العقد ووقع العميد والموسيقار عليه، وعندما عكف “بركات” على دراسة القصة لإعدادها وجد البطل شريرا يعتدي على الأعراض، ولايمكن أن يكون مطربا يشدو بأغاني الحب والغرام التى تلمس القلوب وتجتذب الألوف إلى شباك التذاكر، وكانت خطتهما أن يكون الفيلم غنائيا استعراضيا لأنه يقدمه لجمهوره الذى يتوقع منه الأغنية والأوبريت والموال مما لا يتاح فى قصة درامية أو فى فجيعة فيها سفك دماء وهتك أعراض، فاضطرا إلى تأجيل قصة “دعاء الكروان” لفترة، والبحث مجددا عن قصة تصلح للسينما الغنائية، وبعد أسابيع من البحث، عثرا على ما يبحثان عنه عند الكاتب والشاعر “بديع خيري” الذى أهداهما قصة فيلم “حبيب العمر”.
حبيب العمر
قرر “فريد” إنتاج فيلم “حبيب العمر” على نفقته الخاصة فباع كل ما يملك، وبدأت جلسات العمل على السيناريو وترشيحات النجوم الذين سيشاركونه البطولة، وبعد ترشيح كل فريق العمل، ظل اسم البطلة مفقود، وذكر بركات أكثر من خمسة أسماء لم تحظ واحدة منهن بالإجماع، وفى هذه الفترة كانت “سامية جمال” تزوره يوميا
، وقد سمعت طرفا من المناقشة، فلم تبدر منها كلمة طعن أو تجريح فى أي اسم تم ذكره أمامها من زميلاتها، وعندما دخلت المطبخ لتعد لهما “الشاي”، التفت “بركات” إلى فريد الأطرش وقال: لماذا لا نأخذ سامية جمال؟ فرد فريد: “أنت تقرأ أفكاري، أوافق بشدة فقد كان اسمها على طرف لساني”.
لكنهما قررا إخفاء الأمر عنها، وتظاهرا عندما أحضرت “الشاي” أن المناقشة بينهما لم تصل بهما إلى حل.
وقال فريد لسامية: غدا عيد ميلادك والسهرة عندي.
فقالت سامية : أنت مشغول بعملك الجديد وأنا أعفيك من هذه المجاملات!
فقال لها باتسامة ودودة: ومن قال لك أن الحفلة لن يكون فيها عمل؟ واستكمل كلامه قائلا: لابد أن تعرفي أنني لا أعرف يوم ميلادي، فقد ولدت في قرية القرية في جبل الدروز وهناك لا يكتبون المواليد فى دفاتر لأنهم يتذكرون الميلاد بالمناسبات والمواسم، ولهذا أجد العوض فى الاحتفال بأعياد ميلاد من أحب!
فقالت له : ألا تعرف موسم ميلادك؟
قال لها: يقولون انني ولدت فى أيام الجليد، وهم يتفاءلون بمواليد هذه الأيام لأن الجليد يملأ الآبار التى تروي الأرض على مدار العام.
وفى الليلة التالية حضر الأصدقاء الذين دعاهم “فريد” للاحتفال بعيد ميلاد “سامية”، وحين أطفئوا الشموع نظرت إلى “فريد” وفى عينيها حب وكلام، وسادت بينهما لحظة صمت قطعها فريد قائلا: لقد أحضرت لك هدية متواضعة، فصاح خبيث من الأصدقاء: ربما فضلت أن تغمض عينيها وهى تتلقاها، خلصونا أليست هى “قبلة العشاق”، وقال لها هذا الصديق: “غمضي عينيك يا سامية”، وبالفعل أغمضت “سامية” عينيها، فأخرج “فريد” ورقة من جيبه ووضعها فى يدها ففتحت عينيها فقال لها الموسيقار الشاب: هذا عقد بطولة فيلمي الأول الذي أنتجه “حبيب العمر” أهديه إلى حبيبة العمر!
وأمسكت “سامية” العقد وهى لا تتكلم فلسانها انعقد وتركزت عيناها على “فريد” وهى صامته ثم ارتعشت شفتاها بغير حديث وانهمرت دموعها.
حبيبة العمر وأيام وليالي لا تنسى
بدأ العمل في الفيلم وأثناء التصوير ملأت “سامية” حياة “فريد” بالسعادة والحب، وأصبح ميثاق القلب بينهما ميثاقا ذا قدسية وجلال بل صاروا فى الحب مضرب الأمثال، وجد فيها رقة تبلغ المنتهى، ووجدت فيه حنانا وكرما لم تقابلهما في أحد قبله، وعرض فيلم “حبيب العمر” وحقق الفيلم نجاحا منقطع النظير، عوض فريد كل خسائره وملأ رصيده فى البنوك من جديد، وقفز الفيلم بـ”سامية جمال” إلى قمة لم يكن أحد منهما يحلم بها، وبدأت الصحف تكتب عن علاقة الحب التى تربط بين الموسيقار الشهير، والراقصة المعروفة، وكون فريد وسامية ثنائيا ناجحاعلى المستوى الفنى والشخصي، لم يعكره سوى إعجاب الملك “فاروق” بسامية، ودعوته لها للسهر معه.
