برلنتي .. فيلم بشكل فني متطور!
بقلم : سامي فريد
لابد أن هذا الفيلم كان مدهشا عند عرضه في تلكأ الحقبة من عمر السينما في مصر وذلك لعدد من الأسباب:
فهو أولا: قد جمع كوكبة من نجوم ذلك الزمان على رأسهم يوسف بك وهبي عميد المسرح العربي ومعه الآنسة أمينة رزق وفؤاد شفيق وعلوية جميل ومحمود المليجي وعبدالعليم خطاب، ثم ألكسندرا بدران المطربة اللبنانية التي جاءت إلى مصر لتعمل أول أفلامها مع يوسف وهبي وكانا فيملين هما “جوهرة.. ثم برلنتي”، وقد لاقت كل القبول والترحيب من الجمهور المصري لتتوالى أفلامها بعدما عرفت باسم نور الهدى فلعبت أفلاما مع فريد الأطرش ومحمد فوزي بعد ذلك.
وثانيا: فالفيلم وهو من أوائل الأفلام الناطقة في مصر وإن كان إنتاجه قد تم في أواخر الثلاثينات، لكنه كان خطوة واسعة إلى الأفلام في إخراجه وتصويره والسيناريو وباقي عناصر الفيلم، رغم ما كان ضروريا له في تلك المرحلة من بعض المباشرة والخطابية لتوصيل رسالته إلى الجمهور.. ولم لا ومخرجه وكاتب القصة والسيناريو والحوار وبطل الفيلم الأول هو يوسف بك وهبي.
حاول يوسف وهبي أن يخرج بالفيلم ما أمكنه من دائرة النمطية فكان صعباً عليه لأن الجمهور في ذلك الزمان لابد أنه كان يحتاج إلى قصة يفهمها فيها الشر واضح.. والخير واضح، فبطل الفيلم مثلا وهو يوسف وهبي لابد أن يكون صوت الإصلاح والتنوير ورسالة التقدم والمدنية، والمليجي مثلا لابد أن يكون شرير الفيلم رغم صغر دوره، وستكون علوية جميل هى الأم المقهورة التي تسقط فريسة للمرض ثم تموت، أما عبدالعليم خطاب فهو ضابط المباحث الأوحد الذي على يديه ستكتشف كل خبايا وأسرار جريمة مقتل الشرير محمود المليجي، وهو بالمناسبة صديق البطل المتر سامي خيرت (يوسف وهبي) أما هو فهو بالإضافة إلى كونه مساعد المخرج يوسف بك فهو صديقه ضابط المباحث شفيق بك الذي لا نراه إلا بصحبت صديقه “الانتيم” المتر سامي خيرت..
ثم لابد أن نتناول دور الآنسة أمينة رزق وهو دور جديد عليها نسبيا حاولت أن تؤديه وأن تبدع فيه بقدر ما فهمته لكنها تغلب عليها بكائياتها.. رقم أنها تعلب دور السيدة سميحة هانم ثم سليلة الحسب وربيت القصر التي تقع في غرام المتر سامي خيرت رغم ماله من قصة حب اشتعلت فجأة وللحظة الأولى منذ سمع وشاهد المطربة “برلنتي” في صالة (الالدورادو) وبصحبة صديقه الأنتيم ضابط المباحث برتبة النقيب الذي سيكون عليه حل كل ألغاز الفيلم الذي جنح إلى الشكل البوليسي في بعض أجزائه!!
ونعود إلى قصة الفيلم.. كيف بدأه كاتب قصته وحواره والسيناريو وبطله والمخرج أيضا يوسف بك وهبي..
