بقلم : محمد حبوشة
هدأت عاصفة تطوير وتحديث وتطهير وتدعيم “ماسبيرو” (مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري) التي درات رحاها على مدار 10 سنوات ماضية، وتلك لم تكن تتعلق كثيرا بالمحتوى في بدايتها، فبحسب المناقشات حامية الوطيس التي درات في الدهاليز المغلقة طوال تلك الفترة كانت تتعلق بالرؤى والهياكل البيروقراطية والأنظمة السياسية والقدرات الإدارية والمفاهيم المدركة لواقع لم يعد في الإمكان تجاهله أو تجاوزه.
تجاوز المبنى العتيق سن البلوغ والنضج، ففي 21 يوليو من هذا العام، يطفئ “ماسبيرو” شمعته الـ 60، والثابت من وقائع التاريخ الحديث أن المبنى المستدير بملحقاته يعد علما من أعلام القاهرة، وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وجه ببدء تشييده في أغسطس (آب) عام 1959، وفي 21 يوليو من العام التالي بدأ الإرسال بآيات من القرآن الكريم، ثم وقائع افتتاح مجلس الأمة وخطاب “الزعيم” ونشيد “وطني الأكبر”.
بعد أن فشلت عمليات هيكلة (ماسبيرو) وضاعت كل أفكار تطويره في الهواء، وبقي الحال على ماهو عليه من تكدس العاملين به (حوالي 35 ألف) ما بين كادر إعلامي وفني وإداري، بدأت الاتجاهات الجدية إلى تطوير مضمون (ماسبيرو)، وخلال السنوات الثلاثة الماضية ظهرت العديد من المقترحات للتخلص من أعباء هذا المبنى العتيق، الذي أصبح صداعا مزمنا فى رأس الأنظمة والحكومات المتعاقبة، وكان هناك اقتراح يفيد بهدم الحكومة للمبنى ونقل مقره الجديد إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، لكن الهيئة الوطنية للإعلام نفت صحة تلك الأنباء بشكل قاطع، وأشارت الهيئة إلى خطة هيكلة مبنى ماسبيرو، والتي تهدف إلى تطوير المبنى، والاستفادة من العاملين به؛ وتحقيق إدارة أفضل للإمكانات البشرية والفنية بما يسهم بتحسين أوضاع هذا الصرح ماليا، وزيادة إيراداته، وكذلك بما يسهم في عودة مبنى الإذاعة والتلفزيون الوطني بشكل قادر على جذب المشاهد المصري، وبما يمثل إضافة فكرية وثقافية.
بقى (ماسبيرو) في ذهن المهتمين بشأنه تاريخ ومبنى عريق، يجب الحفاظ عليه ودعمه، ولايتم بيعه أو تخصيصه فهو على حد تعبيرهم مثل النيل والأهرامات والتاريخ، وتلك أمور تعبر عن الشعب المصري وقيمه وحضارته، وأرجع بعضهم أن الخسائر التي يتعرض لها ماسبيرو سنويا ومنذ فترة طويلة جاءت نتيجة الإنشاءات والمباني ومدينة الإنتاج الإعلامي، وأن حل أزمة ماسبيرو وخسائره وديونه تكمن في إصدار قرار من مجلس النواب بإعفائه من الديون وكذلك ينطبق القرار على الصحف القومية والديون المتراكمة عليها، بالإضافة إلى ضخ الأموال إليه لتقديم برامج ومسلسلات وأعمال درامية جيدة، وليس من أجل رواتب العاملين داخل ماسبيرو فقط كما يحدث في الوقت الراهن، ولكن لا توجد إرادة حقيقية للتطوير.
وباعتبار أن “ماسبيرو” يمثل أحد أبعاد الأمن القومى المصرى وأسلحته الناعمة؛ فقد اقترح أحد نواب البرلمان في عام 2017 بأن يتم خصخصته إداريا فقط، حتى يحافظ على دوره الإعلامي والتنويري المطلوب منه، خاصة فى مرحلة التخبط الإعلامي، والحروب التي يشنها البعض ضد مصر، وأشار النائب إلى ضخامة عدد العاملين بالمبنى، وارتفاع الرواتب، فى الوقت الذى يغيب فيه الدور الحقيقى لماسبيرو إعلاميا، لكن النائب أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب – آنذاك – ، أكد أنه ضد خصخصة أو بيع اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو)، ولكنه ضد أيضًا استمراره بوضعه الحالي.
