رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

آل باتشينو .. مفيش فلوس للأتوبيس!

طارق عرابي

بقلم الدكتور: طارق عرابي

في بداية التسعينات عندما حكى لي “عمي غانم” عامل البوفيه بمسرح السامر عن معاناة النجم “أحمد زكي” في بداية حياته بالقاهرة وأنه كان يلتف بحصيرة أو بأي شيء متاح كغطاء وينام ليلاً على خشبة المسرح في شدة برد الشتاء لأنه لا يملك نقوداً لإيجار أرخص غرفة بأقل حي شعبي في القاهرة ، تعجبت واستوقفني ذلك وجعلني أنظر على نجومية “أحمد زكي” وموهبته الطاغية في السينما المصرية آنذاك (بداية التسعينات) ثم أعود إلى الزمن الذي حكى عنه “عمي غانم” وأحاول تقليص الفجوة التي أوجدت بعقلي نفقاً منيعاً بين الحالتين في الزمنين المختلفين ، ورحت أسأل نفسي: هل تحمل أحمد زكي كل هذه الظروف القاسية لأنه كان يرى شيئاً ما .. لا يراه غيره؟! هل إيمانه بموهبته وبحلمه وطموحه وثقته في عقله المستنير – العقل النهم للمعرفة – ويقينه في عدل الله هو ما جعله يتحمل كل هذه المآسي؟! لقد علمني ما حكاه “عمي غانم” دروساً لن تنتهي قيمتها بالنسبة لي إلا بنهاية حياتي ، وقد استخلصت من حكايات “عمي غانم” عن الظروف القاسية التي عاشها نجمنا العظيم (الراحل – الباقي) أحمد زكي أنه مهما قست الظروف علينا ومهما ظهرت على ملامح وجوهنا علامات وبصمات قسوة الحياة ، فثَمَةَ شيءٌ جميلٌ بداخل كل إنسانٍ أو فنانٍ أوموهوبٍ “حقيقي” لا يمكن لأية ظروف أن تنال منه ، ذاك الشيء الجميل هو الحب والأمل والشغف واليقين ، وهى أسلحة تفوق في قوتها أسلحة أقوى دول العالم ، فهى مولدات الرغبة الحقيقية لتحقيق النجاح والتميز عند “الكائن الإنساني”. إن القوة العظمى الحقيقية بين البشر تكمن أولاً داخل النفس البشرية.

لم يَشْكُ الشاب الفقير “أحمد زكي” آنذاك بل ظل يسير بقدمين مُتعبتين ويتقدم خطوة وراء الأخرى ، شاخصاً بعينيه نحو إطار النجاح والتميز فصار الفنان العظيم “أحمد زكي” ، وكذلك لم يَشْكُ “آل باتشينو” عندما ضاقت به دروب البداية لأنه كان يُبصر وسط كل الظلام الذي حوله ضوء ذاك الإطار الذي كان يراه الراحل الباقي “أحمد زكي” منذ بداية مشواره، وهنا يبدو تشابه كبير في قصته مع قصة النجم الهوليودي العظيم “آل باتشينو” موضوع حلقة هذا الأسبوع.   

آل باتشينو في مشهد من آخر أعماله التي لم تعرض بعد بسبب جائحة كورونا .. فيلم Axis Sally إنتاج 2020

آل باتشينو .. البداية خجل وفشل وفقر وإحباط!

وُلد ألفريدو باتشينو “آل باتشينو” Al Pacino في شهر أبريل من عام 1940 بمدينة نيويورك الأمريكية لأبوين من المهاجرين الإيطاليين من صقلية لأمريكا ، وانفصل والده عن والدته وتطلقا وهو مازال طفلاً صغيراً بدأ لتوه خطواته الأولى في تعلم السير على القدمين ، وانتقل والده إلى ولاية كاليفورنيا بينما بقي “آل باتشيتو” وتربى مع والدته وجديه ، وعلى الرغم من أنه كان شديد الخجل في طفولته فإن رغبة التمثيل قد راودته منذ أن كان في العاشرة من عمره. وبناءً على رغبته في أن يصبح ممثلاً ، التحق الفتى “آل باتشينو” بالمدرسة الثانوية للفنون المسرحية ، لكنه أخفق فيها وفشل في معظم صفوف دراسته وترك المدرسة وهو في السابعة عشر من عمره دون أن يُتِم دراسته الثانوية.