يبدأ الفيلم بمشهد لثلاثة من اللصوص الغلابة ( أحدهم أو اثنان منهم يلبسان الجلابيب ) ، وهم يقفون خائفين يلتفتون خوفا من العسكري أمام محل للمجوهرات.. ثم يرفع أحدهم شاكوشا في يده ليضرب الواجهة الزجاجية للمحل ليسرق أسورة في الفاترينة ثم يلوذون بالفرار. في المشهد التالي مباشرة وفي إحدى زوايا البناء التي يختفون فيها يسأله أحدهم: جبت إيه؟.. ثم يصبح مندهشا عندما يرى الأسورة في يده قائلا: برلنتي!! أي اسورة من الماس البرلنتي.. ثم تنزل تترات الفيلم لتعرف بعد ذلك أن برلنتي هو اسم بطلة الفيلم نور الهدى، وواضح أن يوسف بك وهبي كان يقصد أن برلنتي التي ستعمل مغنية بعد ذلك لظروف حياتها الصعبة ومرض أمها ووفاة والدها لم تكن إلا جوهرة وأي جوهرة؟ ، فهي من النوع البرلنتي الفاخر.. ومن هنا يبدأ إعجاب.. بل وحب يوسف وهبي (المتر سامي خيرت) بها منذ اللحظة الأولى التي سمها وشاهدها فيها في صالة (الالدورادو) رغم أنه كان يجلس على بعد ما لا يقل عن 25 مترا عنها ليصرح لزميله ضابط المباحث إن في عينيها (!!) رغم حلاوة صوتها ألما شديدا وكمدا مختفية.. ولسنا ندري كيف شاهد وعرف كل هذا، لكنها القصة كما رسمها وكما يريد لها أن تمضي وتتقدم.
المشهد الكبير الذي لابد أنه لفت أنظار جمهور السينما في ذلك الوقت.. وأظنه يمكن أن يظل يلفت الأنظار إلى اليوم كان مشهد برلنتي أو نور الهدى وهى تركب دراجتها وخلفها ما لا يقل عن ستة من البنات الجميلات كلهن مثلها يركبن الدراجات وفي الملابس البيضاء مثلها دليلا على الطهر، ثم وهن يندفعن خلفها يغنين من ورائها أغنيتها الجميلة المملوءة بالتفاؤل للمستقبل الذي يريده يوسف وهبي لشباب ذلك الجيل.. ولسنا ندري ولماذا البنات بالذات”، وكانت الأغنية هى: يا بنات الجامعات اطلعوا بالدبلومات.. إلخ..
ويموت والد برلنتي وتذهب الأم علوية جميل إلى صديق المرحوم، وهو الثري فؤاد شفيق وهو لا يرى أن عيب في هذا بسبب ثرائه وان كان سيتراجع في نهاية الفيلم لانقاذ برلنتي من تهمة قتل المليجي خصم يوسف وهبي في الترشح للبرلمان وعشيق سميحة هانم عزت التي تتنازل لها برلنتي عن زوجها يوسف وهبي، رغم حبه الشديد لها حتى لا تحرمه من كل هذه الثروة والصحيفة التي أصبح رئيس تحريرها خلال ساعات عندما وضعت سميحة هانم كل هذا تحت قدميه لتغويه وتتزوجه.
وتضحي برلنتي وتدعي أنها لا تحب زوجها لتتزوج أمينة رزق ثم نكتشف (ولا ندري كيف) علاقتها بخصمه محمود المليجي الذي يقرر أن يفضحها برسائلها إليه وبكل ما فيها من كلمات الحب ويحاول اغتصابها فتضربه على رأسه بالفازة ليسقط ميتا (!) وهو مشهد قد لا يتسبب في مصرع قطة.
ويجد يوسف وهبي نفسه في بيت القتيل قبل وفاته لكنه لا يرى زوجته سميحة هانم هناك لكن برلنتي التي تصل في ذلك الوقت تنصحخا وتسهل لها الهرب لتتحمل هي الإتهام بالقتل دفاعاً عن حبيبها، والذي كان زوجها حتى تتكشف أبعاد القضية عندما يعثر ضابط المباحث (النقيب) على إحدى الرسائل الموجهة من سميحة هانم إلى محمود المليجي، وتقرر سميحة هانم أن تذهب إلى المحكمة لتقاجئ الجميع بأنها هى القاتلة في مشهد كان ضرورياً لأن الجمهور لن يرضى بغير هذا المشهد لأمنية رزق مادامت في الفيلم، وينجح المتر الهمام لينتهي الفيلم بعد كل هذه الحلول والمصادفات الطيبة.. والحب والجريمة وأهل الخير وأهل الشر ليخرج الجمهور سعيدا بهذه الكوكبة الرائعة من النجوم وبيوسف بك وهبي أستاذ كل هذه الليلة السعيدة.. وتعود برلنتي الجوهرة النقية إلى حبيبها بعد أن تتضح كل الحقائق..
ويخرج الجمهور لموعظة الحسنة والدرس الأخلاقي.. وربما هذا ما نقدمه الآن في معظم أفلامنا ولكن بشكل لابد أن يكون متطوراً وفنياً يقبله الجمهور الآن.