وكشفت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في يناير 2018، عن خطة الحكومة لتطوير (ماسبيرو)، وهى تقضي بتطوير ماسبيرو خلال 3 سنوات لضرورة وجود مجموعة من البرامج والمحطات المختلفة حتى يعود ماسبيرو لسابق عهده، مشيرة إلى أنه لن يتم الاستغناء عن أي موظف بماسبيرو، وأن عملية تطوير تعتمد على جميع العاملين بالمبنى وجميع القطاعات، وأوضحت أن الوزارة تعمل على الإصلاح الإداري من خلال توفير برامج تدريب تضمن معرفة موحدة لكافة العاملين، بالإضافة للبرامج التخصصية وبرامج القيادات المتوسطة والقيادات العليا، وأن البداية في تلك البرامج ستكون للموظفين الملتحقين بالعمل خلال الـ 6 سنوات الماضية، ووفقا للخطة ستكون هناك شراكات مع القطاع الخاص لتطوير بعض القنوات، على أن تكون النسبة الأكبر للحكومة ليتسنى لها حق الإدارة، كما تشمل الخطة تحقيق عائد ربح بعد 5 سنوات، لتغطية تكاليف التطوير والخسائر التى تكبدها المبنى خلال السنوات الماضية.
وفي يناير 2019، قال رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين، إن الهيئة لديها خطة متكاملة لتطوير الهيئة وفق عناصر محددة، إلا أنها تواجه أزمة التمويل بسبب الديون المستحقة عليها لبنك الاستثمار الوطني، وأشار زين في هذا الوقت إلى أن (ماسبيرو) بحاجة ماسة إلى تطوير استوديوهات والإذاعات الخارجية، والخطة تطلب من مليار لـ 2 مليار جنيه، وهو رقم قليل جدا للتطوير، حيث لا يوجد إعلام بدون توفير موارد مالية وليس هناك موارد تغطي ذلك، وشدد زين على ضرورة إغلاق ملف الفوائد المتراكمة على الهيئة لدى بنك الاستثمار الوطني لـ 33 مليار جنيه متسائلا: هل من المنطقي أن يكون أصل الدين 4 مليارات جنيه، ويرتفع بالفوائد لـ 33 مليارا؟ لافتا إلى أنه في حال تم حل تلك الأزمة ستتحول خسائر الهيئة إلى السالب وبالتالي سيكون هناك تدفقات مالية.
المهم أن الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة حسين زين، وقّعت بروتوكولا مع (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، المالكة لمجموعة (إعلام المصريين) ومجموعة (دي ميديا) الإعلامية برئاسة تامر مرسي، بهدف (حفظ تراث ماسبيرو) عن طريق الحصول على الحقوق الرقمية لجميع ما جرى إنتاجه سابقا أو حاليا من التلفزيون المصري، ويتيح البروتوكول لإعلام المصريين عرض المحتوى الذي أنتجه أو سوف ينتجه التلفزيون المصري مستقبلا حصريا على منصة Watch iT الرقمية، وفي تلك الأثناء رأى تامر مرسي أن الحصول على الحقوق الرقمية لجميع إنتاج التلفزيون المصري يهدف إلى حمايته، وخصوصا تراث ماسبيرو القديم، مشيرا إلى أن شركات إنتاج المحتوى العالمية أو القنوات المتخصصة في مختلف المجالات اتجهت عالميا إلى حماية حقوق الملكية الفكرية للمحتوى من خلال منصات رقمية مثل منصة Watch iT.
ونحن معه وأكدنا في حينه إن هذه الخطوة من شأنها الحفاظ على تراث ماسبيرو ممن يعرضوه بشكل غير قانوني، ويقومون بسرقته وعرضه عبر موقع يوتيوب بمقابل مادي، خاصة أن المئات من أشخاص ودول سرقوا ومازالوا يسرقون تراث ماسبيرو (الأبيض والأسود) سواء بالتسجيل أو حتى بالفساد في فترات سابقة، وينشرونه ويتكسبون منه، وخاصة أن الدولة ترى أن ماسبيرو يمثل عبئا وصداعا عليها وتريد التخلص منه بأي شكل من الأشكال، فهو يكلفها 255 مليون جنيه شهريا، والدولة ترى أن هذه التكلفة باهظة وأن هذا المبنى ليس له عائد أو مردود، بل إنه منذ عشرين عاما وهو في انحدار مستمر نتيجة نقص الكفاءة والفساد وظهور وسائل الاتصال الشعبية مثل شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية والصحف الالكترونية، وعدم وجود سياسة إعلامية واضحة تتواكب مع المتغيرات السياسية والتكنولوجية وعدم تدريب العاملين على التكنولوجيا الحديثة، كل ذلك عجل بنهايته مثل الصحف القومية، لأنه تتم إدارته بعقلية الستينيات من القرن الماضي، ومن ثم فقد مات بفعل فاعل، وبالتالي بقاؤه على هذا الوضع يعتبر اهدارا للمال العام وتبديدا لرصيد قومي وجريمة ترتكب بحق المال العام.
