بقلم الدكتور: طارق عرابي
أستطيع أن أدعي بأن لي تجارب ثرية للغاية مع أصحاب الفكر الديني المتطرف .
البداية كانت في ثمانينات القرن الماضي ، كنت في السابعة عشر من عمري ، طالباً متفوقاً بمدرسة دمياط الثانوية العسكرية بمحافظة دمياط ، وكان أخي الأكبر رحمه الله قد انضم إلى جماعة إسلامية ليس لها إسماً محدداً ، وقد أرسلوا لي دعوة عبر أخي لحضور صلاة الجمعة بمسجدهم الخاص الذي شيدوه بأنفسهم وخصصوه فقط لهم ولمن يعتنق أفكارهم حول الإسلام وما ينبغي أن يكون عليه ، فذهبت وتأثرت وانبهرت وأصبحت أبدو واحداً منهم ، لم يكن هناك في جلسة ما بعد صلاة الجمعة مع نائب أمير الجماعة غير كلماتٍ طيبة لا يمكن أن يختلف عليها إثنان من البشر حتى ولو كانا يعتنقان ديناً آخر غير الإسلام.
وأصبحت ملتزماً بتواجدي بينهم ومعهم في معظم الأوقات على مدار الأسبوع ، وبعدما اعتبروني واحداً من العقول الواعدة في مستقبل الجماعة وأصبحت العلاقة بيني وبينهم جميعاً كعلاقة الأخ بإخوانه بدأوا تدريجياً في دس سموم إلى عقولنا كتابعين لهم وذلك عبر أفكار وفتاوى لا تبدو منطقية بالنسبة لي رغم أنهم لم يطرحوا فكراً إلا وأتوا بآية قرآنية أو أكثر لتزيين ما يطرحونه علينا ، وأول الأمور التي تحدثوا معي شخصياً عنها هي “الزي الإسلامي” للرجل فلم يكن يعجبهم ارتدائي للبنطال والقميص ، ومن هنا قررت إعمال العقل وعدم الانصياع لمبدأ “السمع والطاعة” الذي كانوا يسوقون له على أنهم “أولي الأمر” وبحجة الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ،، وبدأت أسمع فتاوى تُكَفِّر كثيراً من الناس الطيبين الذين لا يفوتون فرضاً من فروض الله ولم يلحقوا أذاً بأحد ، ثم تكفير كل من يعمل لدى الحكومة لأنه يتقاضي مالاً حراماً من أموال “دولة الطاغوت”.
ولم يعجبهم على الإطلاق أنني بدأت أفكر وأسأل وأناقش وأعارض ، فقررت أن أحول علاقتي بهم إلى علاقة المعارض للآمر الناهي وذلك باستعمال نفس مصدر براهينهم على ما يسوقونه من زيف ، ولكني اتخذت هذا المسلك الجديد في قالب كوميدي بغرض التخفيف من حدة الخلاف معهم ، فمثلاً إن رأيت أحدهم يقتل حشرة أقول له “لقد قتلت مسلماً” وعندما يستنكر كلامي أسرد عليه البرهان (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ، وقد حل موعد الطامة الكبرى بيني وبينهم عندما كان نائب أمير الجماعة يجالسني بعد انتهاء إحدى الصلوات الجماعية وكان يتحدث إلي عن ضرورة تعففي بالزواج صغيراً ، فسألته “كيف لطالب يتقاضى مصروفه من عائلته أن يتزوج؟” فرد بأنه على أن أجد عملاً حلالاً وأخبرني بأن الزواج عندهم ومن خلالهم لا يكلف أي أخ من أعضاء الجماعة سوى “ربع جنيه” ومسكن بسيط “مرتبة أو حصيرة” ، فما كان مني إلا أن حولت هذا الكلام العبث إلى “كوميديا البراهين” ، فقلت له بلغة الشباب “أنا عاوز أقفلهم أربعة” ، ولم يفهمني في باديء الأمر ثم شرحت له بأنه طالما أحل الإسلام لي أن أتزوج 4 نساء وأنت تقول إن الزواج بإمرأة يكلف “ربع جنيه” وأنا شخص مقتدر وأستطيع توفير “جنيه كامل” فمن حقي أن أتزوج 4 نساء دفعة واحدة ، وثار غضباً واعتبر ذلك استخفافاً واستهزاءً وتم إبعادي وحرماني بقرارات عليا من أن أكون واحداً منهم. وقد ترك أخي الأكبر هذه الجماعة لاحقاً.