بعد أن ترك المدرسة ، عمل “آل باتشينو” في وظائف متنوعة كي يتعلم كسب قوت يومه ، ثم انتقل إلى بلدة “جرينتش فيليدج” Greenwich Village بنيويورك في عام 1959 ساعياً نحو تحقيق حلمه في فن التمثيل ، وبدأ “آل باتشينو” دراسة المسرح باستوديو “هربرت بيرجوف” HB Studio وهي مؤسسة غير ربحية تأسست عام 1945 بمدينة نيويورك وتقوم على التبرعات والعمل التطوعي من قِبل مدربي وأساتذة التمثيل.

أثناء تلك الفترة عاش “آل باتشينو” حياة فقر مؤلم وأصيب بحالة ممتدة من الإحباط والاكتئاب لأنه لم يكن يملك حتى نقود “تذكرة الباص” ليذهب إلى مكان اختبارات أو تدريبات التمثيل وقد صرح بنفسه أنه كان يلجأ إلى اقتراض نقود تذكرة انتقاله لمكان تدريبه على التمثيل.

بدأ “آل باتشينو” مسيرته الفنية بالتمثيل على خشبة المسرح منذ عام 1963 ، وأخيراً حظى “آل باتشينو” عام 1966 بقبوله كمتدرب في “استوديو الممثلين” الشهير Actors Studio بنيويورك ، وهناك تتلمذ على يد مدرب التمثيل المرموق آنذاك “لي ستراسبرج” Lee Strasberg ، ومن هذا الاستوديو كانت خطوة “آل باتشينو” الأولى ليضع قدمه على طريق الاحتراف الحقيقي للتمثيل حيث أهلَّه ذلك ليشارك عام 1968 بالتمثيل في حلقة واحدة بالموسم الثاني (موسم 1968) من المسلسل التلفزيوني الشهير عن شرطة نيويورك N.Y.P.D.  ، ثم شارك عام 1969 بدور مهم في مسرحية Does a Tiger Wear a Necktie? على أحد مسارح برودواي الشهيرة ، وفاز عن دوره في هذه المسرحية بجائزة “توني” Tony Awards وهي جائزة التميز في الآداء المسرحي في برودواي.  

بدأ “آل باتشينو” مسيرته السينمائية عام 1969 بالمشاركة في فيلم Me, Natalie ، ومنذ ذاك التاريخ وحتى عامنا الحالي 2020  قدم “آل باتشينو” عدد 53 عملاً سينمائياً كان آخرها فيلم Axis Sally الذي انتهى من تصويره وينتظر عرضه انتهاء جائحة كورونا العالمية ، وهو فيلم يدور حول إمرأة تُدعى “أكسيس سالي” كانت تبث دعاية ترويجية للنازية أثناء الحرب العالمية الثانية.

بعد أن نمر سريعاً على نقطة انطلاق “آل باتشينو” في عالم السينما سأتناول بمزيد من التفاصيل عبقرية آدائه في إثنين فقط من بين أروع وأمتع  أدواره على الإطلاق وهما شخصية “مايكل كورليوني” في سلسلة الفيلم العظيم “الأب الروحي” The Godfather (ثلاث أجزاء) وشخصية الكولونيل الأعمى المتقاعد “فرانك سليد” في فيلم Scent of a Woman .

آل باتشينو مع كيتي وين في أول بطولة سينمائية له .. فيلم The Panic in Needle Park عام 1971

في عام 1971 يحين موعد أول بطولة سينمائية للشاب “آل باتشينو” في فيلم The Panic in Needle Park حيث يلعب دور “بوبي” مدمن الهيروين الذي يعيش بمنطقة تقع بأعالي غرب مانهاتن في نيويورك ولأن هذه المنطقة يتجمع بها المدمنون فقد اكتسبت إسم الشهرة “نيدل بارك” Needle Park ، ويلتقي الشاب “بوبي” بفتاة مشردة تُدعى “هيلين” (الممثلة كيتي وين) ويقعان في الحب سوياً ، وتتحول هيلين لاحقاً إلى مدمنة هيروين ، ويتسبب إدمانهما في تدمير حياتهما حيث يدفعهما الاحتياج الشديد للهيروين والمال إلى دخول دوائر لا تنتهي من اليأس وبالتالي الدخول إلى عالم الخيانة والجريمة. لفت آداء “آل باتشينو” بهذا الفيلم إنتباه المخرج العبقري “فرانسيس فورد كوبولا” الذي منحه فرصة ذهبية للمشاركة في النسخة الأولى من فيلم “الأب الروحي” مع النجم الكبير “مارلون براندو”.