وبعودة وزارة الإعلام، تأكد سعي الدولة المصرية في الفترة الحالية لتكثيف الجهود نحو استعادة الريادة الإعلامية عربيا، ونتيجة للتحديات الإعلامية الكبيرة التي تواجه الدولة المصرية، جاء العمل لتطوير التلفزيون المصري وما يقدمه من مضمون إعلامي بعد أن عانى “ماسبيرو” الكثير في الفترات الأخيرة، وظهر في بداية فبراير الماضي البرومو الإعلامي الخاص بتطوير التليفزيون المصري، من خلال الإعلاميين (وائل الإبراشي وأحمد عبدالصمد وناردين فرج وأميمة تمام ودينا عصمت ومصطفى ميزار وسحر ناجي ونهى توفيق)، وتفاءلنا خيرا في ظل سيناريوهات تطوير التليفزيون المصري، سواء بحماية التراث من السرقة أو تطوير المضمون الإعلامي أو التعاقد مع وجوه إعلامية قوية تساهم في عودة المشاهدين، وبالفعل كانت أولى خطوات التطوير هى دمج نشرة التاسعة مساء في برنامج الكاتب الصحفي وائل الإبراشي، من خلال ستديو 10 الذي تم تجهيزه وتزويده بأحدث التقنيات.
ودار حديث حماسي جدا من جانب حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام – ولا أدري ماعلاقته بالتطوير أو المهنة من أساسه – معولا على تطوير الشكل والمحتوى بنشره التاسعة وتوفير المزيد من الدعم الفني والتقني لإظهار إبداعات وتميز أبناء الوطنية للإعلام، وأيضاً توفير المزيد من الحرية المسئولة بما يواكب الأحداث السريعة والمتلاحقة ويحقق المنافسة، وأوضح زين – في حينه – أن هذا التطوير يعد إضافة جديدة لنشرة التاسعة التى نعتز بها جميعاً ونحافظ على خصوصيتها فهى أحد أهم أدوات الإعلام الوطني ويتابعها الملايين لما تتمتع به من مهنية ومصداقية فى تغطية جميع المستجدات والأحداث المتلاحقة سواء محلية أو إقليمية أو دولية، والعمل على تفعيل دورها على نحو يزيد من الوعى وتنوير العقول للتصدى للشائعات والأكاذيب وإبراز ما تحقق على أرض الواقع من إنجازات وتنمية بمصر فى جميع المجالات.
وتوالت البيانات الصادرة عن (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) بشأن عملية التطوير والتغيرات التي ستدخلها على المنظومة اعتبارًا من 22 فبراير2020 ، لكن كان هنالك على الجانب الآخر معارضين لمساعي تطوير ماسبيرو كشف عنها عدد من العاملين في التلفزيون المصري، واشتكوا منها مرارا، وعلى رأسهم كانت الإعلامية (هالة أبو علم)، التي كشفت عبر حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي عن نتيجة هذا التطوير، وقالت: (لم توفروها لأصحاب البيت الأصليين.. وقلنا طيب.. قلتوا على التلفزيون المصري إنه فاشل وعلى من يشتغلوا فيه فشلة ومنعتوا ضخ أي دماء جديدة فيه ووقفتوا التعيين؛ لأن فيه عمالة زيادة وكمالة عدد وتوصل لستين ألف عامل – وطبعا كلها إشاعات – وقلنا طيب، اخترتم مجموعة تشتغل ومجموعة لم ينالها حظ أو شرف الاختيار وأصابها ما أصابها من إحباط.. وقلنا طيب.. لكن تتمسّحوا في التلفزيون المصري وتطلعوا دون ذرة من خجل تقولوا: إحنا التلفزيون المصري.. يبقي لأ ألف لأ).
