سعاد محمد التى تنازلت عن عرش الطرب بسبب أولادها
* ظلمت المطربة نفسها عندما حبست صوتها فى جلباب أم كلثوم
* ولدت لأب مهاجر مصري وأم لبنانية وورثت جمال الصوت من والداها الذي رحل وهي في عامها الأول
* تزوجت من زوجها الأول حتى تهرب من قتل أعمامها لها!
* غنت لكل أساطين التلحين فى مصر ولبنان وسوريا باستثناء”محمد عبدالوهاب”.
* هجرت السينما كممثلة، وحافظت على وجودها كمطربة
كتب : أحمد السماحي
لا يوجد وصف يشرح حالة المطربة الكبيرة “سعاد محمد” التى نحتفل يوم السبت القادم الرابع من يوليو بذكرى رحيلها التاسعة، غير أغنيتها الشهيرة “مظلومة .. يا ناس”، كلمات “محمد على فتوح”، وألحان محمد محسن، والتى قدمتها فى بداية مشوارها الفني، فهذه الأغنية يمكن اعتبارها العنوان الرئيسي الذي يلخص مشوارها فى عالم الغناء، فرغم عذوبة وجمال صوتها الذى أطلت من خلاله على عالم الغناء فى نهاية الأربعينات وسحرت به آلاف الناس، حتى أن كثير من المتخصصين قالوا أنها الوريثة الشرعية لعرش “أم كلثوم”، إلا إنها مع اقتناعها بأن صوتها يؤهلها لهذا فلم تقتنع على الإطلاق بأن عليها أن تدفع ثمن هذا العرش حرمانا من الحب والعاطفة وخفقات القلب البكر!.
أم كلثوم وحلاوة الحب
أكثر من هذا فإن “سعاد محمد” أكدت على رؤوس الأشهاد أن “أم كلثوم” لو ذاقت في شبابها حلاوة الحب، وشعرت بلذة الزواج، لكانت قد أحدثت انقلابا في عالم الغناء، ولما كان فنها يحرك القداسة وحدها في النفوس والقلوب!
الملكة إليزبيث والحب
قيل لها ذات يوم: إن عرش الطرب لا يتسع للحب والزواج، فضحكت وقالت ساخرة: وهل عرش الطرب أهم من عرش انجلترا؟!، فالملكة “اليزابيث” نفسها أحبت وتزوجت، فلماذا يباح للجالسة على عرش أضخم إمبراطورية في العالم ما لا يباح لمن تجلس على عرش الطرب؟!.
تهديد بالقتل
بدأت الطفلة “سعاد محمد” – التى رحل والداها وعمرها عام واحد – ، مشوارها وهى صبية صغيرة فى لبنان، وكانت تنفس عن حبها للغناء فى حفلات النشاط المدرسي، والأفراح العائلية، لكنها – وكما ذكرت لي فى أحد الحوارات – عندما اشتد عودها وأصبحت فى الخامسة عشرــ، وجدت معارضة وصلت للقتل من أعمامها، وشقيقها “أحمد”، لكن ما كان يخفف عليها دعم شقيقها الكبير “مصطفى”، وجارهم الشاعر الغنائي “محمد على فتوح” الذي أحبها واقتنع بصوتها، وحتى ينقذها من معارضة الأهل والقتل تزوجها رغم فارق السن الكبير بينهما، كما ساندها “محيي الدين سلام” مدير الإذاعة اللبنانية، ووالد مطربتنا الكبيرة “نجاح سلام”،.
مرت “سعاد محمد” بنجاحات وانكسارات وهزائم، تعاونت مع أساطين النغم، فكتبت شهادة خلودها، تنازلت لها “فايزة أحمد” عن أغنيتها “أوعدك” فأصبحت نجمة، أطربت الجمهور بـ”وحشتني” فسكنت الذاكرة، وأبدعت فى غناء فيلم “الشيماء” فأطلق عليها لقب “شادية العرب”.
الزواج ثلاث مرات
آمنت مطربتنا بالفن، لكنها لم تؤمن بالحرمان، لذلك ما أن طرق الحب باب قلبها حتى فتحت له، وغرقت فى بحوره، حيث تزوجت ثلاث مرات، الأولى من الشاعر “محمد علي فتوح” الذي تبناها فنيا وعاطفيا، والثانية من المهندس “محمد بيبرس”، والثالثة من “أسعد مرعي”، نصحها البعض بعدم الإنجاب، فكانت تنجب طفلا كل عام، حتى وصل عدد أطفالها إلى “10”، وفوق هذا كانت تغني على المسرح وهى حامل دون أن يؤثر ذلك على قواها الفنية، بل لقد أقسم أحد كبار الموسيقيين أن صوتها يكون في منتهى الجمال والروعة عندما تغني وهى حامل!.
الولادة في بيروت
بعيدا عن أرائها ونجوميتها وزواجها تعالوا بنا نرجع إلى البداية لنعرف تكوين هذه المطربة التى سحرتنا بصوتها، وظلمت نفسها عندما تمسكت طول الوقت بالغناء لسيدة الغناء العربي “أم كلثوم” حتى عندما سافرت فى سنواتها الأخيرة مع دار الأوبرا المصرية إلى أحد الدول العربية وكنت موجودا يومها غنت لـ “كوكب الشرق” رغم مطالبة الجمهور لها بغناء أغنياتها!.
