رانيا فريد شوقي ترتدي وشاح (الملك) في مئويته
كتبت : شهرزاد سليمان
تشبه الفرس العربي الأصيل في خصالها، فمن أهم صفاتها التي تتطابق مع الخيل الاحتفاظ بقوتها حتى مع تقدّمها في العمر، وقوتها في تحمّل المصاعب التي تفوق كل وصف، وقدرتها على الوصول إلى خط النّهاية في السباقات الفنية المختلفة وهى بحالة جيدة بفضل إرادتها التي تعكس متانة عظامها الصلبة الكثيفة، وأوتارها القوية، وهى صفات ورثتها عن والدها الملك الذي توج على عرش السينما لأربعة عقود، لذا فهى تتمتع بقدرة عالية على التعافي من المطبات التي تواجهها في حياتها جراء إرادتها القوية المتمثلة في كفاحها للبقاء على قيد الحياة، فضلا عن أنها بالإضافة لجمالها ومظهرها الأنيق تتمتع بالشجاعة والذكاء والوفاء، وسرعة التعلم، وذو معنويات عالية دائما، وهى غير عدوانية ففي حال تعرضها لمعاملة سيئة من جانب البعض سرعان من تحول دفة الخلاف إلى طاقة إيجابية، ومثل الحصان العربي الأصيل تعرف مواطن الخجل والاستحياء فتخفض الرأس في شمم وكبرياء لتدارك أصعب الأزمات.
إنها (رانيا فريد شوقي) التي أحبها ملايين المصريين والعرب بسبب شخصيتها الفريدة التي تجمع بين الجمال والرشاقة في بساطة آسرة تتسم بالعفوية والتلقائية النابعة من روحها الشفافة وطيبتها الشديدة، كما ينعكس ذلك في أدائها التمثيلي العذب، الذي ينطلق من قاعدة أن الفن يعد خالقا للحياة في الدرجة الأولى، ومؤثرا فيها بالدرجة الثانية، لذا عشقها الجمهور عن بعد من خلال أعمالها الفنية التي تنوعت عبر رحلتها الطويلة، حيث بدأت التمثيل في سن مبكرة ونوعت في شخصياتها مابين الشعبي والتاريخي والعصري في ثوب جديد، والمقربون منها أحبوها إلى حد العشق من خلال ترجمة فعلية لأخلاقها الرفيعة وأفعالها الإنسانية، وهدوئها ورزانتها التي تنم عن فهم عميق للحياة.
ولأن الحب هبة غالية يهبها الله لبعض من خلقه، ومن ثم تجري في دماء أبنائه من بعده، فقد ورثت تلك الهبة عن كسب من والدها الفنان الكبير والقدير الراحل (فريد شوقي)، الذي كان من أحب النجوم إلى قلوب الناس على اختلاف مستوياتهم، وأكبر دليل على ذلك أنه النجم الوحيد الذي ظل متربعا على قمة فنه بفضل من أحبوه لمدة تزيد عن نصف القرن من الزمان، وقد كان – رحمه الله – لا تفارقه البسمة وضحكته الصافية المجلجلة الطفولية، وكلمته الشهيرة “ياحياتي” التى كان ينادي بها أصدقاءه.
أثارت إطلالة النجمة (رانيا فريد شوقي) ضجة كبرى في حفل افتتاح الدورة الأخيرة من (مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية) فى شهر مارس الماضي، وذلك بسبب إطلالتها غير التقليدية، حيث ارتدت “وشاحا ” يحمل صورة والدها النجم الراحل فريد شوقي، واختارت “رانيا” هذه الإطلالة خصيصا لأن المهرجان يكرم والدها ضمن فعالياته في مناسبة مرور 100 عام على ميلاده، وقد نالت الفكرة إعجاب جميع الحضور، وحرصت رانيا على التقاط العديد من الصور مع زملائها وأصدقائها معبرة عن سعادتها بملابسها من ناحية ، ومن ناحية أخرى فخرا بأبيها الملك الذي توج على عرش النجومية لأربعة عقود بلا منازع.
رانيا فتحت دولابها لـ (شهريار النجوم) لتتحدث عن وشاح أبيها ودلالات تصميمه وماذا يعني لها ارتداءه في هذه المناسبة، وفي البداية قالت عن هذا الوشاح الذي يمثل دلالة رمزية في الاحتفال بمئوية والدها (فريد شوقي):
الفكرة خطرت على بالي بالطبع عندما تحدث مسئولى المهرجان عن تكريم أبى وعلى الفور اتصلت بالمصمم المصري العالمي (هاني البحيري) وتحدثت معه بشأن تصميم فستان عليه صورة أبي لهذه المناسبة، لكنه فضل أن يكون وشاحا في شكل عباءة كما يبدو عليها من المشاهدة الأولى، والحقيقة أنه جاء بشكل فني جميل ومعبر عن شخصية الفنان الكبير الراحل فريد شوقي، أما عن نوع القماش فليس لدي معرفة أوخبرة به، لكني أظنه من الستان اللامع قليلا، حيث يضيئ في الليل ليعكس رونق وبهاء صورة والدي، وهذا ينم عن براعة اختيار هاني البحيري طبقا لمواصفات الوشاح.
