بقلم : محمد حبوشة
لاشك أن موجة الغضب والانتقادات الكبيرة أثارتها حالة الشيفونية التي يعيشها (محمد رمضان – والتي زادت عن الحد كثيرا – على أثر الصورة التي نشرها في محاولة أقل ما توصف بأنها لفتة غبية من جانبه لتعزية الشعب اللبناني ومواساته، إثر الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت، وأسفر عن وقوع العشرات من القتلى والجرحى، حيث أحدثت تلك الصورة جدلا واسعا، وعرضته لانتقادات لاذعة من متابعيه.
وكان رمضان نشر على صفحته في “فيسبوك” صورة لفتاة لبنانية تحمل لافتة مكتوباً عليها: (بنحبك يا محمد رمضان نمبر وان)، وعلّق على الصورة قائلاً: (خالص التعازي للشعب اللبناني الغالي، اللهم ارحم الشهداء واشف المصابين شفاء لا يغادر سقماً).
وفي محاولة منه لتدراك الموقف السخيف الذي وضع نفسه فيه حرص الفنان محمد رمضان على إظهار التضامن مع الشعب اللبناني في أزمته الحالية بعد نشره الصورة التي أثارت الجدل بيوم واحد، حيث قام بنشر مقطع فيديو عبر حسابه الشخصي بموقع الصور انستجرام، يظهر من خلاله معالم لبنان السياحية وشواطئه الخلابة، وكتب قائلاً: (اللهم احفظ وطنا العربي، ثقة في الله لبنان راح يرجع).
والملاحظ أن رمضان يصر دائما على إلصاق لقب (نمبر وان) ـ كما يحلو له أن يطلق على نفسه ـ ولا يدري أنه عادة ما يكون (نمبر وان) فى إثارة الجدل حتى فى أشد الأزمات، وهو في ذلك يبدو ضاربا عرض الحائط – بوعي أو بغير وعي – بكل المشاعر الإنسانية، وعلى هامش ذلك جاء رد فعله غير المتزن في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، والذي أجج مشاعر التعاطف العربي مع الشعب اللبناني على المنصّات، ومن ثم دخل (رمضان) على خط التعاطف هذا، وعلّق على الأحداث، بطريقة أثارت الجدل واسعاً بين النشطاء والمغردين.
وهنا تعرض الفنان – الذي يبدو أنه يعاني عدة أمراض نفسية – لتعليقات ناقدة، على اعتبار أنه اختار استعراض جماهيريته في لبنان، في توقيت تشهد فيه بيروت، مأساةً إنسانية، لا يصلح فيها التعزية بتلك الطريقة التي اختارها، ولم يصدر عن رمضان، تعليق أو تفسير حول ما صدر منه من تعليق، فيما تواصلت التعليقات النقدية، التي اتهمته بالغرور، وحب الاستعراض، فيما ذهب آخرون واستبعدوا أنه يشعر بمصاب اللبنانيين، وهدفه النجومية، وحب الظهور، في وقت عبّر العديد من الفنانين العرب، والمصريين عن تعاطفهم، ومصابهم الأليم مع لبنان، ونشر غالبيتهم صورا للمرفأ، والعاصمة بيروت، معبرين عن تضامنهم الإنساني، وأبرزهم النجم الوطني الشاب (أحمد عز)، عندما حمل العلم اللبناني ووقف على خشبة المسرح، في أول عرض لمسرحيته (علاء الدين)، ودعا الجمهور ليقفوا دقيقة حداد على شهداء كارثة لبنان الإنسانية، وجاء اللفتة بدعم قوي من منتج العمل شركة (كايرو شو) ومديرها (محمد هاني) الذين زينوا خلفية المسرح بعلم لبنان كنوع من التضامن مع مأساة شعب عربي وقعت له كارثة مروعة في يوم الثلاثاء الأسود.
