رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إهانة رموز مصر .. فورة شعبية في غير محلها!

بقلم : محمد حبوشة

حين تقدم محامي مصري ببلاغ للنائب العام في مصر ضد الفنان محمد رمضان، متهما إياه بإهانة رمز من رموز مصر، بعد أن قام رمضان بتمزيق جواز السفر المصري ضمن أحداث مسلسله “البرنس” الذي عرض في شهر رمضان الماضي لم تتحرك الجماهير مستنكرة ذلك الفعل المشين، رغم أن ما قام به محمد رمضان يعد جريمة طبقا لنصوص المواد المادة 178 مكرر ثانياً – طبقا لما قاله المحامي أيمن محفوظ مقدم البلاغ – والتي تعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه، كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض صوراً غير حقيقية من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد.

محمد رمضان

وعلى الرغم من أن المحامي الذي تقدم بالبلاغ، طالب النائب العام باتخاذ قرار سريع بمعاقبه محمد رمضان ومنع عرض هذا العمل الفني، لكن لم يحدث أي رد فعل يذكر حتى الآن على تلك الإهانة الواضحة والصريحة، لا من جانب الجهات المتختصة ولا من جانب الجماهير التي شاهدت المسلسل ولم تنتبه لتلك الإهانة لرمز الدولة ، بل مر عليها الموقف مرور الكرام، غير أن عدد من رواد وسائل التواصل الاجتماعي استنكروا ما قام به المحامي، مشيرين إلى أن ما قام به رمضان جزء من نص العمل وليس له علاقة بالواقع، في حين عبر البعض عن تأييده لما قام به رمضان من فعل مشين بكل معنى الكلمة.

ويبدو أن إهانة الرموز المصرية أصبحت ظاهرة شعبية ليس لها ضابط ولا رابط، على الرغم من أن هناك مشروع قانون يمنع ويحمي تلك الرموز يفترض أن يقره مجلس النواب، وفحواه: (يحظر التعرض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية. يقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة في الكتب والتي تكون جزء من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقا لما اللائحة التنفيذية له”، ويضيف النص: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف كل من أساء للرموز الشخصيات التاريخية، وفي حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 7 وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه، ويعفى من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات، وذلك في الدراسات والأبحاث العلمية).

صفاء حجازي

ومع ذلك لم ولن ينتبه أبناء الشعب المصري إلى ذلك ربما بجهل للقانون، أو ربما هنالك حالة من الغوائية والعشوائية التي تتمثل في حشر أسماء المشاهير من النجوم الذين يعدون رموزا مصرية أثرت الحركة الفنية والثقافية في أي قضية تطرأ على الساحة، وفي غيبة من وعى الناس بالقانون حدث ما حدث في قضية (محطة صفاء حجازي) المزمع إنشاؤها في حى الزمالك، فقد تبارى المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي والفضائيات شاجبين ومستنكرين، وتباروا في ذكر أسماء من يستحقون أن توضع أسماءهم بدلا من الإعلامية المرحومة، وكأن جرما قد ارتكب في حق تلك الرموز بطريقة متعمدة، مع أن الأمر لايتعدى أن يكون قرارا عاديا أعلنه المهندس كامل الوزير، وزير النقل، كنوع من التكريم لرئيسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابقة ، على محطة مترو (الزمالك).

علينا أن نعني أن الجدل الدائر حاليا حول من يستحق أن يوضع اسمه من بين عدة أسماء على رأسهم (كوكب الشرق أم كلثوم ، الفنان القدير محمود المليجي، الموسيقار محمد عبد الوهاب)، هو عبارة عن فورة شعبية في غيرها محلها بل هذه هى الإهانة في حد ذاتها، وينبغي أن يحاسب عليها من زج بتلك الأسماء وأقحمها في غير موضعها، فليست محطات المترو والقطارات وغيرها من مرافق عامة هى مكان التكريم للرموز، بل التكريم الحقيقي في إنشاء متاحف تضم آثار تلك الرموز وتصبح مزارا سياحيا يرتاده محبوهم وعشاق فنهم، أما إطلاق الأسماء على الشوارع والمحطات وغير ذلك لن يخلد أي منهم أو يضيف لرصيده الفني، بل على العكس فالأمر لايعدو مجرد اسم على لوحة لا يقدم ولا يؤخر في شيء.

ـأم كلثوم
عبد الوهاب
محمود المليجي

انتبهوا يا سادة فإثارتكم وصنع الجدل حول هذا الموضوع البسيط استغلته المحطات الفضائية المعادية لمصر، وجعلت من هذا الحدث البسيط والطارئ قضية رأي عام وراحت تنفخ في النار وكأنها قضية القضايا التي ستسقط مصر بعد أيام في إحدى أكبر قضايا حقوق الإنسان، بعدما سقطت في وحل الإهانة لرموزها، ولقد عجبت كثيرا عندما شاهدت أحد المأفونين الذين ينتمون بفكرهم للجماعة الإرهابية، وهو يتحدث بسخرية عن هذا القرار، وفحيح سمومه يخرج من فهمه في اسقاط غير مريح على المذيعة الراحلة – رحمها الله – غير عبئ بأنها أصبحت في دار الحق ولا يجوز عليها إلا الرحمة وطلب المغفرة من العلي القدير.

