بقلم : محمد حبوشة
فنانة تمتلك موهبة كبيرة، تميزت بملامحها المصرية في تجسيد العديد من الأدوار بحس كوميدي وتراجيدي عالي الجودة، ومن ثم حفرت مكانتها في وجدان جمهورها، فهى صاحبة أكثر الوجوه قبولا لدى ملايين المشاهدين، وجه قريب كوجه الأم أو الأخت أو الخالة أو الجارة الطيبة، تحمل من الطيبة والهدوء كثيرا من صفات المصريين، كما تحمل بين جوانحه سيلا جارفا من الإبداع الذى لم تأته الفرصة ليظهر كل إمكاناته رغم كثرة أدوارها وتألقها فى كل منها، وذلك بحكم أنها تنتمى إلى هؤلاء المبدعين الذين لا يتحدثون كثيرا، ولكن حباهم الله بقبول ومحبة لا حدود لها، يكفى أن تطل فى مشهد صغير أو تنطق بكلمات قليلة فى أى عمل لتصاحبها دائما هالة من الحب وطاقة من الإبداع تعلن عن نفسها دون كلام أو دعاية، بانفعالات هادئة وأداء رصين طبيعى ومتمكن قادر على أن يرسخ فى الوجدان ويتسلل إلى القلب والعقل فلا تنساه أبدا، مهما طال الزمن.
إنها (إنعام سالوسة) التي لديها من القبول والإبداع ما يجعل الملايين يحفظون إيفيهاتها وعباراتها حتى ولو ظهرت فى مشاهد قليلة من العمل الفنى: ومنها الكلمة الأكثر رواجاً الآن (يا لهوووووووي) الخاصة بها، تتمثلها الأمهات أثناء المذاكرة، والموظفون في معاناتهم اليومية، وغيرها من عشرات المواقف، على المنوال ذاته تتكرر الجملة الخاصة بها مثل: (إن شاء الله وألف ألف مبروك) من فيلم (عايز حقي)، و(أنا ماما يلا) من فيلم (الحرب العالمية الثالثة)، وأيضا (بكره هتتعود وتجيلك تناحة وتكسب مناعة .. ويامرك يانعمة) وغيرها من عبارات أخرى تحمل سخرية مرة في قالب كوميدي، لتبدو تلك المرأة المصرية الأصيلة التي تحمل روحها البسيطة.. خفة ظلها.. اعتزازها بلهجتها.. صاحبة ملامح مميزة، تجدها في كل الأدوار تخاطب مشاهدها وكأنها تفتح معه حوارا خاصا، فلا يمكن أن ينتهي أحد من مشاهدة فيلم أو مسلسل إلا ويتذكرها.
لقب “الست إنعام”
وقفت أمام الكبار والصغار فأصبحت عن جدارة تستحق لقب “الست إنعام”، على جناح سحر الأداء وبصمات مميزة للغاية مع أجيال مختلفة من الوسط الفني، فقد اختارت أن تكون موجودة دائما بفنها المتنوع وأدائها المخلص لشخصياتها، مبتعدة عن وسائل الإعلام والصحافة، مما يشير لكونها تعمل من أجل حب المهنة والمتعة لها وللآخرين من الكثيرين من جمهورها الذي يرتبط بكل أدوارها على شاشتي السينما والتليفزيون.