في عام 1972 يشارك “آل باتشينو” في النسخة الأولى لفيلم The Godfather مع النجم الكبير آنذاك “مارلون براندو” وبمشاركة كل من الممثل القدير “روبرت دوفال” و الممثلة “دايان كيتون” والممثل “جيمس كان” والممثلة “تاليا شاير” وآخرين. ويلعب “آل باتشينو” دور “مايكل كورليوني” الإبن الأصغر في عائلة الجريمة الأمريكية – ذات الأصول الإيطالية – بقيادة والده الملقب بالدون “فيتو كورليوني” (مارلون براندو) ، ورغم محاولات الإبن الأصغر “مايكل” اتخاذ مسار مغاير لمسار العائلة إلا أنه في نهاية المطاف ينضم على مضض إلى نفس المسار ، ورغم محاولة الحفاظ منه على إحداث توازن بين عمله وعلاقته بزوجته “كَيي” (دايان كيتون) إلا أن قدميه تأخذه إلى ما هو أعمق في مسار عالم جرائم المافيا.

آل باتشينو مع دايان كيتون في الجزء الأول من فيلم The Godfather عام 1972
الدون مايكل كورليوني (آل باتشينو) في الجزء الثاني من فيلم The Godfather عام 1974
آل باتشينو مع أستاذه في التمثيل لي ستراسبرج في الجزء الثاني من فيلم The Godfather عام 1974
الدون مايكل كورليوني (آل باتشينو) في الجزء الثالث والأخير من فيلم The Godfather عام 1990

تم إنتاج النسخة الثانية من “الأب الروحي” عام 1974 مع تطوير شخصية “مايكل كورليوني” والذي يصبح الدون “مايكل كورليوني” (آل باتشينو) حتى الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة السينمائية الناجحة والتي يعتبرها النقاد من بين أعظم الأفلام السينمائية على مر العصور ، وكان بين الوجوه الجديدة على النسخة الثانية من الفيلم الشاب الصاعد آنذاك “روبرت دي نيرو” ، ثم جاءت النسخة الثالثة من الفيلم “الجزء الثالث والأخير” عام 1990 وكان من بين الوجوه الجديدة على هذه النسخة الممثل الصاعد آنذاك “أندي جارسيا” الذي لعب دور “فنسنت” إبن “سوني” الشقيق الراحل للدون “مايكل كورليوني” (آل باتشينو) ، وكذلك شاركت الشابة الصاعدة آنذاك “صوفيا كوبولا” بالتمثيل في هذا الفيلم حيث لعبت دور “ماري” إبنة الدون “مايكل كورليوني” وحبيبة إبن عمها “فنسنت” التي ماتت في نهاية الفيلم بفعل طلق ناري كان يستهدف والدها “مايكل كورليوني” ، وصوفيا كوبولا هي إبنة المخرج “فرانسيس فورد كوبولا” وهي متعددة المواهب حيث مارست كتابة السيناريو والإخراج وفازت عام 2004 بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو عن الفيلم الذي كتبته وأخرجته وشاركت في إنتاجه عام 2003 بعنوان Lost in Translation كما ترشحت لجائزتي أوسكار عن نفس الفيلم كأفضل إخراج وأفضل فيلم (إنتاج). كما شارك الممثل القدير “إيلي والاش” في النسخة الثالثة من فيلم “الأب الروحي” حيث لعب دور الدون “ألتوبيللو” الصديق العجوز والخائن للدون “مايكل كورليوني”. القصة الأصلية “الأب الروحي” كتبها “ماريو بيزو” ، وقد تعاون مع مخرج فيلم “الأب الروحي” (فرانسيس فورد كوبولا) في كتابة سيناريو الأجزاء الثلاث من الفيلم.         

