بقلم المخرج المسرحي : عصام السيد
كان الفنان الكبير محمود رضا طوال فترة مسئوليته عن فرقة رضا أو طوال حياته الوظيفية كوكيل لوزارة الثقافة و مسئولا عن قطاع الفنون الشعبية و الاستعراضية لا يتعامل بمنطق انه موظف كبير و مسئول بوزارة الثقافة ، بل كان يتعامل بصفته رائد الرقص الشعبى فى مصر ، و لم لا و هو صاحب أول فرقة محترفة فى هذا المجال، كما كان يتعامل بمنطق أنه صاحب فرقة اضطرته الديون الى ” تأجيرها ” للدولة ، لذا كانت قراراته و أفعاله و أقواله لا تخضع للمناقشة أو المراجعة ، و كثيرا ما سمعنا عن صداماته برؤسائه ، النابعة من إحساسه بذاته كفنان و التى يترجمها سلوكه المعتد ، و طريقة مشيته التى تشبه الطاووس و التعامل مع الفرقة و كأنها مازالت ملكا له.
و القصص المروية كثيرة سواء ما تداولتها الصحف ، أو التى خفت عن الاسماع ، و من هذا المنطلق استطاع محمود رضا الانطلاق بفرقة رضا الى آفاق أرحب و أوسع و أشمل و قدم تجارب كانت جديدة على المسرح المصرى.
فبرغم ريادته المعترف بها والمشهود لها فإن البعض يعتقدون أن ما قدمه محمود رضا ليس فنا شعبيا خالصا ، بل أضاف للرقصات الشعبية حركات من الباليه و تشكيلات لا ينتهجها أصحاب الرقصات الأصليين ، و هنا فنحن أمام مدرستين فى تناول الفنون الشعبية : إحداها تصر على تقديمه كما هو دون إضافات أو محسنات من أى نوع ، و حبذا لو كانت بشخوصه الحقيقية ، و المدرسة الأخرى ترى أنه لا عيب فى بعض من تحسينات و تدخلات تفرضها طبيعة الفن.
والحقيقة أننى أرى لمحمود رضا ريادة أخرى لم ينتبه لها كثيرون ، فالرجل لم يكن مصمما للرقصات فقط ، بل كان مخرجا لجميع عروض فرقة رضا منذ نشأتها و حتى منتصف التسعينات ، كما أنه أخرج أوبريت تم تقديمه عام 1974 باسم ” حبيبتى يا مصر ” ، و بذلك يعتبر هو أول من أخرج عروضا للفنون الشعبية ، و هو أمر يختلف – و لو قليلا – عن عروض الدراما ، و لكن تلك الريادة ليست التى أقصدها أيضا فعن أى ريادة نتكلم ؟.
فى أوائل السبعينات قدم محمود رضا عرضا دراميا راقصا من البداية إلى النهاية هو ” على بابا و الاربعين حرامى ” ، خلط فيه بين الرقص الشعبى ( المأخوذ من الفولكلور بتصرف ) و الرقص التعبيرى و الإيمائى ، و كان من الواجب أن يذكر التأريخ المسرحى هذا العرض كأول تجربة مسرح راقص فى مصر ، و خاصة أنه اعتمد على أصول مصرية فى الحركة و الألحان ، و لكن السادة النقاد لم ينتبهوا لهذا العمل و لم يوضع فى مكانته الصحيحة ، و عندما أتى إلينا آخرين فى التسعينات بمسرح غربى راقص ليقدموه فى مصر و براقصين مصريين اعتبرنا انهم الرواد.
و المسرح الراقص تعود بداياته إلى أوائل الخمسينات من القرن الماضى . و سطع على يد ( مارتا جراهام ) و آخرين يعتبرون أن الجسد هو المنبع الأساسى للفعل الإنسانى و منبع الوعى أيضا ، و عندها حولوا قدسية فن الباليه إلى شعبية حركة الانسان فى حياته اليومية و استخدموا هذا فى التعبير عن مختلف أحاسيس البشر فى عروض راقصة فقط من الألف إلى الياء تختلف عن الباليه فى الموضوعات المتناولة و طريقة الحركة . أما المدرسة الألمانية فى المسرح الحركى أو المسرح الراقص – حسب تعريفنا للمصطلح – فقد سمحت باستخدام مشاهد درامية تعتمد على الكلمة وسط العرض .
و الحقيقة أن الاستاذ محمود رضا ، قدم عدة أعمال راقصة من ثلاث فصول منها : ( وفاء النيل ، رنة الخلخال ) ، و فى التسعينات كانت له تجربة ثانية لما يمكن أن نسميه مسرح راقص تحت اسم ( قلب فى الروبابيكيا ) قدمها لفرقة رضا أيضا ، و لكننا نعتقد إنه تأثر ليس فقط بالمسرح الراقص و إنما أيضا ب ( الروك اوبرا ) ، أو الأوبرا الشعبية التى كانت منتشرة – و مازالت – فى المسرح الغربى ، حيث تختلط فنون الغناء و الموسيقى و الاستعراض فى بوتقة عرض واحد ، مُغنى و راقص من البداية الى النهاية و كل هذه تجارب قدمها لنا محمود رضا و لم تكن مسبوقة فى مصر أو العالم العربى.
إلى جانب أن الرجل كانت له مكانة مشهودة فى استخدام الإضاءة المسرحية و له أيضا الريادة فى استجلاب أحدث تقنياتها . فأول استعمال لجهاز ( الفلاشر ) كان فى فرقة رضا ، و فى مشهد من أجمل المشاهد تصميما و إخراجا فى عرض ( على بابا ) ، حين تدور المعركة بين دودة القطن و الفلاحين ، حيث استخدم رضا المسرح الأسود و إضاءة الالترا بالاضافة إلى الفلاشر لينتج لنا معركة رائعة . و لذا لا عجب أن يضم كتابه ( فى معبد الرقص ) فصلا خاصا عن الإضاءة المسرحية ، و هو الكتاب الذى صدر فى وقت كانت المراجع عن الإضاءة باللغة العربية قليلة و نادرة.
و اليوم و حن نودعه كان لابد أن نثبت له السبق فى ريادات عدة و لم يلتفت لها السادة النقاد.
نعم كانت اه الريادة في وضع بذرة الرقص المسرحي في بعض عروضه
وأعتز باستضافته في ندوة بقسم المسرح عام ٢٩٨٧ ليحاضر في ندوة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي كان القسم يحتفي بها سنويا بدء من العام ١٩٨٥ واستمرت حتي عام ٢٠٠٥ وكان موضوع محاضرته في المهرجان عن دور الرقص في العروض المسرحية – بعد أنتشار ذلك في عروض المسرح – وفيها فال إن ذلك دليل علي أهمية الرقص في المسرح وعن لزياد رغبة الجمهور في مشاهدة فن الرقص في العرض المسرحي )
كما كان بيننا اتفاق تم بحضور الفنان ( علي الجندي ) والمستشار القانوني للفرقة أو القطاع في مكتبه بمقر فرقة رضا بشارع قصر النيل – علي نشر المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية – وكنت رئيس المركز وقتذاك / لمذكراته في كتاب عام ٢٠٠٠ وللأسف أفسد الاتفاق بعض الأدعياء
رحم الله الرائد القدير.