حكايتى مع ديزنى (22) .. مشاكل .. مشاكل
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
مرت أيام قلائل و بدأنا فى فيلم جديد ، فيلم : ( هرقل ) الذى كان يعتبر وقتها أطول أفلام التحريك زمنياً ، و هو واحد من أجمل الأفلام التى قدمتها ديزنى . و أثناء العمل على اختيار الأبطال رشحت الفنان الكبير” أحمد راتب ” لدور ( فيل ) مدرب هرقل و صديقه ، و الذى قام به الممثل و الكوميديان العالمى دانى دافيتو ، و لكن الفنان الكبير أحمد راتب لم يوافق على إجراء اختبار للصوت ، و لما كنت أراه أصلح ممثل للدور – ووافقنى سمير على هذا – اتفقنا على أن نسجل له الدور كاملا و يتقاضى عنه أجره ، و نبعث بمقاطع ” لتود بليك ” ، و بالفعل سجلنا تقريبا نصف الدور ، و أرسلت الى بليك جزءاً من التسجيل و خطاباً أشرح فيه الموقف ، و أصف له مدى موهبة راتب التى وضعته فى مصاف النجوم ، سائلاً أن يتغاضى عن الاختبار و يحكم على الصوت من الجزء الذى تم تسجيله .
و خلال أيام قليلة فوجئت باتصال تليفونى من تود يسألنى تفصيلياً عن أحمد راتب و هل يشبه دانى دافيتو جسمانياً ، و كم كانت دهشته كبيرة عندما قلت له أنه على العكس تماما ، فتساءل هل هذا صوته أم صوت مستعار ؟ فأكدت له أن هذا صوته الطبيعى فزادت دهشته – فالأصوات الضخمة تصدر عن تجويف صدرى كبير على عكس نحافة الجسم التى يتميز بها راتب – و عندما أكدت لتود أننى أراه الأنسب عربياً للدور وافق على استكمال التسجيل معه على مسئوليتى الشخصية ، ثقة فى رأيي و اختياراتى و أنه سيقدم الشخصية كما ينبغى . و عندما حضرت مسئولة مكتب ديزنى رويت لها المكالمة – بطيب خاطر – و قلت لها أن هناك بعض التعديلات على التسجيل السابق فى عدة مواضع و ذكرت بالتفصيل العيوب التى تحتاج لتعديل سواء فى الأداء التمثيلى أو تقنيات التسجيل . و اذا بتقرير يصلنى من ديزنى حول تسجيل دور فيل لأحمد راتب فيه كل الملاحظات التى قلتها بالضبط !!!!، و اندهشت عندما وجدت أن الايميل مرسل من مكتب القاهرة إلى ديزنى – و نسخة للاستوديو – و كأنها ملاحظات المكتب التى يجب تعديلها !!!!.
كانت تلك الواقعة شديدة الغرابة بالنسبة لى ، و لم أجد لها تفسيراً سوى الضيق من علاقتى المباشرة بتود و موافقته على اختياراتى و تحملى لمسئولية هذه الاختيارات ، ثم فوجئت بما هو أنكى : أن مسئولى مكتب القاهرة بدأوا فى الحضور أثناء التسجيل و الجلوس فى المقاعد الخلفية و تدوين الملاحظات ، فى حين أن تود شخصيا استأذننى قبل دخول الاستوديو.
ذهبت إلى سميرغاضبا و قلت له أننى لا أحب التفتيش و لا المفتشين . قال لى أن هذا عملهم : متابعة التسجيلات .
قلت : متابعة التسجيل تعنى أن يجلسوا فى مكتبك و يسألوا عن الجداول و ما تم إنجازه و ليس معناه التواجد داخل الاستوديو اثناء العمل .
قال : من حقهم كتابة تقارير عن العمل .
قلت : عندما انتهى يصبح من حقهم كتابة ملاحظات كما يشتهون ، أما أثناء العمل فأنا أعرف ماذا سأصنع و أى المواقف سأعيد تسجيلها و لا حق لهم قبل أن أقول أنتهيت .
قال : و لكنى لنأاستطيع أن أمنعهم من حضور التسجيل .
قلت : إذن سأمنعهم أنا بطريقتى .
و فى المرة التالية – و عند دخول مسئولى المكتب الى الاستوديو – أصدرت أمرى بأن يأخذ الجميع استراحة و غادرت الاستوديو . بعدها أبلغنى مهندس الصوت بأنهم يريدون سماع ماتم تسجيله قلت لم انته منه بعد ، و رفضت أن يستمع أحد فى أوقات التسجيل ، و طلبت أن يُحددوا موعداً مع الاستوديو فى غير مواعيد عملى ، و حتى عندما استكملت التسجيلات لجميع الشخصيات و عدلت ما كنت أود تعديله مع أحمد راتب ، أوصيت مهندسى التسجيل أن يُسمعوا مكتب ديزنى التسجيل القديم ، و أرسلت الى ديزنى الفيلم المعدل ، و عندما أصدر المكتب هنا ملاحظاته كانت إجابة بليك ( لم نجد تلك الملاحظات ).