الدون مايكل كورليوني (آل باتشينو) وعائلته مع رئيس أساقفة الفاتيكان في الجزء الثالث من فيلم The Godfather عام 1990

ترشح الجزء الأول من “الأب الروحي” إنتاج 1972 لعدد 11 جائزة أوسكار فاز منها بثلاث جوائز وهي أفضل سيناريو من نصيب كل من “ماريو بيزو” و”فرانسيس فورد كوبولا” ، وأفضل فيلم من نصيب المنتج “آل رودي” ، أما جائزة التمثيل فقد فاز بها “مارلون براندو” كأفضل ممثل في دور رئيسي. وكان من بين الترشيحات “آل باتشينو” كأفضل ممثل في دور مساعد ، “روبرت دوفال” كأفضل ممثل في دور مساعد ، “جيمس كان” كأفضل ممثل في دور مساعد و “فرانسيس فورد كوبولا” كأفضل إخراج.

وقد حدث أمرٌ عجيب ونادر الحدوث بخصوص جوائز الأوسكار ، حيث كان من بين الترشيحات للجزء الأول من فيلم “الأب الروحي” جائزة الأوسكار كأفضل موسيقى أصلية لفيلم وكان الترشح لصالح الموسيقي المعروف “نينو روتا” ثم اكتشفت لجنة الأوسكار لاحقاً أن الموسيقى ليست أصلية وأنها إعادة استخدام وتعديل لموسيقى تم استعمالها من قبل ، وعليه قررت اللجنة أنه غير مؤهل Ineligible وتم سحب الترشح ومُنح حق الترشح لجائزة أفضل موسيقى أصلية لفيلم Sleuth كبديل ، وهو فيلم من إنتاج نفس العام 1972 وكان الترشح لإسم الموسيقي الشهير “جون أديسون”. وما زاد الأمر عجباً واستغراباً أن “نينو روتا” فاز عن نفس الموسيقى للجزء الأول من “الأب الروحي” بجائزة جولدن جلوب “كأفضل موسيقى أصلية لفيلم” !!! ، وفاز كذلك عن نفس الفيلم بجائزة المخرج والكاتب البريطاني الراحل “أنتوني أسكويث” المخصصة لموسيقى الأفلام من جوائز BAFTA ، ودعني أضيف لك عجباً بعدما أخبرك أن “نينو روتا” فاز في الجزء الثاني من “الأب الروحي” بجائزة الأوسكار “لأفضل موسيقى أصلية لفيلم” ولم يحضر وتسلمها شريكه في تأليف الموسيقى “كارمين كوبولا” وهو والد المخرج “فرانسيس فورد كوبولا”.

وقد ترشح الجزء الأول من “الأب الروحي” لسبع جوائز من جولدن جلوب فاز منها بخمس جوائز كأفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل إخراج وأفضل ممثل في دور رئيسي للنجم “مارلون براندو” والفوز الخامس كان كما ذكرنا لأفضل موسيقى ، وكان من بين الترشيحات كل من “آل باتشينو” كأفضل ممثل سينمائي و”جيمس كان” كأفضل ممثل في دور مساعد.

كما ترشح الجزء الأول من “الأب الروحي” لخمس جوائز من BAFTA لم يفز منها إلا “نينو روتا” لأفضل موسيقى كما ذكرنا ، وكانت الترشيحات الأربع الأخرى لأفضل تصميم ملابس ، وأفضل ممثل جديد واعد للنجم الجديد “آل باتشينو” ، وجائزة أفضل ممثل للنجم “مارلون براندو” ، و”روبرت دوفال” لجائزة أفضل ممثل في دور مساعد.

من الجدير بالذكر أن “لي ستراسبرج” الذي درب كلاً من “آل باتشينو” و”روبرت دي نيرو” في بداياتهما قد شارك معهما بالتمثيل في الجزء الثاني من فيلم “الأب الروحي” ولعب دور “هايمن روث” المستثمر الذي كان شريك أعمال الدون الكبير الراحل “فيتو كورليوني” ثم أصبح شريكاً في أعمال إبنه الأصغر الذي أصبح الدون الجديد “مايكل كورليوني” (آل باتشينو). ولم يشارك “لي ستراسبرج” الذي رحل عن عالمنا عام 1995 إلا في ثماني أفلام سينمائية فقط ، ولم يترشح للأوسكار وجولدن جلوب إلا عندما مثل مع تلميذيه “آل باتشينو” و”دي نيرو” في الجزء الثاني من “الأب الروحي”.      