ولأنني أصبحت صاحب تجربة لم تستطع جماعة الإخوان المسلمين خداعي كما كانوا يفعلون مع غيري وأنا طالب بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة بمنتصف ثمانينات القرن الماضي ، وكان على رأسهم آنذاك طالب كلية الحقوق ورئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة “عصام سلطان” الذي كان يقضي معظم يومه في فناء كلية طب قصر العيني – المعقل الأكبر لطلبة جماعة الإخوان بالجامعة آنذاك. ولقد برهنوا بأنفسهم على كذبهم ، فعندما كنت رئيساً لفريق المسرح بالكلية وأقوم بتأليف وإخراج مسرحيات والتمثيل فيها مع العديد من زملائي وزميلاتي بالكلية ، ناظرني أحدهم بأحد المدرجات في حضور 450 طالب وطالبة وقال لي بالحرف الواحد: “أنت تقدم نفسك على أنك سعد بن أبي وقاص وأنت لست سعد بن أبي وقاص .. هذا هو التمثيل .. إذاً فالتمثيل كذب”.
ولأنني لم أتوقف واستمر نشاطي المسرحي بدعم من عميد الكلية آنذاك الراحل العظيم “د. هاشم فؤاد” ومن بعده الراحل العظيم أيضاً “د.خيري سمره” وبعدما رأوا تأثير أعمالنا الفنية وحب وانجذاب الطلبة لها ، اضطروا إلى عمل مسرحية دينية على مسرح الكلية (التي لم تخرج إلى النور في نهاية الأمر) ، والمفاجأة أنني عندما زرتهم في أحد البروفات على المسرح وجدت الشخص الذي ناظرني “صاحب حجة سعد بن أبي وقاص” يمثل شخصية “الحجاج بن يوسف الثقفي” فقلت له “أنت تقدم نفسك على أنك الحجاج وأنت لست الحجاج .. إذاً فالتمثيل ليس كذباً .. بل أنت الكاذب” .. فجاء رده في منتهى البرود قائلاً: “أكرمك الله يا أخي .. الضرورات تبيح المحظورات”. وكانت هى نفس الحجة لجماعة الإخوان بعد ثورة يناير عندما خالفوا ما أعلنوه في البداية ورشحوا أحدهم لرئاسة الجمهورية.
إن كل الجماعات التي انفردت بالدين وقصرته على نفسها دون غيرها من البشر وأياً كان الإسم الذي يُعنون هويتها هي جميعاً جماعات تعمل لمصالحها الشخصية ولا يتورعون أبداً من وضع يدهم في يد أعداء الدين والوطن من أجل بلوغ أهدافهم. لو كان تكوين جماعة “حق” لكان الأولى برسول الله أن يطلق على نفسه وأصحابه “جماعة محمد” ، فهو الذي جاء برسالة الله وكان حينها هو ومن آمن به يمثلون أقل الأقلية ، لكنه صلوات الله وسلامه عليه لم يفعل لأنه ما جاء لتصنيف وتقسيم المسلمين إلى فرق وطوائف.
إن قلت لهم إن الله منح عباده حرية الاختيار “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” فإنهم سيتجاهلون هذه الآية الكريمة ويصرون على انتزاع حق الله واستحضار جنته وجحيمه إلى الأرض وهم الذين يقررون من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار ، وقد فعلوها مع المواطنين في وضوح شمس النهار أثناء التصويت على الدستور في عام 2012 حيث “نعم” تعني دخولك الجنة و”لا” تعني أنك إلى جهنم وبئس المصير.