و لم ينته الأمر بانتهاء هذا الفيلم ، فقد حاولوا عدة مرات التدخل فى عملى أو فرض طريقتهم فى التعامل ، حتى أنهم تدخلوا فى ترشيحات الأصوات ذات مرة ، فأجريت اختباراً للأصوات التى رشحوها و تركت لديزنى القرار ، و لكن كانت اختياراتى أصوب ، و هكذا بدأت حرب باردة بينى و بين مكتب القاهرة كنت أحاول خلالها الحفاظ على أن يسير عملى كما أهوى و بطريقتى ، و الفيصل كان “تود بليك ” الذى لم يخذلنى و لم يطلب إعادة تسجيل أى مقطع فى أى فيلم توليت إخراجه .
و لكن فى قلب تلك الأحداث كانت أحداث أخرى تجرى ، فذات مرة صارحت سمير بأن أجرى لم يتغير منذ بدأنا الدوبلاج و حتى الآن برغم أن أجرى فى المسرح تضاعف حوالى 5 مرات فى نفس الفترة ، و إذا به يصارحنى بأن الميزانيات تقلصت !! ، إندهشت بشدة ، فقناة ديزنى انطلقت و لابد أنهم فى احتياج لمواد كثيرة فكيف يقلصوا الميزانيات ؟ ، فكان الرد أن مكتب ديزنى بالقاهرة أصبح يعرض الأفلام على الاستوديوهات ، و يقبل أقل سعر يصل إليه .
قلت له : دون اعتبار للخبرة أو الكفاءة أو الامكانات التقنية ؟
قال : كلها أصبحت أمورا ثانوية بجانب تقليص الميزانيات . لقد فعلوا هذا فى المسلسلات ووزعوها على عدة استوديوهات معظمها لا يملك إمكاناتنا التقنية و الفنية ، و فسرت الأمر بأن القناة التى تم افتتاحها تزيد من الطلب على الأعمال المدبلجة ، و رأيت إنه ربما يتنازلون قليلا فى الناحية الفنية ، أما الأفلام فلم أتوقع هذا على الإطلاق .
قلت له : الآن فهمت سر الفيلم الذى وصلنا متأخرا ، لابد أنه ذهب إلى استوديو آخر و عندما انتهى و ظهرت نتيجته لجأوا إلينا لننقذهم ، و لم يعقب هو و لكننى لاحظت ضيقه من المواقف بينى و بين المكتب ، و أحسست أنى بعد أن كنت عاملاً للنجاح ، ربما أصبحت عبئا عليه .
و الحقيقة أننى لم أكن المخرج الوحيد الذى اصطدم بهذا المكتب ، فذات مساء جاءنى اتصال من شخص عزيز يطلب منى استكمال أحد الأفلام فى استوديو آخر اعتذر مخرجه قبل استكماله ، و عندما تساءلت عن المخرج و لماذا اعتذر فوجئت بأنه المخرج السينمائى الكبير الدكتور سمير سيف و هو شخص هادئ و دمث و لا يمكن أن يثير مشكلة على الإطلاق ، و لكنه ترك العمل لصدامه مع المكتب بسبب ملاحظاتهم الدائمة و شبه اليومية قبل أن ينتهى من العمل ، فطلبت فرصة للاتصال بأستاذنا الدكتور سمير لعلى أثنيه عن قراره ، و لما فشلت استأذنته فى استكمال الفيلم ، و عندما أذن لى كان شرطى الوحيد للاستوديو هو عدم تواجد أى فرد من المكتب فى أوقات عملى حتى أنتهى من الفيلم كاملاً .
و تدريجياً تحول الدوبلاج من فن أمارسه باستمتاع الى مصدر قلق و متاعب و حروب صغيرة لا تليق ، سببت توترا بينى و بين شريك الأيام الجميلة سمير حبيب خاصة فى غياب البلسم الشافى لكل المشاكل عم عبد الرحمن ، و راودتنى أسئلة ملحة : مالذى يبقينى فى هذه المجال ؟ قريباً يختفى أيضا العبقرى تود بليك ، فهل أستمر ؟ و لماذا ؟
الحقيقة أننى ترددت طويلاً ، و احتملت كثيراً ، حتى لا ألوم نفسي أو أحس بالتقصير فى حق صديق ، حتى استيقظت ذات يوم على صورة تملأ الصحف ، أجبرتنى على الاعتذار.