وترشح الجزء الثاني من فيلم الأب الروحي (إنتاج 1974) لعدد 11 جائزة أوسكار فاز منها بعدد 6 جوائز كانت لأفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل إخراج وأفضل ديكور وأفضل موسيقى أصلية كما ذكرنا (نينو روتا و كارمن كوبولا) وقد فاز النجم الصاعد آنذاك “روبرت دي نيرو” بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد ، وكان من بين الترشيحات للأوسكار النجم “آل باتشينو” كأفضل ممثل ولأول مرة “في دور رئيسي” ، والممثل “مايكل جازو” كأفضل ممثل في دور مساعد ، والممثلة “تاليا شاير” كأفضل ممثلة في دور مساعد ، وكما ذكرنا ترشح أستاذ “آل باتشينو” و”دي نيرو” الممثل “لي ستراسبرج” عن هذا الفيلم وللمرة الوحيدة في حياته لجائزتي الأوسكار وجولدن جلوب كأفضل ممثل في دور مساعد. وترشح الجزء الثاني من “الأب الروحي” لعدد 6 جوائز جولدن جلوب كان من بينهم ترشح “آل باتشينو” كأفضل ممثل في دور رئيسي ، كما ترشح عن نفس الجزء “دي نيرو” لجائزة BAFTA كأفضل ممثل جديد واعد وهي نفس نوع الجائزة التي ترشح لها “آل باتشينو” عن الجزء الأول من “الأب الروحي”. 

أما الجزء الثالث من فيلم “الأب الروحي” (إنتاج عام 1990) فقد ترشح لعدد 7 جوائز أوسكار كان من بينها أفضل فيلم وأفضل ديكور وأفضل إخراج وأفضل تصوير سينمائي ، وكذلك ترشح الممثل الصاعد آنذاك “أندي جارسيا” كأفضل ممثل في دور مساعد ، وكذلك الترشح لجائزة أفضل موسيقى وأغنية أصلية لكل من الملحن “كارمن كوبولا” وكاتب الكلمات “جون بيتيس” عن أغنية Promise Me You’ll Remember ، كما ترشح نفس الجزء لعدد 7 جوائز من جولدن جلوب كان من بينهم ترشح “آل باتشينو” كأفضل ممثل في دور رئيسي.

تكلف إنتاج فيلم “الأب الروحي” بأجزائه الثلاث حوالي 73 مليون دولار وجمع عالمياً ما يزيد عن 430 مليون دولار وكان العائد الأعلى من نصيب الجزء الأول عام 1972 بقيمة 246 مليون دولار.

في عام 1992 يقدم “آل باتشينو” واحداً من أروع أدواره على الإطلاق في فيلم Scent of a Woman ، وهي رواية كتبها “جيوفاني أربينو” بينما كتب “بو جولدمان” سيناريو الفيلم الذي أنتجه وأخرجه “مارتن بريست” وترشح عنه لجائزتي الأوسكار الوحيدتين في حياته ، إحداهما كأفضل إخراج والأخرى كأفضل منتج (أوسكار أفضل فيلم).

الكولونيل فرانك سليد (آل باتشينو) مع تشارلي (كريس أودونيل) – فيلم Scent of a Woman عام 1992
الكولونيل فرانك سليد (آل باتشينو) في زيارة عائلة أخيه بنيويورك – فيلم Scent of a Woman عام 1992

إن الطفل الخجول والشاب الفقير “آل باتشينو” الذي كان لا يملك نقود “تذكرة الباص” إن لم يصنع شيئاً في حياته سوى أداءه لشخصية الكولونيل “فرانك سليد” في فيلم “عطر امرأة” لكفاه ذلك (بالنسبة لي) لأن يتربع على قمة هرم الأداء التمثيلي في العالم ، ولو أن أحدهم سألني ماذا تتمنى أن تفعل (ياطارق عرابي كممثل) لو عدت للتمثيل يوماً ما قبل رحيلك؟! لقلت على التو : دور الكولونيل “فرانك سليد” في فيلم “عطر امرأة” رغم أنني سأكون تلميذاً بليداً بالنسبة للعملاق “آل باتشينو” ، فمن أول مشهد له بالفيلم ، ستشعر أن الكولونيل “فرانك سليد” هو الكولونيل الأعمى المتقاعد وليس “آل باتشينو” على الإطلاق ، وذلك عندما أتى الطالب “تشارلي سيمز” (الممثل الصاعد آنذاك “كريس أودونِل”) لمقابلته بسبب إعلان عن وظيفة مساعد للكولونيل بأوقات “الويك إند” فقط ، والتي إن حصل عليها ستوفر له ثمن تذكرة طيران لزيارة أهله في “أوريجون” البعيدة عن مدرسة مِنحته الدراسية ، وتسير المقابلة بشكلٍ أزعج “تشارلي” بما كان في أسلوب الكولونيل من إهانة وتحقير وغلظة مع هذا الطالب الفقير ، ويمر “تشارلي” على إبنة أخت الكولونيل “كارين روزي” التي تجاور الكولونيل في المسكن (الممثلة سالي ميرفي) ليخبرها بأن المقابلة مع خالها كانت سيئة للغاية وأنه لن يتمكن من قبول الوظيفة ، ولكنها تترجاه وتطمئنه فيوافق أن يقبل الوظيفة على مضض.