نصيحتي الدائمة لمواجهة التطرف الديني أن يكون ذلك على أسس علمية ومعرفية بعمل دراسة وتحليل دقيقين لشخصيات كل من “الصيادين” و”الفرائس” لمعرفة الدوافع وجذور المشكلة وكيفية اصطياد القيادات للشباب المحب للدين ، ولابد من إدراك أن “الفرائس” بينهم عدد كبير من الأشخاص الطيبين ذوي النوايا الحسنة الذين يتم استغلالهم تحت مسمى “إرضاء الله والفوز بالفردوس” ، وهم يستحقون منا إنقاذاً تنويرياً. وأهم ما تحدثت عنه كثيراً هو اهتمام الدولة بالمواطن بوجه عام والشباب بوجه خاص وذلك باستدامة إشعاره بأن له دور هام في بناء الوطن وتقدمه وألا نسمح أن يتسرب إلى وجدانه الشعور بأنه “نكره” في وطنه لأن ذلك الشعور يفتح الباب على مصراعيه لهؤلاء “الصيادين” لإيهام هذا “النكره” أنه ستتبدل أحواله إلى ما هو أفضل ليحيا “بطلاً” أو ليموت “شهيداً” ويذهب إلى الفردوس الأعلى.
فيلم “شوكولا” دواء فكري للتطرف الديني
فيلم “شوكولا” Chocolat من إنتاج شركة ميراماكس Miramax عام 2000 ومن بطولة الممثلة الفرنسية العالمية “جولييت بينوش” والممثلة القديرة “جودي دينش” والممثل القدير “ألفريد مولينا” والممثلة القديرة “كاري آن موس” والنجم “جوني دِب” ومجموعة أخرى من الممثلين ذوي الآداء المتميز .
بطلة قصتنا في هذا الفيلم هي “فيان روشيه” (الممثلة جولييت بينوش) ، وهي خبيرة ومبدعة في عمل خلطات فريدة في تصنيع الشوكولاته ، وتعودت “فيان” أن تجوب أوروبا مع إبنتها الطفلة “أنوك” (الطفلة الممثلة فيكتوار تيفيسول).
في أحد فصول الشتاء بنهاية الخمسينات من القرن الماضي ، تسافر “فيان” مع ابنتها “أنوك” إلى قرية ريفية فرنسية هادئة يلتزم سكانها بشكل وثيق ببعض التقاليد الدينية والاجتماعية بقيادة عمدة القرية الكونت “بول دي رينو” (الممثل ألفريد مولينا) ، وبمجرد وصول “فيان” وابنتها للقرية ، تستأجر من السيدة العجوز “أرماند فويزِن” (الممثلة جودي دينش) مكاناً في منزلها الكبير عبارة عن محل أرضي وشقة تعلوه وذلك بغرض المعيشة لها ولابنتها بالدور العلوي وعمل محل ومعرض للشوكولاته بالدور الأرضي ، وتقوم “فيان” على توضيب المكان بنفسها وسرعان ما تفتتح محل ومعرض الشوكولاته الخاص بها تحت إسم “شوكولاتير مايا”.
ويأتي ذلك مع توقيت موسم “الصوم الكبير” لدى أهل القرية الذين يتبعون كنيسة القرية وتعليمات قائدهم الروحي الكونت “رينو” ، وهو الذي استشاط غضباً من “فيان” واعتبرها إمرأة فاسقة تتبع خطوات الشيطان وقد أظهر لها أنه غير مُرحبٍ بها في قريتهم المتدينة وأنه من غير اللائق فتح مطعم أو محل لأي مأكولات في موسم الصوم ، ومع ذلك نرى أن “فيان” بطبيعتها الودودة وأسلوبها الإنساني الكريم تبدأ في كسب بعض الأشخاص من أهل القرية ، وكان على رأسهم صاحبة المنزل السيدة “أرماند” ، وهي التي تقاطعها إبنتها المتدينة والسكرتيرة الخاصة بالكونت “رينو” ، السيدة الأرملة “كارولاين كليرمون” (الممثلة كاري آن موس) والتي تحرمها كذلك من رؤية حفيدها – إبن كارولاين – الطفل “لوك كليرمون” (الطفل الممثل أوراليان بارينت كينيج) ، لأنها ترى أن أمها “أرماند” سيدة غير متدينة وتتبع خطوات الشيطان لأنها لا تذهب مع أهل القرية للكنيسة وتعتبرها شخصية خطرة على سلوك إبنها الذي تريده متديناً مثلها.
