محمد الكحلاوي .. مداح الرسول السابح في ملكوت الله (1)
* رغم الظلم الذي وقع على والدي إلا أنني أعتبره من المحظوظين وليس من المظاليم!
* مهرجان الموسيقى العربية لم يكرم الكحلاوي حتى الآن رغم اقتراب دوراته من الـ”30″ دورة
* الدكتورة الفنانة “إيناس عبدالدايم” أنصفت والدي وسيتم تكريمه قريبا فى المركز القومي للمسرح والموسيقى
* “الكحلاوي” أخذ شهرة في زمنه لم يأخذها فنان في عصره ودخل الفن بلون بدوي لم تعرفه الأسماع المصرية من قبل
* “جمال سلامه” جرح والدي وأشعره بالجحود فى آخر أيامه دون أن يقصد!
* “سي السيد” لا يمثل شيئ بالنسبة لوالدي، ورغم هذا كان حنونا جدا، ودمعته قريبة جدا
* كانت سيرة الرسول هى سمرنا ومسابقاتنا في طفولتنا
* ولدي ورث ثروة ضخمة من والدته ووالده، واستقبال الجمهور له وهو طفل أصابه بالصدمة!
حوار : أحمد السماحي
حين يصاب القلب بمشاعر الإعجاب مع مرور الوقت، تتطور هذه المشاعر للحب والعشق، عندها يصبح المحب شاعرا يقول أجمل كلمات الغزل وأرقها، وهى من أجمل الحالات التي يمر بها أي إنسان، وبالذات إذا كانت كلمات صادقة ومعبرة، وعميقة وتناجى أفضل البشر، وهذا ما حدث لمطربنا الكبير “محمد الكحلاوي” صاحب الصوت الذي لم ولن يفارق قلوبنا، الصوت المميز كهطول المطر لايشبهه أحد، في كل مناسبة دينية ينثر صوته على الجمهور ليعم سحر الموسيقي والأداء والروحانية في أرجاء المكان.
هو شيخ المداحين بلامنازع، والذي هبط على اللون الديني فلم يقوى على منافسته أحد في خشوعه وروحانية صوته العذب الذي يسبح في ملكوت الله منطلقا كحمامة أيك تطلق أجنحتها للريح، ذاهبة إلى مناطق نوارنية تزيد العاشق ولها وتقرب المحبوب إلى حبيبه (رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فيرشف من سنا عطره شوقا جارفا وحنينا آخاذ يخطف القلوب والأبصار على بساط من المحبة، وهو نفسه (محمد الكحلاوي) الذي ولد يتيمًا بعدما توفيت والدته أثناء ولادته ولحق بها أبوه وهو لم يزل طفلاً رضيعا، ولكنه مع ذلك تربي في أسرة فنية ؛ حيث احتضنه خاله الفنان (محمد مجاهد الكحلاوي) الذي كان معاصرًا للفنان (صالح عبد الحي) وكان ذا صيت كبير في الغناء، ومن هنا كان لملازمته لخاله معلّمه في حفلاته الأثر الكبير في حياته الفنية؛ حيث تشبع بالغناء منذ صغره وورث عنه الصوت الجميل والأداء المتميز.
اليوم في باب “مظاليم الفن” نحتفي بهذا الرائد الكبير، والذى قدم كل ألوان الغناء، قدم الأغنية العاطفية على استحياء وغنى فيها لأجمل وأنبل مشاعر، وبرع فى الأغنية البدوية وكان زعيمها، وأخلص للأغنية الوطنية فأشعل نخوة العرب فى كل مكان، ونادهم لوحدة الصف ونجدة الملهوف، وأمتعنا في الغناء الشعبي وقدم لنا أجمل وأخلد المواويل، وعاش قصة حب طويلة وأفنى عمره فى الغناء الديني، الذي أعتبره رسالته الحقيقية، وسلاحه في هذه الحياة، ولن نتحدث عن شيخ المداحين نحن بطريقة مباشرة، بل سنجري حوارا مطولا وتوثيقيا مع ابنه مداح الرسول والخبير الوطني للإنشاد الديني الدكتور “أحمد الكحلاوي”، فتعالوا بنا نعيش هذه اللحظات الإيمانية في رحاب سيرة مداح الرسول وشيخ المنشدين “محمد الكحلاوي”.