دائما تحرص (إنعام سالوسة) على البساطة في الحياة والتلقائية في الفن، حيث استطاعت من خلال قدراتها التمثيلية تحويل مشاهدها القليلة إلى بطولة خاصة بها، فكانت لا تهتم بتقديم أدوار البطولة طوال مشوارها الفني الذي يزيد عن ستة عقود، لكنها كانت تتمنى أن تقدم دائما دورا طويلا مؤثرا له ملامح شخصية واضحة، فهى تنتمى إلى هؤلاء الموهوبين الذين يبدعون فى صمت، ويتركون أعمالهم تتحدث عنهم، فلا يتحدثون كثيرا للإعلام ولا يجيدون الترويج لأنفسهم، يعملون فقط وينتظرون أدوارا تفصح عما يملكونه من قدرات، فينفخون فيها من روحهم وإبداعهم ليمنحونها وتمنحهم بقاء ورسوخا فى عقول وقلوب الملايين، أولئك الذين ينتظرون كل عمل تطل فيه المبدعة المحبوبة (إنعام سالوسة) وتفيض فيه على محبيها بما تملكه من قدرات جبارة، لذلك قامت بأداء الكثير من الأدوار الكوميدية والتراجيدية والاجتماعية، لكن لا ينصف الحظ أصحاب المواهب الحقيقة في أحيان كثيرة، بل يتخلى عنهم ولا يسمح لهم بالسطوع والتوهج، ولم تلق تكريماً طوال أكثر من 60 عاماً.. حتى يمكننا القول أن (إنعام سالوسة) الممثلة العظيمة التي لم تنل حقها قط!
مواليد مدينة دمياط
(دع أعمالك تتحدث عنك) .. مقولة شهيرة حرصت الفنانة المتألقة (إنعام إبراهيم حسن أحمد سالوسة) والشهيرة بـ (إنعام سالوسة ) على تطبيقها والعمل بها في مشوارها الفني، وهى التي ولدت بمدينة دمياط الواقعة في الشمال في دلتا النيل، في 9 سبتمبر 1939، وتنحدر من أصول من مدينة (المنصورة) عاصمة محافظة الدقهلية، وقد ظهرت ميول سالوسة الفنية والتمثيلية في عمر مبكر، فدخلت مجال الفن عن طريق تعلمها للعزف على آلة الأكورديون أثناء دراستها للمرحلة الثانوية، وبعدها التحقت بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وخلال دراستها الجامعية قامت بتنمية موهبتها وحبها للتمثيل، فوقفت على مسرح الجامعة وشاركت في تقديم العديد من العروض المسرحية البسيطة على خشبة المسرح الجامعي، وفور حصولها على شهادة الليسانس من كلية الآداب، قررت الالتفات إلى موهبتها وحلمها، والدخول الفن من باب أكاديمي، لذلك التحقت بمعهد الفنون المسرحية، وخلال دراستها كان المخرجون يقومون بزيارات للمعهد للتعرف على المواهب الشابة وتقديم فرص للمواهب التي تستحق الدعم.
وهذا ما حصل فعلا، فقد قدم لها المخرج (نور الدمرداش) عام 1964، فرصة ذهبية بترشيحها للمشاركة في بطولة مسلسل (لا تطفئ الشمس)، الذي ضم عددا كبيرا من نجوم التمثيل، مثل (صلاح السعدني وزوزو ماضي)، وكانت هذه الفرصة نقطة فارقة في مسيرتها المهنية، كما يعتبر عام 1968 هو بداية (إنعام) في عالم السينما، عندما شاركت في أفلام (الست الناظرة، التلميذة، الأستاذ)، لكن بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل (لا تطفئ الشمس) انهالت العروض عليها وحصلت على العديد من الفرص، وهكذا بدأت تتزايد إطلالات (إنعام) على الشاشة الصغيرة، ومن هنا برزت بشكل كبير بدور الأم وأدته في العديد من الأفلام والمسلسلات، ومن أهم الأعمال التي شاركت فيها (حكاية الأيام، جحا المصري، عائلة الحاج متولي، جبل الحلال، مأمون وشركاه، الزناتي مجاهد، أبو العريف، سلسلة تامر وشوقية، رمضونا، مش ألف ليلة وليلة، هو وهي).
