حكايتى مع ديزنى(19) .. الفخرانى يواجه هانكس
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
كان فيلم ( حكاية لعبة ) مختلفا عن بقية أفلام ديزنى فى أشياء كثيرة ، ليس فقط أنه أول فيلم رسوم متحركة مُجسّم ، و لا أنه أول فيلم يتم تحريكه بالكامل بالكومبيوتر ، بل كانت القصة و طريقة تناولها و الهدف منها مختلف أيضا عن طريقة ديزنى المليئة بالجنيات و السحر ، أو الحيوانات الناطقة ، و غايتها انتظار الأمير الوسيم الذى يبحث عن الفردة الأخرى للحذاء ، أو يقبل الأميرة فينفك السحر.
إن حكاية لعبة يبدو للوهلة الأولى فيلماً للأطفال الكبار الذين تخطوا سن الطفولة و المراهقة أيضا ، فهو مليئ بالخيال الجامح باستخدام المفردات العادية فى حياة البشر : من منا لم يكن يملك لعبة فى طفولته إرتبط بها و أحبها ؟ و كم منا أهمل لعبته المفضلة حين حصل على لعبة جديدة ؟ من هذا المنطلق شديد الواقعية بدأ ” جون لاستير ” فيلمه، و لكن أضاف له الخيال فى أن كل الألعاب تتحرك و تتكلم فى غياب البشر ، و صنع لكل لعبة شخصية و أحاسيس و مشاعر و مشاكل بشكل مختلف عن ( قوانين ديزنى ) الراسخة فى صنع أفلام التحريك للاطفال فمن الغريب – مثلا – أن يكون بطل الفيلم هو ممثل الشر فى الجزء الأول عندما يشعر بالغيرة و يحاول التخلص من اللعبة الجديدة ليظل الأثير لدى صاحبه ، فديزنى اعتادت أن تقدم شخصياتها فى أفلام الكارتون إما بيضاء بغير سوء ، أو سوداء بغير بياض .
و تتلخص القصة فى أن راعى البقر ( وودى ) – لعبة الطفل أندى المفضلة و قائد مجموعة الألعاب لديه – تنهش قلبه الغيرة عندما يهمله صاحبه و يرتبط بلعبة جديدة عبارة عن رائد الفضاء ( بظ ) الذى لا يدرك أنه لعبة ، فيحاول راعى البقر التخلص من الوافد الجديد بإخفائه خلف قطع الأثاث ، و لكنه يسقط من شباك الغرفة ، فتظن باقى اللعب أن ( وودى ) يحاول قتل رائد الفضاء ، و يضطر وودى الى رحلة ينقذ فيها ( بظ ) الذى يصاب بالاحباط عند يكتشف انه مجرد لعبة و ليس رائد فضاء حقيقى – فى مشهد من أجمل مشاهد الفيلم – و لكن بفضل وودى الذى يقنع بظ بأهميته كلعبة ، يتعاون الاثنان من أجل الخلاص من المصاعب و الافلات من طفل شرير يدمر اللعب و يعودان الى بيتهما . و يضع الفيلم مجموعة رسائل حول تعامل الأطفال مع اللعب ، و أيضا أن لكل منا هدفه فى الحياة حتى لو كان مجرد لعبة ، و كثير من التمجيد للصداقة .
و يقال أن ديزنى حاولت أن تفرض على بيكسار طريقتها و أسلوبها و تمدها بالملاحظات و تطلب تعديلات حتى انتهت النسخة الأولى من الفيلم التى كانت طويلة و مملة و مخيبة للامال ، و أصر مخرجه على أن يتولى تعديله و وعد بتسليمه فى الموعد المحدد ، و لم يصدقه أحد ، و لكنه بالإصرار و العزيمة أعاد صياغة الفيلم فى وقت قياسى و أعاده الى مساره الأول الذى كان يتمناه ، فنجح نجاحاً كبيراً ، ربما شفى غليله و أعاد له كرامته التى أُهدرت عندما تم طرده من ديزنى فى مطلع حياته حين اقترح استخدام الكومبيوتر فى الرسوم المتحركة ، و لكن بيكسار اقتنعت بأفكاره و ضمته اليها ، ليعود الى ديزنى متوجا بالنجاح من خلال فيلم حكاية لعبة الذى نفذ فيه الأفكار التى طرد بسببها .