* في البداية وقبل التسجيل وجدت لديك اعتراض على وضع اسم مطربنا ومنشدنا الكبير”محمد الكحلاوي” ضمن باب “مظاليم الفن” لماذا؟
** لأني أعتبر “الكحلاوي” من المحظوظين وليس من المظاليم، لأنه اجتماعيا عمل أسرة محمدية طيبة السيرة، وفنيا صنع تاريخا فنيا مشرفا، وفي كل لون فني اقتحمه، وقدمه سواء البدوي أو الشعبي أو الديني كان أستاذا ورائدا كبيرا، وقد كرم من جمهوره بشكل لم يشهده أحد من النجوم، وحتى الآن وعندما أذهب أنا أو أي أحد من أشقائي إلى أي مكان ورغم مناصب أشقائي الستة إلا أن الجميع يستقبلوننا أحسن استقبال، ويطلبوا الرحمة لوالدنا، ويتذكروه بكل خير، وهذه نعمة كبيرة من رب العالمين.
وإذا كان هنالك نسيان اليوم لهذا الرجل فهذه آفة الزمن، وآفة العصر الذي نعيشه، ولو فيه تجاهل لتاريخ هذا الفنان من قبل البعض أو جحود أو نسيان، فأقول هذا غير مقصود لأن “الكحلاوي” بتاريخه الفني المشرف وخاصة الديني منه يجبر الكل على ترديد اسمه في كل المواسم، فمثلا عندما يهل علينا موسم الحج مثل هذه الأيام تجد أغنيات “الكحلاوي” تتردد في كل المحطات الناطقة بالعربية، وكذلك في باقي المواسم الدينية الأخرى، فضلا على أن الكل يغني ويعيد أغنيات الكحلاوي”، مثل “هاني شاكر، محمد ثروت، مدحت صالح، أحمد سعد” وغيرهم من فرق الإنشاد الديني في مصر والعالم العربي.
* كل ما ذكرته جميل، لكن هذه هى السيرة العطرة التى تركها لكم والداكم، لكني أتحدث من الناحية الفنية ألم يظلم “محمد الكحلاوي”؟
** طبعا ظلم ولم يأخذ حقه، ويكفي إن “الكحلاوي” انتقل إلى جوار ربه في الخامس من أكتوبر عام 1982، ورغم كل هذه السنوات الطويلة، ورغم عطائه الفني الغزير، ورغم أنه أثرى المكتبة الغنائية بمئات من الأغنيات المختلفة فى كافة ألوان الأغنية المصرية، إلا أنه لم يكرم حتى الآن من أي من الجهات الرسمية!، وليس هذا فقط بل حتى فرقة الإنشاد الديني في الأوبرا لا تغني لحنا دينيا واحدا للكحلاوي!!، الأكثر من ذلك وهذه أول مرة أصرح بها إنني نبهت المسئولين فى دار الأوبرا المصرية أكثر من مرة، ولم يهتم أحد بتكريم هذا الرجل!
* ولا حتى مهرجان الموسيقى العربية الذى يقترب من الدورة الثلاثين ألم يكرمه؟
** إطلاقا ومنذ سنوات وبعد إنشائي لجمعية أبناء الفن الأصيل التى ضمت كل أبناء نجوم الزمن الجميل وأشهرها، بدأت أبحث عن كل يد بيضاء امتدت للفن وأثرت فيه، فكان من بين هؤلاء العالم الموسيقى الجليل الدكتور “محمد محمود الحفني” والد الدكتورة “رتيبة الحفني” أمين عام مهرجان الموسيقى العربية، والذي أثرى الحياة الموسيقية والثقافية ثراءا كبيرا، وقمنا بتكريمه وجاءت الدكتورة “رتيبة” وتسلمت تكريم والداها وشكرتني على اهتمامي بوالداها وتكريمه، ويومها قلت لها ضاحكا: “رغم إنك مقصرة في حق تكريم والدي “محمد الكحلاوي” في مهرجان الموسيقى العربية يا دكتورة!”، فقالت لي : أكيد سقط سهوا وسنقوم بتكريمه قريبا.
ومرت السنوات، ورحلت الدكتورة “رتيبة” ولم يكرم “الكحلاوي”، وبعد رحيل الدكتورة “رتيبة” قابلت الموسيقار الكبير “حلمي بكر”، أحد الأعضاء المهمين فى المهرجان، ونبهته إلى عدم تكريم والدي، فوعدني خير، وحتى الآن لم يكرم في مهرجان الموسيقى العربية الذي سيتم هذا العام دورته التاسعة والعشرين، رغم إنهم كرموا شباب صغارا! وناس لم يقدموا أي شيئ للموسيقى العربية، ولا حتى جزء بسيط مما قدمه “الكحلاوي”.