يبدو أن الشيفونية تمكنت كمرض عضال من (محمد رمضان) الذي لايرى أحد غيره وحتى لايوجد ثاني أو ثالث له من وجهة نظرا، حيث يتصور أن هنالك سنوات ضوئية تفصل بينه وبين نجوم آخرين، رغم أنه لم يحقق (نمر وان) الذي يطلقه على نفسه في أي من أعماله الدرامية التليفزيونية أو السينمائية أو حتى الغنائية التي يحسب نفسه عليها، وذلك إذا ما عدنا إلى الإحصاءات الحقيقية من خلال مراكز أبحاث الرأي العام ودراسات السوق التي تعدها الشركات والمؤسسات المتخصصة في الميديا عموما، وفي حساب المشاهدة للأعمال الدرامية الرمضانية، وأظن أن عاقلا واحد لايمكن أن يقول أن (رمضان) احتل المرتبة الأولى – حسب زعمه – في وجود مسلسلات قوية مثل: (الاختيار – الفتوة – بـ 100 وش – خيانة عهد) على سبيل المثال وليس الحصر.
في كتابه The Righteous Mind (العقل الصالح) يشرح عالم النفس الأخلاقي Jonathan Haidt أسباب وجود أشخاص مصابون بالشوفينية، أو كما يدّعون هم: “الوطنيه المفرطه”، وهى المقابل الموضوعي لـ (الذاتية الرمضانية)، يقول إن الموضوع أصله لما اختبر الإنسان ولأول مره في حياته مفهوم “الخطر”!، لما أحس أنه يحتاج لكيان ينضم إليه لكي يشعره بالأمان .. و لقي هذا الكيان في جماعة ساكنة بجواره ولها نفس أهدافه وكونوا الـ “وطن”، وطن له بُعد حضاري وثقافي وجغرافي، وهذا على العكس تماما من نظرة (رمضان) الذي رسم لنفسه حدود وطن اسمه (محمد رمضان) له بعد حضاري وثقافي وجغرافي أيضا من وجهة نظره.
الخطورة في حالة الشيفونية التي أصابت (محمد رمضان) أنها تظهر عندما يكون الانتماء لنفسه فقط وحده دون غيره في المطلق !، ومجرد التفكير في الإنفصال عن آراء المجموعه أو حتى الاختلاف يسبب اضطرابا وذعر شديد داخله كشخص، و يتحول الإنتماء لنفسه، لتقديس ذاته!، وهنا معاير الإنسان الأخلاقيه يمكن أن ينسفها نسفا!، بمعنى أن يمكن أن يكذب، يغش، أو حتى يقتل!، يفعل أي شيء ضد ضميره و مبادئه و الكارثة أنه يقتنع أنها 100% أخلاقيه لحماية نفسه من الآخرين!
الأمر المؤكد أن محمد رمضان يرتدي ثوبا جديدا على جسد متسخ، فلا الثوب سيبقى على نظافته، ولا الجسد سيطهره الثوب الجديد من أوساخة، فقد جاء في أحد المعاجم العلمية أن الشيفونية هى : (فكرة متطرفة وغير معقولة وهى التحزب باسم المجموعة التي ينتمي إليها الفرد، ما بالك إذا كان الشخص هو الجماعة ذاتها حيث ينتمي إليها شخصه هو دون غيره، والشوفينية هى مصطلح شائع الاستخدام يدل على عنجهية الرجل بالإنجليزية ( male chauvinism)، والتي تشير إلى الاعتقاد بأن الذكور تتفوق على الإناث، كذلك الأمر بالنسبة للإناث الشوفينيات بالإنجليزيةfemale chauvinism التي تعتقد أن الإناث أعلى من الذكور.
بمعنى آخر الشوفينية هى المغالاة في التعصب، وفي حالة (رمضان) يبدو التعصب هنا لذاته فهو يعتبر نفسه فوق الجميع فهو (نمبر وان) الذي لايستطيع الاقتراب منه حتى ثاني أو ثالث، ولهذا فإن الشوفينية في نهاية المطاف تؤدي إلى تبني المفاهيم العنصرية والتمييز العنصري، ويمكننا القول بأن الشوفينية كانت دائما وراء زرع بذور الفرقة والخصام بين الشعوب والأمم المتعايشة مع بعضها وتسببت في كوارث إنسانية كبرى وبخاصة خلال القرنين الأخيرين، فالشوفينية الألمانية أفرزت هتلر والهتلرية المعادية للجنس البشري).
