نور الهدى .. رفضت الرقص مع الملك فاروق فأهداها لوحة
* كانت غاضبة من لبنان لعدم اهتمام الدولة بالفنان اللبناني
* غنت للإسلام أروع الأناشيد الدينية رغم ديانتها المسيحية
* أكثر مطربة قدمت وأجادت في غناء القصائد القديمة والحديثة
* قدمت أجمل الثنائيات الغنائية مع فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبدالعزيز محمود
* طلبها فريد الأطرش للزواج لكنها رفضت لاقتناعها بأنه ما زال يحب “سامية جمال”
* حصلت على وسام الفضيلة الذي يمنح لأبناء الفضيلة من الكنيسة الروسية
* ماتت عذراء وكانت تقرأ يوميا في القرآن والإنجيل
بقلم : أحمد السماحي
عشر سنوات فقط ــ ” 1943 ــ 1953″ ــ هى سنوات المجد والشهرة والأضواء التى عاشتها المطربة اللبنانية الكبيرة “نور الهدى” بعد تلك السنوات غربت شمس نجوميتها تدريجيا حتى تلاشت تماما، وابتعدت عن الأضواء.
عشر سنوات قدمت فيهم المطربة اللبنانية التى نحتفل يوم الخميس القادم بذكرى رحيلها الـ”22 “، أجمل الأفلام الغنائية، وأجمل الأغنيات، وأجمل الثنائيات الغنائية والفنية، حيث شاركت كبار المطربين والنجوم المصريين بطولة أفلامهم، بداية من الموسيقار محمد عبدالوهاب، مرورا بـ العظماء “محمد فوزي، فريد الأطرش، عبدالعزيز محمود، يوسف وهبي، أحمد سالم، محمود ذوالفقار”، وغيرهم من نجوم الأربعينات.
وكانت المطربة الثانية بعد سندريلا السينما الغنائية “ليلى مراد” بالنسبة للأجر حيث وصل أجرها إلى 12 ألف جنية عن بطولة أي فيلم، منذ أن تعرفت إليها الأذن فى بداياتها وحتى محاولاتها المتناثرة والقليلة فى سنواتها الأخيرة للغناء قبل رحيلها عن الحياة، حافظ صوتها على جماله وقدراته وبلاغة الأداء باستثناء بعض التغيرات التى طرأت على صوتها بفعل تراكمات السنوات.
بيروت تدفن المواهب ومصر تحييها
اختلاف الظروف والإحباط والتجاهل الذي كانت تعاني منه “نور الهدى” في سنواتها الأخيرة، جعلها تصرخ مرة فى إحدى المجلات الفنية اللبنانية قائلة: فى أوج مجدي الفني تركت مصر، وعدت إلى لبنان معتقدة أن حكومتي سوف تقدر وجود فنانة اسمها “نور الهدى” رفعت اسم بلدها فنيا وأخلاقيا، عشر سنوات من العطاء فى عاصمة الفن العربية، والفرق كبير بين بيروت والقاهرة، بيروت تدفن المواهب، ومصر تحييها”.
نادمة لأني لبنانية
تواصل “نور الهدي” صرختها قبل رحيلها بشهور قليلة مع الزميلة اللبنانية “زهرة مرعي” وتقول: أنا نادمة لأنى لبنانية، فالفنانون اللبنانيون أصحاب القيمة لم يلتفت إليهم إنسان في لبنان، بينما كرموا في مصر وسوريا، نعيش إحساسا بنكران الجميل، قلبي طافح من الدولة، وعندما كرمت في باريس بدعوة من “معهد العالم العربي” ووزارة الثقافة الفرنسية تم ذلك بحضور الوزيرين “ميشال إده، وميشال سماحه” وتحدثوا عن ضرورة تكريم مبدعي هذا الوطن، لكن أين؟!، وهنا أسأل الدولة هل تعرف أن “سعاد محمد” مريضة وتحتاج من يساندها على الأقل معنويا؟، هل الدولة التفتت إلى “عاصي الرحباني” فى مرضه، كما التفت إليه الرئيس “حافظ الأسد”، ومع ذلك أردد قول الشاعر “بلادي وإن جارت على عزيزة، وأهلي وإن جاروا علي كرام”.
أساطين التلحين والشعر
غنت “نور الهدى” فى العشر سنوات التى قضتها في مصر لأساطين الكلمة واللحن، فغنت من ألحان “محمد القصبجي، زكريا أحمد، محمد عبدالوهاب، رياض السنباطي، فريد غصن، أحمد صدقي، فريد الأطرش، محمد فوزي، وفى مجال الكلمة تغنت بأشعار”أحمد رامي، بيرم التونسي، بديع خيري، كامل ومأمون الشناوي، مصطفى السيد، حسين السيد” وغيرهم.
