كتبت : كرز محمد
في نهاية تميل إلى لون التراجيديا المأساوية يجسد أبطال مسلسل “سوق الحرير” فكرة وإخراج “بسام الملا”، وتأليف “حنان حسين المهرجي”، وبطولة ” بسام كوسة، أسعد فضة، سلوم حداد، كاريس بشار، نادين تحسين بيك، قمر خلف، فادي صبيح، دراين حداد، ميلاد يوسف” مشهدا يخالف كل التوقعات، لكنه يظل الـ “ماستر سين” في كل حلقات العمل الذي ينتمي إلى درما البيئة الشامية في شكل اجتماعي عصري، فهو إلى حد ما يعكس صورة المجتمتع السوري في فترة ما بين عامي 1950 – 1960، ويسلط الضوء على حالات إنسانية واجتماعية سورية، حيث “غريب” الذي يفقد ذاكرته وهو صغير ويحاول استعادتها والعودة لأهله، و”عمران” التاجر الذي يعيش مع أمه ومتزوج من عدة سيدات، وقد جاء هذا المشهد على النحو التالي:
بينما تتجهز العروس “عفيفة” في بيت العائلة، وعريسها في وسط الحارة يزفه أخيها “عمران” الذي جسد دوره النجم السوري “بسام كوسة”، ومعه كل التجار في “سوق الحرير، وعلى رأسهم كبيرهم “أبوطلال”، الذي يلعب دوره الفنان القدير “أسعد فضة” الذي يهمس في أذن “عمران” بأن يرسل ابنيه الصغيرين “عمر وعامر” للبيت لإخبار أهل بيته بسرعة تجهيز العروس استعدادا لاستقبال عريسها سيف، تذهب الكاميرا إلى “غريب” أو عبد الله الحرايري الذي لعبه القدير “سلوم حداد”، والذي لم يكشف عن هويته بعد لأخيه عمران، وهو يهمس في أذن صديقه أسعد قائلا: أنا خايف ..قلبي مش مطمن، وما أدري ليش يا أخي، وبالفعل فبمجرد مغادرة الصبيين مكان الزفة حتى تم خطمهما بتدبير من شحادة.
وتنتقل الكاميرا إلى بيت عمران حيث تدير زوجته “كريمة” – نادين تحسين بيك، التي لعبت دورها “نادين تحسين بيك” أغنية فريد الأطرش “دقوا المزاهر” في بداية تدشين حفل زفاف “عفيفية” – ريام كافارنة، وتنخرط كافة نساء البيت في الرقص، بينما العروس تتهادى في دلال أثناء خروجها من حجرتها، ثم تنتقل الكاميرا مرة أخرى إلى الحارة لتسلط أضواء على العريس “سيف” – شادي الصفدي، وهو يتلقى التهاني، ووسط أهازيج الفرح والرقص في وسط الحارة يبرز “صابر” – يزن خليل، شاهرا مسدسه ويطلق طلقة يسكت الحضور على أثرها، بينما يظهر من خلفية المشهد “شحادة” – فادي صبيح، ابن “العرقسوسجي” الذي قتله “عبد الله” قبل 35 سنة وهرب وهو طفل في الخامسة عشرة من عمره، ويصيح بأعلى صوته وهو يخترق الصفوف: الكل يسمعني منيح .. اسمعوني ياأهلي وأهل حارتي .. عندي حكي بدي أقوله.
يتصدي “أسعد” – ميلاد يوسف، لشحادة بسلاحه فيشد يده لأسفل قائلا في تحد : نزل سلاحك حسابنا مو معك، ثم يدير شحادة وجهه في مواجهة الجميع ويرفع يده في وجه “غريب” أو عبد الله ويقول له: لك على أحط على جرحي ملح وأنسى الماضي وصفحة التار اللي بيني وبينك انساها وما ارجع طول العمر.
يبرز “أبو طلال” كبير السوق قائلا: شحادة قلت لك من قبل لاتقول شيئ تخليني أنا أوقف في وشك، فيرد شحادة : منيح هاد .. أمرك يا أبو طلال، خد هاي لاقلك : ولاد حبيب قلبك عمران صارو عندي وبأمانتي، يرد عمران : انت شو عم بتخبص؟ فيرد عليه صابر: لاتخاف ولادك في الحفظ والصون رجعوا لنا حقنا منرجعهم سالمين غانمين.
ينفعل “عمرا”ن في حيرة في أمره ردا على صابر: عن أي حق عم تحكي؟، فيواجه شحادة سواله لغريب: شايفك ساكت ياغريب، ولا أقولك ياعبد الله .. عبد الله ابن عمر الحرايري، ثم يوجه كلامه ناحية كبير السوق: أبو طلال ليش ساكت؟، ليش ما بتقولن لكلن هادا عبد الله اللي قتل أبي من 35 سنة والكل سكت عن دمه، ويضيف صابر: وسرق ورثة عمي وهرب.
يتقدم “غريب” خطوات للأمام ويقول بأعلى صوته: أي نعم أنا عبد الله الحرايري .. أنا عبد الله الحرايري وهذا أخي، ثم يرفع يده متوعدا شحادة قائلا: قسما بالله إذا بتمد إيدك على شعرة من راس ولاد أخي والله العظيم والله العظيم والله العظيم ثلاثة ماعاد بدك حياتك.
يتقدم عمران نحو عبد الله ممسكا بكتفه في قسوة قائلا: لك فهمني .. لك انت مين؟، فيرد عليه أنا أخوك ياعمران .. أنا أخولك الكبير عبد الله، فينتفض عمرن في غضب وينظر والشرر يتطاير من عينيه في وجه أخيه : ولك أنا طول عمري عايش وحامل عكتافي عيلة كبيرة، وكنت أقول طول الوقت وين أخي الكبير يوقف جنبي وهلأ لما إيجيت قلبت الدنيا فوق راسي، شو ذنبهم ولادي الاتنين ها .. ليش لحتى يروحوا ؟!، ويهز كتفه بقوة مكررا : ليش ويمسك بتلابيب صدره في غضب: عبد الله أنا بدي ولادي .. هلا بدي ولادي.
يخطف عبد الله المسدس من يد أسعد مصوبا نحو “شحادة”، بينما ولدي أخيه “عمر وعامر” يطلان من فوق السطوح وهما مكبلان في قيودهما ويصرخان في خوف وذعر قائلين : أبي.. أبي .. أبي، لينتهي المشهد بشكل تراجيدي ومأساوي لا يناسب أجواء المسلسل الذي كان يقوم بإسقاط عبر “التوستالجيا” مستدعيا حالة الحنين للماضي في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ويظل أجمل مافيه تلك المشاهد التي ترصد متانة العلاقات بين مصر وسوريا على المستوى الشعبي، من خلال وجود عائلة مصرية تنعم بالعيش بدفء وحنان داخل مجتمع الشام في العاصمة السورية دمشق آنذاك.