لكن الحمد الله أن الدكتورة الفنانة” إيناس عبدالدايم” وزيرة الثقافة تنبهت لهذا وسيتم تكريم والدي قريبا في ليلة خاصة به، من خلال “المركز القومي للمسرح والموسيقى” الذي يديره الفنان القدير “ياسر صادق”، وسيتم إصدار كتيب خاص بهذه المناسبة.
ورغم إني أقول أنه ظلم لكنني “أزعل أوي” أن يقال عليه من “مظاليم الفن” لماذا؟! لأن “الكحلاوي” في زمنه أخذ شهرة كبيرة لم يأخذها فنان في عصره، وعندما دخل الفن لم يدخل مثل أي فنان مبتدئ لكنه دخل الفن بلون بدوي لم تعرفه الأسماع المصرية من قبل، لهذا اختطفته السينما المصرية، وكان يقدم قبل أي فيلم يعرض في دور العرض اسكتش بدوي مثل “أفراح البدو”، ومن يريد نجاح فيلمه أو مضاعفة نجاحه فعليه أن يلجأ لـ “الكحلاوي” حتى يقدم له اسكتش جديد يجذب به الجماهير المصرية للسينما، مما شجعه على إنشاء ثاني شركة إنتاج سينمائي تحت إسم “أفلام الكحلاوي” أولا ثم “أفلام القبيلة” بعد ذلك، والتى انتجت ما يقرب من 15 فيلما منها ما يوضح حياة البدو وأسلوب حياتهم وفنونهم، وذلك وفاء منه لجذوره العربية.
* ذكرت لي أن والدك مطربنا وأستاذنا الكبير “محمد الكحلاوي” رأى بنفسه بعض الجحود من البعض، من هؤلاء؟!
** والدي كان مدرسة وجامعة فنية، وعلاقته بأصدقائه وزملائه جيدة جدا، أذكر أن المطربة “نور الهدى” كانت تحبه جدا وغنت من ألحانه “يارب سبح بحمدك كل شيئ”، وكذلك الفنانة “نجاح سلام” التى قدم معها الديو الشهير “يا سلمى رقي أو جرب يا عويس”، كما جاء بالمطربة الجميلة “حورية حسن” من طنطا إلى القاهرة ولحن لها “سوق الحلاوة جبر”، وغنت معه في الكازينو الخاص به هى وزميلها المطرب “محمد عبدالمطلب”، كما غنى مع المطربة والفنانة “شريفة ماهر”ديو” بعنوان “أفراح شرقية”، ولحن لها من كلمات “جليل البنداري” أغنيتها الشهيرة “علي يا علي”، وغنت له “مها صبري” لحنه البدوي الجميل “يا با جابلني الزين”، ولحن للمطربة “عايدة الشاعر” قبل ارتباطها بالموسيقار “سيد إسماعيل”.
وأذكر أن مطربنا الكبير “كارم محمود” فى أحد الأيام أوصاني بوالدي وقال لي: “يا أحمد خد بالك من والدك فهو صاحب فضل كبير علينا، فكنت أغني معه لمدة خمس سنوات ككورال في فرقته أنا والمطرب “محمد قنديل”، وعندما تعرض عليه أفراح أو حفلات ولا يجد لديه وقت لتلبية هذه الدعوات فكان يرشحني أنا وقنديل.
أما بالنسة للجحود ففي أحد الأيام في سنواته الأخيرة كنا نشاهد التليفزيون ورأي الجحود بنفسه وحزن جدا، والحكاية ببساطة أن أحد البرامج استضاف الموسيقار الشاب – يومها – “جمال سلامه” وهو بالمناسبة مؤدب جدا ومحترم جدا، ووالده “حافظ سلامه” اشتغل كعازف في فرقة والدي، يومها خان التعبير “جمال سلامه” وتحدث عن لحنه الجديد “محمد يا رسول الله” للمطربة “ياسمين الخيام” بنوع من الزهو والفخر، وقال : شوفي الناس استقبلت الأغنية إزاي، رغم أن فيه أغاني دينية مشهورة زي “لأجل النبي” للكحلاوي”، لكنا العلم عندما تدخل أخذ الموضوع شكل تاني، ومسح كل شئ قبلها”!.