ويبدأ الكونت “رينو” مع مساعدة من تلميذه الوفي – خطيب الكنيسة الشاب “الأب هنري” (الممثل هيو أوكونر) في دعوة أهل القرية إلى مقاطعة ملذات الحياة ومن بينها محل شوكولاته “فيان” ، وقد دأبا معاً في محاولة نقل رسالة لأهل القرية مفادها أن “فيان” تتبع طريق الشيطان وأنها جاءت لهدم القيم الدينية والأخلاقية في قريتهم ، وسرعان ما تنتشر بالقرية شائعة بأن “فيان” ملحدة حتى وصلت تلك الشائعة إلى أطفال القرية عن طريق آبائهم وأمهاتهم.
الكونت “رينو” يدعي بأن زوجته الكونتيسة في زيارة لمدينة صقلية الإيطالية ولكننا نستشعر مع مرور الوقت وكأنه يخجل من التصريح بأن زوجته قد هجرته.
تتوطد علاقة “فيان” بالسيدة “أرماند” التي أدمنت منتجات الشوكولاته ومشروب الكاكاو الحار بمحل “فيان” ، وتنجح “فيان” في جذب الطفل “لوك” وترتيب لقاءات سرية بينه وبين جدته “أرماند” في محل الشوكولاته والذي تتطور علاقته مع جدته ، ولأنه موهوب في الرسم يبدأ برسم لوحة فنية لشخصية جدته التي كانت محرومة من رؤيته طوال السنوات السابقة.
وعندما تكتشف “كارولاين” أن إبنها “لوك” يقابل جدته “أرماند” في محل “شوكولاتير مايا” تغضب وتأخذه رغماً عن رغبته في البقاء مع جدته ، وتوبخ “كارولاين” صاحبة المحل “فيان” وتخبرها بأن والدتها مريضة بالسكر وأن الشوكولاته ستقتلها.
يمر السيد العجوز “بليرو” (الممثل جون وود) وكلبه “تشارلي” من أمام محل “شوكولاتير مايا” وبينما كانت ثلاث نساء بينهن السيدة الأرملة العجوز “أوديل” (الممثلة ليزلي كارون) التي يداعبها الكلب “تشارلي” عند قدميها من الخلف ويعتذر لها السيد “بليرو” فتلتفت وتبادله إبتسامة وتلقي عليه تحية الصباح ، وبعدما تنصرف السيدات يُصر الكلب “تشارلي” على دخول محل “شوكولاتير مايا” وترحب “فيان” بالسيد “بليرو” وكلبه وتضع في فم الكلب “تشارلي” شوكولاته يستحسنها ثم تدعو السيد “بليرو” لشراء نوع من الشوكولاته الفاخرة كهدية لصديقته التي كان يداعبها كلبه “تشارلي” لكن السيد “بليرو” يخبرها بأن السيدة “أوديل” في حالة حداد على زوجها الذي مات في الحرب العالمية فتصاب “فيان” بالذهول من هذا الحداد الممتد لحوالي 15 سنة باعتباره مات في الحرب العالمية الثانية ولكن السيد “بليرو” يزيد من صدمتها عندما يخبرها بأن زوج السيدة “أوديل” قد مات في الحرب العالمية الأولى عام 1917 وليس في الحرب العالمية الثانية.
اعتادت “فيان” كل ليلة الهروب من أن تحكي لابنتها “أنوك” حدوتة قبل النوم ، ولكن “أنوك” تصر هذه الليلة على أن تسمع “حدوتة قبل النوم” فاضطرت أن تخبرها بقصتها المفضلة عن جدها “والد فيان” السيد “جورج روشيه” ، وبدأت تحكي بأنه كان أصغر عطار في بلدته وأنه كان رجلاً صادقاً وطموحاً وموضع ثقة لجميع زبائنه ، ولكنه لم يكن راضياً بما هو عليه ولم يقبل أن يقضي عمره في تحضير الزيوت ومواد العطارة ، وعليه انضم إلى بعثة إلى وسط أمريكا شكلتها جمعية نقابة الصيادلة عام 1927 لدراسة خواص الطبيعة لبعض الأعشاب والمركبات الطبيعية ، واستطردت “فيان” حكايتها لابنتها قائلةً: وقد كان جَدُكِ “جورج” أكثر الأفراد المتطوعين بهذه البعثة تطلعاً وحماساً.
