“طه حسين” يشجع “عبدالوهاب” على الغناء ليلة وفاة والده
كتب : أحمد السماحي
من الأغنيات الأولى التى قدمها الموسيقار “محمد عبدالوهاب” لأمير الشعراء “أحمد شوقي” أغنية “الليل بدموعه جاني” التى قدمها عام 1927 ، وهذه الأغنية لحنها الموسيقار “محمد عبدالوهاب”، لكنه أكتفى بتسجيلها على اسطوانة، ولم يغنيها في حفلات عامة، لكنها اضطر عام 1928 أن يغنيها في لبنان، في حفلة عامة وبكي يومها بدموع حقيقية على المسرح، وأبكى كل من كان موجودا، تعالوا بنا نعرف الحكاية من الموسيقار “محمد عبدالوهاب” بنفسه كما حكاها للكاتب الصحفي اللبناني “رياض شراره” الذي نشرها في مجلة الشبكة اللبنانية، فهيا نقرأ ماذا قال “عبدالوهاب”:
عام 1928 توفى والدي أثناء وجودي في لبنان كنت يومها أغني في “عالية”، وفى نفس اليوم الذي توفي فيه كنت أقيم حفلة في فندق شاهين، وكان المرحوم “أحمد شوقي بك”، وعميد الأدب العربي الدكتور “طه حسين” يصطافان فى عاليه أيضا، وعندما أطلعت على الصحف المصرية التى كانت تصل متأخرة يوما إلى لبنان، فوجئت بوجود نعى والدي، ففجعت فاجعة كبيرة جدا، وبكيت بكاء مرا، وكان المرحوم “شوقي” بجانبي فأحاطاني بكل عناية ورعاية وحب، ومسح دموعي بيديه وقال لي: لا تتضايق ولا تبكي، وأعتبرني والدك الثاني.
وعلى الفور أرسلت لصاحب الحفلة خبرا، أطلب منه أن يلغي الحفلة المقررة بسبب وفاة الشيخ “عبدالوهاب محمد” والدي، واستطرد الموسيقار الكبير قائلا: وأحب شوقي بك أن يروح عني فطلب مني أن نزور الدكتور “طه حسين” في غرفته، وبالفعل قصدنا الدكتور “طه حسين” وكان مدعوا لحضور الحفلة، فما كان منه إلا أن بادرني مبتسما بالقول: سنسمعك اليوم، ونرجو أن تكون موفقا، فرد عليه شوقي بسرعة : والله يا دكتور عبدالوهاب ألغى اليوم الحفلة!
فقال الدكتور “طه” ولماذا؟! هل هو تعب؟ فرد “شوقي بك”: كلا لقد أصابه حادث أقسى من التعب فقد توفى والده، وتأسف الدكتور “طه حسين” كثيرا، ثم توجه بصوته الجهوري قائلا: والدك توفاه الله، البقية في حياتك، ولكن لماذا لا تغني؟ فقلت له باستغراب: والله يا دكتور لا أستطيع أن أغني وأنا فى مثل هذا الحزن، فقال: وهل الغناء كله أفراح؟ قلت: كلا، ولكن المفروض أن الناس يأتوا إلى الحفلة كي يفرحوا، فقال الدكتور “طه”: لكن هناك العديد من الناس تحملهم إلى الحفلات أحزانهم وأشجانهم فلماذا لا تغني؟، لكنني إذا غنيت فسأبكي، فرد: وماله أبك أنت تبكي فوق، وهم يبكون تحت.
وخرجت أنا و”شوقي بك” من عند الدكتور” طه حسين”، وطلبت المتعهد مرة ثانية، وأخبرته بأنني مستعد للغناء في هذه الليلة، وبالفعل استؤنفت الحفلة، وتحقق ما قاله الدكتور “طه حسين”، فقد كنت أغني وأبكي على المسرح، وكان الناس يبكون فى الصالة الوسيعة، وأذكر أنني كنت أؤدي أغنية لشوقي تقول:
الليل بدموعه جاني يا حمام نوح ويايا
نوح واطرح أشجاني دا جواك من جنس جوايا
الشوق هاجك من دوحك، وشكيت الوجد معايا
أبكي بالدمع لنوحك، وتنوح يا حمام لجفايا
بعد الأحباب لوعنا، والقرب دواك ودوايا
ومسـير الايام تجمعنا، ان كان في الصبر بقايا
قال لي اتعلم من حبي، قرصان العشق هوايا
أنا اخبي الدمع ف قلبي، واكتم في القلب أسايا.
وأذكر أن الليلة كانت ليلة حزينة أكثر مما كانت ليلة غناء، ولابد من الإشارة إلى أن الجو الذي كنت فيه جعل التكرار مستحبا والشجن جعلني أضيف على الأغنية أضافات لم أكن أتصورها وقد دامت الأغنية الواحدة حوالي الساعتين.