رحيل “حسن عطية” فارس النقد المسرحي النبيل
كتب : أحمد السماحي
رحل اليوم الناقد المسرحي الكبير الدكتور “حسن عطية”، رئيس تحرير مجلة “المسرح”، والفقيد الكبير هو الذي منحته السماء سحر الكلمة كي ينفذ بها إلى أعماق النفوس، يبث فيها الحقيقة ويؤجج فيها أنبل العواطف والأحاسيس، تكاد تصفق له الأيدي قبل أن تنفرج شفتاه، اليوم تبكي الحركة المسرحية ناقدا مسرحيا جادا أبهر آلاف المتابعين وهم يسهرون في رفقة كلماته التى كتبها بكل أمانة وشرف في مجال النقد المسرحي البناء.
على مدى نصف قرن ملأ (عطية) الحياة الفنية المسرحية نشاطا وإنتاجا وبروح الفارس الشجاع غزا معظم المجالات المسرحية كناقد وعضو لجنة تحكيم وغيرها من المسؤليات التى تحملها راضيا سعيدا منذ تخرجه فى معهد الفنون المسرحية عام 1971.
كان الصديق الذي يصافح نظراتي بالتفاؤل وكلماتي بالمرح، عرفته منذ عودته من أسبانيا بعد حصوله على درجة الدكتوراه، حيث جمعني معه لقاءا إذاعيا وأنا طالب فى السنة الأولى بالجامعة مع الإذاعي الكبير “أحمد عزالدين” في برنامجه “زمن المسرح الجميل”، يومها رغم أن عمري لم يكن يتعدى الثامنة عشر، إلا أنه رحب بي كمشارك معه فى الحلقة كضيف ولم يستنكر، ولم يهدد بالمغادرة من البرنامج لو أصر البرنامج على استضافته مع هذا “الفلحوص”، لكنه رحب بي على الهواء، وفي فواصل البرنامج كان يرشدني لبعض الكتب التى يجب أن أقرأها، وأخرج ورقة وكتب بنفسه أسماء هذه الكتب، وأعطاني إياها.
بعد تخرجي من الجامعة وعملي في الصحافة كنت آخذ رأيه في كثير من الظواهر المسرحية التى كانت ومازالت تهب على مسرحنا من وقت لآخر، كما كانت تجمعنا كثير من الأعمال المسرحية التى نحضرعروضها الخاصة سويا، آخرها منذ حوالي شهرين عندما دعانا الدكتور “انتصار عبدالفتاح” لمشاهدة عرضه الجميل الساحر “صبايا مخدة الكحل”، ويومها أبدى إعجابه ببوابة “شهريار النجوم” وطلب مني اسم مصمم البوابة حتى ينفذ له موقع مجلة (المسرح).
صديقي الراحل الكبير، وكاتبنا وناقدنا المسرحي النابغة عرفناك إنسانا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني الصدق والنقاء، وعايشناك فنانا بكل ما يحمل من مشاعر وأحاسيس، ولا ندري ما الذي نبكيه فيك الآن؟ هل نبكي كاتبا تعلمنا مع سطوره النبض الصادق والإحساس الجميل وحلق بنا فوق آلامنا وأحزاننا، هل نبكي فيك فنانا طار بنا فى مثاليات كثيرا ما نفتقدها فى حياتنا وسلوكنا، هل نبكي فيك رأيا جريئا أمينا لم يعرف الهوادة فى الحق؟أم نبكى فيك قلما نزيها سقط صاحبه وهو مرفوع الرأس لم يعرف للضعف سبيلا، نبكي فيك كل هذا، وقبل ذلك كله نبكي صديقا لم تقف سنين العمر حاجزا بييننا فاحببناه كثيرا وأحبنا كما أحببناه.
جدير بالذكر أن الراحل التحق أولا بجريدة “العمال” ناقدا مسرحيا وسينمائيا، ثم انتقل إلى جريدة “المساء” ضمن جيل من المبدعين والنقاد، ثم انتقل إلى “الأهرام” بصحبة الكاتب والناقد الأدبي الكبير الراحل “سامي خشبه”.
وحصل “حسن عطية” على الدكتوراه في فلسفة الفنون من جامعة ألاتوونوما بأسبانيا عن (المنهجية السسيولوجية فى النقد)، وأثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب في المسرح والنقد والسينما، وترأس جمعية نقاد السينما لفترة، كما ترأس جمعية نقاد المسرح، وانخرط بفاعلية فى الفعاليات المسرحية والثقافية منظرا وناقدا واستاذا لأجيال من المسرحيين.