لكن رحلة مغامرته أخذت منحاً آخراً لم يكن يتوقعه عندما تمت دعوته ذات ليلة لتناول شراب الكاكاو الخام دون تصفيته والممزوج مع بعضٍ من حبيبات الفلفل الحار وهو نفس المشروب الخاص بشعب “المايا” القديم في مراسمهم المقدسة حيث كانوا يعتقدون بأن هذا المشروب يساعدهم على إظهار المشاعر المكبوتة وعلى اكتشاف مصائرهم المستقبلية ، وهذا هو ما حدث لجدك “جورج” بعد تناوله هذا الشراب عندما وقعت عينه للمرة الأولى على الشابة الجميلة “شيتزا” ، فبالرغم من أنه نشأ على العقيدة الكاثوليكية التي تتعارض مع علاقته بحبيبته الجديدة “شيتزا” ورغم تحذير شيوخ العشائر له حول خطورة علاقته بهذه الفتاة دائمة الترحال (كطبيعة شعبها) من قرية إلى أخرى حسبما اتجهت الرياح الشمالية وأنها ليست الزوجة المناسبة له ، إلا أن جدك “جورج” تجاهل كل ذلك واستمر في علاقته مع “شيتزا” وبدا له لفترة أنه يمكنهما العودة إلى فرنسا والعيش سوياً في سعادة ، لكن للأسف كان للرياح الشمالية الشريرة خطة أخرى بعدما أنجبا الطفلة “فيان” ، حيث استيقظ “جورج” ذات صباح ليكتشف أن “شيتزا” قد رحلت ومعها إبنتها “فيان” ، ومنذ ذاك الوقت كتب القدر على الأم وابنتها الجميلة أن تتنقلا على الدوام من قرية لأخرى حسب وجهة الرياح الشمالية لبيع الكاكاو كما كان يفعل أهل “شيتزا”.
تبدأ “فيان” علاقة صداقة جديدة مع السيدة المضطربة وغير الطبيعية “جوزفين” (الممثلة لينا أولين) والتي تعيش مأساة الإهانة والضرب الوحشي المستمر من زوجها “مدمن الكحول” المتدين “سيرج” (الممثل بيتر ستورمار) ، وبعدما تلقت منه ضربة وحشية قاسية خلفت جرحاً في رأسها تهرب لاجئةً إلى “فيان” التي لا تخيب ظنها وتغدق عليها بكرمها وحنانها وتعلمها حرفة صناعة الشوكولاته حتى تصبح “جوزفين” الذراع الأيمن لـ “فيان” في محل الشوكولاته ، وتعود “جوزفين” تدريجياً إلى طبيعتها وتعود إليها ثقتها بنفسها التي كان زوجها قد قذف بها في صناديق القمامة بإهاناته وضربه الوحشي المتكرر لها.
عندما يعلم الكونت “رينو” ما حدث بين “جوزفين” وزوجها وأنها لجأت إلى “فيان” يزداد شعوره بالقلق حول مدى تأثر البعض بشخصية “فيان” ، وعليه يقوم الكونت “رينو” بتوبيخ “سيرج” ويُلزمه بضرورة أن يصلح من نفسه ليتحول إلى شخصٍ أفضل وألا يعود لضرب زوجته “جوزفين” مرةً أخرى ، وبعد فترة نرى “سيرج” يرتدي زياً أنيقاً وبيده باقة ورود جميلة وعلى وجهه إبتسامة الطيبة المصطنعة ويتوجه إلى زوجته “جوزفين” بمقر “فيان” ليصالحها ويطلب منها مسامحته ، وتستقبله “جوزفين” بشيءٍ من الحنين بعدما ناولها باقة الورود ، ولكنها ترفض طلبه للعودة معه إلى المنزل ، وبوقتٍ لاحقٍ من الليل نرى “سيرج” مخموراً ومتجهاً إلى مقر “فيان” ويقتحم مقرها ويتهجم على زوجته “جوزفين” وعلى “فيان” بالضرب ، ولكن زوجته تنقذ الموقف في اللحظة الأخيرة أثناء مهاجمته للسيدة “فيان” ومحاولته خنقها حيث تلتقط “جوزفين” مقلاة وتضربه بها على رأسه.
