كارثة بيروت وعبدة الذات
بقلم : محمودحسونة
خلق الله الإنسان كائناً اجتماعياً، لديه كتلة من المشاعر والأحاسيس التي تجعله يتأثر بما يحدث حوله، يفرح ويبكي ويضحك ويغضب تعاطفاً مع الآخر، يحس بآلام ومواجع شركاءه في الإنسانية المقربين والبعيدين، وليس مستغرباً أن يُبكي مشهد مؤلم في أحد أطراف الأرض أناس يعيشون على الطرف الآخر المقابل، ولعل هذا ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات التي تنمو وتكبر، ولكنها لا تشعر بالآخر ولا تتشارك معه في شيء.
الثلاثاء الماضي اتجهت أنظار البشر في مشرق الأرض ومغربها صوب العاصمة اللبنانية، لتتابع بألم آثار الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، وقلوب الكثيرين تبكي بعد أن تحجرت الدموع في العيون من هول الصدمة لما حدث ويحدث في مدينة الحياة التي أصابها الإهمال في مقتل، ليحولها إلى جثة هامدة ويحول مبانيها إلى عهن منفوش، ويغير لونها إلى لون رمادي قاتم ومحمل برائحة الموت والخراب والتشرد والضياع، في دولة تعاني الاحتقان الطائفي والتيه والفساد السياسي الذي سمح لمن يعتبرون حراساً للوطن أن يطلقوا عليه نيران الإهمال ليردوه قتيلاً.
منذ ذلك اليوم وكل إنسان سواء عربي أو غير عربي، وهو يعبر عن تألمه لما حدث لمدينة الحياة بطريقته على مواقع التواصل الإجتماعي بكلمات وصور من قلب الحدث، خرج الناس من كل الأطياف والألوان والجنسيات والمهن ليطلقوا صرخة التضامن مع المدينة الجريحة، وكان للفنانين مواقف تؤكد أنهم ضمير المجتمع وإحساس الأمة.
فنانون عالميون يعيشون في أقصى أرض تابعوا ما حدث في بيروت وتألموا لألم أهلها بكلمات باكية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونفس الأمر فعله فنانون من مختلف الدول العربية، أما الفنانون اللبنانيون فهم أصحاب المصيبة التي طالت البعض منهم وطالت ذويهم وأهلهم.
النجم محمد رمضان، وباعتبار أنه نجم متفرد عن كل مجايليه والسابقين له واللاحقين أيضاً، خرج على فيسبوك ليعبر بطريقته التي لا يمكن أن تصدر عن سواه، ناشراً صورة لفتاة لبنانية تحمل لافتة مكتوب عليها “من بيروت منحبك يا محمد رمضان نمبر وان” وأسفلها تعليق يقول : (خالص التعازي للشعب اللبناني الغالي، اللهم ارحم الشهداء واشف المصابين شفاء لا يغادر سقمًا).
هذا هو محمد رمضان الذي لا تشبه نجوميته إلا شخصيته بكل ما فيها من عبادة للذات، تصل إلى درجة تسمح له ألا ينسى ذاته ولو في لحظة كارثية، بل يستغل أي مصيبة ليقول للناس أنه (نمبر وان).
نعم، محمد رمضان (نمبر وان) وليس وراءه لا “تو” ولا “ثري” ولا أي أرقام أخرى، لان سلوكياته لا يمكن أن يمارسها فنان آخر، ولَم يحدث من قبل أن وجدنا فناناً مصاباً بداء عبادة الذات إلى هذا الحد، ولا نتمنى أن نجد هذا النمط يتكرر في المستقب.
من ينشر مثل هذه الصورة وسط هذه الكارثة، ومن لا يتذكر سوى ذاته في كل وقت وحين لا ينبغي أن نستغرب استعراضه من حين لآخر لسياراته ومقتنياته، لأنه لا يصدق أنه يملكها ولَم يتخيل يوماً أن يكون لديه تلك المقتنيات التي لا أحب سردها في هذا المكان.
نعم هو فنان ناجح بإرادة جماهير أحبوه، ولكنه النجاح الذي لم يتخيل أبداً أن يحققه، وهو نجاح لا يختلف عن نجاحات حققها نجوم كثر من قبل، ولكنهم أبداً لم يكونوا من محدثي النعمة، لإدراكهم أنهم حققوا نجاحاً يستحقونه بعد رحلة عناء وجهد.
حفظ الله نجومنا الكبار ورحم كبارنا الأموات وبارك في نجوم اليوم الذين يثقون في قدراتهم ويستطيعون التعاطف مع آلام الناس من دون الاتجار بها، وهم كثر ولن أذكر سوى نجم واحد هو لاعبنا العالمي محمد صلاح الذي نتمنى له المزيد والمزيد من النجاح، ومهما حقق من نجاحات فهي مستحقة، ونتمنى أيضاً أن يزيده الله عطاءً وفعلاً للخير وتواضعاً وامتلاكاً لكل ما في الدنيا من نعم.
mahmoudhassouna2020@gmail.com