يومها حزن والدي وتأثر جدا ووجدته يقول بصوت خفيض متهدج : كتر خيرك يا ابني!”، فحاولت أن أهون عليه وقلت له : يا بابا “جمال” مؤدب ولا يقصد الإساءة إليك، ولكنه فرحان وسعيد بنجاح أغنيته الجديدة، وأهمية العلم، ويجب أن نشجعه لتقديم المزيد من هذا اللون الديني الراقي، لكنه كان في ضيق وشعر بالجحود!.
* يهمنا فى هذا الحوار التوثيقي عن “محمد الكحلاوي” أن نعرف كيف كانت طبيعته كأب وإنسان؟
** سألني : هل رأيت “سي السيد” في رائعة كاتبنا العالمي “نجيب محفوظ”؟! قلت له: نعم!، فقال: “سي السيد” لا يمثل شيئ بالنسبة لوالدي، فوالدي كان أب شرقي حازما جدا، عندما اشترينا التليفزيون فى بداية الستينات لم نكن نفتحه إلا في أربع أوقات لسماع ومشاهدة نشرة الأخبار، أو مشاهدة مباريات كرة القدم، أو سماع “القرآن الكريم”، أو مشاهدة عمل أو حديث له، وعندما يعود من الخارج كان يحسس على “التليفزيون” ليرى هل تم فتحه وهو في الخارج أم لا؟، وأذكر وأنا في إبتدائي أن زملائي عندما عرفوا إنني إبن “الكحلاوي” كانوا يقولون لي : يا بختك يا عم أكيد بتشوف إسماعيل ياسين ومحمد فوزي وغيرهم من النجوم؟ فكنت أكذب عليهم وأقول لهم : دول كل يوم في بيتنا!، رغم أن والدي كان فاصل تماما بين كونه أب ولديه أسرة وعمله كفنان، وعندما حصلت شقيقتي الكبرى الدكتورة “عبلة الكحلاوي” على شهادة الثانوية العامة، وأحبت أن تكون سفيرة وتلتحق بكلية” الاقتصاد والعلوم السياسية” رفض الاختلاط الموجود في الجامعة، ووجهها لدخول الأزهر، وكأنه بعينه الثاقبه كان يرى إنها ستكون داعية إسلامية، ينفع بها العالم الإسلامي كله.
ورغم كل ما ذكرته لك إلا أنه كان حنونا جدا، ودمعته قريبة جدا، وله مفتاح واحد للتسلل إلى قلبه وعقله هو مفتاح “سيدنا النبي” تأخذ عينه لو ذكرت له “سيدنا النبي”، وفي أحيانا كثيرة وأنا آسف أن أذكر هذا كان ينصب عليه باسم “سيدنا النبي”، وعندما أقول له هذا كان يرد: “ليتهم يخزعوني بإسم سيدنا النبي، مالكش دعوة!”.
وفى طفولتنا كانت سيرة النبي هى سمرنا ولعبنا وأكلنا وشربنا، وسيرتنا ومسابقتنا، فكان يجمعنا فى أوقات فراغه نحن السبعة “عبلة وعالية ورحمة وعزة ومحمد وأحمد وفاطمة الزهراء” ويدندن لنا بصوته العذب الحنون سيرة النبي، وكانت مسابقاتنا كلها تدور حول سيرة النبي وأولاده وزوجاته، فكان مثلا يسألني أحمد ما اسم زوجة النبي عليه الصلاة والسلام؟. وهكذا كان يدور لعبنا وسمرنا في أوقات الفراغ.
* توجد صورة منتشرة على الإنترنت للسيدة والدتك وهى شابة بدون حجاب تقف خلف والدك، كيف تعرف عليها؟
** أولا: هذه السيدة ليست والداتي، وما تم ترويجه عنها غير صحيح بالمرة، فوالدتي محجبة وترتدي الحجاب منذ شبابها البكر، ولم يكن والدى يسمح لها بالظهور الإعلامي إطلاقا، حتى عندما جاءت السيدة المذيعة “كاريمان حمزة” لتسجل حلقة معنا في برنامجها الديني “من بيوت المؤمنيين” ظهرنا أنا وبابا وأشقائي، ورفض ظهور والدتي في البرنامج.