كوكبة من النجوم إلى جوار رانيا في مئوية الملك
والوشاح كما نشاهده من خلال الصور يعكس حالة فريد شوقي السينمائية، حيث توجد عليه كاميرات تصوير سينما، ولوحة الكلاكيت وشريط السلوليد، لتؤكد حب وعشق الملك للفن السابع، وكذلك بعض الأدوات الأخرى التي تتعلق بالمهنة، وقد كان لدي شعور وفخر وخاص وأنا ارتدي هذا الوشاح، لأني أحمل على عاتقي تاريخ فنان وإنسان عظيم استطاع أن يعبر عن المواطن المصري والعربي بكل حالاته الإنسانية (الموظف البسيط، الشرير، القاتل بدوافع وظروف قاسية، الضابط في انضباطه ورباطة جأشه، الفلاح البسيط في أرضه، العامل المكافح من أجل لقمة عيشه، الإنسان الفقير والمضهد من مجتمعه، القوي العنيد، الضعيف المستكين، والعشق الحالم) وغيرها من تلك الشخصيات التي جسدها فريد شوقي في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية لتبقى ساكنة في نفوسنا جميعا.
ولهذا – تضيف رانيا – : كانت تعليقات الناس ونظرات الإعجاب كبيرة للغاية، بدليل عندما ظهرت به في افتتاح مهرجان الأقصر حاز على إعجاب رواد المهرجان من النجوم والجمهور الذين تفاعلوا مع الحدث، وقاموا بالتقاط صور تذكارية لتسجيل اللحظة الفارقة في عمري، لحظة وفاء وتقدير لفنان قدير ولد قبل 100 عام، وقدم لبلاده الكثير من الأعمال الفنية الخالدة، لذا كنت حريصة على أن أظهر بهذا (اللوك) المميز الذي يشبه وشاح (القضاة – المحامين – أساتذة الجامعة) وغيرهم من أصحاب المهن الإنسانية العظيمة إنطلاقا من شعور بداخلى أنه سيكون معنا بروحه، وبالفعل شعرت أنا وزملائي من الفنانين أن فريد شوقي يتحرك بيننا وموجود بقوة في تلك اللحظات النورانية، يعيش معنا لحظة الوفاء له ولتاريخه الفني المشرف.
وأحب أن أشير هنا إن أي فكرة فيها تعبير عن الحب والوفاء والامتنان لقاماتنا الفنية تعتبر حاجة إنسانية ضرورية ملحة بين الحين والآخر لتكريم الرواد، خاصة أن فريد شوقي ليس نجما عاديا، لكنه يمثل قامة فنية كبيرة في حياتنا بحكم أنه كان (الملك) المتوج على عرش السينما، وهو في نفس الوقت كما كان يطلق عليه (ملك الترسو)، وهنالك ألقاب عديدة أطلقت عليه مثل (وحش الشاشة) وغيرها من ألقاب تمثل حالة خاصة جدا في مجتمعنا المصري وفي كافة الأنحاء العربية، فريد شوقي قيمة وقامة كبيرة وتاريخ عظيم أثرى حياته الفنية بالعديد من الأعمال التي كان لها أثر إيجابي في حياة المصريين من خلال تغيير قوانين كان لها أثر سلبي على شكل وملامح المجتمع والناس، وذلك عندما طرح قضايا تمس الشارع المصري وتعبر عن جوهره الفطري البسيط، بحيث تشعر مع أدائه التلقائي أنه أبوك أو عمك أو أخوك أو جدك ، إنه باختصار فنان الشعب الصادق في أدائه وهو اسم على مسمى .. هو فعلا فريد.
وأحب أن أقول إنه في مناسبة تكريم النجوم الذين أثروا حياتنا الفنية هناك أفكار كثيرة غير الوشاح والفساتين وغيرها من أزياء من شأنها تخليد الفنانين، فالأمر لم يعد يقتصر على شكل (شنط) عليها صورة فريد شوقي أو غيره كثير من الفنانين الآخرين، بل هناك أفكار مثل ورق الحائط، وهذا تقليد عالمي وليس محلي فقط وأيضا صواني وأباجوارات، كل أدوات البيت والأكسسوارت وأدوات زينة المرأة والرجل، غير أدوات التجميل التي تتخذ من أسماء النجوم علامات تجارية تخلد ذكراهم، وذلك كما لاحظت مع سيدة الشاشة العظيمة الراحلة (فاتن حمامة)، والفنان العالمي (عمر الشريف) كوكب الشرق (أم كلثوم)، غير فريد شوقي طبعا، وهذا كله يعبر عن لمسة وفاء من الجمهور الذي يهتم بذلك تقديرا لتاريخنا الذي مانزال نعيش عليه ونستمتع به رغم مرور كل تلك السنوات.. تحية لروح (الملك) في مئويته وتحية لابنته الفنان الجادة الرقيقة والجميلة (رانيا فريد شوقي).