وصول “رو” وفرقة غجر النهر الموسيقية إلى القرية
مع ازدياد حدة التوتر والصراع بين “فيان” والكونت “رينو” يرسو قارب فرقة موسيقية غجرية على شاطيء نهر القرية بقيادة العازف “رو” (النجم جوني دِب) حيث يقيمون معسكراً على الشاطيء ، وهم من يرفض تواجدهم الكونت “رينو” ومعظم أهالي القرية (بإعتبارهم جرذان النهر وحثالة المجتمع من وجهة نظرهم) وذلك خوفاً من أثرهم السيء على أهل القرية، لكن “فيان” تذهب إليهم عند الشاطيء وترحب بهم وتُحسن ضيافتهم وتوزع عليهم حبات شوكولاته من منتجات محلها ، وتنشأ علاقة صداقة بينها وبين العازف “رو” وتتطور العلاقة تدريجياً إلى حالة حب حقيقي بينهما.
وينتقل صراع الكونت “رينو” المحتد ومعه معظم أهل القرية ضد كل من “فيان” والعازف الغجري “رو” وفرقته إلى تصعيدٍ جديد حيث يبدأ الكونت “رينو” وتلميذه “الأب هنري” حملة تحريض شرسة ضدهما فيقول “الأب هنري” في خطبته بالكنيسة لأهالي القرية إن الشيطان قد يأتيكم في صورة “موسيقي” أو “بائعة شوكولاته” ويتم عمل مُلصق إعلاني وتعليقه بجميع أرجاء القرية فيه دعوة لمقاطعة هؤلاء المفسدين في الأرض.
تشكو “فيان” إلى السيدة “أرماند” مما آلت إليه الظروف وتسألها عما يمكن أن تفعله لمواجهة ذاك التحريض وتلك الكراهية الخبيثة ، فتنصحها “أرماند” بأن تقيم حفلاً كبيراً لعيد ميلادها السبعين والذي سيحل موعده بعد أيام ، وتستجيب “فيان” وبالفعل تبدأ التحضير للحفل ، ويتم عمل دعوة تحت مسمى “عيد ميلاد أرماند” وتم عمداً عدم ذكر إسم “فيان” في الدعوة كي لا يتحفظ أحد ويمتنع عن الحضور ، وتُرسل الدعوة لعدد من أهالي البلدة ومن بينهم العازف “رو” والطفل “لوك” والسيد “بليرو” والسيدة “أوديل” وعدد آخر من أهل القرية .
ويحل موعد الحفل ويبدأ الحفل بتناول الطعام بحديقة منزل “أرماند” ويتفاجأ بعض الحضور بظهور “فيان” و”رو” بالحفل وهما يقدمان لهم بعض الأطباق الشهية ، وقد بدا أن جميع الحاضرين يستمتعون بجودة الطعام ولذة الطعم ، ثم يقدم “لوك” لجدته “أرماند” هدية عيد ميلادها وهي الصورة التي رسمها لها بنفسه ، وبعد الانتهاء من تناول الطعام تعلن “فيان” للحاضرين بان تناول الحلوى سيكون على قارب “رو” وفرقته الموسيقية عند الشاطيء لكي يفرحوا بالموسيقى والرقص .
عندما تكتشف السيدة المتشددة “كارولاين” أن إبنها “لوك” قد وضع تحت غطاء سريره ما يوحي بأنه نائم بينما هو يحتفل مع جدته بعيد ميلادها تنزعج وتذهب باحثة عنه حتى تصل إلى مقر الجزء الثاني من الحفل عند شاطيء النهر وترى عن بعد إبنها “لوك” سعيداً ومتحرراً وهو يراقص جدته على إيقاعات العزف الموسيقي ، نلاحظ من خلال عينيها أن شيئاً ما قد تغير في داخلها في إتجاهٍ إيجابي ويوحي بأنها بصدد إعادة التفكير فيما هي عليه ، ونرى الكل يمرح في هذا الحفل ونرى السيد العجوز “بليرو” يراقص السيدة الأرملة العجوز “أوديل”.
