“حكاية شعب”.. أغنية لحنها “كمال الطويل” تحت “البطانية”
* “أحمد شفيق كامل” ترجم الحرب على “عبدالناصر” إلى كلمات لا تلحن على الإطلاق!
* عبدالحليم حافظ أيقظ مارد التحدي وأصر على تلحيني لكلمات الأغنية رغم صعوبتها
* عند إذاعتها أول مرة طلب إعادتها كلا من”محمد حسنين هيكل، ومصطفى أمين، وكمال الدين حسين”.
كتب : أحمد السماحي
أدرك الرئيس الراحل “جمال عبدالناصر” قيمة الفن منذ البداية واستخدمه للوصول إلى المواطنين وتمرير قراراته السياسية، ورفع الروح المعنوية والانتماء إلى الدولة وحاكمها، فعندما أراد “عبد الناصر” رفع أسهم الجيش المصري لدى المواطنين، اقترح على الفنان الكوميدي الراحل “إسماعيل ياسين” نظرا لحب الشعب له، القيام بسلسلة من الأفلام الكوميدية عن الجيش عام 1955، ولم تكن السينما البوابة الفنية الوحيدة التي استخدمها “عبد الناصر”، بل استخدم الطرب أيضا، فكانت “أم كلثوم وعبدالحليم حافظ” جناحيه اللذين طار بهما إلى الجمهور العريض وسخرهما لخدمة الثورة والتغني بأهدافها ومشروعاتها.
وعندما نذكر أغنيات ثورة 23 يوليو لابد أن نتذكر على الفور،الثلاثي الرائع الذي قدم أغنيات وطنية كثيرة هامة، هذا الثلاثي يتكون من “عبدالحليم حافظ، كمال الطويل، صلاح جاهين” ومعهم الموسيقار والموزع العبقري “علي إسماعيل”، لكن هذا لا يمنع من وجود مجموعة أخرى رائعة من الشعراء والملحنيين الذين ساهموا في نهضة الأغنية الوطنية، والتفوا حول الرمز الوطني الثوري الكبير “جمال عبدالناصر”.
ومن الأغنيات التى حققت نجاحا كبيرا عند إذاعاتها أول مرة، ومازال نجاحها مستمرا حتى الآن، محافظا على نفس الوهج الفني، في كل مرة تذاع فيها، أغنية “حكاية شعب”، أو كما يعرفها الجميع ” قلنا هنبني واد احنا بنينا السد العالي”، كلمات الشاعر الكبير “أحمد شفيق كامل”، ألحان الموسيقار الكبير “كمال الطويل”، توزيع العبقري”علي إسماعيل”، عن هذه الأغنية وظروف ولادتها تحدث الموسيقار الكبير ” كمال الطويل” مع أستاذنا الكاتب الصحفي الراحل “محمد الدسوقي” فى حواره الطويل معه في مجلة “فن” اللبنانية في نهاية تسعينات القرن الماضي، فتعالوا بنا نقلب الصفحات ونقرأ ماذا قال ” كمال الطويل” عن هذه الأيقونة الوطنية:
يقول الموسيقار الكبير “كمال الطويل”: تحمست للأغنية حين قرأت كلمات ” حكاية شعب أو السد العالي”، ففي ذلك الوقت كنت متابع الأحداث من خلال الصحف والمجلات، ورأيت كم هى رهيبة وجبارة الحرب التى تم شنها على “عبدالناصر”، وجاء الصديق “أحمد شفيق كامل”، وترجم هذه الأحداث والمواقف إلى كلمات لا تلحن على الإطلاق، كلمات تقرأ ولكن لا تلحن، كانت كل الأحداث فى خيالي ساخنة وحية، وصورة “عبدالناصر” تملأ وجداني، فأمسكت بالكلام، ووجدت أن فكرة الأغنية جميلة، لكن الكلام لا يلحن، وبالرغم من حماسي الكبير، إلا أن الأنفلونزا الحادة التى كنت أعاني منها وقتها كانت تضغط على أعصابي، وإحساسا مني بالمسئولية، وبصديقي “عبدالحليم حافظ”، قلت له: يا حليم إبحث عن شخص آخر ليلحن لك هذا الكلام، أنا لن استطيع أن ألحنه!، فكرة الكلام جميلة، لكن الكلمات تصلح لخطبة أكثر منها لأغنية!
فرد على وقال وهو يضغط على حروف كلماته: يا كمال هذا الكلام لن يلحنه سواك، أنا مصمم، كما أن الرئيس “عبدالناصر” سوف يحضر الاحتفال، ومعه ملوك ورؤساء عرب، وسيتم تحويل مجرى النيل، وسيتم وضع حجر الأساس لبناء السد العالي، كيف لا تشارك فى مناسبة كهذه؟!، قم يا كمال اشتغل”!.
وأيقظ “عبدالحليم” مارد التحدي بداخلي، شجعني وفى لحظة أحسست بقواي كلها تحتشد، وتحديت نفسي والمرض، ودرجة الحرارة التى عانقت الـ 40، وأذكر جيدا أنني كنت مغطى ببطانية ثقيلة، وعلى رأسي بطانية أخرى أرتجف من البرد، فقمت وجلست على البيانو، الموجود في بيتي “بالروضة” فى هذا الوقت، ولحنت الأغنية كاملة، وسلمتها أمانة للعظيم “علي إسماعيل”، هذا الموسيقار الشهم الموهوب، والذي قام بتوزيع اللحن، وقيادة الأوركسترا، وأشرف على البروفات المكثفة على أكمل وجه وكأني حاضر بالضبط، فقد كان الوقت ضيقا للغاية.
وسجلنا الأغنية فى الاستديو، وقلت لـ”عبدالحليم” و”علي إسماعيل” رحمهما الله: أرجو أن لا يكون ما لحنته مجرد هذيان نتيجة الحمى الشديدة”، ولكنهما ضحكا، وطمأناني بقوة، وسافر الجميع إلى أسوان، وبقيت وحدي أمضي فترة نقاهة بعد عناء المرض الشديد، وليلة الحفلة نزلت وجلست على شاطئ النيل استمع إلى الأغنية مثلي مثل الملايين، وبدأ “عبدالحليم” يغني، وبعد لحظات فوجئت بشيئ غريب جدا، فوجئت بالجماهير في الشارع تغني اللحن مع “عبدالحليم”، شيئ لا يتصوره عقل، ولم يحدث لأغنية من قبل، وفوجئت أكثر حين هتف الجمهور في أسوان مطالبا بإعادة الأغنية، وأعادها “عبدالحليم” وكانت هذه هى الأغنية الوطنية رقم “1” التى تعاد أكثر من مرة، وقد قالي لي صديق الإذاعي الكبير “جلال معوض” أن أبرز من طالب بإعادة الأغنية كان “كمال الدين حسين، مصطفى أمين، محمد حسنين هيكل”.