تعاونت مع كبار النجوم
تعاونت (إنعام سالوسة) خلال مسيرتها مع الكثير من نجوم الساحة الفنية القدامى والمعاصرين، وكانت من أهم الأعمال التي قدمتها خلال فترة نشاطها الفني، دورها في مسلسل (مأمون وشركاه) إلى جانب الفنان عادل إمام، وقد لعبت دور (عصمت) وكيل وزارة سابقة وأبدعت فيه وخصوصًا بسبب خروجها من عباءة دور الأم، كما برزت في دور مختلف نوعا ما في مسلسل (يونس ولد فضة)، فقد لعبت دور امرأة صعيدية، وناقش المسلسل بعض قضايا المرأة في الصعيد، وعند الحديث عن أحد أكثر أدوارها شهرة، نتذكر على الفور شخصية (أم ابراهيم) في مسلسل الحاج متولي، مع الفنان الراحل نور الشريف، وهى خادمة زوجته (أمينة)، ولم تقتصر موهبتها على التلفزيون فقط، بل اتجهت نحو السينما، وكانت أول مشاركة سينمائية حقيقة لها من خلال فيلم (الكروان له شفايف)، وبعدها قدمت العديد من الأفلام السينمائية أهمها، (دموع في عيون ضاحكة – 1977)، فيلم (أخت عادل – 1977)، فيلم (ليلى – 1978) فيلم (الممرضة زينب – 1987)، فيلم (سرايا هان – 2005).
ويعتبر أبرز أدوار (إنعام سالوسة) السينمائية كان في فيلم (إكس لارج) مع الفنان أحمد حلمي، والذي شاركت من خلاله بدور (العمة دنيا)، وفيلم (محامي خلع) مع الفنان هاني رمزي، ولعبت دور أمه التي تعيش في الأقصر وتكافح لأجله، وفيلم (عسل أسود – 2012)، بالإضافة إلى مشاركاتها في (ليالي الحلمة بأجزائه)، وعملت (إنعام) في مجال آخر فقد شارت كبديل عن الفنانة سعاد حسني أو ماتسمى بـ (الدوبلير)، في فيلم (نادية) بسبب الشبه في قوامهما، وظلت علاقتها قوية بسعاد حسني حتى وفاتها، لكنها حفرت مكانتها في وجدان جمهورها أكثر في (وصيفة المرزوقى) زوجة سليمان باشا غانم في (ليالى الحلمية)، و(نعمة) زوجة علوان في (ذئاب الجبل) واشتهرت بجملة: (يا مرك يا نعمة).
مكانة مميزة لدى الجماهير
وضعت (إنعام سالوسة) لنفسها مكانة مميزة وذات طابع خاص لها في قلوب محبيها والمشاهدين، فهي تعد من أهم نجمات الوسط الفني خلال فترتي الثمانينات والتسعينات، حيث أنها وضعت بسمة وبصمة مختلفة عن فنانات جيلها، وقدمت عدة أعمال ناجحة تتحدث عن موهبتها الخاصة والمميزة، رغم ندرة لقاءاتها التليفزيونية وحوارتها الصحفية، إلا أنها دائمة التواجد في أذهان الجمهور كبيرا وصغيرا، فهي واحدة من أكثر الفنانات إثارة للضحك والكوميديا، رغم أدوارها القصيرة والمتعددة على الشاشة إلا أنها لم تظهر مرة على غلاف مجلة أو تتصدر أخبارها الصفحات الأولى، ورغم كل ذلك استطاعت أن تلفت الأنظار إليها دائما بأدائها الأقرب للكوميديا، بل إنها أصبحت تمثل رمانة الميزان في جميع الأعمال المقدمة حاليا، والتي أختفت فيها بتقادم الزمن شخصية الأم والجدة، فقد خلت الساحة الفنية مؤخرًا من وجود هذا النموذج الفني الخاص الذي يجمع بين الكاريزما الشخصية ومدرسة الأداء المتفردة التي تمزج بين لغة الجسد والإحساس الداخلي بالشخصية التي تجسدها لتبدو في أدائها ملتحمة مع الدور، مما يجعلها أكثر تلقائية وقربًا من الجمهور.