على الجانب الآخر يرى “سيرج” زوج “جوزفين” الحفل الصاخب عند النهر فيذهب إلى الكونت “رينو” ويحضره معه ليجعله يرى بعينه “الحفل اللعين” ، وعندما يرى الكونت “نيرو” حفل الموسيقى والرقص يقول جملة في منتهى الخطورة وكأنه يعطي أمراً إلى “سيرج” بأنه لابد وأن نفعل شيئاً لإيقاف ذلك وهي العبارة التي سيستخدمها “سيرج” حجة بعد دقائق قليلة من مغادرة الكونت “نيرو” ليضرم النيران في مكان الحفل بما في ذلك القارب وكادت “أنوك” إبنة “إيفيان” ومعها “جوزفين” أن تموتا وهما نائمتان داخل القارب ولكن الجميع نجا من هذا الحريق.
وترحل “أرماند” في هدوء وهي جالسة ، ويخطب الأب “هنري” في جنازتها بنفس الأسلوب المتشدد في حضور الجميع ومن بينهم “فيان” التي تغادر مقر الجنازة مع ابنتها عندما تسمع الأب “هنري” يقول: “علينا أن نقاوم كل من يحاول إغواءنا” وتلحق بهما “جوزفين” ، وتهب في هذه الأثناء الرياح الشمالية وكأنها تقول للسيدة “فيان”: “عليكِ أن ترحلي إلى قرية أخرى جديدة”. وبالفعل نرى “فيان” ليلاً وهي تحضر حقائبها لترحل في الصباح.
يظهر أثر ما رأته السيدة “كارولاين” بين إبنها وجدته حينما كان يراقصها قبل موتها بساعاتٍ قليلة ، وذلك في مواجهتها للكونت “نيرو” ليلة جنازة والدتها حيث تصارحه بأنها تعرف أن زوجته الكونتيسة قد هجرته وأنه لا أحد يتوقع منه أن يقول الحقيقة ويعترف بأنها قد رحلت وهجرته.
يدخل “سيرج” بنفس الليلة على الكونت “رينو” ليفاجئه بأنه هو من أضرم النار في الحفل رغم إصرار الكونت على أن الحريق قد جاء من عند الله للانتقام من المفسدين ، بينما يبرر “سيرج” فعلته بأنها جاءت بناءً على جملة الكونت له حينما صرح له بأنه علينا أن نفعل شيئاً لإيقاف ذلك. ويقوم الكونت بطرد “سيرج” من القرية ويطلب منه الرحيل إلى مكان بعيد وألا يعود يوماً ما إلى القرية.
في الصباح تجبر “فيان” إبنتها “أنوك” على الرحيل وبينما يهبطان من مسكنهما العلوي تسمع أصواتاً داخل المحل بالدور الأرضي فتدخل وتتفاجأ بأن “كارولاين” وولدها “لوك” والسيد “بليرو” والسيدة “أوديل” وآخرين من أهل القرية يساعدون “جوزفين” في تحضير الحلوى الطازجة لليوم الجديد ، وتعدل “فيان” عن فكرة الرحيل بسبب هذا المتغير الجلل.