نجاح وصداقات مع الملوك
فى هذه الفترة قدما “فريد وسامية” مجموعة من الأفلام هى “أحبك أنت، وآخر كدبة، وتعال سلم، وما تقولش لحد، وعفريته هانم”، التى حققت نجاحا لكلاهما، وتميزت بتقديم الأغنية والاستعراض، والأوبريت الغنائي في نهايتها، فقدم “فريد” لـ”سامية” مجموعة من المقطوعات الموسيقية الراقصة مثل “سوق العبيد، زمردة، كهرمانة والجواري، توته، رقصة النيل”، فضلا عن الأوبريتات مثل “بساط الريح”، و”الربيع” و” ما تقولش لحد” وغيرها من الأوبريتات التى كانت جديدة على السينما الغنائية وتفوق فيها فريد على نفسه، حتى أن كثير من النقاد كتبوا عن أغنية “الربيع” إنها سيمفونية الموسيقى، وإنها ملحمة النغم، ولاقى أوبريت “بساط الريح” نجاحا منقطع النظير في كل الدول العربية، وأحيى “فريد” العديد من الحفلات الناجحة المهة في العديد من الدول العربية، وفي هذه الحفلات ووطد علاقته بالعديد من الملوك والأمراء.
ولاد الحلال
تدخل ولاد الحلال في الوسط الفني بين “سامية وفريد” وبدأوا يلقوا سمومهم فى أذن الفنانة الشابة فقال لها واحد منهم: لماذا لا يتزوجك فريد الأطرش؟ فردت سامية: أنا مبسوطة كده ولا ينقصني شيئ، فوسوست لها صديقة قائلة: “اذن فأنت لا تعرفين ما يقوله من وراء ظهرك، أنه يردد دائما أنه أمير من أسرة “الأطرش” ولا يجب أن يتزوج راقصة”، فتصدق المسكينة وتثور بينها وبين نفسها، لكنها عندما تعود إلى المنزل لا تفاتح “فريد” فى الأمر لكنها تلمح له ببعض الأشياء، كأن تقول له مثلا: فريد الناس فى الوسط يتحدثون عن علاقتنا المستمرة من سنوات ويسألونني ما حقيقتها؟ فيقول لها مباشرة ودون مواربة: قولي لهم أننا نعيش ليلنا حب في حب، ونهارنا سعادة فى سعادة، فالفنان لم يخلق للزواج، وأنا شخصيا لا أصلح زوجا إذ لي طابعي الخاص الذي لا يسعد أي زوجة!!
ويضيف: وأنتي أيضا يا “سامية” لا تصلحين زوجة إلا إذا اعتزلتي الفن، وإذا اعتزلتي سوف ينتابك الحنين إليه بين الحين والحين، ثم يأتي وقت لا تستطعين أن تقاومي هذا الحنين فتحطمين البيت وتعودين إلى الفن.
أنا كنت فكرك ملاك
أقنع ولاد الحلال “سامية” أن العمر يعدو وشبابها سيضيع مع “فريد” ولن يتزوجها، طالما تعيش معه، وأنه لن تقوم له قائمة إذا تركته، فالجمهور يدخل الأفلام ليشاهد رقصاتها، وتمثيلها، وجمالها، ونظرا لطيبة “سامية” أقتنعت بما سمعته، وتركت “فريد”، وقبل ابتعادها أجرت حوارا صحافيا وذكرت فيه أن النجومية والشهرة والثراء الذي يعيش فيه “فريد الطرش” بسببها، وأنه لا يعطيها الأجر الكبير الذي تستحقه كراقصة وفنانة كبيرة لها اسمها، غضب “فريد” جدا من هذا الحوار، وعندما واجهها لم تنكر ما ذكرته فى الحوار، وانتهت أجمل علاقة وأجمل ثنائي فني عرفته الشاشة الفضية، وبسرعة غريبة وفى نفس عام الانفصال تزوجت “سامية” من الأمريكي “عبدالله كنج”، وعانى فريد كثيرا بعد تركها، وغنى لها “أنا كنت فاكرك ملاك / أتاري حبك هلاك” من كلمات مأمون الشناوي، وسافر إلى باريس لينسى حبه لسامية جمال فوقع في حب “ليلى الجزائرية”!!
وإلى الأسبوع القادم..