“لورنس العرب” أدخل عمر الشريف السجن!
كتب : أحمد السماحي
نحتفل يوم الجمعة القادمة بالذكرى الخامسة للنجم المصري العالمي “عمر الشريف” الذي رحل عن حياتنا يوم 10 يوليو 2015، وفى باب “صورة وذكرى” نتوقف مع مجموعة صور من فيلمه الشهير “لورنس العرب” الذي كان بداية نجوميته السينمائية العالمية، ومن الذكريات الطريفة التى صرح بها نجمنا العالمي الراحل في حوار إذاعي قديم لإذاعة “مونت كارلو” نقلته مجلة “جديد مونت كارلو” التى كانت تصدر فى منتصف ثمانينات القرن الماضي، قصة دخوله السجن عام 1962 قبل يوم واحد من إفتتاح العرض الخاص لفيلمه الشهير “لورنس العرب”، ولقد وثقت هذه المعلومة عندما أجريت معه حوارا أنا وزميلي الكاتب الصحفي “محمود موسى” لجريدتنا الغراء “الأهرام”.
يقول أسطورة الشرق: بمنتهى الصراحة لم يكن ممكنا أن أصدق ذلك أبدا، أن أذهب إلى هوليود ثم أمضي ليلتي الأولى فى السجن! لم يكن هذا منطقيا، خصوصا إذا لم تكن قد ارتكبت أي خطأ، لقد هبطت إلى هوليود بآمال كبيرة من أجل نجاح جديد، بعد أن انتهيت من فيلم “لورنس العرب” مع النجم “بيتر أوتول”.
وقصة دخولي السجن ترجع إلى عام 1962 في أحد أيام شهر ديسمبر، كنا قد ذهبنا أنا و زميلي”بيتر أوتول” لنحضرحفل الافتتاح العالمي لفيلم “لورنس العرب” تلك الليلة التى حلمنا بها على مدى عامين هما مدة تصوير الفيلم، وفى اتجاهنا إلى شارع “صن ست” مررنا بمسرح صغير حيث كان صديقنا الفنان “ليني بروس” يقدم هناك عرضا، وعلاقة “بروس” برجال الشرطة جعلته مشهورا تماما كما هو مشهور كفنان موهوب، دخلنا المسرح وكان ذلك لحب الاستطلاع؟ وكنا نبحث عن شيئ مثير؟ لاتسألني، ولكننا أحببنا العرض كثيرا لدرجة أنه عندما نزلت الستارة اندفعنا إلى خلف المسرح وسألنا أين “ليني بروس”؟ وأخذناه بالأحضان وقلنا له أننا استمتعنا بالعرض، ودعوناه للجلوس معنا في أحد المقاهي الشهيرة، وبالفعل جلسنا نضحك ونتذكر أنا و”أتول” مفارقات وطرائف التصوير في فيلم “لورنس العرب”.
وفى الساعة الواحدة صباحا نهض “ليني” واقفا وقال: يجب أن أذهب إلى مكان ما لمدة نصف ساعة فهل تنتظراني هنا أم تأتيان معي؟ ففضلنا أن نذهب معه، وبصعوبة وصلنا إلى شقته، ومباشرة أخرج حقنة ملأها بسائل شفاف وغرس الإبرة فى عرق يده اليسرى، وبدأت الحقنة تحدث تأثيرها ببطء، وعندما كانت الإبرة ما تزال في ذراعه، فجأة دق صوت جرس الباب ففتح “بيتر” الباب، ودخل رجال البوليس وقبضوا علينا، جدية الموقف أعادت إلينا بعض ما فقدناه بتأثير الشرب، وأن يقبض علينا بمخدرات معناه ترحيلنا من أمريكا وإحباط كل خططنا، حاولت أن أتخلص من ذلك شارحا لرجال البوليس أننا حضرنا لمجرد أن نشرب شيئا مع “ليني”، على عكسي كان “بيترأوتول” عنيفا مع البوليس، دبلوماسيتي كانت بلا تأثير.