رحلة ثرية كبيرة تجاوزت الستين عاما أثرت فيها أنعام صاحبة نبرة الصوت المميزة الشاشة بالعديد من الأدوار، تلك الرحلة التي بدأت في الستينيات من القرن المنصرم بأدوار صغيرة في سينما “الأبيض والأسود”، لتنطلق بعد ذلك في العديد من الأعمال التليفزيونية في العهود الأولى للأعمال التي كان ينتجها التليفزيون المصري في أوج ازدهاره، لكن المرحلة الانتقالية في حياة سالوسة تتمثل في شخصية “وصيفة” بمسلسل “ليالي الحلمية”، وهو الدور الذي قدمته أمام الفنان صلاح السعدني، تلك المرأة الريفية الساذجة خفيفة الظل والتي كانت تمثل بها قطاعا كبيرا من السيدات ممن يشبهنها، ويزيد نجاح تلك الشخصية لكونها الأكثر تعبيرا عن نموذج المرأة الريفية في هذه المرحلة التي لم يكن فيها أعمال تخاطبها.
هذا الدور تحديا جعلها تكتسب شريحة جماهيرية مهمة في تلك المرحلة، ورغم ذلك لم تكن دائماً طيبة وساذجة أو حتى كوميدية، حيث استطاعت في مسلسل (امرأة من الصعيد الجواني) أن تقدم دور الشخصية الهيستيرية التي تقوم بنقل الكلام والإضافة والحذف منه، بسبب كلماتها تندلع المشكلات بين الناس وتنخرب البيوت ويقع الطلاق، فقد قدمت بجدارة شخصية هيستيرية شريرة تحاول جذب الاهتمام بكل الطرق.
مودمازيل نفسية الصارمة
وهى أيضاً (مودمازيل نفيسة) الحادة جداً الصارمة في تعاملاتها، التي لا تؤدي مهام أبعد من وظيفتها كسكرتيرة، ولا تقبل أن يناديها أحدهم بـ (مدام) بينما هى (آنسة) لتبدو لك في النهاية مشخصاتية بامتياز، ففي قدرة عجيبة استطاعت تقديم شخصية (جولدا مائير) بتفاصيلها الصارمة الصلبة والقوية في مسلسل (السقوط في بئر سبع) ببراعة منقطعة النظير، وأكدت أن حسها الكوميدي الذي يخرج منها دون مجهود يذكر، وليس دائماً المتحكم في أدائها واختياراتها فهي حين تريد أن تبدو (شريرة أوصارمة) تقدم هذا باحترافية عالية على مستوى لغة الجسد والحركة والصوت في تجسيدها لروح الشخصية من الداخل والخارج في آن واحد.
محطة جماهيرية أخرى قدمتها (سالوسة) مع الأطفال من خلال المسلسل الأشهر (بوجي وطمطم)، حيث قدمت دور والدة (زيكو) بنبرة صوتها (الخنفاء) الشهيرة، مما جعلها تكون قاعدة أخرى مع الأطفال، وكذلك في مسلسل “بسنت ودياسطي” الذي قدمت منذ سنوات قليلة، وبرغم تعدد الأعمال التي قدمتها الفنانة على مدار السنوات الأولى العشرين في عمرها الفني، إلا أن تألقا خاصا لازمها في الألفية الجديدة منذ بداياتها، حيث تألقت فيها في تجسيد العديد من الأدوار الكوميدية والتراجيدية مع النجوم الجدد، أبرزها أدوارها مع الفنان أحمد حلمي في أفلام (عسل أسود،إكس لارج)، أو مع أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو في فيلم (الحرب العالمية الثالثة) وغيرها من أدوار لافتة جدا في قلب الدراما التليفزيونية.
في الفتوة والاختيار
في عام 2020، وتحديدا في موسم رمضان تألقت الفنانة القديرة (إنعام سالوسة) في مسلسين من أكثر الأعمال مشاهدة واهتمام جماهيريا، وهما (الفتوة والاختيار) وقدمت نجمة الأداء العفوي بامتياز أهم مشاهد مسلسل “الفتوة” خلال لحظة موتها، حيث جسدت شخصية (أم حسن الجبالي)، وقد انتهى المشهد بحدث أبكى مصر كلها في دقيقة واحدة، فقد حركت مشاعر الحزن الشديد لأنها مثلت الدور وهى ميتة، وهو أمر صعب للغاية، لكنها أتقنت أداء المشهد إلى حد البراعة التي جعلت القلوب تبكي قبل العيون، وأكدت الفنانة القديرة قدراتها في تقديم كل الأدوار بتلقائية شديدة، ففي بداية حلقات “الفتوة” قدمت مشاهد خفيفة الظل وفي الوقت نفسه تحمل ألماً وحزناً كبيرين بسبب ابنتها التي فضلت الابتعاد عنها من أجل رجل أحبته، لتستكمل هذا الألم بنبأ مقتل ابنها، وهو نفس ما فعلته في مسلسل “الاختيار”، بتقديم دور الأم التي رفضت عزاء ابنها الشهيد في (كمين الفرافرة) إلا بعد الحصول على ثأره من التكفيريين.
