كتبت : سدرة محمد
عبر 38 حلقة من الإبداع الدرامي الذي لمسته من خلال مشاهدتي لمسلسل (الخوابي) سيناريو وحوار وفاء بكر، عن قصة مقتبسة من ثلاثة قصص عالمية هى ( تاجر البندقية، والحب في زمن الكوليرا، والجميلة والوحش)، وإخراج محمد علوان وبطولة (إياد نصار، محمد العبادي، عبير عيسى، سهير فهد، عبد الكريم القواسمي، غادة عباسي، منذر خليل، فضل العوضي، محمد الجيزاوي، محمد الضمور، رفعت النجار، حسن أبو شعيرة، كاترين على)، لاحظت أنه قدم دراما أردنية تحمل مضمونا إنسانيا وفق الشروط الشروط الفنية والإبداعية فائقة الجودة، ويؤكد في الوقت ذاته قدرة الدراما الأردنية على النهوض والتطور في حال توفرت الإمكانات والفرض، كما أتاحها المنتج الكبير (عصام حجاوي) في هذا العمل، حيث تم التصوير في الأردن ليحمل المسلسل جوهر القضية الفلسطينية في طيات حلقاته، ويقدم معاناة شعبها بقوالب درامية مشوقة، ويتيح فرصة فريدة لهذه الدراما بصورة مختلفة وبعيدة عن الأعمال البدوية التي تخصص فيها (حجاوي) والتي أثبتت تميزها خلال السنوات الماضية.
المسلسل يقدم الهوية الفلسطينية عن قرب وخلال فترة زمنية ليست موثقة تاريخيا، لكنه يعكس طبيعة الريف الفلسطيني عبر لهجة متقنة من جانب ممثلين احترفوا فن الأداء، وقد أظهر العلاقات الأسرية الأصيلة التي ماتزال تسكن الريف الفلسطيني حتى وقتنا الحاضر، مؤكدة على تحدي اللهجة الفلاحية الفلسطينية في زمن التكنولوجيا، ولابد لى من الإشادة الخاصة أولا بالمنتج الجسور (عصام حجاوي) على إصراره في تحدى كورونا بإنتاج عمل يختلف في مضمونه عن أعماله البدوية السابقة، رغم نجاحها المضمون بحكم التخصص، وحصولها على الجوائز مثل (حنايا الغيث، رعود المزن، العقاب والعفرا، شيء من الماضي) وغيرها من ابداعات أردنية استطاعت أن تنافس مجمل الدراما العربية على بدوية هويتها واختيارها دروب الصعب في الإنتاج الدرامي.
ومن ناحية ثانية أشيد بأداء كل من (القدير محمد العبادي، والقديرة عبير عيسى، وإياد نصار، ومحمد الجيزاوي، الذي تألق في دور الأحدب “فجر”، ومنذر خليل في دور المجرم “عسال”، ومحمد الضمور في دور “سرور العجاف”، وسهير فهد في دور “مسرة العجاف”، وكل من غادة عباسي في دور “عادلة”، والجميلة كاترين على فاكهة المسلسل في دور دليلة، ومن فوق هؤلاء بالطبع جهد المخرج “محمد علوان” والموسيقى التصويرية والأغاني التي تشبه الترديدات البدوية في شغفها وتأيرها التراجيدي، و كذلك الديكور الذي ناسب الأحداث وأكد على طبيعة الحياة الريفية الفلسطينية بفطرتها وهويته البسيطة.
ربما شاب المسلسل بعض الارتباك جراء التداخل بين الفلاش باك والأحداث المعاصرة، لكنه بالتأكيد احتوى على عناصر التشويق والإثارة، ومن ثم حظي بمشاهدة عربية كبيرة طوال أيام رمضان 2020، لكن يبقى مشهد (الماستر سين) من وجهة نظري في هذا المسلسل هو المشهد الأخير الذي اعترفت فيه (العاج) الذي لعبته بنعومة (عبير عيسى) بحبها لـ (منصور التابع) الذي جسده ببراعة فائقة، القدير (محمد العبادي) والذي جاء على النحو التالي:
بعدما انقلبت العربة بـ (منصور التابع) على أثر حزنه على فراق (العاج) التي رمى عليها يمين الطلاق مفترقين كل في طريق، عادت العاج بالعربة من جديد في طريقها إلى مكانهما على القارب الذي قرر منصور العيش فيه على سطح الماء بعيدا عن أعين كل الناس، أوقفت العاج العربة بعد اسمتعت صوت منصور يتوجع من الألم قائلة : وين ألقاك ياحكيم هالكيت (الآن)، ووقفت حائرة في محاولة لإنقاذه.