بعد ذلك وبعد ابتعادها عن مصر ورجوعها إلى لبنان غنت لكثير من نجوم التلحين اللبناني والسوري مثل “رياض البندك، توفيق الباشا، جورج ثابت، شفيق أبوشقرا، ناصيف عرموني، محمد محسن” وغيرهم.
أحسن من غنت القصيدة
تميزت ” نور الهدى” وأجادت في غناء القصائد فهى من أكثر المطربات غناءا للقصائد القديمة والحديثة فغنت من نظم إبن سهيل الأندلسي، “ما لقلبي في الهوى ذنـبٌ سـوى، منكم الحسن و من عيني النظر”، ومن أشعار”ابن بقى” غنت “عبث الحب بقلبي فاشتكى، ألم الوجد فلبت أدمعي”، ومن من شعر “بهاء الدين زهير” غنت “عَرَفَ الحَبيبُ مكانَهُ فتَدَلّلا،وقنعتُ منهُ بموعدٍ فتعللا”، وللأخطل الصغير ورياض السنباطي ” نم إن قلبي فوقَ مَهْدِكَ ، كُلَّمَا، ذُكِر الهوى صلَّى عليكَ وسلَّما”، ولأحمد شوقي ومحمد عبدالوهاب “يا جارة الوادي”، كما غنت رائعة ابن زيدون وجورج ثابت “أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا، وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا”، ولمحمد إبراهيم نجا ورياض البندك غنت “مزيدا من النور، فالنور حب، وبالحب يشرق ليل الخفاء” وغيرها من عيون الشعر العربي.
مبروك يا حاج
كما يحسب لها إنها ورغم ديانتها المسيحية غنت قصائد وأغنيات كثيرة للإسلام وطقوسه فغنت فى بدايتها “هل هلال العيد على الإسلام سعيد” لبيرم التونسي وفريد الأطرش، وغنت للصاوي شعلان والسنباطي “رتلو أي كتاب المنزل، وأنشدوا في المجد أعلى منزل، فهو ميراث النبي المرسل سيد الأكوان، شمس المرسلين”.
وغنت للحج والحجاج فى فيلمها “أفراح” عام 1950، والذي قامت ببطولته مع “محمود ذوالفقار”، وأخرجه “نيازي مصطفى” أغنية بعنوان “الحج” كلمات حسن توفيق، ألحان عبدالعزيز محمود يقول مطلعها:
مبروك يا حاج وعقبالنا بحجها ويرتاح بالنا
يا سعدك زرت الكعبة وطفت بالصفا والمروة
يا ريتنا كنا معاك صحبة ومن عيون زمزم نروى
وقفت فوق عرفات يا حج بيت الله
وفزت بالبركات يا حج بيت الله.
ليلى وبداية المشوار
بالعودة إلى بداية المشوار نجد أن والداتها اكتشفت حلاوة صوتها وهى طفلة، وانتشرت أخبار جمال صوت “إلكسندرا بدران” بين الناس، إلا أن والدها عارض ارتباطها بالفن، لكن زوج عمتها استطاع إقناع والداتها بأن تسمح لها بالتدرب على أصول الغناء على يدي أحد الموسيقيين، خارج أوقات الدراسة، وقبلت أمها هذا الأمر بعد طول تردد، لكنها بقيت تخشى ردة فعل الوالد، واستغل زوج العمة غياب الوالد للعمل، فأحضر الملحن “خالد أبو النصر” ليتولى تدريب الفتاة على الغناء وليلحن لها أغنيات خاصة بها، وكان أول لحن لقصيدة بعنوان “ليلى”.
الحبس عام
نالت “ألكسندرا” شهرة كبيرة فى لبنان، وعندما شاهدها والداها تغنى ذات مرة، إنهال عليها بالصفعات، وحبسها فى غرفة لمدة عام، وعاشت أياماً صعبة، فكان يتركها بمفردها ليذهب إلى عمله، فتتسلى هى بالطعام وبقصصٍ قصيرة تقرأها رغم عدم إلمامها بالقراءة بدرجة كبيرة، وكان والدها يمتحنها في نهاية كل يوم ليتأكد من أنها أمضت وقتها في القراءة لا في التفكير بممنوعات غير مرغوبة، في مقدمها الغناء، كما يقول الكاتب “أسعد مغول” في كتابه عنها.