لقد أصبح مجرد ظهورها في أي مشهد هو درس في التشخيص الراقي، فليس هناك أي غلو واضح في التعبيرات ولا مبالغة في الأداء ولا إفراط في الحركات كل شيء محسوب بدقة، خفة دمها التي تتلاعب بها باحترافية في كل عمل جعلتها تدخل قلوب ملايين العرب، فبرهنت لنا كما برهن لنا بعض من زملائها أن مساحة الدور لا تهم بقدرما يهم اتقان العمل والتشبث بروح الشخصية مهما كانت محدودية زمنها، هذا فقط هو الذي جعل مستوى الحضور طاغيا عند (إنعام سالوسة)، فهى نموذج جيد للممثل الحربائي غير النمطي الذي يتغير بتغير الشخصية، هانم في التمثيل تتقن الشخصيات الدرامية كما تتقن مثيلاتها الكوميدية، لذا لن أقول إنها ممثلة كبيرة من الزمن الجميل، لأن كل مشهد وكل لقطة تطل علينا من خلالها إلى حد الآن هى زمن جميل بالنسبة لنا، بخلاف بعض الممثلين والنجوم المخضرمين الذين اعتمدوا على شكلهم كأداة لتحقيق النجومية والشهرة، فبعدما استنزفت وسامتهم ضاعت موهبتهم -التي لم تكن أصلا – فنجدهم اليوم إما أنهم اندثروا ولم يعد لهم وجود، أو مازالوا يخبطون خبط عشواء في الأعمال التي يشاركون فيها.
300 عمل سينمائي تليفزيوني
قدمت ما يقرب من 300 عمل فني بين الدراما والسينما، لم يكن هدفها يوما تسليط الأضواء عليها مثل غيرها من النجمات، ولكن يبقى لها علامات مهمة بحيث يكاد دورها يكون مكتوبا له، ولا يمكن أن تقدمه ممثلة أخرى، فلك أن تتخيل ممثلة أخرى للموظفة فى مؤسسة حكومية تقوم بتقميع البامية على مكتبها كما في فيلم (الإرهاب والكباب)، لا يمكن أن تجسد هذا الدور بهذا الأداء ممثلة أخرى، أو فى فيلم (إكس لارج) مع أحمد حلمى، أو (عسل أسود)، هى إذا أيقونة فنية لم تنل حقها من التكريم الحقيقي فى مجالات عدة يمكن أن نعرف منها مدى تمكنها وموهبتها الطاغية، مثل دراما (الكارتون أو الإنيميشن)، فهى صاحبة أحد أهم أدوار (بوجي وطمطم)؛ حيث قدمت بالصوت شخصية (طماطم)، ولها أعمال كثيرة فى هذا المجال.
تميزت بأنها غير باحثة عن التمثيل إنما تبحث عنها الأعمال، فعند كتابة مؤلف لشخصية بها ملامح (إنعام سالوسة) لا يتردد مخرج فى أن يسنده إليها، وحدث هذا فى كل أعمالها بما تملكه من قدرة على تطويع الشخصية وفهمها نفسيا كما حدث مثلا فى فيلم (عسل أسود) هى الأم الطيبة التى تشبه كل الأمهات المصريات، فضلا عن تركيبة العادات الرمضانية الجميلة بعثتها فى رسالة من خلال هذا الفيلم، ورغم أنها بدأت بدايات قوية إلا أنها نجمة صنعت تاريخا طويلا من الأداء الصادق.. تستحق كل التكريم من كل المهرجانات المصرية، لأنها الممثلة الوحيدة التى برعت فى الدور الثانى بهذا الكم من الأعمال، ويكاد يعرفها كل الوطن العربى.
