حكايتى مع ديزنى (25) .. كله عند العرب …
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
تواصلت علاقتى بديزنى برغم انقطاع صلتى بالدوبلاج ، فعشقى لأفلامها قديم و ممتد و متجدد ، و لكنى كنت أراها فى نسختها باللغة الأصلية ، الى أن شاهدت بالصدفة النسخة العربية لفيلم (كوكب الكنز) فوجدت مستوى أقل ما يقال عنه أنه مستوى جيد جدا ، و عندما علمت أن المخرج هو الصديق الفنان و الممثل و المذيع ” أحمد مختار ” زالت دهشتى ، فهذا هو المستوى المتوقع منه ، فهو ليس مخرجا متمكنا فقط ، بل ايضا مدرب تمثيل من المعدودين ، و زادته ثقافته و اطلاعه خبرة فوق خبرته العملية . و بعدها تابعت الأعمال التى وجدت اسمه عليها فى نسختها العربية و استمتعت كثيرا بأعماله مثل مولان و شركة المرعبين المحدودة ، و رأيت فيها مستوى راق و حرفية عالية .
و الحقيقة أنه بجانب أعمال أحمد مختار فى الأفلام كنت أرى مستوى آخر تماما فى المسلسلات ، بعد أن أصبح كل من هب و دب يقوم بإخراجها ، فقد سمعت – على سبيل المثال لا الحصر – أن أحد مصححى اللغة العربية ممن كانوا يصاحبون المخرجين فى مسلسلات اللغة العربية أصبح مخرجا للمسلسلات ، و هذا أيضا من قبيل تخفيض التكاليف ، فلماذا يدفعون أجرين لمخرج و مصحح لغة ؟ و اختاروا مصحح اللغة ليقوم بإخراج العمل لصعوبة الاستغناء عن التصحيح ، و لا عزاء للجودة .
و لكن كل هذه العيوب لا تقارن بما حدث فيما بعد ، فمع تغير إدارات ( ديزنى الشرق الاوسط ) تغيرت معايير الجودة و انخفض سقفها ، و مع قرار احدى هذه الإدارات بفرض اللغة العربية الفصحى على دوبلاج بعض الأعمال ، زادت المسألة سوءا ، و كانت الضربة القاصمة فى 2013 عندما قررت قناة ج التابعة لمجموعة قنوات الجزيرة أن تعيد دوبلاج كل ما سبق من انتاجات ديزنى بالفصحى ، ليس هذا فحسب بل صاحب القرار تعليمات مشددة بنقل العمل تماما من القاهرة الى استوديوهات عواصم أخرى للأسف لم تستطع أن تكون على نفس المستوى ، حتى انهم فى بعض الأفلام الغنائية اضطروا لاستخدام استوديوهين فى بلدين مختلفين لانهاء العمل كما ذكرت من قبل . و تأكدت أن الأمر لا علاقة له بالفن حين أصرت القناة على عدم وجود صوت مصرى واحد فى نسخها.
هذا عدا طبعا التغييرات العجيبة و الغريبة فى الترجمة فكلمات مثل : الحب ، حبيبى ، الملك ممنوعة تماما ، فعندما تقف بوكاهنتس مدافعة عن جون سميث ضد القتل و تقول لوالدها : أنا أحبه ، صارت فى الترجمة الجديدة : انا سأتزوجه ….. و هكذا
أما حال الدوبلاج الآن فحدث و لا حرج ، و اسمحوا لى أن أنقل عن صديقى ( أدهم الجابر ) المسئول عن موقع ( ويكى ديزنى ) و المتابع الدقيق لكل ما تقدمه ديزنى و خاصة فى نسخها العربية ما قاله لى : ” كانت الأمور تتدهور فنيا منذ عام 2008 حيث تولى إدارة شركة ديزنى الشرق الاوسط مدير جديد ، و طلبوا منه “بناء المكتب العربي” وأن يوظف أعضاء مناسبين للوظايف ، فما كان منه الا أن جمع كل أقاربه وأصحابه و وضعهم في مناصب ، و قليلين جداً الذين استمروا من الإدارة السابقة ، وهذا أحد أسباب محاولته نقل الأعمال للبنان ، كما أنه صاحب قرار دبلجة بعض الأعمال باللغة العربية ، كما أنه نفس الشخص الذى وافق على اتفاق مجموعة قنوات الجزيرة مع ديزنى ، و لا عجب فى كل هذا الكم من الأخطاء ، فهو قادم من خلفية مختلفة تماما ، حيث كان يعمل مديرا لتوكيل أحد الأحذية الرياضية ، و لا علاقة له بمجال الترفيه على الإطلاق .