لقد نسي هذا المأفون – الذي لايستحق أن يذكر – تقدير الجمهورلها وأيضا زملائها الذين تباروا فى التناول الإيجابى لسيرة ومسيرة الإعلامية القديرة ومشوارها المهنى الطويل، وهى التي توفيت وهى تصارع المرض وتعمل وتعطى لـ (ماسبيرو) والإعلام الوطنى حتى آخر لحظات فى حياتها.

لقد أعاد هذا القرار (تسمية محطة الزمالك باسمها) إلى الأذهان أيها المأفون، خطوات مشوار (صفاء حجازى) منذ تخرجها فى كلية التجارة جامعة المنصورة فى 1984، والتحاقها بالعمل فى الإذاعة المصرية، ثم انتقالها إلى التليفزيون، ومشاركتها فى تغطية حرب الخليج، وعملها فى التليفزيون المصرى (قارئة لنشرة الأخبار)، وتفوقها فيها، حتى أسند إليها تقديم برنامج (بيت العرب)، الذى أجرت من خلاله لقاءات مهمة بعدد من الرؤساء والملوك، فضلا على تغطيتها أحداث القمم العربية ونشاط الجامعة العربية.
وخلال مشوارها الإعلامى – أيها الصحفي الذي ينتمي لمرتزقة الإخوان – تعرضت صفاء حجازى لأزمة صحية فى 2008، إلا أنها سرعان ما استردت عافيتها وعادت مجددا، لتواصل عملها بنجاح، وتولت رئاسة قطاع الأخبار فى 2013، وتعد (صفاء) صاحبة الرقم الأول فى أمور عديدة، منها أنها أول إعلامية تتولى رئاسة قطاع الأخبار، وأول سيدة تتولى رئاسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وأول إعلامية يطلق اسمها على أحد استوديوهات قطاع الأخبار، والآن هى أول إعلامية يطلق اسمها على محطة مترو أنفاق، ومن الواضح أن (صفاء حجازى) حصلت على الأسبقية خلال وجودها بتعيينها وعقب رحيلها، لتكون أول سيدة يطلق اسمها على محطة مترو.

علينا أن نكف عن الجدل فيما لايجدي ونفكر تفكيرا عمليا في تكريم وتخليد رموزنا بتفعيل قانون حماية الرموز من ناحية، ومن ناحية أخرى أن تخلد أسماءهم في أعمال فنية احترافية توثق جيدا لتاريخهم، وتكون جاهزة للعرض في المهرجانات المحلية والإقليمية والدولية لتعكس صورة مصر الحضارية، وتوضح كيف ساهم هؤلاء في صناعة تلك الحضارة التي يمتد أثرها على ضفاف النيل من آلاف السنين  وحتى اليوم شامخة في عزة وجلال .. عنئذ نكون قد حققنا الهدف الأسمي لتكريم وتخليد رموز مصر، بدلا من أن تلوكهم الألسنة بين الحين والآخر والزج بهم فيما لايجدى، فمن العيب أن تصبح إهانة الرموز مجرد فورة شعبية في غير محلها كما يحدث الآن للأسف.

محمد على كلاي

وأخيرا أذكر حادثة ينبغى أن نتخذ منها المثل والقدوة فقد اخترعت (هوليود) سنة 1959 م نظامًا جديدًا لتكريم رموز الفن وهو (ممر الشهرة)، حيث توضع نجمة على الأرض باسم فنانٍ ما أو شخصية ما تكريماً لتاريخه، حتى تجاوز عدد النجوم في الأرض إلى أكثر من 2000 نجمة، إنسان واحد استطاع أن يكسر هذا التقليد وهو (محمد علي كلاي)، حيث رفض وضع اسمه داخل نجمة على الأرض، احترامًا لاسم سيدنا (محمد) نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فتم وضعها على حائط مسرح كوداك، أليس حريا بنا أن نحذو حذو هذا الرجل الذي احترمه دينه ونبيه فاستحق احترام الأمريكان ووضعوا اسمه في مكان يليق؟!.

محمد صلاح

ولابد لي أن  أذكر بمفارقة غريبة وعجيبة لم ينتبها لها المصريون وهى واقعة وضع صورة (محمد صلاح) على أحد الشباشب الصينية مرفق بصورته اسم مصر باللغة الإنجليزية، حدث ذلك في غيابٍ مصريٍ شعبي كاسح كالعادة بحيث عجز عن الرد ومطالبة الصين بإلغاء هذا المنتج تقديرًا لاسم (محمد) رسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة والسلام – ثم احترامًا للبلد التي خرج منها (محمد صلاح) والتي تعد حضارتها باعتراف (رئيس الولايات المتحدة) أقدم من الصين ذاتها كبلد وحضارة إنسانية .. هذا ما ينبغي أن يلفت نظر الجمهور لا أن يعلق على شماعة (محطة صفاء حجازي) باعتبارها أغفلت حق (أم كلثوم وعبد الوهاب والمليجي) وغيرهم من رموز مصرنا الغالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.