هى باخصار: أم تشبه الكثير من الأمهات المصرية الصابرة والراضية بما كتبه الله لها من حال ومعيشة، لا زالت تتحمل مسئولية ابنها العاطل عن العمل دون أن تزعجه أو تجرحه، وقبلت بأن تعيش ابنتها وزوجها معها بعد تعثر أحواله المادية، وتربي الابنه والابن الأصغر بما لديها من إمكانات بسيطة ومحدودة، وتستقبل بروح طيبة صديق ابنها وتعاملها بود ومحبة شديدة، كل هذا جسدته (إنعام) من خلال دورها في فيلم (عسل أسود) الذي حقق نجاحاً كبيراً، وهى في هذا تشبه إلى حد كبير حال كثيرات من المصريات المطحونات تحت وطأة الحياة الصعبة والقاسية في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة، وكأنها نذرت نفسها لتجسيد أحوال المرأة المصرية في رحلة معاناتها في الحياة، وربما يعكس ذلك رسالتها لرئيس الجمهورية – قبل أيام – حيث ناشدته بأن ينقذ سكان حي (الشيخ زايد) من بناء أبراج لا تتحملها المرافق، في تحد سافر لإرادة الناس والقانون على جناح الفساد المتعمد، مؤكدة أنها هنا لا تعبر عن نفسها فقط، بل تنطلق من كونها مواطنة مصرية مثلها مثل الكثيرات من أبناء هذا البلد.
لم يتم تكريمها بعد
يظل الفنان المصرى فى دوامة العطاء حتى يرحل، وكل ما يمنح له هو أن يتذكره أصحاب المهرجانات ليكرم فى ليلة ويمنح تمثالا من النحاس أو الألومنيوم، أو تشهد جنازته حضورا كثيفا للكاميرات لالتقاط صور للنجم بدون ماكياج أو بنصف ماكياج، أقول هذا الكلام في مناسبة الكتابة عن النجمة الأكثر عطاء وإبهارا، وصدقا، فى الأداء (إنعام سالوسة) التى تجاوزت سن الثمانين – أطال الله عمرها ومتعها بالصحة – فهى من أكثر الفنانات اللاتى عملن فى كل المجالات وبنفس الكفاءة، حتى الإذاعة تفوقت فيها بشكل غير عادى لجمال صوتها ونبرتها النحاسية التى لا تضاهيها نبرة أمام ميكرفون.
وأخيرا أقول: لو أن فى هوليوود نجمة بنفس مقومات (إنعام سالوسة) لصنعوا لها تمثال من الشمع، ونجمة على أرصفة وطرقات أهم الشوارع، فهى ليست أقل من (إنجريد بريجمان، ولا جريتا جاربو، ومارلين ديتريش، وفيفان لي، وصوفيا لورين، وأودرى هيبورن)، كما أنها ليست ممثلة أغراء أو ممثلة استعراض أو غناء؛ إنما تعد مدرسة قائمة بذاتها فى الأداء السلس المعبر، والدليل أنها لا تختلف فى الأداء العذب أمام نجم كبير أو نجم شاب، فقط هى تملك غريزة التمثيل وتسعى دائما إلى اكتشاف عناصر جديدة لهذا الفن، وتعتمد في غالب أدوارها على تقنية نفسية جسدية، فالممثل في نظر الكثير من خبراء التمثيل مثل جروتوفسكي: (إنسان يعمل بجسده ويفعل ذلك أمام الجمهور)، ويطلب من الممثل ألا يتعامل مع جسده، كما يتعامل به من خلال الحياة اليومية، وأن يجعل منه أداة مرنة، بحيث يمكنه أن يعبر من خلاله عن رد فعل روحي معين، ويظهره للمتلقي، تماما كما فعلت وتفعل ضيفتنا في (بروفايل) هذا الأسبوع، القديرة (إنعام سالوسة) – متعها الله بالصحة والعافية – بقدر ما امتعت الجماهير بأدائها العذب النقي.