و عندما بدأنا العمل على الفيلم أصرت الشركة الموزعة ( ديزنى الشرق الاوسط ) على وجود نجمين فى الأدوار الرئيسية – و فاتها أن اكو ساوند كانت بالفعل تتعامل مع كبار النجوم حتى دون أن تطلب الشركة ذلك – و لذا اجتمعت فى هذا الفيلم أضخم مجموعة من النجوم من كل الأجيال و الأعمار ، فمن الجيل القديم كان هناك ” طيبة القلب التى تسير على قدمين ” : الفنان الكبير محمد عوض بكل تاريخه ، و أيضا بكل تواضعه و التزامه ، و من الجيل الأحدث كان رأس الحربة الفنان القدير يحيى الفخرانى و بجواره الفنان الكبير أحمد بدير ، و من الأجيال الشابة كانت هناك النجمة منى زكى و النجم هانى رمزى ، إلى جانب فنانين كبار و زملاء أعزاء شاركونا فى أفلام سابقة كالدكتور سامى صلاح و زايد فؤاد و سلوى محمد على و لذا كانت التجربة ممتعة و نتائجها رائعة .
كانت المتعة فى رؤية كل ممثل و هو يحاول أن يتفوق على نفسه و على الأصل ، فكثيراً ما كان الدكتور يحيي – على سبيل المثال – يطلب إعادة التسجيل فى مناطق كنت أرى أنه أداها بشكل رائع ، و لكنه يقول : أنا حاسس إنى ممكن أعملها أحسن . و يعيد التسجيل ليقدم بالفعل أداءً أروع ، برغم أنه فى أول يوم عمل حدثت بينى و بينه المشكلة التقليدية ، فعندما طلبت منه إعادة إحدى الجمل بطريقة مختلفة قال لى فى حدة : عصام .. أنا مش هاقلد الأصل ، حتى لو كان توم هانكس . قلت له على الفور : و من طلب منك تقليد الأصل ؟ أنا أطلب منك الالتزام بنفس إحساس الشخصية المرسومة . فلا يمكن أن تكون هى فى وادى و نحن فى وادى آخر . قال : معلش سيبنى اعملها بطريقتى . و لكنه فى اليوم التالى جاء من تلقاء نفسه ليقول لى أنه شاهد الفيلم مرة أخرى ، و أننى كنت محقاً فيما قلته من أهمية أن يكون الأداء بنفس إحساس الرسم الموجود ، و يطلب منى إعادة ما تم تسجيله فى اليوم السابق ، و لكنى أخبرته بأننا دائما ما نعيد تسجيل اليوم الأول فى اليوم الأخير ، و علينا أن نكمل و سنعود إليه لاحقاً .
و خلال العمل كثيراً ما كان يتوقف لنتناقش فى دوافع الشخصية و الخيط الرفيع الذى يفصل بين أن يكون شخصية شريرة و بين كون الشخصية وقعت فى الغيرة بسبب اهتمام صديقه باللعبة الجديدة . و لم أر مثله فى الحرص على الإجادة .
على الجانب الاخر كان الفنان الكبير أحمد بدير الذى اضطرته ظروف ارتباطاته أن يكون آخر شخصية فى ترتيب التسجيل ، و صادف أننا انتهينا من كل الشخصيات قبل عيد الفطر ، و قررنا أن نستريح الى ما بعد العيد ، و لكن للأسف طلب أن نسجل فى أحد أيام العيد ، و بالفعل التقينا ظهراً و بدأنا التسجيل ، و بعد مرور الثلاث ساعات المقررة قررنا التوقف ، و لكنه أصر على استكمال العمل ، و لما قلت له أن ديزنى تفضل ألا يزيد وقت التسجيل عن هذه الساعات حتى لا يُرهق صوت الممثل ، قال : يبقى نشتغل لحد ما أحس بالإرهاق . و أمام حماسه وافقت و مضينا فى العمل قرابة الساعة ، و بعدها طلب إيقاف التسجيل لمدة عشر دقائق ، ظننت أنه يريد أن يُدخّن ، و لكننى فوجئت به يخرج من جيبه بضع تمرات و يضعها فى فمه ، و لما سألته عن السبب و هل أحس بهبوط أو ما شابه ، إذا به يفاجئنى بأنه كان صائما ، و بعد انتهاء الدقائق العشر استكمل التسجيل و أنا فى غاية الدهشة من قدرته على العمل لساعات طويلة أثناء الصوم . و بالفعل انتهى بدير من دوره الذى كان مقدرا له أربعة أيام أو خمس فى يومين فقط !
و اكتملت متعة العمل برد فعل ديزنى تجاه الفيلم ، حيث أرسلوا خطاب شكر و إشادة بكل العاملين فيه ، و رسالة شكر خاصة بالنجم الكبير يحيي الفخرانى ، أما النجم احمد بدير فقد احتفت به شركة ديزنى الشرق الأوسط إحتفاءً غير عادى عندما سافر إلى دبى ، و أهدوه لعبة ضخمة متحركة لشخصية ( بظ يطير ) .
و برغم كل هذا النجاح بدأ العد التنازلى لانتهاء علاقتى بديزنى ، و إن كانت انتهت فعليا بعد الجزء الثانى من نفس الفيلم .