وهنا تتجه الكاميرا بفلاش باك حيث تتذكر العاج موقفا مع زوجها الطبيب (عناب) وهو يوصيها بأن تدير بالها على نفسها وعلى مرضاه الذين تركهم عهدة لديها باعتبارها قد ساعدته في مهامه، وذلك قبل أن يسافر في مهمة طبية عاجلة خارج القرية، فيقول لها: تقدري تساعدي الناس في غيابي .. ناسية كام مرة ساعدتيني؟، فترد عليه : بس أنا باخاف من الدم!!، لكن عناب يحسم الموقف قائلا: عند الحياة والموت مارح تخافي وثقي في كلامي.
العاج بعد أن تذكرت هذا الموقف تسرح بخيالها قائلة: الظاهر مافي غير هالحل ياعناب، ثم تمسك برأسه متمتمة بكلمات : أنا راح أهتم فيك يامنصور بينما هو يصارع الموت الذي يلاحقه بعد انقلاب العربة به.
موال حزين على إيقاع الناي:
آآآآآآآآآآآآآآه يا أيوب
صبرت صبر أيوب
ووجع أيوب ماجاني
ومشيت فيك دروب
وهمك جابني ووداني
وجع أيوب بالبدن مش بالقلوب
ووجع البدن يهون بزماني ..
بزماني ياأيوب!!!
تعود الكاميرا إلى قرية (الخوابي) في مشهد آخر مواز في وداعيته، فبعد أن انتصر شديد التابع الذي جسد دوره بهدوء وثقة (إياد نصار) في عودة للهجته الأصلية، على (سرور العجاف) الذي لعبه بحرفية (محمد الضمور) في قضية تسديد دينه والذي رهن ابنته (دليلة) للزواج من سرور في حال عدم سداده الدين.
(دليلة) التي لعبتها ببراءة (كاترين علي) مودعة أمها عادلة وأبيها شديد قبل أن تذهب مع (فجر) الذي جسده بعذوبة (محمد الجيزاوي) خارج الخوابي لبدء حياة جديدة بعيدا عن هموم ومشاكل القرية، قائلة وهى تودعها : هذا قدر ولاد التابع ياأبي!
الكاميرا تعود من جديد لمنصور والعاج حيث تتجه لصفحة النهر بينما يرقد منصور التابع مع العاج في قارب بعيدا عن أعين الناس، وفي لحظة إفاقة يقول منصور: عاج انتي ليه جبتيني لهان (هنا)؟.
العاج : مش انت قلت بدك ايانا نعيش فوق الميه مع بعض .. خلينا مع بعض.
منصور : بس أنا طلقتك ياعاج!!
العاج : لساتني بأيام العدة .. تقدر تردني.
منصور : بس أنا هالمرة ما باجبرك ها.
العاج : مين قال انك جابرني .. أنت قدري يامنصور.. وأنا راضية بقدري
منصور : يعني شو .. مش برضاك؟
العاج : يمكن اللي بدي أقوله مايكون مليح بحق الله يرحمه عناب.. بس أنا حاقوله : لو أنا وانت اتجوزنا من أول يوم ما راح أكون لحدا غيرك يا منصور.
منصور : قوليها .. قوليها ياعاج .. قولي باحبك يامنصور؟.
العاج : طول الطريق وأنا باقولها ما سمعتها يا منصور؟ .. باحبك .. باحبك لكن حب غير.. حب ختيارة بدها ونس بقية العمر.. بدها رفيق درب .. بدها ونس .. أنا قابلة يامنصور.. قابلة أضل معك تالي هالعمر.
ثم ينطلق القارب في رحلتهما المتبقية من حب العمر لمنصور التابع والعاج، والذي ظل مشتعلا وفي شدة جذوته طوال حلقات المسلسل من جانب منصور حتى نطقت العاج في النهاية تصريحا لا تلميحا بحبها الكامن في أعماق قلبها لابن عمها منصور الذي أشقته الحياة وهو يتابع سير حبيبته من درب إلى آخر حتى تحقق حلمه في النهاية على صفحة النهر كما كان يتمنى.