صرخة عزت أبوعوف التى لم يسمعها أحد
كتب : أحمد السماحي
إعادة توزيع الأعمال القديمة علم يُدرس في كل معاهد الموسيقى في العالم، وهو أصعب من تلحين أغان جديدة، وما دفعني الى تقديم هذه الأعمال أنني كنت أريد نشر تراثنا الغنائي للأجيال الجديدة التي كـانت تسمـعنا ومعـجبة بما نفعله، بالإضافة الى أننا عندما ظهرنا كان يبدو على مظهرنا الخـارجي وعلى آلاتنا الموسـيقية أننا أجانب، فأحببت أن أقول للكل إننا مصريون “قوي” ونعشق الأعـمال العـربية، وتلك الفترة التي استمرت حـوالي خمـسة عـشر عاماً لم تُقـيّم صح ومرت على النقاد والمهتمين بالغناء مرور الكرام، وتجاهلوا الدور الذي قمنا به، وما يحـزنني أنني قُدّرت كممثل ولم أقدّر كمـوسـيقي رغـم الـدور الذي قمت به ورغم أنني “موسيقي هايل”!.
هذه الكلمات البسيطة المحزنة جزء من حوار كبير أجريته منذ سنوات في مجلة “الوسط” الصادرة عن دار “الحياة اللندنية” مع الفنان والموسيقار الكبير “عزت أبوعوف” الذي رحل عن حياتنا في مثل هذا اليوم الأول من يوليو العام الماضي، ولم يلتفت أحد إليه كموسيقي، ولم يكرم في أي مهرجان موسيقى فى مصر، رغم استحقاقه التكريم نظرا لعطائه الثري في مجال الموسيقي والغناء.
وفى نفس الحوار قال عن تجربته الموسيقية والغنائية: أعتقد أننا كنا رواداً، ولست وحدي في هذا، كان معي “عمار الشريعي وهاني شنودة ومحمد نوح”، ولم نكن نمزح أو نرتزق من وراء هذا، بل كان وراء عملنا علم ودراسة، وكنا عازفين وموسيقيين “هايلين” وأحدثنا ثورة في الموسيقى انتشرت على مستوى العالم العربي، حتى أن “عبدالحليم حافظ” في آخر أيامه، وبعد أن استمع إلى عزفي في أحد الفنادق طلبني وقال لي: “بعد عودتي من رحلة العلاج سأقدم أغاني بالطريقة التي استمعت إليها منك”، لكنه سافر وللأسف لم يعد!، والتطور الذي أحدثناه في الموسيقى كان صحيحاً لكنه لم يُحَس!.
وعن تركيزه فى السينما والتمثيل قال لي: تعلمت من والدي، أنني عندما أطرق مجالاً جديداً لا بد أن أتفرغ له وأحرق سفني القديمة حتى أقدم أفضل نتائج فيما اخترته، لأن “صاحب بالين كداب”، فمثلاً عندما احترفت الغناء تركت كل ما يتعلق بالطب وتفرغت للموسيقى، وكذلك عندما احترفت التمثيل تركت الموسيقى.
جدير بالذكر أن الفنان “عزت أبوعوف” عشق الفن منذ طفولته حيث نشأ في بيت مفعم بالموسيقى والغناء، فوالده “شفيق أبو عوف” رائد من رواد الموسيقى الشرقية، وفي هذا البيت استمع وتعرف الى أساطين النغم مثل “أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ وغيرهم من نجوم الأربعينات والخمسينات، وفي بداية الثمانينات كون مع شقيقاته فرقة غنائية حملت اسم “الفور إم”، قدمت العديد من الألبومات الغنائية المتطورة موسيقيا جدا، وأعادوا للأجيال الجديدة ــ وقتها ــ بعض الأغنيات التراثية مثل “حكيم عيون” للموسيقار محمد عبدالوهاب، أوبريت “الليلة الكبيرة” لسيد مكاوي، و”يا حبيبي تعالى ألحقني” لأسمهان، و”أنا قلبي دليلي” لليلى مراد، “ياسارية خبريني” لطلال مداح وغيرها، وأثناء رحلتهم لم ينسوا الطفل المصري فقدموا له “ألبومين” غنائيين، الأول “دبدوبة التخينة” والثاني “الفور ليجز” شاركهم فيه المذيع الراحل طارق حبيب، كما قدموا للمسرح الغنائي مسرحيتين هما “أربعة غجر والخامس جدع”، و”عشرة على باب الوزير”.
وفى مجال السينما كانت بداية الفنان الراحل “عزت أبوعوف” مع المخرج “خيري بشارة” الذي قدمه فى فيلم “أيس كريم في جليم”، بعده توالت الأفلام مثل “حلم العمر، واحد من الناس، السفارة فى العمارة، عبود على الحدود، امرأة فوق القمة، علاقات مشبوهة، امرأة هزت عرش مصر، بخيت وعديلة، إشارة مرور، ليلة ساخنة، طيور الظلام، اضحك الصورة تطلع حلوة، بنات وسط البلد، فارس ضهر الخيل، عمر وسلمى، أرض الخوف، أسرار البنات، الجزيرة1 ” وغيرها.. رحم الله الفنان الممثل والموسيقي العظيم عزت أبو عوف.