سهير الباروني .. ملكة الأدوار الثانية والثانوية
بقلم : سامي فريد
لم تنس حتى يوم وفاتها تلك العلقة الساخنة التي تلقتها من أمها بسبب ما حكته لها الفنانة ماري منيب عن “طول لسان” سهير وهى “تسب إحدى جاراتها”..
وكانت الأسرة تسكن في باب الشعرية بجوار سكن ماري منيب.. وتقول ابنتها (سحر الشريف) عنها في حلقة من برنامج “هذه ليلتي” التى كانت تقدمها (فريال صالح) للقناة الثقافية، إن الأسرة كانت تقيم في حي باب الشعرية حيث ولدت الفناة سهير الباروني عام 1937.
تحكي سحر الشريف عن أمها فتقول إن القرآن لم يكن يفارقها.. وكانت مدمنة قراءة تختار الكتب التي تقرأها فقرات تقريبا لكل أدباء وكتاب مصر. ثم تحكي أيضا حكاية تدل على حرص سهير الباروني على المحافظة على التقاليد عندما ذهبت سحر مع شقيقتها إلى الكوافير يوم العيد لتصفيف شعرهما فتأخرتا بسبب الزحام وظلت الأم سهير الباروني تنتظرهما عندما عادتا فرحتين بمظهرهما بعد الكوافير، لكن المفاجأة كانت في دورق المياه الباردة الذي سكبته سهير على شعر ابنتيها وهي تقول لهما مؤنبة “لما الناس يشوفوكم راجعين دلوقتي حيقول عليكوا وعليا أنا إيه؟”.
كانت سهير تحرص على أداء العمر في كل عام مع نقابة الممثلين وكانت تحزن كثيرا إذا سقط اسمها من كشف العمرة.
كان أول عملها في مسرح الريحاني عندما أقنع مدير المسرح أسرتها بأن تعمل فيه قائلا أنهم في المسرح قد خصصوا لها سيارة في حضورها وذهابها.
وسهير الباروني هي عاشقة الأدوار الثانية بل وحتى الأدوار الثانوية قائلة: أن الممثل الحقيقي هو الذي تظهر موهبته ولو أدي دورا في دقيقة، المهم أن يترك علامة مع الجمهور.. والأمثلة على ذلك كثيرة منها أدوارها في مسرحية (حواديت وطبيخ الملايكة) مع الثلاثي، أو دور (خيرية) في ثلاثية نجيب محفوظ، أيضا دورها في فيلم (فول الصين العظيم). وكانت حكمتها المأثورة دائما عندما يعرض عليها أي دور صغير هي:.. وماله.. هأقبله عادي”.
وهى – سهير الباروني – التي لفتت الأنظار بشدة في دورها في مسرحية (هالو شلبي) ومن قبله في دورها في فيلم “أيام وليالي” عندما كانت تسعى لأن تلفت نظر أحمد رمزي إليها.. ثم أدوارها في مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي) وهي تلعب دور فتحية زوجة (سيد كشري) التي كانت تطمع في تزويج ابنها خضير لنوفا ابنة الثري عبدالغفور البرعي، وابنتها لعبد الوهاب رغم زواجه من الأمريكانية “الدون” كما كانت تسمى (روزالين) التي لعبت دورها إيناس مكي.. وكانت كل مشاهدها معها كانت صغيرة تظل محفورة في تاريخها الفني.
في مسرحية (هالو شلبي) أمام النجوم الكبار (عبدالمنعم مدبولي ونظيم شعراوي وعبدالله فرغلي وسعيد صالح وحسن حسين) لن ينسى جمهورها (ملكة الفريكيكو).. ولا سينسى أدوارها أمام فريد شوقي وشريهان التي أبكتها في مسرحية (شارع محمد علي) ولا ينسي أيضا دورها أم النجم الكبير فؤاد المهندس في مسرحية “عشان خاطر عيونك”..
وبتفوقها في أداء الأدوار الثانية أو الثانوية أثبتت الباروني أنها بحق ملكة هذه الأدوار وهي عرشها الذي لا ينازعها فيه مخلوق لأنه كما تقول هو الاختبار الحقيقي لمقدرة الفنان..
وهي – سهير محمد يوسف الباروني – بنت البلد وابنة باب الشعرية التي ربما كانت السبب في نجاحها في أدوارها الثانية لا تنسى أن الفنان الكبير عادل أدهم أبكاها في مشهد وقفت فيه أمامه عندما قاله لها في أحد مشاهد فيلم “آه يا ليل يا زمن”: روحي مصر.. وسيبي بنتك في الخزنة!.
كانت سهير الباروني بحق هى الفنانة القادرة على أن تخطفك إلى عالم الفكاهة مهما كان حجم دورها بأدائها المتميز ورنة صوتها التي لن تخطفها أذنك.. وكانت أحيانا تضيف من عندها جملة أو مشهدا لا يستطيع المخرج أن يحذفه لشدة براعته..
لكنها.. وهو ما أحزنها كثيرا في أواخر أيامها أنها عانت كثيرا كما عاني الكثير من المبدعين عندما يتقدم بهم العمر من النسيان، وكانت كلمتها التي تروددها دائما هي “أنا لن أتسول عملا من أحد”.. خاصة بعد وفاة ابنتها في حادث ميكروباص تاركة وراءها صبيا في الرابعة عشر وطفلة في الحادية العشرة.. لكن المخرج التليفزيوني إسماعيل عبدالحافظ ينحجح في إعادتها للعمل بعد غياب لتشارك بدور صغير أمام عادل إمام في مسلسل فرقة “ناجي عطالله” في دور أم عبدالجليل.
ورحلت سهير الباروني التي أضحكت الملايين على امتداد عمرها الفني لمدة 50 عاما عن عمر 75 عاما قضت منه أعوامها الأخيرة حزينة لفقد ابنتها.. وحزينة من تجاهل الزملاء والأصدقاء وكان مجموع ما تركته للفن أكثر من 90 عملا لم يكن فيهم عملا واحداً بطولة مطلقة، لكنها استطاعت أن تحفر اسمها وشخصيتها عند الجمهور الذي مازال يذكرها حتى الآن.