عرق البلح .. رائعة “شريهان” التى لا تنسى
كتب : أحمد السماحي
يعتبر فيلم “عرق البلح” واحدا من أجمل وأهم أفلام السينما المصرية في السنوات الأخيرة، ويعد أحد أروع أعمال المخرج “رضوان الكاشف” الذي حارب على مدى 6 سنوات من أجل أن يرى الفيلم النور، وبمناسبة ذكرى وفاة ” الكاشف” التى تهل علينا يوم 5 يونيو القادم، أحببنا فى باب “فيلم لا ينسى” أن نقف عند هذا الفيلم، الذي يعتبر أجمل أفلامه الروايئة الثلاثة، و”درة” أفلام النجمة الإستعراضية الكبيرة “شريهان”، فيلم أكتملت فيه كل عناصر الإبداع من قصة إلى موسيقي إلى تمثيل، وكانت النتيجة حصوله على العديد من الجوائز العالمية والعربية الهامة، رغم فشله جماهيريا.
قصة عرق البلح
تدور أحداث الفيلم في قرية صغيرة بالصعيد حيث يعيش الناس في فقر مدقع، يصل إلى القرية رجل غريب يدعو الناس إلى السفر للعمل بدول الخليج، فيسافر جميع الرجال فيما عدا الجد العاجز الأخرس “حمدي أحمد”، وحفيده أحمد “محمد نجاتي”، ويترك الرجال النساء يعانون الحرمان، وأثناء ذلك تنشأ بين “أحمد” ، و”سلمى” التى جسدتها بروعة ” شريهان” إحدى بنات القرية قصة حب، تتطور مع الوقت إلى علاقة جنسية، تنتج عنها حمل “سلمى” طفلا في أحشائها، وفى نفس الوقت تحمل إحداهن من أحد رجال قرية مجاورة، ويدفعها نساء قريتها إلى الانتحار، وعندما يرجع بعض رجال القرية ويعلمون بما حدث يقررون الانتقام من “أحمد” وتتوالى الأحداث..
كلمة رضوان الكاشف
لم يكن سهلا على ومن معي، صناعة فيلم كـ “عرق البلح” هكذا كتب المخرج الراحل “رضوان الكاشف” فى مقدمه كتاب سيناريو فيلمه “عرق البلح”، وأضاف ليس فقط لخروجه عن الشروط السائدة والقاسية للسوق التجارية، وخاصة حين يحاول الفيلم التحرر من طرق السرد المألوفة، بحثا عن لغة فيلمية خاصة، وليس فقط لأن حظا عاثرا جعل مشروع فيلم “عرق البلح” يتزامن طرحه مع أزمنة طاحنة تمر بها السينما المصرية ذات التاريخ العريق، وليس فقط لصعوبة المكان الذي اخترته لتصوير أحداث الفيلم، بواحة الداخلة فى قلب الصحراء الغربية، وعلى بعد ألف كيلو من العاصمة.
حيث لم يحدث من قبل طوال تاريخ السينما المصرية أن تم انجاز فيلم روائي بها، يمثل صعوبة فى كل شيئ مثل “عرق البلح”، لهذا كانت صناعة فيلم “عرق البلح” مهمة شبه مستحيلة الإنجاز، بل كانت الصعوبة الحقيقية تتأتى من كونه فيلما يتحدث عن أناس الجميع يطالب بنسيانهم، لقد قال لي أحد رجالات “البيزنس السينمائي بمصر” بعد أن شاهد نسخة عمل الفيلم، إن فيلمك يتحدث عن أناس يستحقون القتل، لا عمل فيلم عنهم!.
لم يكن الرجل وهو يقول ذلك، يكشف عن شر يكمن داخله، بل كان وبكل بساطة وطيبة يعكس وعيا راسخا بالشكل الذي يجب أن يكون عليه الخطاب السينمائي، فالسينما المصرية ومنذ سنوات بعيدة تحافظ على كونها سينما “المدينة” بكل ما يطرحه ذلك من مفردات بصرية وسمعية ومن أفكار وعواطف، وبكل أنانية “ابن المدينة” وبكل تعاليه التافه، لم ينتبه هذا السيد أن على تخوم مدينته، وحول كل أطرافها وبامتداد عميق فى كل الإتجاهات يدور صخب عظيم، هو فقط الذي لا يسمعه يجهز لعنف هائل هو أول المستهدفين به.