الكولونيل فرانك سليد مع تشارلي بأحد مطاعم نيويورك الفاخرة – فيلم Scent of a Woman عام 1992
الكولونيل فرانك سليد (آل باتشينو) يرقص التانجو مع دونّا (جابرييل أنور) – فيلم Scent of a Woman عام 1992

يتورط الطالب “تشارلي” في مشكلة كبيرة بمدرسته وهو لا ذنب له فيها ، وتبدأ المشكلة حين رأته المشرفة وعضو أمناء المدرسة السيدة “هانسكر” (الممثلة جون سكويب) وكان واقفاً يتحدث مع زميله “جورج” (الممثل فيليب سيمور هوفمان) بينما كان الطالب “هاري” (الممثل نيكولاس سادلر) يقوم مع زميلين له بالتحضير لخطة شريرة يتم تنفيذها في الصباح التالي لإهانة وتحقير المسئول الكبير بالمدرسة السيد “تراسك” (الممثل القدير جيمس ريبهورن) ، ولمحت السيدة “هانسكر” تلك الترتيبات عن بعد ولكنها تظن أن “تشارلي” و”جورج” يعلمان ماذا يحدث ولكنهما يتعمدان إخفاء الأمر ،، وتنقلب المدرسة رأساً على عقب بعدما تم تنفيذ خطة “هاري” وصديقيه في الصباح التالي والتي جعلت من السيد “تراسك” أضحوكة أمام كل الطلاب والعاملين بالمدرسة. ويبدأ السيد “تراسك” الضغط على “تشارلي” ليفصح عن أسماء من قاموا بهذا العمل المشين ويحاول أن يساومه على مستقبله ، لكن “تشارلي” تحكمه أخلاقيات إنسانية منعته من أن يشي بزملائه.

مع استمرار عمل “تشارلي” مع الكولونيل “فرانك سليد” يعلم الكولونيل بمشكلة “تشارلي” في المدرسة ، وبعد سفره المفاجيء معه إلى مدينة نيويورك بمقاعد الدرجة الأولى الفاخرة ، وبقائهما بفندق 5 نجوم وزيارة الكولونيل “فرانك” لعائلة أخيه في نيويورك ، يبدأ تشارلي باكتشاف جوانب عديدة في شخصية الكولونيل ويتأكد أن لديه خطة للانتحار ، وتتطور العلاقة بين “تشارلي” والكولونيل ، وعندما تأتي لحظة تنفيذ الكولونيل لعملية انتحاره يقوم تشارلي بمحاولة منع “انتحارية” كادت تكلفه حياته لكنه لم يخشَ شيئاً ، وهذا المشهد يعكس لك جمالاً إنسانياً يفوق أي وصف ، فقد استشعر الكولونيل ولأول مرة بعد إصابته بالعمى وتقاعده بأن هناك شخص ما يهتم لأمره ويحبه ويخاف عليه ، رغم أنه لم يكن لطيفاً في معاملته ، وبطريقة مقنعة بدرجة 100% (وغير مفتعلة) استطاع “تشارلي” الخروج بمشاعر الكولونيل بعيداً عن الرغبة في الانتحار . ويعودان من رحلة نيويورك ، وهاهي لحظة انتهاء العلاقة بين الكولونيل وتشارلي بعدما أوصله الكولونيل إلى المدرسة بسيارة ليموزين على نفقته وبعدما منحه الثلاثمائة دولار المتفق عليها .

الكولونيل فرانك سليد (آل باتشينو) مرتدياً زيه العسكري استعداداً للانتحار – فيلم Scent of a Woman عام 1992

وقد حان موعد لجنة التأديب (المحكمة المدرسية) التي سيحاول فيها السيد “تراسك” أن يلقي كل اللوم وبالتالي العقوبة على “تشارلي” الفقير النزيه وأن يعفي “جورج” الثري وإبن المتبرع الأكبر للمدرسة من آية تهم. ويقوم الكولونيل بوداع “تشارلي” على طريقته الخاصة ويدخل “تشارلي” مع جميع طلاب المدرسة إلى قاعة حضور اللجنة التأديبية .