أما شيفونية (محمد رمضان) فهي شيفونية مصرية من نوع فريد يكاد لا يكون له مثيلا على الإطلاق، ويبدو أن علماء الاجتماع وعلماء النفس لم ينتبهوا بعد لدراستها وفحصها وتحليلها حتى هذه اللحظة، حتى يجعلوا منها مقياسا ورمزا ومرجعا لشيفونية لم تعهدها البشرية من قبل حتى في العصر النازي الهتلري، إذ إن الشيفونية النازية الهتلرية التقليدية كانت موجه إلى الجنس البشري كله عدا العرق الآري الألماني، أما في حالة (الشيفونية الرمضانية) كنموذج مصري فهي شيفونية مركبة (مصرية غير مصرية ومصرية مصرية).
ومن هنا أقول: لا أدري أي وسواس خناس وأي إبليس لعين وسوس في صدر هذا الفنان الشاب وأدخل في رأسه مفاهيم مغلوطة على عكس حقيقته، ومنها على سبيل المثال أنه (متدين) بلزمته الشهيرة (الثقة في الله نجاح)، بينما هو الأكثر سخرية واستهزاء بالقيم الدينية التي تحض على عدم التباهي بما يملك بينما غيره يتضور جوعا دون أدنى شعور منه، كما أنه يظهر نفسه دائما على أنه مثقف حيث يحفظ جملة أو أكثر لفلاسفة أو مفكرين يتعمد قولها في ثنايا حديثه، والادعاء بالتحضر بينما يضع الحذاء في وجه من يحاوره في تحد سافر (حواره الشهير مع الإعلامية الكبيرة نجوى إبراهيم التي حاول تنبيهه بقولها: جزمتك حلوة يامحمد، لكنه لم يكترث)، فضلا عن إضفاء صفة الذكاء والوعى والفهم مع أنه شخص طيب!!!.
أغلب الظن أن كل هذه الشيفونية التي يعانيها (رمضان)، وكل هذا الهراء والادعاء والدجل والشعوذة والكذب والضلال المبين، وكل هذه الشعارات الجوفاء التي لا حقيقة لها في واقع حياته الفنية حيث يرسخ دائما لقيم العشوائية والبلطجة والعنف غير المبرر، وكلها ممارسات وسلوكيات وأخلاقيات تذكرني بقصة طريفة كانت تحكيها لي جدتي وأنا طفل صغير، حول امرأة مات زوجها فقام المغسل بوضع الميت على خشبة الغسل وأخذ يغسله فوقفت الزوجة على رأس المغسل وأمام إخوة الميت وأخواته وأخذت تولول وتعدد وتنافق وتشعوذ وتقول: (ده وشه كان زي البدر المنور، وعينيه زي الفناجين، ومناخيره قد النبقة، وبقه زي خاتم سليمان، فالراجل المغسل يسمع كلام الست وينظر في خلقة الميت يلاقي (شكله عكر) و(خلقته عفشة) فيستشيط غيظا منها، ولما لاحظ أنها (مش عايزة تخلص ولا تقصر رفع وشه وبصلها وقالها: ما المرحوم قدامنا أهو، كان بان عليه يا حاجة).
الخلاصة أنه يبدو لي من سلوكيات (محمد رمضان) وممارساته المرضية الحمقاء بحاجة إلى معالج نفسي كي ينقذه من جبروت نفسه المريضة، فالمغالاة في حب الذات آفة تقتل صاحبها، حيث يؤكد علماء النفس السياسي أن الشوفينية هى نوع من التكتيك الدفاعي يلجأ إليه الفرد الذي يكون غير مؤهل نفسيا لأن يقيم علاقات سوية متكافئة مع الآخرين بصفة عامة، أو مع جماعة محددة منهم، ومن ثم ، فهو يخفي عدم قدرته على التفاعل والاندماج وراء ادعاءات بالكراهية للآخرين أو لأعضاء جماعة محددة حتى يحمي عجزه من أن يفتضح، وأظن أن حالة رمضان ليست مستعصية أو ميؤس منها حتى الآن للعلاج وتقويم سلوكه المرضي قبل أن يقضي عليه.