دانييلا رحمة .. نجمة تتقدم بخطى ثابتة
كتبت : كرز محمد
رغم تجاربها القليلة نوعا ما في عالم التمثيل مقارنة بباقي زميلاتها من نجمات لبنان الحاليات، إلا أنها تسير بخطى واثقة أمام الكاميرا، ولعل نجاح (ملكة جمال لبنان للمغتربين 2010)، كان يعيقها ضعف لهجتها اللبنانية، بحكم أنها أمضت سنوات طويلة في (استراليا)، حيث تقطن عائلتها، لذا أسند إليها المخرجين غالبية الشخصيات التي تدور حول فتاة قضت سنوات حياتها في الخارج، ومع ذلك فهى من جانبها تمثّل بملامح مكتملة على مستوى النظرة، حركة الشفتين، النبرة ومرايا الداخل، وكأنها من دقة أدائها تشعر أنها تدرّبت كثيرا لتتألّق طويلا، وحتى الآن نجحت في التمايُل، بحيث أقنعت الجمهور بأداء احترافي، خاصة في الإغراء الذي برعت فيه إلى حد كبير، بحيث كانت تمنح المَشهد حقّه خارج إطار المبالغة، لذا ننتظر منها فورة المرأة المنكسرة، وما تخفيه الأعماق، وننتظر حباً هو المنقذ لها، وفي ذات الوقت قد يكون ناراً لن تُبقي ورقة من دون التهامها.
إنها النجمة اللبنانية “دانييلا رحمة” التي تألقت مؤخرا في أكثر من عمل درامي ووقفت جنبا إلى جنب في سباق المنافسة مع نجمات كبار في عالم الأداء الصعب، حيث اجتازت مراحل كثيرة، خاصة في رمضان هذا العام، بحيث تستحقّ تصنيفاً مميزاً، في خانة مميزة من خلال ثنائيتها مع “قيس شيخ نجيب” في دور “مايا” بمسلسل “أولاد آدم” الذي يعد واحدا من أدوار الحظّ في مسيرتها، حيث كانت تؤدي دورها بتلقائية من خلال قهقهات رابح في ليلة مقمرة، حتى أمكننا أن نصدّق “نشاله”، “زقاقيته”، بفجاجتها وخروجها على القانون، ونصدّق أيضاً حنانها المكتوم وتوق القلب إلى حضن صادق، فقد بدت مع “قيس شيخ نجيب” شخصيتان متشظّيتان، داخلهما يغلي فيما الخارج يدّعي السكينة، يلملم كلّ منهما الآخر فيتسبّب بجرحه، وكل ذلك جاء على مائدة عامرة بالبراكين، وبالصراع، بالحاجة إلى الأمان، والخيبة العاطفية التي كانت ترواح مكانها حتى ما قبل النهاية بقليل حين عادا إلى حبهما من جديد.
ولدت “دانييلا رحمة” عام 1990من أبوين لبنانيين هاجرا إلى أستراليا خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كان والداها يعملان مع رئيس الوكالة المنظّمة والراعية لحفلة انتخاب ملكة جمال لبنان في أستراليا، فسأله المدير عن سنها وكانت وقتها في الثامنة عشرة، فشجعه على السماح لها بالمشاركة في انتخاب ملكة جمال لبنان في أستراليا، ولم تكن تتوقع أن هناك الكثير من الجمال في لبنان على جميع الأصعدة، الطبيعة الخلابة والمدن العصرية، الناس لطيفون جدًا ومضيافون، المدن هنا لا تنام والشعب يحب الحياة وعصري جدًا، ولم تكن تتوقع إتقان اللبناني لغات عدة، وتواصله اليومي مع العالم عندما تركنا لبنان أصرّ والدها على تعليمها هي وأختها وأخوها اللغة العربية. حتى السادسة عشرة من عمرها كانت في مدرسة لبنانية حيث يتعلمون من خلالها اللغة العربية وفي المنزل تتحدثون العربية بطلاقة، بحيث كانت تكتب العربية بسهولة، ولكن في السادسة عشرة تحديدا انتقلت إلى مدرسة أسترالية فتعثرت لغتها العربية لا سيّما في الكتابة، رغم أنهم يتتحدثون العربية في المنزل، وعندما عادت إلى لبنان استعادت طلاقتها باللغة سريعا.
