ذنب عبلة كامل
بقلم : محمد شمروخ
أظن أن الفنانة الكبيرة عبلة كامل تشكل ظاهرة متفردة في فن التمثيل، منذ أن لفتت الأنظار في منتصف ثمانينيات القرن العشرين مع مسلسل “الشهد والدموع” ثم ازدادت لمعانا مع ليالي الحلمية مع قرب نهاية الثمانينات وما زالت تلتزم سكة النجاح المبهر في أدوارها الدرامية على الشاشة الصغيرة حتى ثبتت نجوميتها المطلقة مع مسلسل “لن أعيش في جلباب أبى” مما جعل الكاتب الكبير أنيس منصور يشيد بها فى عموده اليومي بالأهرام “مواقف” الذي كان واحدا من أشهر الأعمدة في الصحافة المصرية والعربية، ليصف أداءها وكأن الكاميرا تسللت إلى حياتها الخاصة، فقد صارت عبلة كامل بروحها الأصيلة مثالا في التلقائية وبساطة الأداء ولكن العبقرية التمثيلية لم تكن في أدائها البسيط كممثلة “طبيعية خالص”، بل في تنوع هذا الأداء مع كل شخصية مهما تباينت خصائصها الشكلية والجوهرية في كل عمل درامي، فكانت تمتزج الشخصية التمثيلية بشخصية عبلة نفسها والتى لا نعرف عنها شيئا ولكن العبقرية أنها كانت دائما تقنعنا أن هذه الشخصية في كل مرة هي عبلة نفسها التى لا نعرف عن طبيعتها الخاصة شيئا!.
فتنوع الشخصيات التى جسدتها في الأعمال الدرامية كان متباينا جدا ما بين شخصيات “رقية وفاطمة وجليلة وتقى وشكران لبيبة وعصماء ووصال وريا وكمالات ونصرة” وكلها شخصيات جسدتها في أعمالها التى خلدتها كعلامات مسجلة في تاريخها وتاريخ الدراما.
والأداء البسيط والتلقائية مقياس قدرة الممثل، ولكن التفاوت في القدرات على إتقان التمازج مع الشخصية هو المقياس الحقيقي وتفرد عبلة كامل كان في قدرتها هذا المزج الذي يعيد خلق الشخصية، فتبدو كان الشخصية تقمصت عبلة وليست عبلة هى التى تقمصت الشخصية ليس فيما نراه فقط في السيناريو، بل كأنها عاشت كل مراحل الشخصية خارج النص ومرت بكل مراحلها العمرية وتجاربها الحياتية فعاشت كل انفعالاتها ومواقفها التى لا نراها ولا خطرت ببال المؤلف ولا المخرج، وهذا هو سر نجاحها الحقيقي.
ولا أدرى إن كان دارسو علوم الفنون التمثيلية قد أخضعوا طريقتها في التمثيل للدراسة أم لا، لكنها في اعتقادى ستكون مادة خصبة للمدرس والطالب.
وإلى هذا الحد.. فالأمور تمام.. وأظن أنى وافيتها حقها تالت ومتلت!.
ولكن تأبي الرياح أن تأتى بما تشتهى السفن ولكل شيء إذا ما تم نقصان، فإذا بأبالسة الإنتاج السينمائي يستغلون “ظاهرة عبلة كامل” أسوأ استغلال، فنراها على شاشات السينما في أفلام تمنينا أن يخلو منها سجلها الفنى، ففيما يبدو أن السينما ليس لها حظ مع عبلة، وإن كان لعبلة حظ مع السينما بشهرة ونجاح أفلامها التجارية – ربنا يجازى ولاد الحرام – فالنجاح الشعبي والجماهيري لم ولن يصلح مقياسا على نجاح العمل الفنى.
ومشوار عبلة في السينما حوالى 40 فيلما، لكن برغم بداياتها مع مخرج بحجم شهرة ومدرسية يوسف شاهين، إلا أنها لم تتصدر أفيشات الأفلام كبطلة سوير ستار إلا مع فيلم اللمبي سنة 2002 الذي كان تجربة فارقة في مشوار حياتها السينمائي خاصة والفنى عامة، وليتها اكتفت بذلك واستخدمت ذكاءها التمثيلي في استثمار الذيوع الذي أنجزته و (السوبرستارية) التى أحرزتها، لتقدم أعمالا تليق بتاريخها واسمها الذي تعلقت بهما الجماهير التى رغم ذلك لم تتخل عنها وساندتها في النجومية السينمائية كما التليفزيونية، لكن ذاكرة الجماهير لم تتعلق إلا بشخصيات استوديوهات الفيديو، فالجمهور يغفر للنجوم الكبار سقطاتهم الفنية ولكل جواد كبوة ولكن تمنينا أن يخلو طريق جواد عبلة كامل من الكبوات السبع التى عثر فيها، ففى فترة مابعد اللمبي استسلم نجوم كبار “مع الأسف” للإسفاف المخلوط ببعض التحابيش الاجتماعية والسياسية، بخباثة بعض المنتجين مع انتهازية محترفي القص واللصق وتلفيقات المشاهد واسترجاع الإفيهات، فما من فيلم من “الأفلام الليمباوية” السبعة لـ”سيدة البساطة والتلقائية” إلا وهو عبارة عن تلفيق لجمل حوارية وتحويرات لأعمال محفوظة ومشهورة؛ وإن بذلت فيها مجهودا كبيرا؛ ولكن ليتها لم تفعل، فما أقبح شلة “فرنسا واستفتاح وحنيفة وبلطة”.
لكنها لما عادت في الفترة نفسها وما بعدها لبيتها الحقيقي خلف الشاشة الصغيرة، عاد إليها رونقها بعد أن تخلت عن البريق السينمائي الكاذب، فحسنا فعلت بانقطاعها عشر سنوات عن السينما ونرجو لها عودة قوية تذكرنا بزمن العهد العبلاوي الجميل.