عندما ينظر الكونت “رينو” من نافذته المطلة على محل “فيان” ويرى أن “كارولين” أصبحت تعمل مع “فيان” تصيبه صدمة كبيرة وينهار ، ويقرر أن يذهب إلى المحل ليقتل تلك الفاسقة “فيان” ، وبالفعل يدخل إلى المحل عبر إحدى نوافذه وبيده آلة حادة ، وعندما يرى بين صفوف الحلوى تماثيل من الشوكولاته يبدأ في تمزيقها بالآلة الحادة ، أثناء ذلك تتطاير حبيبات الشوكولاته المتكسرة وتصل بعضها عند شفتيه (وهو الصائم منذ فترة طويلة) فيتحسسها بأصابعه التي تدفعها نحو فمه ويبدأ في تذوق الشوكولاته ثم نراه يتناول كل أنواع الحلوى الموجودة حتى تلطخ بها حول فمه إلى أن غفا نائماً وسط منتجات الشوكولاته ، ويأتي الأب “هنري” في الصباح ويمر بجوار نافذة محل الشوكولاته ويرى الكونت نائماً وسط منتجات الشوكولاته بينما “فيان” تقدم له مشروباً وتقول له إنه سيجعله يشعر بتحسن ، وعندما يعتذر لها الكونت عما فعله بمحلها ترد عليه وتطمئنه بأنها لن تخبر أحداً بما رأته ، وتذكره بأن عليه الاغتسال والاستعداد لليوم “الأحد” مناسبة عيد الفصح فيتذكر أنه لم ينتهِ من كتابة الخطبة للأب “هنري” لتلك المناسبة ويرد عليه الأب “هنري” ويطمئنه بأنه سيفكر وسيجد شيئاً ليقوله في الخطبة.
ولأول مرة يصعد الأب “هنري” لإلقاء خطبته بالكنيسة دون “ورقة مكتوبة” ويبدأ كلامه أمام أهل القرية المتواجدين بالكنيسة قائلاً: “أنا لست واثقاً عن أي شيءٍ سنتحدث اليوم ، هل ينبغي التحدث عن المعجزات الإلهية المقدسة؟ كلا .. لن أتحدث عن ذلك ، بل أفضل أن أتحدث عن الإنسانية التي أرادها الله لنا ، هل تعرفون كيف تكون الحياة على الأرض؟ بالرحمة والصبر والتسامح ، أريدكم أن تستمعوا إلى ما أؤمن به حقاً ، لايمكننا أن نجول حول الناس ونقيس طيبتنا بما لا نفعله أو بما نحرم أنفسنا منه أو بما نقاومه أو نستثنيه ونطرده من بيننا ، بل ينبغي أن نقيس مدى طيبتنا وصلاحنا بما نتبناه ونعتنقه وبما نبدع ونخلق لأنفسنا ولحياتنا”
لم تكن تلك الخطبة هي الأكثر بلاغة وفصاحة بين كل خطب الأب “هنري” ولكنها لما خرجت من القلب هذه المرة وبدون ورقة مكتوبة كانت الأكثر أثراً على أهل القرية الذين أيقنوا بتلك الخطبة أن عليهم التعامل مع الجمال الإنساني الذي خلقه الله بداخلهم وأن يتحرروا من المفاهيم المغلوطة التي تحثهم على الكراهية للغير ، وبدأت مفاهيمهم للدين ولما أراده الله منهم تسير في الاتجاه الصحيح ، حتى أن الكونت “رينو” قد تخلص من عقدته ، وراحت القرية تتعايش مع بعضها البعض بكل حب واحترام ومحبة وأصبح “قبول الآخر” جزءً لا يتجزأ من ثقافتهم الجديدة.
كتب السيناريو لهذا الفيلم “روبرت نيلسون جاكوبس” الذي ترشح عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل سيناريو ، وهذا السيناريو مأخوذ عن القصة الأصلية للروائية الإنجليزية ” جوان هاريس” ، بينما أخرج الفيلم المخرج السويدي ” لاس هاليستروم” الذي ترشح لثلاث جوائز أوسكار.
ترشح فيلم Chocolat لخمس جوائز أوسكار من بينها أفضل سيناريو كما ذكرنا ، والممثلة “جولييت بينوش” كأفضل ممثلة في دور رئيسي ، والممثلة القديرة “جودي دينش” كأفضل ممثلة في دور مساعد ، والموسيقية “ريتشِل بورتمان” كأفضل موسيقى أصلية لفيلم ، وجائزة أفضل فيلم (إنتاج) ،، كما ترشح الفيلم لأربع جوائز من جولدن جلوب وثماني جوائز من BAFTA . تكلف إنتاج هذا الفيلم 25 مليون دولار وجمع عالمياً حوالي 153 مليون دولار.