ربما لا تذكر شيئًا عن طفولتها الأسترالية بقدر ما تذكر عن طفولتها في لبنان التي كانت مدتها قصيرة جدًا ومتقطّعة، إنه إحساس سحري لا تعرف سره فأنها متعلقة بلبنان، وعلى الرغم من أنها درست الإعلام في أستراليا، فقد صارت فور عودتها للبنان 2014 كيانا مستقلا وتجربة مختلفة في العالم العربي، حين اعتمدت على نفسها وسعت لتصنع اسمها وتحقّق أحلامها في مجتمع ذكوريّ، وأصررت على إثبات ذاتها، وعلى السعي وراء أمنياتها كي تحققها، وقد أثمرت جهودها وبدأت قبل بضعة أعوام تسير في الطريق التي أريد لها في عالم الدراما والتلفزيون، لذا فهى تفتخر بأنها نموذج نسائيّ صارع وحده ليخترق عالم الفن، ولتثبت نفسها، وتترك بصمة في مجال الدراما.
عام 2014 قررت “دانييلا” العودة إلى لبنان نهائيا، وأتيحت لها فرصة تقدّيم برنامج (إكس فاكتور) إلى جانب (باسل الزارو)، كما فازت بالمركز الأول بمسابقة (دانسينغ ويذ دا ستارس – رقص النجوم) في موسمه الثاني، ثم في عام 2017 خاضت تجربتها الأولى في التمثيل مع (ساشا دحدوح وسينتيا صموئيل وليا أبو شعيا)، في مسلسل حمل عنوان Beirut City، من إنتاج (سيرج أوريان وإخراجه)، يحكي قصّة 4 فتيات يعشن في بيروت ويصادفن عدداً من المشكلات في حياتهن، وقدمت من خلاله شخصية (يارا)، شابة قادمة من الولايات المتحدة، وهى الأجرأ في المسلسل من ناحية مهنتها إذ تعمل ميكانيكية تُصلح السيارات وتركب الدراجة النارية، وتتمتّع بشخصية جدية تخفي مشاعرها ولا تذرف دموعها بسهولة، كما أنها تلعب الملاكمة في الوقت ذاته.
في رمضان 2018 خاضت تجربة التمثيل من خلال السباق الرمضاني بدور بطولة إلى جانب (باسل خياط، باسم مغنية ودانا مارديني) ضمن مسلسل (تانجو)، تأليف إياد أبو الشامات، إخراج رامي حنّا وإنتاج (إيغل فيلمز – جمال سنان)، وقد تمكنت (رحمة) من خلال تجربتها الفنية التي لا تتعدى المسلسلين أن تثبت نفسها بقوة على الساحة الفنية، وأن تصبح من بين الممثلات الأكثر طلبا لدى المنتجين، وقد تألقت بالفعل في الموسم الرمضاني لعام 2019 في مسلسل (الكاتب)، الذي عرض على (نتفليكس) بشخصية المحامية (مجدولين) التي تعاني من عقد نفسية حولتها إلى قاتلة، وفي هذا الصدد تحدثت عن ثنائيتها مع النجم السوري (باسل خياط)، لتقول: التجربتان مختلفتان تماماً ولا تشبهان بعضهما أبداً، ففي مسلسل (تانغو) قدمنا ثنائية رومانسية أحبها الناس كثيراً وتفاعلوا معها، وفي مسلسل (الكاتب) اجتمعنا مجدداً في إطار التشويق والتصادم والحب أيضاً، لكن بقالب مختلف، وأعتقد أن المتعة كانت في عدم تشابه التجربتين أبداً.
“دانييلا رحمة” التي لعبت في “الكاتب” دورا صعبا ومركبا يتطلب جهدا كبيرا، من خلال شخصية (مجدولين) التي منحتها إياها فرصة أن تمثل نقلة نوعية في مسيرتها الفنية، نعم نوعية ومميزة أكدت على أن التحدي عند الفنانات الجميلات يكون مضاعفاً، كونهن يحاولن أن يثبتن أنه لا يجري الاستعانة بهن لمجرد أنهن يتمتعن بالشكل الجميل؟ فالجمال ليس تهمة، خصوصاً في عالم التمثيل، وعلى الرغم من أن جمالها ساهم في انطلاقتها في عالم التلفزيون، وفي التمثيل كان عنصرا مهما، ولكن ليس أساسيا، لأنها تتعلم التمثيل منذ سنوات، وتخضع وما زلت لدورات مكثّفة لتطوير نفسها كممثلة، وتعمل على تحسين لهجتها، فهى تدرك أنه جرت العادة أن يُستعان بالجميلات اللواتي لا يجدن التمثيل، بينما (رحمة) قررت منذ أن دخلت المجال أن تنسى شكلها، وألا تعتمد عليه أبداً، لكي تثبت أنها مؤمنة بنفسها كممثلة، وقد أجتهدت وأستمرت في رحلة العناء والتعب، لأنّ التمثيل هو شغفها الأول والأخير في هذه الحياة، ولهذا فهى سعيدة لأنها شاركت في أول عملين لعبت من خلالهما أدواراً صعبة ومركبة تحتاج إلى مجهود كبير.