يوسف وهبي وجوهرة
هربت ” الكسندرا” من بيروت وهى فى الخامسة عشر من عمرها، وسافرت إلى حلب مع والدتها، وغنت هناك فترة، إلى أن حضر”يوسف وهبي” لعرض إحدى مسرحياته، فسمعها وأعجب بصوتها، وطلب أن تنزل معه إلى القاهرة لتشاركه بطولة أحد أفلامه، وبعد حضورها اختار لها مع مجموعة من الفنانيين وهم “أحمد بدرخان، محمد كريم، محمد السيد شوشة” اسم عربي لتبدأ به مشوارها الفني فوقع إختيارهم على “نور الهدى” وبهذا الاسم بدأت مشوارها الفني فى مصر، حيث قدمت مجموعة من الأفلام شاركها بطولتها كبار نجوم هذه الفترة يأتي فى مقدمتهم “يوسف وهبي” الذى اكتشفها وقدمها فى فيلمي “جوهرة” و”برلنتي”، كما شاركت “محمد عبدالوهاب” آخر أفلامه “لست ملاكا”، وقدمت ثنائيا ناجحا مع الموسيقار محمد فوزي فى “نرجس، غرام راقصة، مجد ودموع، قبلني يا أبي” وشاركت دنجوان عصره أحمد سالم فيلم “المنتقم”، أما فريد الأطرش فقامت ببطولة اثنين من أنجح أفلامه “عايزة اتجوز، ما تقولش لحد”، وفى سنوات عملها فى مصر أعجب بها فريد الأطرش وطلبها للزواج، لكنها رفضت الزواج منه لاقتناعها بأنه ما زال يحب “سامية جمال”.
الملك فاروق وبوسة
أثناء ذلك وبالتحديد نهاية عام 1944 وفى إحدى السهرات العائلية التى أقيمت على شرفها من جانب إحدى الأسر اللبنانية حضر الملك فاروق السهرة، وكانت شهرتها تملأ أرجاء مصر المحروسة والعالم العربي، وطلبها الملك “فاروق” للرقص، فأعتذرت بأدب لأنها لا تجيد الرقص، كما أن والداها مانعها من الرقص مع أغراب.
فابتسم الملك وسألها: يعني فى الوسط الفني ولا تجيدين الرقص، فقالت له بسذاجة: آه، فسألها عن مكان إقامتها ومع من تسكن، فحكت له إنها فى القاهرة مع عائلتها الصغيرة، وسألها: طب بتمثلي أيه الأيام دي؟ فتلعثمت وقالت بخجل: “بوسة” فأحمر وجه الملك من تناقضها فقال لها: عايزة بوسة؟ فخجلت جدا وقالت له: يا مولانا إسم فيلمي الجديد “بوسة”، فضحك الملك عاليا بصوت استرعى انتباه الحضور وقال لها وهو ما زال يواصل الضحك ده اسم جرئ أووى، وقالها إيه حكاية الفيلم ده يا “نور” فحكت له القصة، وأن اسمها فى الفيلم “بثينة” ويدلعوها “بوسة”، فقالها خلاص قولي لأصحاب الفيلم “الملك فاروق” بيقولك بلاش بوسة خلوه “الآنسة بوسة” وقد كان!، وفى اليوم التالي وجدت الفنانة نور الهدى “تابلوه” فني ممهور باسم فنان عالمي مهداة من الملك فاروق، ظلت تحتفظ به فى منزلها حتى رحيلها.
حكم قراقوش
عام 1953 قدمت فيلمي “حكم قراقوش، وحكم الزمان”، بعدهما وفي عز نجاحها السينمائي والغنائي رجعت إلى لبنان بعد عشر سنوات من العمل السينمائي، بسبب تقرير ظالم من مصلحة الضرائب طالبها بدفع مبلغ مالي كبير جدا لم يكن معها، وفى لبنان توزعت الفترة الجديدة من حياتها ما بين إقامة الحفلات، وتسجيل الأغاني، والقراءة فى الإنجيل، وحفظ أيات من القرآن الكريم، حيث قالت شقيقتها إنها كانت يوميا تقرأ نصف ساعة في الإنجيل، ونصف ساعة في القرآن، وقدمت للسينما اللبنانية عام 1958 فيلم بعنوان “لمن تشرق الشمس”، وثلاث مسلسلات لإذاعة “B.B.C” وهى “ملكة المسارح، طروب، حبابة”، كما قامت ببطولة ثلاثة مسلسلات لتلفزيون لبنان هى “ليالي الأندلس، الغريبان، نوارة”، ورحلت “نور الهدى” يوم 9 يوليو عام 1998 عذراء دون أن تتزوج، رحم الله المطربة اللبنانية الكبيرة التى غنت فأجادت، ولم يعني لها المال شيئا، ولا النجومية شيئا، كل ما يهمها رسالة الفن، لهذا حصلت على كثير من الأوسمة والنياشين أبرزهم وسام “الفضيلة” من الكنسية الروسية، وذكر في براءته أنه لا يمنح إلا لأبناء الفضيلة أصحاب الرسائل الهادفة، وهذا الوسام عندما أهدته المطربة لمطرانية الروم الأورثوذكس، وقال لها المطران ـ كما ذكرت هى ــ إنها المرأة الأولى التى تحصل عليه إذ أنه يمنح عادة للرجال.