وحوالي الساعة الرابعة صباحا وجدنا أنفسنا فى قسم البوليس، وفتشونا تماما ولم يكن هناك شيئ غير عادي فى جيوبي أو جيوب “ليني بروس”، لكنهم وجدوا أقراص فى جيوب “بيترأوتول” فسألوه ما هذه الأقراص فرد “بيتر” بسخرية وبصوت عال هذه أقراص مورفين عليكم اللعنة!، ورغم أن الأقراص كانت أقراص منومة يستعملها باستمرار، لكن إجابته كانت تعنى نهايتنا!
وفجأة طرأت فكرة في ذهني فسألت رجال البوليس هل أستطيع استعمال التليفون؟ وطلبت فندق “بيفرلي هيلز” حيث كان “سام سبيجل” منتج فيلم “لورنس” يقيم هناك وطلبت حجرته، فردوا أنه نائم ولا يريد أحد أن يزعجه، وبعد إلحاح من جنبي وبعد أن قلت لهم إنني بطل فيلمه الذى سيفتتح اليوم أوصلوني بحجرته، وسمعت صوته النائم يقول: ما هذا؟ كيف تجرؤ على إيقاظي هذه اللحظة؟، فدخلت في الموضوع مباشرة ، وفجأة سمعت صوته صارخا وقد استيقظ تماما : في السجن لماذا؟! ماذا فعلتما؟ فرددت عليه: لقد قبضوا علينا مع “ليني بروس” بتهمة المخدرات، وعندما سمع سام هذه الجملة كاد أن يغمى عليه فقد كان أنفق على فيلمه 14 مليون دولار، وأن يلقي بنجمي فيلمه “بيتر والشريف” فى السجن فهذه مصيبة ستأثر على عرض وتوزيع الفيلم.
وبعد نصف ساعة وصل “سام” إلى قسم البوليس ومعه ستة محامين كبرياؤهم كان مخيفا يرتدون قبعات عالية ويمسكون بحقائب جلدية فاخرة، ودخلوا مباشرة لاجتماع كبير مع رجال البوليس، خيل إلينا أن هذا الإجتماع سوف يستمر إلى مالانهاية، ثم أخيرا فتح أحد رجال البوليس الباب وأشار إلينا “بيتر وأنا” وقال: “أنتما الإثنان يمكن أن تخرجا، لكن “بيتر” اندفع بسرعة ماذا؟! ونترك “لين” هنا فى هذه الحالة لن أغادر المكان وسأظل معه، فصاح فيه “سام سبيجل”: لا تكن أحمق “بروس” له سجل هنا في البوليس، ولذلك لا يستطيعون أن يطلقوا سراحه ببساطة هكذا، فقال “بيتر”: هذا لا يعنيني سأبقى معه، وبدأت مناقشات طويلة واجتماعات استمرت حتى الساعة التاسعة صباحا وأخيرا أفرجوا عنا نحن الثلاثة، وأصر”سام” أن يحجز لنا فى الفندق الذى يقيم فيه وأن يشرف بنفسه على دخول كل واحد منا إلى غرفته للنوم استعدادا لحفل الإفتتاح بالليل.
وفى حفل الافتتاح دخلنا أنا و”بيتر ولين وسام” إلى قاعة السينما المضيئة من الخارج، وفى الميدان إضاءة لا حد لها، وفجأة وجدت أمامي نجوم كنت أحلم بنجوميتهم وكانوا المثل الأعلى لي من هؤلاء النجوم “إليزيبث تايلور، شيرلي ماكلين، ريتشارد بيرتون، جريجوري بيك”، وغيرهم، لكنهم تجاهلوني ولم يهتم أحد بي، وأقبلوا على المنتج يباركون له، ومرت الساعات الأربع مدة عرض الفيلم بالنسبة لي ببطء شديد، كأنهم أربع سنين، لأننى كنت منتظر رأي ورد فعل النجوم ضيوف حفل الافتتاح، وعندما أضيئت الصالة أقبل على “ريتشارد بيرتون وإليزبيث” وغيرهم من النجوم وأشادوا بموهبتي وبحبهم لمصر، ومن هنا بدأت نجوميتي العالمية.
مشاهد مختلفة من الفيلم العالمي الرائع “لورانس العرب”