سر كتابة فيلم عرق البلح
ما زالنا مع شهادة “رضوان الكاشف” النادرة عن فيلمه فيقول : لقد قمت بكتابة “عرق البلح” قبل فيلمي الأول “ليه يا بنفسج” الذي استقبل بشكل طيب من الجمهور والنقاد حين تم عرضه عام 1993، وصممت على أن يكون فيلمي الثاني “عرق البلح”، والسؤال ما الذي دفعني إلى كتابة سيناريو “عرق البلح” هل هو ذات الهم الذي ترددت أصداؤه في فيلمي الأول “ليه يا بنفسج” والمتعلق بالخراب والفساد الذي يلحق بالناس والمكان حين يهجر أحدهما الآخر؟
هذا الهم الذي سيطر علي منذ أن اجتاحت مصر، وخاصة جنوبها بدءا من منتصف السبعينات موجة من الهجرة التى دفعت بالملايين نحو بلاد لا يعرفونها بحثا عن حلم زائف بالخلاص، أم أن الذي دفعني إلى “عرق البلح” هو ذلك الشعور الجارح المدمي الذي سيطر علي وعلي جيل بالكامل، شعورنا بأن الوطن الذي عرفناه قد أبدل، وبات يعادي ذاكرته، ويخوض معركة هائلة ومدمرة معها، شعور بأن الوطن الذي عرفناه ينفلت من نفسه ومن منظومة قيمه الإجتماعية والأخلاقية والثقافية والجمالية ليصبح علي مقاس حلم شائه وقبيح ووقح وغبي.
هل كانت الهجرة التى لم يعرف الشعب المصري مثلها من قبل، أحد أدوات عملية الإبدال هذه؟ أم كانت إحدى نتائجها؟ أم أنها لعبت الدورين معا؟ هل العنف الذي يبطن تفاصيل حياتنا، ويعلن عن نفسه بوضوح بـلجنوب الفقير المحاصر بين جبلين والمهمل دائما، هو أحد الإفرازات الضرورية لعملية الإبدال هذه، التى لفرط قسوتها ما كان لها أن تمر بهدوء وسكينة، أم هو شكل من أشكال الرد على “خيانة الذاكرة” التى هي أقسى تجربة يمكن أن يمر بها شعب والتى تقترب من إعلان موته كما رددت أغنية الفيلم “والصعيد مات”؟
كل هذه التساؤلات المقلقات وغيرها هى التى دفعتني نحو “عرق البلح” وهى التى صعبت مهمة انجازه كفيلم، حتى تصدت “ماريان خوري” فى عام 1996 لإنتاجه وهي التى جمعتني بها زمالة قديمة حين كنا نعمل سويا فى أفلام “يوسف شاهين” هى كمنتجة فنية، وأنا كمساعد مخرج للأستاذ الكبير.
قصة أغنية ” بيبه بيبا”
يقول الشاعر الكبير “عبدالرحمن الأبنودي” فى يوم فوجئت بالمخرج “رضوان الكاشف” يحضر إلي ويطلب مني أغنية ليس لها معني، وفى نفس الوقت تقول كل المعاني! ووجدت الطلب غريب وغير متوقع، فقلت له هو أنا حاوي عايز أغنية ليس لها معنى وتقول كل شيئ!، فلجأت إلى والدتي ” فاطمة قنديل” الكنز الحقيقي فى حياتي، فأخذت منها أغنية كانت تغنيها لي وأنا طفل تقول كلماتها :
بيبه، عمي حماده بيبه / بيبه جبلي طبق .. بيبه
بيبه مليان نبق .. بيبه / بيبه قاللي كولي بيبه
بيبه قولتله ما اكولشي بيبيه / بيبه اديه لامك .. بيبه
بيبه امي بعيد بيبه / بيبه اخر الصعيد . .بيبه
بيبه و الصعيد مات .. بيبه / بيبه خلف بنات ..بيبه
بيبه خلف بنيه بيبه / بيبه اد القضيه بيبه
بيبه خدها على بيبه / بيبه خدها بدبايح .. بيبه ..
بيبه و السمن سايح .. بيبه/ .بيبه سايح لفوووق .
بيبه و عمللي طوق بيبه / يالي يالي يالي يالي يالي يالي
يا احمد علي يا احمد علي / يابو كم مدراسى
بيع البلح يا احمد على وهاتلى داهن راسى
يا احمد على يا احمد على / باع ناخلنا العالى
بيع النخيل يا احمد علي / و لبسنى خولخالي
لبس يالى يالى يالى يالى لبسنى خولخالى
أهم جوائز عرق البلح
نافس ” عرق البلح” في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الفرانكفونية الدولي في “نامور ببلجيكا” عام 1999، وفاز بجائزتين لمخرجه وبطله محمد نجاتي، كما حصل على الجائزة الفضية في مهرجان قرطاج.
بطاقة الفيلم
المخرج والمؤلف: رضوان الكاشف
المنتج : واصف فايز
المصور : طارق التلمساني
مخرجان مساعدان : محمد شعبان وهاني خليفة
المصور: طارق التلمساني
مونتاج: رشيدة عبد السلام
إنتاج مدينة السينما
مدير الإنتاج : إميل عبد المسيح
ملابس : أنسي أبو سيف
مكياج: عزيزة إبراهيم
موسيقي: ياسر عبد الرحمن
جرافيكس : شادي حسيب
تاريخ العرض : 23يونيو 1999
مدة الفيلم 110دقيقة
بطولة : شريهان، عبله كامل، محمد نجاتي، منال عفيفي، فائزة عمسيب، حمدي أحمد، جمال إسماعيل، لبني محمود ، محمود عبد الله، سيف عبد الرحمن، كمال سليمان، أريج إبراهيم، علاء الكمالي “طفل”، عادل دسوقي، عادل عبد الله، هانم محمد سليمان، نصر سنوسي، مديحه السيد.