أثناء انعقاد الجلسة التأديبية (المحكمة المدرسية الجادة جداً والتي قد تتخذ قراراً يدمر مستقبل “تشارلي”) نتفاجأ كما يتفاجأ “تشارلي” بدخول الكولونيل إلى القاعة بمساعدة سائق الليموزين وعصاه التي يتحسس بها طريقه وكأنما قال لنفسه “كيف أترك هذا الشاب النزيه يواجه هذه الأزمة وحده؟! .. لا لن أتركه وحده” فأمر السائق أن يعود مرة أخرى للمدرسة ، ويهم “تشارلي” واقفاً ويحضر “كرسياً” ليجلس عليه الكولونيل بجواره على طاولته المخصصة لمن يتم التحقيق معه ،، ويسأل السيد “تراسك” أمام اللجنة عن هوية الكولونيل فيجيبه الكولونيل نفسه بأنه صديق عائلي لوالدي “تشارلي” ولأنهما بعيدان ولا يستطيعان الحضور فقد طلبا منه أن يحضر نيابة عنهما. ويبدأ السيد “تراسك” توجيه الأسئلة إلى “تشارلي” ونلمح في طريقته بعض رسائل التهديد لمستقبل “تشارلي” ، حتى قام الكولونيل فجأة بهجمة خطابية ضد السيد “تراسك” وإدارة المدرسة ،، وخطاب الكولونيل الذي أنقذ “تشارلي” من أنياب السيد “تراسك” يستحق عظيم الإشادة بحرفية كاتب السيناريو وعين المخرج الصائبة في كل حركة من حركات الكاميرا داخل قاعة لجنة التأديب ، وبالتأكيد براعة آداء “آل باتشينو” في هذا المشهد ينبغي أن تكون مادة أساسية بجميع معاهد ومدارس التمثيل ليتعلم منها مواهب (ومحترفي) التمثيل والدارسين لفنونه بأي مكانٍ في العالم.

الكولونيل فرانك سليد يدافع عن تشارلي في محكمته المدرسية – فيلم Scent of a Woman عام 1992

أنصح بمشاهدة هذا الفيلم لأنك ستستمتع بمستوى فائق التفرد والتميز من حيث الآداء والحوار والإخراج وسوف تستخلص حقيقة ربما تغيب عنك ولا تنتبه إليها وهي أنه قد يمر بحياتك شخصٌ ما يكون هو الرزق الطيب لك من الله ويجعله حافزاً لك لترى ما لم تكن تراه ، وهذا ما حدث بين الطالب “تشارلي” والكولونيل “فرانك سليد” ، فكلٌ منهما استبصر الحب والأمل ونال فرصة الحياة الأفضل بسبب علاقتهما القصيرة التي كشفت لكل واحد منهما الستار عن جمالٍ كامنٍ في نفسه وفي الحياة .

فاز “آل باتشينو” عن دوره بهذا الفيلم (عن جدارة واستحقاق تام) بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي ، وفاز كذلك عن نفس الفيلم بجائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل رئيسي. وترشح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار كأفضل فيلم (إنتاج) وأفضل سيناريو وأفضل إخراج. وقد تعجبت جداً من عدم ورود إسم الممثل الشاب آنذاك “كريس أودونيل” في ترشيحات الأوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد ، ذلك لأنه أبدع وبامتياز في آدائه لشخصية “تشارلي” بهذا الفيلم الذي ترشح عنه لجائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل في دور مساعد . تكلف إنتاج هذا الفيلم 31 مليون دولار وجمع عالمياً ما يقرب من 140 مليون دولار.

آل باتشينو مع إيما طومسون في حفل الأوسكار عام 1993 وجائزته عن فيلم Scent of a Woman إنتاج 1992

من المعروف أن النجم “آل باتشينو” ترشح للأوسكار تسع مرات ولم يفز بها إلا مرة واحدة فقط كانت عن فيلم “عطر إمرأة” Scent of a Woman ، وترشح 18 مرة لجولدن جلوب فاز منها بخمس مراتٍ فقط.

Dr.TarekOraby@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.