ليلة أن اطمأن “عبدالناصر” على صوت محرم فؤاد
كتب : أحمد السماحي
شهر يونية هو شهر محرم فؤاد بامتياز فقد ولد، ورحل فيه ” 24 يونية 1931 / 27 يونيو2002″، يعتبر مطربنا الكبير واحد من أهم الأصوات المصرية التى مرت فى تاريخ الغناء المصري، بما يملكه من صوت قوي معبر، يعبر عن غناء المتعبين و”الشقيانيين” الذين يجدون فى الفن قوة تساعدهم وتجدد ما فيهم من قدرة على الحياة، ويخفف عرقهم، ويخلق فى الجهد الذى يبذلونه متعة وجمالا وفرحا حقيقيا يملأ القلوب، يرسم بصوته صورة للنيل والحقول، والليل والقمر والنسمات المنطلقة فى الفجر، علمه الفقر معنى الصبر والقناعة، وعلمه اليتم معنى الحنان والاعتماد على النفس، رفضه الموسيقار محمد عبدالوهاب، فأصبح “صوت النيل”!
هو صاحب أجمل الأغنيات الشعبية والعاطفية من منا ينسى له “رمش عينه، الحلوة داير شباكها، وأنت عني بعيد، زي نور الشمس حبي وتنكره، قالوا الحب عذاب، شفت بعيني، أوعى يا قلبي تكون بتحب، يا حبيبي قولي آخر جرحي ايه، غدارين، والنبي لنكيد العزال، أنا عايز صبية، أبحث عن سمراء، سلامات يا حبايب، لو كان الأمر أمري، قوم يا شوق ننام وكفاية سهر” وغيرها من الأغنيات العاطفية والوطنية والدينية.
غنى أمام الملك فاروق
اكتشف الجميع حلاوة صوته وهو طفل صغير، فكان مطرب الأناشيد الأول فى مدرسته، وغنى وهو فى السابعة من عمره أمام الملك “فاروق”، وبسبب وفاة والده اضطر لمغادرة مدرسة “شبرا الثانوية”، حيث دفعته ظروفه الأسرية الصعبة الى العمل فى الفن وبالتحديد فى شارع “محمد علي”، لمدة أربع سنوات متصلة، أثناء ذلك درس العزف على آلة العود، ثم التحق بالإذاعة بركن الهواة، ولما تكونت فرقة “ساعة لقلبك” كان من مطربيها.
سر رفض عبدالوهاب
بدأ مشواره فى السينما من خلال فيلم “حسن ونعيمة”، قصة الكاتب والشاعر “عبدالرحمن الخميسي”، إنتاج “محمد عبدالوهاب، وبركات”، وهذا الفيلم كان من المقرر أن تقوم ببطولته “فاتن حمامه، وعبدالحليم حافظ”، لكن نظرا لانشغالهما بأعمال أخرى، عرض الفيلم على المطرب “ماهر العطار”، لكنه رفض لعدم اقتناعه بنفسه فى ملابس الفلاح، وعرض عليهم صديقه المطرب الواعد “محرم حسين”، وبعد عمل الاختبارات اللازمة أقتنع ” الخميسي” وقام “محرم حسين و سعاد حسني” بالبطولة، لكن “عبدالوهاب” رفض أن يقوم وجهين جديدين ببطولة الفيلم، فقرر أن يغير “محرم” بمطرب آخر، لكن “الخميسي” أصر على بطله، وتم تغير اسمه إلى “محرم فؤاد”، وتوالت أفلامه حتى وصلت إلى 13 فيلما، ومسرحيتين هما “دنيا البيانولا” و”القشاط”، وللإذاعة مسلسلين هما “حب ونغم” ، و”قصة حياة كامل الخلعي”.
شلل فى حنجرته
من المحن التى تعرض لها “محرم فؤاد” في مشواره محنة “فقدانه لصوته” فى منتصف الستينات، حيث سافر مع بعثة صوت العرب بقيادة “أحمد سعيد” لعمل حفلات غنائية في “تونس والجزائر والمغرب” تذيعها إذاعة “صوت العرب” وأثناء وجوده فى الجزائر شعر “محرم” بنزله شعبيه حادة، و عندما كشف عليه الطبيب الخاص للرئيس “أحمد بن بيلا” الدكتور “عبدالوهاب حسن” أخصائي الحنجرة، أبلغه أن الحبل الصوتي الأيمن في حنجرته توقف على العمل وأصيب بالشلل، وقال الطبيب الجزائري: أن محرم سيفقد القدرة على الحديث، وأحاله إلى أخصائي فرنسي فى الأحبال الصوتية اسمه الدكتور “نارنو”.
وقد تحدثت يومها المذيعة الراحلة “مال فهمي” التى كانت فى البعثة المصرية هاتفيا مع زميلها “أحمد سعيد” الذي ترك البعثة وذهب لتونس للإشراف على الحفلات القادمة في تونس، وأبلغته تقرير الطبيب الجزائري، وتقرير أطباء أخصائيين آخرين عرض “محرم” نفسه عليهم وقرروا جميعا أنه قد يفقد صوته للأبد.
طلب أحمد سعيد من “آمال” عودة “محرم” إلى القاهرة على أول طائرة، لكن الرئيس ” أحمد بن بيلا” طلب من المطرب المصري عدم الرجوع إلى مصر، لاكتساب الوقت، والسفر إلى “جنيف”، وهذا ما حدث بالفعل.
جمال عبدالناصر يطمئن
سافر”محرم” إلى “جينيف” للعلاج، وأشرف على علاجه الطبيب السويسري “د.أمودر وزا” أخصائي الحنجرة العالمي، مع زميله الدكتور “مارامانوف” وثلاثة أطباء فى الأشعة والتحليلات، وبعد أن قاموا بعمل جراحه له، وتحسن صحته، قاموا بعمل “كونصلتو” حول حنجرة “محرم”، وذلك لكي يقرروا المرحلة الثانية من العلاج بعد أن بدأت حالته تتحسن تدريجيا على أثر الحقن التى حقن بها في الحنجرة من الأنف، وأعقبها جلسات كهربائية.
ومن الأشياء المعنوية التى خففت عن المطرب الشاب محنته وصول برقيه من الرئيس “جمال عبدالناصر” يطمئن فيها على “محرم” متمنيا له الشفاء العاجل، وتحمل الدولة المصرية لمصاريف علاجه في “جنيف” كاملة.
ولم يكن خطاب الرئيس “عبدالناصر” فقط الذي أسعد مطرب “وانت عنى بعيد” و” الحلوة داير شباكها”، ولكن حب زملائه والعاملين فى الوسط الفني له
من هؤلاء كوكب الشرق “أم كلثوم” التى اتصلت به، وكذلك “محمد عبدالوهاب الذى سافر إليه حاملا أشواق وتهنئة الجميع على نجاح العملية، كما سافر إليه “يوسف وهبي” واستغل وجوده وقام بإجراء أشعة على ساقيه، كما اطمئن عليه كلا من “فريد شوقي، وفريد الأطرش، وتحية كاريوكا، وصباح، وشادية، ومريم فخر الدين” وغيرهم من النجوم.
جدير بالذكر أن المطرب دعا ربنا أن يقومه بالسلامه، وبمجرد رجوعه لمصر سالما غانما، قام بزيارة ضريح سيدنا الحسين.