وقد تعرف والدي على والدتي في أحد الأفراح، كان يغني، وكانت والداتى عمرها 14 عاما تجلس مع والدتها وبعض أفراد من أسرتها، وأعجب والدي بهذه الأسرة، وتمنى أن يكون مثل هذه الأسرة الملتزمة، خاصة إنه وحيد ليس لديه عائلة، فتقدم لأهلها، لكن أهلها كانوا محافظين جدا، ومن عائة “العناني”، وهم من الأشراف من نسل رسول الله ورفضوا طلب والدي، لكن أحد الأقارب الذي كان تربطه علاقة صداقة بوالدي تدخل وتم عقد القرآن، وعلى مدى عمره وحتى رحيله، لم يتزوج غيرها، وكانت تربط بينهما المودة والرحمة والحب والتعاطف، وكان لولدتي دور كبير في التحول الذي حدث في حياة والدي بعد ذلك، وبالتحديد عام 1951 حيث كان يعود من عمله أثناء أو بعد صلاة الفجر فيجدها تصلي، أو تجلس على السجادة تقرأ القرآن في انتظار آذان الفجر، أو تقرأ القرآن بعد تأديتها لصلاة الفجر، فكان يخجل من نفسه، ويسعد بها جدا حتى حدث التحول في حياته.
* هل يمكن أن تذكر لي أولاد “محمد الكحلاوي” والذين هم أشقاؤك؟
** وفق الله والدي باختيار الزوجة الصالحة التى بقيت معه حتى لقى ربه، وكانت شريكة فعالة فى تربية الأبناء على الالتزام الأخلاقي والديني والإسراع فى أعمال الخير، حيث رزقه الله تعالي بسبعة من الأبناء هم الدكتورة “عبلة الكحلاوي” الداعية الكبيرة، وأستاذ الفقه المقارن وعميد كلية البنات جامعة الأزهر، والدكتور “محمد الكحلاوي” أستاذ العمارة الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، وأمين عام اتحاد الأثريين العرب، ورئيس مجلس إدارة المتحف الإسلامي.
والدكتورة “عزة” أستاذ الديكور الإسلامي، ورئيس الإدارة المركزية باتحاد الإذاعة والتليفزيون، والدكتورة “عالية” أستاذ الشريعة والقانون، والدكتورة “رحمة” بالعلاقات العامة بالطيران المدني، والأستاذة “فاطمة الزهراء” ماجستير القانون المدني.
* ننتقل بالحوار إلى شاطئ آخر ونتحدث عن “محمد الكحلاوي” من هو ومن أين جاء وكيف دخل الفن؟
** ولد “محمد مرسي عبداللطيف حسين” وهذا هو اسمه الأصلي فى الأول من أكتوبر عام 1912 الموافق التاسع عشر من شوال عام 1320 هجرية، فى بلد اسمها “منيا القمح” محافظة الشرقية، وترجع جذوره إلى قبيلة “الحويطات” العربية، وماتت والدته وهى تلده، فكانت بعض نساء “منيا القمح” يرضعونه، وبعد أن تم عامين رحل والده، فجاء خاله المطرب الشهير “محمد مجاهد الكحلاوي” من القاهرة، وأخذه معه، ليعيش معه في حي “باب الشعرية”، ونظرا للميراث الكبير الذي ورثه الطفل “محمد مرسي” من والدته التى تنتمي إلى عائلة “الأكاحل” الثرية، ومن والده أيضا الذي كان تاجرا، فقد ألحقه خاله بمدرسة “الفرنسيسكان”، لكنه وقبل إنهاء مرحلته الإبتدائية تشاجر مع أحد زملائه، وقرر عدم الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى.
وأثناء ذلك اقترح الشيخ “حسن عبدالوهاب” شقيق الموسيقار”محمد عبدالوهاب” على خاله أن يلحقه بمعهد أزهري، وبالفعل، فكان يحفظ القرآن بالنهار، وبعد انتهائه من الحفظ، يلعب مع زملائه وأقرانه، ويوم الخميس يذهبون للفسحة في حي “الأزبكية”، حيث يرتادون مسرح فرقة “أولاد عكاشه”، وكان مدير المسرح رجل اسمه “عم أنيس” هذا الرجل كان والدي وزملائه يدفعون له “قرش صاغ” حتى يجعلهم يقفون على المسرح ككمبارس صامت، وأثناء ذلك كان يذهب مع خاله المطرب “محمد مجاهد الكحلاوي” إلى الأفراح ويجلس تحت الكراسي ليسمع صوت خاله وهو يغني “موال الصبر، أو سبع سواقي، بتنعي أو خلخال خطر ع القدم”، أو غيرها من الأغاني التى عرفت واشتهرت بعد ذلك بصوت والدي ثم بصوت المطرب “شفيق جلال”.