وعلى وتيرة (أبوعلم) اصطدمت خطة التطوير بعدة عوائق، من بينها وجود اعتراضات وعدم تعاون بين العاملين في التلفزيون وبين الكوادر الشابة، التي جرى الاستعانة بها من الخارج للمشاركة في عملية التطوير، خصوصا مع تحويل برنامج (التوك شو) الرئيسي ليكون التاسعة مساء عبر شاشة قناة مصر الأولى، والفضائية المصرية حيث دخلت الأخيرة على خط التطوير في برامجها أيضا في إطار ذات الخطة، وأبرزها (صباح الخير يامصر)، وأكد القائمين على خطة التطوير بأن الانطلاقة الجديدة للتلفزيون المصري جاءت قوية، خاصة أن طريقة إدارة المحتوى الإعلامي الرسمي سوف تكون بنسخة مشابهة لما يحدث في باقي القنوات الفضائية التي تسيطر عليها الحكومة عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتركيز على تحقيق مكاسب مادية، بغض النظر عن قبول الجمهور لنوعية القضايا المطروحة.
ولعل هذا التصريح الأخير هو الذي قلب الأمور رأسا على عقب واستفز الناس ودفعهم للعزوف عن شاشتهم الوطنية، حيث لم تراعي لجنة التطوير مسألة قبول الجمهور من عدمه، خاصة في الأقاليم لنوعية القضايا المطروحة، رغم أن الجمهور هو حجر الزاوية في الأمر برمته، وبالتالي أصبح برنامج (التاسعة) الذي يقدمه وائل الإبراشي بنفس الأسلوب والمنهج الذي قدم هو نفسه عبر برامج مختلفة على قنوات أخرى مثل دريم والحياة وغيرهما، ومن ثم لايوجد فارق جوهري يراعي خصوصية الجمهور المصري الذي اعتاد مشاهدة التليفزيون المصري، وأصبح الحديث عن التطوير ذرا للرماد في العيون، بل مازاد الطين بله أنه لم يحقق نتائجه المروجوة، والدليل أننا الآن بعد أربعة شهور من بداية التطوير لم نشهد تحسنا في زيادة نسب المشاهدة للتليفزيون الوطني الذي اعتبره البعض قضية أمن قومي ولا ينبغي المساس به، كما لم نشهد أيضا تحسنا في دخل الإعلانات، والتي شهد عزوفا كليا لمصلحة الفضائيات الخاصة، ناهيك عن برامج ثقيلة الظل مثل (أنا وبنتي)، وغيرها من برامج تصيب الناس بالغثيان من فرط سذاجتها.
باختصار تحول تلفزيون الدولة الرسمي إلى شاشة للترفيه والالهاء؛ في ظل وجوب مسايرته لكل التطورات المحيطة بالدولة المصرية؛ والإحساس بالوعى وتحمل المسؤولية الوطنية، بل إن هناك إصرار على تضييع المحتوى والهدف التثقيفي واستعادة الفكر الوطني المجتمعي، ورغم إنفاقه ملايين الجنيهات على ما يطلق عليها عملية التطوير، فلا نرى منها شيئا إلا الشكل والديكور، ولقد شعرت بالغبن لدى مشاهدتي برنامج (التاسعة)على القناة الأولى – درة برامج ماسبيرو – ولم أجد حالة من الالتفاف الوطني ضد التصريحات غير المسؤولة التي تقيئ بها وزير خارجية تركيا حول الملف الليبي، في أعقاب ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 20 / 6 / 2020 بتحديد خط أحمر في ليبيا في مناطق ( سرت – الجفرة ) ؛ ودخول الجيش المصري العظيم إلى الداخل الليبي، وهى بالمناسبة تصريحات اهتمت بها كافة المؤسسات الإعلامية العربية والدولية لخطورتها.
ألم يصل إلى مسامع أو نظر القائمين على إعلام الفهلوة والسطحية والمحسوبية والتنفيع في ماسبيرو وغيره، ما أحدثه حديث السيد رئيس الجمهورية من دوي في (سيدى براني) بحيث يستحق الالتفاف الوطني حول القيادة والجيش المصري العظيم؛ مؤيدين وداعمين لهما؛ علما بأن هذا لم يحدث منذ إعلان بداية عمليات حرب أكتوبر المجيدة، ولهذا دعونا نعترف بأن وضع الإعلام المصري وخاصة في ماسبيرو لا يواكب خطورة المرحلة، لكن يكفي الشعب المصري العظيم ؛ حالة الوعي الوطني التي يبثها السيد الرئيس فكرا ومضمونا وطنيا في عقل وقلب كل مصري؛ في وقت عجز عن تحقيقها إعلام يقوم عليه أناس فقدوا الشعور بالوعي والمسؤولية والمجتمعية والوطنية على حد سواء.