ولدت “سعاد محمد المصري” في “تلة الخياط” في بيروت عام 1926 من أب مصري هاجر من بلدته “أبو تيج” في محافظة أسيوط وسكن لبنان، ومن أم لبنانية، عشقت ” أم كلثوم” منذ طفولتها، وكانت تردد أغنياتها بصفة منتظمة، بعد ذلك تلقت مبادئ الأداء على يد معلمها الأول الموسيقي “حبيب الدندشلي” الذي حفظها الموشحات والأدوار والقوالب الغنائية التراثية، وبعدها كان جهد معلمها الثاني الملحن “إبراهيم علوان”، وكانت أسرتها تستهويها ألحانه، وتتطربها تلك الطقوس الغنائية التى كان يعيشها.
ولأن الفرصة لا تجهل الطريق إلى صاحب الموهبة الحقيقية، تأتي الفرصة لـ “سعاد محمد” كي تعبر عن عشقها لأم كلثوم وحبها لفن الغناء، عندما تشارك وهى فى السابعة عشر فى الحفل الذي أقيم فى دار سينما “روكسي” فى العاصمة بيروت، حيث تغني أغنية “افرح يا قلبي” لأم كلثوم.
بعدها سافرت سوريا وبدأت بغناء الموشحات في إذاعة دمشق في البداية، وبعد ذك سافرت إلي مدينة حلب المعروفة بأنها عنوان الطرب في ذلك الزمن ومدينة الفن والغناء، فحازت على الإعجاب ووصفت بأنها أجمل صوت نسائي سمعوه، ومن حلب اشتهرت وعرفت بصوتها الجميل، ولقد تعهد هذا الصوت الملحن “محمد محسن”، والشاعر الغنائي “محمد علي فتوح” اللذان قدما لها أول أغنياتها ” دمعة على خد الزمن، مظلومة يا ناس، غريبة والزمن قاسي.
فتاة من فلسطين
حققت الأغنيات الثلاثة نجاحا كبيرا وكانت تتردد بانتظام من إذاعات بلاد الشام، وبالمصادفة كانت المنتجة والرائدة السينمائية “عزيزة أمير” وزوجها المخرج “محمود ذوالفقار” فى لبنان لتصوير بعض مشاهد فيلمهما “فوق السحاب”، فيسمعا صوتها وينال إعجابهما، لكن ما إن يراها “محمود ذوالفقار” حتى يرفض أن تعمل في السينما، لكن المنتجة “عزيزة أمير” تقتنع بها جدا، لأن ملامحها بريئة وستقنع الجمهور بعدالة القضية الفلسطينية، وبالفعل يوقعا معها عقد الفيلم في لبنان.
وبعد أسابيع قليلة تنزل “سعاد محمد” إلى مصر، وتشارك فى بطولة فيلم “فتاة من فلسطين”، ويعرض الفيلم في شهر نوفمبر عام 1948 ويحقق نجاحا كبيرا، بسبب موضوعه الساخن الذي يتناول بداية الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبسبب صوت وأغنيات “سعاد محمد”، بعد هذا الفيلم تقدم فيلم آخر بعنوان “أنا وحدي”، ثم تهجر السينما كممثلة لكنها تظهر كصوت في فيلمي “شهيدة الحب الإلهي” و” الشيماء”.
أبرز الملحنيين الذين تعاونت معهم
تعاونت “سعاد محمد” مع أساطين النغم مثل “زكريا أحمد، محمد القصبجي، رياض السنباطي، محمود الشريف، أحمد صدقي، محمد الموجي، بليغ حمدي، كمال الطويل، محمد فوزي، محمد سلطان، حلمي بكر، خالد الأمير، عبدالعظيم محمد، توفيق الباشا، محمد محسن، حليم الرومي، فريد الأطرش، وغيرهم من الملحنين.
عبدالوهاب شايف نفسه
الوحيد الذى لم تتعاون معه مطربتنا الكبيرة كان الموسيقار محمد عبدالوهاب، وفى حوار دار بيني وبينها نشر فى مجلة ” الأهرام العربي” سألتها عن سر عدم تعاونها مع عبدالوهاب فقالت وهى حزينة وغاضبة: عبدالوهاب كان شايف نفسه!، وكل ما أقوله عايزة لحن يتهرب مني ويقولي: هاتي كلام حلو يا سعاد وأنا ألحنه، والسؤال هل نجاة وفايزة وورده وعبدالحليم وغيرهم من الذين تعاون معهم كانوا هم الذين يأتون له بالكلام؟! مستحيل طبعا!، رغم أني عندما غنيت دور “أنا هويت وانتهيت” لأستاذه وأستاذ الكل “سيد درويش” أاصل بيا وقال لي : إيه اللى عملتيه ده يا مفترية يا ظالمة فى دور أنا هويت”؟، فردت عليه: عملت ايه يا أستاذ، هو أنا ما غنتش حلو؟، فقال لي: “أنت قضيتى على الدور ده!، ماحدش غيرك حيقدر يغنيه بعدك أنت كنت عظيمة يا سعاد ربنا يديلك الصحة”، وبعد كده لا حس ولا خبر ولا لحن ولا يحزنون! وأضافت بحزن: تسمى ده ايه يا أستاذ؟ هو أنا أقل من فايزة ولا وردة ولا ولا”.
رحم الله مطربتنا الكبيرة صاحب الصوت الماسي الذي لم تحسن استخدامه، لكنها كانت راضية وسعيدة بأولادها وتعتبرهم “عزوة” وسند لها في حياتها.