فوضى القيل والقال
بقلم: محمود حسونة
التنمر على الفنانين وأبنائهم، آفة ليست جديدة، عانوا وعانينا معهم منها كثيراً، ولكنها اليوم تحاول أن تتمكن من مجتمعنا، لتجعل منا مجموعة من المتنمرين الذين لا تأخذهم شفقة ولا رحمة وهم يتقولون على الناس ما يجرح مشاعرهم ويهز صورتهم، ينالون منهم ويفبركون عنهم ما لا يقبل به دين ولا تقره ملة.
التنمر صفة وضيعة لا تخلو من عنصرية وتمييز وترهيب واستقواء على الآخر، فالمتنمرون يعطون لأنفسهم حق التطاول والتجاوز وتفسير الأفعال والأقوال حسنة النوايا بنوايا شيطانية، ويمنحون لذواتهم ما ليس حقاً لهم ويجعلون من أنفسهم أوصياء على خلق الله، لا يختلفون عن الإرهابيين الذين جعلوا من أنفسهم وكلاء لله على الأرض، فما يفعله المتنمرون شكل من أشكال الإرهاب والنيل المعنوي من آخرين يعيشون الحياة بفطرية وشفافية. كما أنه لا يخلو من تمييز وعنصرية حيث يمنح المتنمر نفسه حق السخرية والنيل من الآخر على أساس اللون أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي.
ليس جديداً، تنمر بعضهم على أهل الفن، وغالباً ما يكون هذا التنمر نتيجة أحقاد وضغائن على من نالوا الشهرة في المجتمع، والتربص بهم وبذويهم من خلال التفسيرات الشيطانية لما يحدث في حياتهم وما يفبرك عنهم، وقد سمعنا وقرأنا في الصحف الصفراء في الماضي الكثير مما يشوه صورة فنانين، وفي زمن التواصل الاجتماعي وانتشار فوضى القيل والقال زادت حدة التنمر المعلن على المواقع المختلفة، وأصبحنا نقرأ على صفحات الفنانين الكثير من الشتائم والتجاوزات في حقهم، ولم يعد أصحاب النفوس الضعيفة يدخرون جهداً للتقليل من شأن هذا الفنان أو ذاك والتشكيك في سلوكياته وأخلاقه.
وصلت حدة التنمر في الآونة الأخيرة، إلى حد النيل من ابنتي الفنان شريف منير والتي تتراوح أعمارهما بين ١٢ و١٦ سنة بسبب صورة نشرها ببراءة على صفحته بأحد مواقع التواصل، ولو وجد الفنان الكبير فيها ما يُخجل ما أقدم على نشرها، ولعله كان رجلاً يحترم نفسه ويحرص على الصحة النفسية لابنتيه ولأسرته عندما قرر أن يواجه المتنمرون قضائياً، ويحول الأمر إلى قضية رأي عام بالفيديو الذي نشره متوعداً اياهم ومطالباً بعدم الخنوع لمن يتجاوزون في حقوق الآخرين.
الفنان محمد رمضان أيضا تعرض للتنمر على ابنه عندما سخر بعضهم من لونه الأسمر، وجاء رده متفاخراً بلونه ولون أبيه وابنه، ومعلنًا عن سعادته بالاختلاف بين لونه ولون زوجته، والغريب أن يحدث ذلك في شعب يغلب على معظم أبنائه اللون الأسمر، ولعل ذلك ما يشي بأن لدينا من العنصرية ما يفوق مجتمعات وشعوب البشرة البيضاء الذين يتجاوزون على الأقليات السوداء التي تعيش بينهم، وهو ما أشعل ناراً تكاد تحرق أمريكا والغرب.
الفنانة رجاء الجداوي عندما أُعلن عن إصابتها بكورونا وعزلها في أحد مستشفيات الإسماعيلية، لم تسلم من التنمر والأحقاد الدفينة لدى بعض النفوس المريضة، وبدلاً من أن يتعاطفوا معها في مصابها خرجوا يتجاوزون عليها وعلى كل أهل الفن، وكأن هؤلاء فئة ليس لها حق العلاج ولا حق العيش بيننا!
هذه نماذج محدودة لما يمارسه بعضهم من تنمر على الفنانين، وهو سلوك كريه نجده بشكل شبه يومي على صفحات التواصل الاجتماعي التي سرقت الإثارة الرخيصة من الإعلام الأصفر وتفوقت عليه في الأكاذيب ونشر الشائعات وتعميم فوضى القيل والقال، مستغلة إيثار الكثيرين من هذه الفئة السلام الاجتماعي، ورافضين اتخاذ إجراءات قانونية تخرس ألسنة أصحاب النفوس الضعيفة.
الفنانون ليسوا ملائكة، وبينهم مثل كل فئات المجتمع من يرتكبون الأخطاء والخطايا، ولأنهم شخصيات عامة حققت الكثير من الشهرة، يضعهم الناس تحت ميكروسكوب الملاحقة والمتابعة، ومن حق جمهورهم أن يحاسبهم فنياً، يتفق أو يختلف مع أعمالهم، يبدي ما يشاء من ملاحظات على أدائهم، اما الحياة الشخصية، فهي حق خاص لهم، وحق خاص لكل أفراد المجتمع لا ينبغي النبش فيه أو استغلاله للتجاوز والنيل والتجريح.
تحية للفنان شريف منير على عدم خنوعه لإرادة المتنمرين، وليته يكون قدوة ليس لأهل الفن الذين يعانون من تنمر أصحاب النفوس الضعيفة، بل لكل من يتعرض لتنمر أيًا كانت مهنته أو الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها، حتى ننجح في إخراس هؤلاء الذين يزعجهم أي استقرار في مجتمعنا، ولن يكلوا عن محاولات نشر الفتنة والفوضى الاجتماعية.
Mahmoudhassouna2020@ Gmail.com