والسؤال الآن: من السبب وراء ضعف أداء التليفزيون المصري ووصوله إلى الدرك الأسفل من منظومة الإعلام الحديثة؟، هل العاملين فيه، أم أن الدولة عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة؟.. ظني الذي يصل إلى حد اليقين أن العاملين داخل ماسبيرو هم السبب الجوهري في تخلفه، لأنه ببساطة تم تعين غالبيتهم بأسلوب عشوائي وبـ (الواسطة والمحسوبية) بطريقة فجة في عهود سابقة، ولا يملك غالبيتهم عنصري الكفاءة والمهنية المطلوبة في العمل الإعلامي، ودعونا نعترف أولا بتلك الحقيقة المرة، ولا داعي أبدا لأن يتشدق بعض منا بمقولة “ماسبيرو يمرض ولا يموت”، فالواقع العملى يثبت أنه فشل فشلا زريعا في إثبات وجود وأعجز الدولة ذاتها أن تجد الحلول الممكنة لإنقاذه، خاصة أنها ورثته بفشله من عهود سابقة، الذي أستنكره أنا وعموم الشعب المصري أن مجرد الكلام عن تصفيته وإعادة هيكلته تثير حفيظة جيوش النمل التي ترعى في دهاليزه ليل نهار دون أدنى فائدة.
فبزيارة واحدة للمبني العتيق سوف تلمس على الطبيعة استحالة تطوير هذا المبني، لأنه مهما أوتي من وسائل تكنولوجيا حديثة يبقى صدأ العقول التي يعشعش بداخلها عنكبوت التخلف والتكدس الرهيب على رأس العمل، فالمهمة التي ينبغي أن يقوم بها ثلاثة أفراد تجد أكثر من عشرين يتحلقون حولها تتداخل فيما بينهم الأفكار والرؤى المشوشة، وينتصر في النهاية منطق أخلاق الزحام على حساب الجودة وتهرب المهنية بلاشك جراء هذا العبث، وآه ثم آه لو تفوهت بكلمة واحدة تستنكر فيها هذه العشوائية وهذا الزحام غير المبرر، سوف تهاجمك جيوش النمل وصراصير المكاتب التي تحتل أسطحها الأتربة في تحد منذ سنين، ولم يفكر أحدهم في إزالتها، أو التخلص من خنقتها، حتى وصلت تلك الأتربة للعقول وأعمت العيون، وعليه فلا فائدة من وجهة نظري سوى نسف هذا المبني من جذوره بقرارات حاسمة تنقذنا من أعبائه المالية المرهقة التي تخصم من جيب المواطن من دافعي الضرائب لحساب المتنطعين في طرقات ماسبيرو.
ويبقى أكبر إنجاز حققه هذا المبنى الضخم، الذي يحمل اسم عالم المصريات الفرنسي (جاستين كاميل تشارلز ماسبيرو 1846-1916) تكريماً له على عشقه لمصر، هو أنه باق على قيد الحياة، رغم الكم المذهل من الأحداث والحوادث والتغيرات والتقلبات والاستقطابات والحراكات التي هبت ولا تزال على مصر على مدار ستة عقود مضت، وقد مضت أيام كان فيها “ماسبيرو” معتدا بنفسه باعتباره الأكبر والأوحد والأكثر تأثيراً، كما ولى زمن انتظار نشرة التاسعة مساءً لمعرفة ما يحدث في مصر والعالم، وولى أيضا عهد الريادة المرتكزة على اقتصار المعلومات على المصادر الرسمية، ويمكن القول إن عصر السموات المفتوحة كان بمثابة بداية تقهقر للمبنى وإنذار خطر لسكانه باحتمال الانقراض، وتفاقمت الخطورة بدخول العالم عصر الشبكة العنكبوتية ومنصاتها الاجتماعية، والتي تمضي قدماً في حل محل الشاشة الفضية معلوماتياً وترفيهياً وريادياً ومن هنا أوقفت نمو (ماسبيرو) وغيره من كيانات أصبحت بالية.. (إفهموها بقي .. كفاية نزيف من جيوبنا يرحمنا ويرحكم الله).