* كيف إذن دخل المجال الفني؟
** كان خال والدي “محمد مجاهد الكحلاوي” رغم عمله في الفن إلا أنه كان شديدا جدا، ولم يحب أن يسلك إبن شقيقته نفس طريقه، لهذا كان يبعده دائما عن طريق الفن، لكن لأن الله زرع موهبته الفنية في والدي، فكان لابد أن تخرج هذه الموهبة للنور، ففي أحد الأيام وكما يحدث في الأفلام، وعمر والدي 12 عاما تأخر الأستاذ “زكي أو عبدالله عكاشة” لا أعرف أي منهما، عن افتتاح الستارة، وهنا وقع المسئولين عن المسرح في حيرة وخوف من غضب الجمهور، وفى الكواليس سأل “عم أنيس” الموجودين : هل فيكم حد بيعرف يغني أو يقول نكت أو مونولوجات على بال ما الأستاذ يشرف؟ وهنا التفت زملاء “محمد مرسي” وقالوا لعم “أنيس”: الواد محمد بيغني وصوته حلو زي خاله الكحلاوي، وهنا طلب “عم أنيس” من “محمد” وترجاه أن يعتلي المسرح ويغني حتى ينقذ الموقف، وبالفعل غنى والدي موال ” سبع سواقي بتنعي” فاستقبل بعد انتهائه من الغناء بعاصفة من التصفيق حتى أنه ذهل وخاف من هذا الاستقبال فترك المسرح وفر هاربا، ومن شدة خوفه وتلعثمه مزق ديكورات المسرحية التى كانت كلها مصنوعة من الورق، وخرج مسرعا إلى الشارع.
* ماذا حدث بعد ذلك؟
** عندما حضر الأستاذ “عكاشه” أخبروه عما حدث واستقبال الجمهور الرائع للشاب “محمد مرسي”، فطلب أن يراه، وذهب “عم أنيس” يبحث عن والدي، وبعد أيام أحضر والدي وقابل الأخوين “عكاشه” الذين استمعوا مجددا إلى صوته، وطلبوا منه أن ينضم لفرقتهم، ويستعد للسفر إلى “بر الشام” التى كانت فى هذا الوقت تضم ” سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق”، ونظرا لحب والدي للفن، هرب من خاله الذي لا يريد له العمل في الفن، والتفرغ للمعهد الأزهري، وذهب وفي جيبه “8 قروش” للعمل مع الأخوين “عكاشه” والسفر معهم إلى “بلاد الشام” وبالفعل، سافر معهم، وبعد شهرين من وجود الفرقة وتجوالهم بين البلاد المختلفة، قرروا العودة إلى مصر، وهنا تركهم والدي وهرب منهم وظل في “بلاد الشام” 8 سنوات، متنقلا بين هذه البلاد مرتحلا ومتعلما حتى أتقن فنونهم ولهجتهم، وعاد بعدها إلى مصر ومعه حوالي 25 ألف جنية، وهذا كان في بداية الثلاثينات ثروة ضخمة جدا.
وبعد عودته ذهب إلى منزل خاله “محمد مجاهد الكحلاوي” فوجده على فراش المرض، وبعد العتاب واللوم أخذه خاله في حضنه، ونسى هربه، وابتعاده عنه لسنوات طويلة، وقال له : أنه خاف أن يواجه رب كريم دون أن يعطيه حقه وميراثه الذي ورثه من والده وولدته، وقال له: أنا كتبت لك ثلاث بيوت، لكن والدي احتضن خاله وقبل يده وتنازل لأولاد خاله عن البيوت الثلاثة، وبعد ثلاث أيام من عودة والدي رحل خاله “محمد مجاهد الكحلاوي”!.
…………………………………………………………………………………………..فى الحلقة القادمة نستكمل المشوار
** سنتحدث عن أول أغنية فى مشواره، وأشهر أغنياته العاطفية والوطنية والبدوية والدينية.
** لماذا تنازل للموسيقار “محمد عبدالوهاب” عن نقابة الموسيقيين بعد سنتين؟
** وسر تنازله لمحمد فوزي عن قضية “يا مصطفى يا مصطفى”؟
** وحقيقة تحولة من جاهلية الكحلاوي إلى مداح الرسول؟
** وكيف رفض الغناء للزعيم “جمال عبدالناصر”