وقد لاحظت ذلك الاجتهاد في التدريب على الأداء لدى (دانييلا رحمة) من خلال ثنائياتها مع (قيس شيخ نجيب) في مسلسلها الأخير (أولاد آدم) بنكهة خاصة تجمع بين الكوميدي والتراجيدي في شكل لوحات فنية بديعة أضفت على المسلسل أجواء فكاهية رائعة بطعم شيق، بحيث كانا يدفعان المشاهد إلى انتظار مشاهدهما بشغف كبير، بحلوها ومرّها، بالحبّ والغضب والانفجارات الآتية، ولقد برع (الشيخ نجيب) بدور النشّال (سعد)، بينما سارت معه (رحمة) على ذات الدرب بدور الراقصة (مايا)، فكلاهما يجدد ويتقِن، كلاهما يُكمِل الآخر ويمنحه طاقة إيجابية تصنع الهارموني الذي يكفل لهما أن يؤلّفان تركيبة ليست موفّقة فحسبت بل إنها تصنع الإثارة والتشويق من فرط براعتهما من حلقة لأخرى على جناح خفة الدم وبراعة الأداء.
صحيح أنه المشاهد الرمضاني يهوى المقارنات، ولهذا فإن رحمة أثبتت مع كلّ دور، تخطو خطوة واثقة، ففي كل شخصية تقدمها من موسم لآخر تبدو مختلفة عن الأمزجة الغامضة ومنطق الجريمة، كما بدا لنا في أربعة مسلسلات (تانجو، الكاتب،العودة، أولاد آدم)، والأخير كانت في منتهى الصدق في أداء شخصية (مايا) على مستوى القلب وهواه، والليل وسماه، بينما الشيخ نجيب بشخصية (سعد) يبادلها التألق ذاته كممثل أصبح محترفا ومتمكنا إلى حد كبير، فإن ضحكت، تُظهر جميع أسنانها، وإن غضبت، تشتعل وتُحرِق، حتى صار هذا الدور من الأدوار “القفزة” في حياتها المهنية كممثلة، يضاف إلى تراكم الخبرة لديها، والتنقل بانسياب في ملعب الفن الجديد، وهى هنا على مايبدو كانت تجهّز نفسها جيداً، لتتواءم مع (قيس) الذي يعرف جيدا كيف يعيد صيانة العدّة، مع كلّ جولة صيد: ملابسه، لسانه، عينه، دراجته النارية، منزله، ونوعية علاقاته، تكتمل أدوات الصياد، فيهرع نحو فرائسه بأقدام واثق بحجم الغِلّة، نشّال قلوب أيضا، تماما كما أوقعها في شراكه، فأصبح هنالك تنافس مع (رحمة) من الأشطر في سرقة الأضواء من الآخر هذه السنة.
بقى أن نقول أن (دانييلا رحمة) في مايو 2019 تم تعينها من قبل وزارة الخارجية والمغتربين سفيرة للمؤتمر السنوي المركزي للطاقة الاغترابية اللبنانية واختيرت لكونها لبنانية عادت من الاغتراب وشقت طريقا للنجاح في بلدها، و(رحمة) التي اختارتها وزارة المغتربين (سفيرة لمؤتمر الطاقة الاغترابية)، كونها شكلت النموذج الاغترابي الذي يتمسك ببلده، تحدثت عن شعورها بهذا اللقب كامرأة لبنانية تعيش في أستراليا وتحمل جنسيتها قائلة : أنا فخورة لاختياري من قبل وزارة المغتربين والوزير (جبران باسيل) لكي أكون سفيرة لمؤتمر الطاقة الاغترابية، ولأنني كُرّمت في حفل ضخم حضره أهم الفعاليات وعدد كبير جداً من اللبنانيين المقيمين والمغتربين، واعتباري مثالاً لبنانياً ناجحاً، عاش في الغربة، ولكنه عاد إلى لبنان لكي يحقق حلمه ويبدأ بتحقيق النجاح.
ولأن (دانييلا رحمة) كانت اختيارنا الأمثل في (بوابة شهريار النجوم) كي تكون ضيفة (نجوم على الطريق) هذا الأسبوع، نظرا لجدراتها ولفتها الأنظار بأداء جمع بين الكوميدي والتراجيدى في ثوب رشيق في مواسم رمضان الثلاثة الماضية، فنحن نتمنى لها مزيدا من التألق والنجاح في مسيرتها الفنية التي تؤكد أنها “نجمة تتقدم بخطى ثابتة” على سلم نجومية الشباب هذه الأيام.