و لكن ما أصاب أفلام ديزنى فى مقتل ، تحويلها للغة العربية الفصحى حتى إننا تبنينا حملة لإعادة العامية المصرية مرة أخرى للافلام ( حملة ديزني لازم ترجع مصري ) و اشترك بها نجوم و نشر عنها الإعلام الى أن أصبحت حديث الساعة ، والكل تكلم عنها حتى وصل الكلام لديزني ، و تم تغيير مدير ديزنى الشرق الأوسط لكنهم استبقوا باقى الطاقم الذي وظفه . و تمخضت الحملة القوية التى قدناها عن إضافة “نسبة” من الألفاظ العامية المصرية في الدوبلاج لا تتعدى العشرين بالمائة ، لكى يسكتونا بعد حملتنا ، و لكن للأسف لم يهتموا بمعرفة التفاصيل . و بعدها بفترة حاولوا اعتماد النسخ الفصحى بحيث تصبح هي “الدبلجة العربية الرسمية” بدلا من النسخ المصرية القديمة ، وبدأت المحاولة مع فيلم شركة المرعبين المحدودة عندما عرضوا النسخة الفصحى على قناة ديزني العربية الرسمية بدلا النسخة المصرية . و اضطررنا وقتها إلى التحرك بسرعة ، وهددنا بسحب اشتراكاتنا من قناة ديزنى العربية ، والحمدلله أن تهديدنا أثمر وأزالوا الفيلم من جداول العرض لفترة ، بعدها أعادوه بنسخته المصرية .
و يكمل صديقى أدهم حديثه فى انفعال : ” جاء مدير جديد و توقعنا تعديل الأخطاء و أن يعود الدوبلاج لسابق عهده من حيث جودة الترجمة و روعة التنفيذ و خاصة أن هذه الإدارة جاءت بعد ضجة كبيرة ، و لكن لا تأتى الرياح بما تشتهى السفن كما يقولون ، فقد أصبح الهم الأساسى الآن أن تكون هناك “نسخة عربية” تملأ الخانة بين باقي اللغات ، (عاملة ازاي ولا ايه مش مهم ، أهم حاجة الشخصيات بتنطق عربي ، شوية يبعتوا اعمال للأردن ، شوية للبنان ، حتى لو الأجزاء الأولى في مصر وبالمصري) ، فعلى سبيل المثال : فيلم شركة المرعبين يعتبر من أنجح دبلجات ديزني اللي اتعملت في مصر باهتمام كبير ، الغريب أن الجزء الثاني من نفس الفيلم أرسلوه إلى لبنان والنتيجة كانت كارثية جداً ، ( شغل مفيهوش ذرة اهتمام لو عملوه في تلت أيام حتى مش هيبقى كده ، غير إنه فصحى وده مخرب الدبلجة بما فيه الكفاية ، جايبين يمكن ٨ ممثلين أو اقل وكل ممثل منهم واخد دستة شخصيات تحت اسمه ، غير الأصوات الثابتة ، والترجمة أسوأ من ترجمة جوجل لدرجة ان في حاجات مترجمينها غلط اساساً وملهاش معنى ، والأصوات سيئة ومستهلكة . مش مهتمين لدرجة انهم بيخلوا الأسماء إنجليزية زي ما هيا حتى لو المفروض ليها مرادف عربي ) . و (كل اهتمام ديزنى الشرق الاوسط الآن ينحصر فى جلب زوار من المنطقة العربية لمدن ديزنى الترفيهية فى كاليفورنيا و باريس . و برغم أنه حاليا عادت معظم الأفلام ليتم دوبلاجها فى القاهرة حيث تلقى الاهتمام من جيل جديد يحاول الوصول لنفس مستوى الجودة السابقة إلا أن الميزانيات تحد من جودة التنفيذ ، فأصبحوا لا يستعينون بالنجوم حتى لو كانوا أصحاب الأدوار الأساسية فى الأجزاء الأولى ، أما المسلسلات فتوزع على ستوديوهات متعددة فى دول شتى و لا تلقى أى اهتمام ).
انتهى حديث صديقى أدهم ، و لكن تبقى أسئلة هامة : لماذا أهملت ديزنى النسخ العربية ؟ ، أين مقاييس الجودة التى وضعتها فى البداية ؟ ، أين الاهتمام و الإصرار على الإجادة ؟ ، حتى اشرافهم على الاستوديوهات و ملاحظاتهم على الدوبلاج لم تعد موجودة . يبدو أنهم فقدوا اهتمامهم بالسوق العربية أو انهم تهاونوا فى مقابل الميزانيات الضعيفة و الهزيلة التى يدفعونها ، فلقد سمعت أن الممثل يتم حسابه بالسطر !!!! فى حين إنه فى البداية كان هناك فى (إكو ساوند) حد أدنى للاجور – حتى للمجاميع – يفوق للأسف ما يتم دفعه اليوم لبعض الممثلين !! و هكذا كان اختراع المساومة أو المناقصة أو اختيار الأرخص هو بداية الانحدار لمستوى الدوبلاج .
و الخلاصة: أن شركة ديزنى تعاملنا الآن بشكل سيئ ، و تبيع لنا منتجا يفتقر لأبسط قواعد الجودة التى وضعتها هى بنفسها فى بداية تعاملها مع الوطن العربى ، فهل سنستمر فى شراء هذا المنتج ؟ أم لنا وقفة تجبر الشركة على الاعتذار و العودة إلى معايير الجودة المفروضة على كل النسخ فى اللغات الأخرى ؟ أم أن ديزنى تعرف المثل الشعبى ” كله عند العرب صابون ” أى أننا لا نهتم بالجودة ، فلماذا تهتم هى ؟